«متلازمة داون» ومهارات الحياة

تعليم المصابين بها للاعتماد جزئياً على أنفسهم

«متلازمة داون» ومهارات الحياة
TT

«متلازمة داون» ومهارات الحياة

«متلازمة داون» ومهارات الحياة

لا شك أن التعامل مع المصابين بـ«متلازمة داون» (Down Syndrome)، والتفاعل معهم، شهد تطوراً كبيراً جداً في العقدين الماضيين ابتداءً من تغيير التسمية نفسها، التي كانت تصف الأطفال المصابين بالمرض بـ«المنغوليين» (Mongolism)، نظراً لتشابه الملامح المميزة لهم مع سكان شمال شرقي آسيا، وانتهاء بطريقة التعامل نفسها على أنهم أشخاص أصحاء، وليس بالضرورة أن جميعهم يعانون من خلل عقلي شديد أو جنون أو ما شابه. وبالتالي بدأ انخراط الكثير منهم في مجالات العمل المختلفة على حسب مهارات كل منهم حتى في مجال الإعلام، حيث قامت إحدى قنوات التلفزيون المصرية بتخصيص برنامج لمذيعة مصابة بـ«متلازمة داون».
وربما يعتقد الكثيرون أن هذه المبادرات كانت بهدف إنساني فقط، وأن هؤلاء الأفراد غير مؤهلين للتعامل مع الأشخاص العاديين، ولكن تبعاً للأبحاث العلمية، فإن هذا الاعتقاد غير صحيح تماماً.
- مهارات مكتسبة
أحدث الدراسات التي تناولت المرض، ونشرت في بداية شهر يناير (كانون الثاني) من العام الحالي في «المجلة الأميركية للوراثة» (American Journal of Medical Genetics)، أشارت إلى أنه خلافاً لاعتقاد الكثيرين، فإن بعض الأطفال المصابين بالمتلازمة يمكنهم تعلم مهارات معينة تؤهلهم لأعمال معينة، وربما تمكنهم من الاعتماد على ذواتهم بشكل كبير، وهو الأمر الذي يطمئن الكثير من الآباء.
وعلى الرغم من أن الإصابة بـ«متلازمة داون» يكون فيها تراجع عقلي وإدراكي، إلا أن درجة التراجع تلعب دوراً كبيراً في تحديد مستوى الذكاء. إذ إن هناك أفراداً منهم قابلون للتعليم الأكاديمي حتى مستوى معين (يمكن أن يكون خاصاً بهم ولكن يشمل المعلومات والمعارف الأساسية التي يحصل عليها الطلاب العاديون)، وهناك أفراد لا يمكنهم التعلم الأكاديمي، ولكن يمكن تدريبهم على بعض المهام المعينة، وبالتالي فإن هؤلاء الأفراد يمكنهم الاستفادة من الظروف المحيطة بهم إذا توفرت الأجواء المناسبة للتعليم.
وكان الباحثون قد قاموا بدمج أبحاث أجريت على 2600 عائلة من الأميركيين والهولنديين لديهم أفراد مصابون بـ«متلازمة داون». وبالنسبة للبحث الذي أجري في الولايات المتحدة في عام 2009 تم الطلب من العائلات تصنيف قدرات أطفالهم في الكثير من المهارات الوظيفية مثل المشي وتناول الطعام والتحدث والنظافة الشخصية والقراءة والكتابة وإعداد الطعام والعمل في وظيفة معينة والسفر بمفردهم والحياة من دون اعتماد على شخص آخر. وأيضاً تم سؤال الآباء عن ما إذا كان أحد من أبنائهم قد تعرض إلى مشكلات صحية كبيرة أو صعوبات واضحة في التعليم، والاستبيان نفسه تم استكماله عام 2016 للعائلات الهولندية. وكانت أعمار الأفراد المصابين بـ«متلازمة داون» من كلتا المجموعتين في الولايات المتحدة وهولندا تتراوح بين 5 أعوام و40 عاماً.
- استقلال متأخر
كانت النتيجة أن معظم الأطفال المصابين بـ«متلازمة داون» في الولايات المتحدة يستطيعون البدء في المشي في عمر 25 شهراً، ويستطيعون الكلام بشكل معقول ومقبول في عمر 12 عاماً على وجه التقريب، كما يمكنهم العناية بنفسهم من ناحية النظافة الشخصية في عمر 13 عاماً، ويمكنهم أيضاً العمل بمفردهم دون الاعتماد على شخص آخر بحلول عامهم الـ20. وفي بداية الثلاثينات من عمرهم، تحديداً في عمر 31 تمكن نصف المشاركين تقريباً من القراءة بشكل مناسب، وأيضاً تمكنت نسبة بلغت 46 في المائة منهم من الكتابة بشكل مفهوم. وبلغت نسبة من تمكنوا من العيش باستقلالية ومن دون الاعتماد على شخص آخر 34 في المائة. وكانت النسبة الأقل في السفر بمفردهم، وبلغت 30 في المائة، وتقريباً النتائج نفسها في العائلات الهولندية. وسجلت صعوبات التعلم نسباً أكبر من المشكلات الصحية في معظم المشاركين، إذ كان الاعتقاد السائد أن أصحاب «متلازمة داون» يصابون بأزمات صحية متعددة.
ويهدف علاج أطفال مرضى «متلازمة داون» إلى تحويلهم من الاعتماد الكامل على الآخرين إلى الاعتماد جزئياً على ذواتهم، حيث أوضحت الدراسة أن عامل الوقت والمثابرة واتباع نظام ثابت لا يتغير هي مفاتيح النجاح. وعلى سبيل المثال في حالة تعليم الطفل مهارة جديدة يتم إخباره ماذا يتعين عليه القيام به على وجه التحديد، ثم تقوم الأم بعمل تلك المهارة الجديدة معه، ويجب أن يكون تصحيح الخطأ بشكل فوري حتى يتم الاعتياد على الطريقة الصحيحة.
وعندما يصل الطفل إلى سن معين يمكن أن يلتحق بالمدرسة. وهناك بعض الآراء التي ترى أن هؤلاء الأطفال يجب أن تكون لهم مدارس خاصة بهم حتى لا يتعرضون للسخرية والتنمر من الآخرين، وأيضاً لتراجع مستواهم عن الأطفال العاديين، وهناك رأى آخر يرى إمكانية أن يلتحق هؤلاء الأطفال بالمدارس العادية مع أقرانهم من الطبيعيين (إذا كان أصحاب «متلازمة داون» يتمتعون بمستوى ذكاء مقارب للطبيعي)، وبالفعل يتم تطبيق هذا في بعض الدول مثل الولايات المتحدة.
ونصحت الدراسة الآباء بعدم اليأس من تعليم أطفالهم المصابين، والإلحاح في الإعادة على تعلم مهارة معينة حتى إذا ما تعلم تلك المهارة في وقت متأخر بكثير عن أقرانه الطبيعيين، واستخدام عدة وسائل للتعليم مثل الصوت والبوسترات المطبوعة لتعلم مهارة القراءة، أو أي مهارة أخرى. كما نصح الباحثون بضرورة الاهتمام بالصحة النفسية لهؤلاء الأطفال، وإشعارهم بأنهم مرغوب في وجودهم، وأنهم ليسوا عبئاً على الأسرة، ولا على المجتمع، وتشجيعهم على كل خطوة تقدم يتم إحرازها، وعدم مقارنتهم بالطبع مع الأصحاء، خصوصاً أن التقدم في المجال الطبي انعكس بالإيجاب على هذه الحالات، وتحسنت احتماليات زيادة أعمارهم بنسبة بلغت الضعف خلال العقديين الماضيين (من 25 إلى 49 عاماً).

- استشاري طب الأطفال


مقالات ذات صلة

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

صحتك بائع للفاكهة في الصين (أ.ف.ب)

دراسة: تناول المأكولات الغنية بالألياف يحمي الجسم من العدوى

أفادت دراسة علمية حديثة بأن تناول المأكولات الغنية بالألياف يزيد من حماية الجسم من العدوى.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية

7 نصائح للرجال للياقة بدنية تتجاوز العمر

القواعد الأساسية للرجال المعاصرين تمكِّنهم من الحفاظ على لياقتهم البدنية ليتمتعوا بصحة أفضل يوماً بعد يوم وفي أي عمر.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك الرمان يزود الجسم بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام (غيتي)

تحسين الكولسترول والوقاية من السرطان... فوائد هائلة لتناول الرمان يومياً

بتناول حبات الرمان يومياً تضمن أن تزود جسمك بمضادات الأكسدة ومضادات الفيروسات ومضادات الأورام.

«الشرق الأوسط» (لندن)
صحتك مريضة بسرطان الثدي (رويترز)

تقرير: النساء الشابات أكثر عرضة للإصابة بالسرطان من الرجال

تمثل حالة الأختين رورك ظاهرة منتشرة في الولايات المتحدة، وهي تشخيص المزيد من النساء الشابات بالسرطان.

«الشرق الأوسط» (واشنطن)
صحتك 8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

8 مؤشرات تهمك حول الطقس للعناية بصحتك

ربما تكون مثل كثير من الناس الذين من أوائل الأشياء التي يقومون بها كل صباح هو النظر من النافذة لمعرفة حالة الطقس

د. حسن محمد صندقجي (الرياض)

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
TT

التعرُّف على اضطرابات الدماغ من شبكية العين

العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)
العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً (ماكس بلانك)

أظهرت دراسة جديدة أجراها باحثون من معهد ماكس بلانك للطب النفسي بألمانيا، أنّ الشبكية بمنزلة امتداد خارجي للدماغ وتشترك في الجينات عينها، ما يجعلها طريقة سهلة للعلماء للوصول إلى دراسة اضطرابات الدماغ بمستويات أعلى من الدقة.

وأفادت النتائج بأنّ العمليات الحيوية في شبكية العين والدماغ متشابهة جداً، وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية وبطريقة فائقة السهولة؛ «لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ»، وفق الباحثين. وهم أكدوا على أن فهم الآليات البيولوجية حول هذا الأمر من شأنه مساعدتهم على تطوير خيارات علاجية أكثر فاعلية وأكثر شخصية.

وحلَّل باحثو الدراسة المنشورة في دورية «جاما سيكاتري»، الارتباط الجيني بين خلايا الشبكية وعدد من الاضطرابات العصبية النفسية. ومن خلال الجمع بين البيانات المختلفة، وجدوا أنّ جينات خطر الفصام كانت مرتبطة بخلايا عصبية محدّدة في شبكية العين.

وتشير جينات الخطر المعنيّة هذه إلى ضعف بيولوجيا المشابك العصبية، وبالتالي ضعف قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض. ويرجح الباحثون أن يكون هذا الضعف موجوداً أيضاً في أدمغة مرضى الفصام.

وبناءً على تلك الفرضية، أظهر الباحثون أنّ الاتصال العصبي يبدو معوقاً في شبكية العين لدى مرضى الفصام بالفعل.

وأوضحوا، في بيان، الجمعة أنّ «العثور على هذا الخلل في العين يشير إلى أنّ العمليات في الشبكية والدماغ متشابهة جداً؛ وهذا من شأنه جعل الشبكية بديلاً رائعاً لدراسة الاضطرابات العصبية، لأننا نستطيع فحص شبكية العين لدى المرضى بدقة أعلى بكثير من الدماغ».

في دراستهم السابقة، وجد باحثو معهد ماكس بلانك للطب النفسي، برئاسة فلوريان رابي، تغيّرات في شبكية العين لدى مرضى الفصام أصبحت أكثر حدّة مع زيادة المخاطر الجينية. وبناءً على ذلك، اشتبهوا في أنّ التغيرات الشبكية ليست نتيجة لأمراض مصاحبة شائعة مثل السمنة أو مرض السكري فحسب، وإنما قد تكون ناجمة عن آليات أمراض مدفوعة بالفصام بشكل مباشر.

إذا كانت هذه هي الحال، فإنّ معرفة مزيد عن هذه التغيّرات قد تساعد الباحثين على فهم الآليات البيولوجية وراء الاضطراب. وبالإضافة إلى الفصام، لوحظت تغيرات في الشبكية لدى مرضى الاضطراب ثنائي القطب والاكتئاب والتصلّب المتعدّد ومرض ألزهايمر ومرض باركنسون والسكتة الدماغية.

باستخدام بيانات من دراسات كبيرة سابقة، دمج رابي والمؤلّف الأول إيمانويل بودريوت من معهد ماكس بلانك للطب النفسي وجامعة لودفيغ ماكسيميليان ميونيخ في ألمانيا، بيانات المخاطر الجينية من الاضطرابات العصبية النفسية مع بيانات تسلسل الحمض النووي الريبي للشبكية.

أظهرت النتائج أنّ جينات المخاطر كانت مرتبطة بخلايا شبكية مختلفة في الاضطرابات المذكورة أعلاه.

كما ارتبط الخطر الجيني للإصابة بالتصلّب المتعدّد بخلايا المناعة في الشبكية، بما يتماشى مع الطبيعة المناعية الذاتية للاضطراب. وكذلك ارتبطت جينات الخطر للإصابة بالفصام بفئة محددة من الخلايا العصبية الشبكية تشارك في الوظيفة المشبكية، وتحدّد قدرة الخلايا العصبية على التواصل مع بعضها البعض.