أسبوع لندن الرجالي لخريف وشتاء 2019 يُفجر طاقاته في وجه التحديات الجديدة

تشكيلات تعكس حاجة المصممين للتوسع وخوض مجال الأزياء النسائية

من عرض «فاشن إيست» - من عرض «رايبورن»
من عرض «فاشن إيست» - من عرض «رايبورن»
TT

أسبوع لندن الرجالي لخريف وشتاء 2019 يُفجر طاقاته في وجه التحديات الجديدة

من عرض «فاشن إيست» - من عرض «رايبورن»
من عرض «فاشن إيست» - من عرض «رايبورن»

عندما دشن الأمير تشارلز أسبوع الموضة الرجالي في عام 2012. كان ذلك إشارة واضحة إلى أن قطاع الأزياء الرجالية أصبح مستقلاً وقائماً بذاته. فأرقام المبيعات كانت تشير حينها إلى أنه بدأ يتنامى بسرعة أكثر من قطاع الأزياء النسائية إذا أخذنا بعين الاعتبار أن الرجل لم يدخل لعبة الموضة إلا قريباً.
بدأ مصمموه يطالبون بأسبوع خاص بهم عوض يوم يتيم يتشبث بذيل أسبوع الموضة النسائي في آخر أيامه طامعاً في حضور وسائل الإعلام قبل توجههم إلى ميلانو. طبعاً كان هذا مجرد حلم لأن وسائل الإعلام كانت تتجاهله لتوفر على نفسها يوماً كاملاً، إنْ لم ترتحْ فيه فهي ستُجري فيه لقاءات مع أصحاب القرارات في مجال الإعلانات. لهذا اضطرت منظمة الموضة البريطانية إلى إجراء تدخل جذري يعيد لهم الاعتبار. في عام 2012، كان الوقت مناسباً لولادة أسبوع يُقدم فيه المصممون اقتراحاتهم مرتين في السنة. أصبح له أيضاً تاريخ مستقل وثلاثة أيام عوض يوم واحد. استقطبت له المنظمة أيضاً بيوت أزياء عريقة مثل «دانهيل» و«سافيل رو» وأسماء أخرى من متمرسين في التفصيل ليساندوا المصممين الشباب وفي الوقت ذاته يُعطون الأسبوع زخماً أكبر. لم يخطر بالبال أن تتأزم الأمور الاقتصادية على مستوى العالم، وتشمل الأزمة حتى بيوت الأزياء الكبيرة التي أصبح لزاماً عليها البحث عن حلول جديدة والقيام بعمليات سريعة لإنقاذ ما يمكن إنقاذه. «بيربري» مثلاً اقترحت فكرة بيع منتجاتها مباشرة بعد العرض. ثم دمجت عروضها النسائية مع الرجالية لتوفر على نفسها عناء ومصاريف أربعة عروض في السنة. لم تكن الوحيدة في هذا التوجه، فقد رأينا «غوتشي» وآخرين يقومون بنفس عملية الدمج بين النسائي والرجالي.
البعض يراها محاولة من مصممين تخصصوا في القطاع الرجالي لخوض مجال الأزياء النسائية، على أساس أنه أكثر مردودية.
منظمة الموضة البريطانية تعرف أن إيقاع الموضة يتغير في كل موسم، وهو ما يتطلب تدخلات جديدة ومبتكرة. فما قد يكون مناسباً في عام 2018 قد لا يكون مُجدياً في عام 2019. لكنها لا تزال متفائلة. فقد أفادت دراسة نشرتها مؤخراً بأن القطاع الرجالي شهد نمواً بنسبة 5.1 في المائة في عام 2018، وذكرت مرة أخرى أن لندن تفوقت في السنوات الأخيرة على كلٍّ من نيويورك وميلانو وباريس. فما يطرحه مصمموها، من أمثال كرايغ غرين وتشارلز جيفري وغيرهما، في أي موسم، هو الذي يحدد توجهات الموضة لسنوات قادمة. لكنّ هناك جهات أخرى متشائمة تردد أن هناك تراجعاً أو تباطؤاً في النمو، من شأنه أن يؤثر سلباً على مستقبل أسابيع الموضة الرجالية. هؤلاء لا يستبعدون أن تعود إلى بداياتها عندما كانت جزءاً من الأسابيع النسائية، على الأقل فيما يتعلق ببيوت الأزياء الكبيرة. فعروضها الضخمة تتحمل عرض الاثنين معاً، وأمثال «ديور» و«لويس فويتون» و«برادا» لن يتأثروا كثيراً مقارنة بالمصممين الشباب الذين ليس لهم منفذ آخر سوى هذه الأسابيع. أملهم ربما قد يكون معقوداً على وسائل التواصل الاجتماعي. فحتى إنْ هجرتهم وسائل الإعلام التقليدية إلى عواصم أخرى، أو بخلت عليهم بالتغطيات المجانية، بحكم أن أغلبهم ليست لديهم إمكانيات إعلانية، فإن من أصبحوا يُعرفون بالـ«إنفلوونسرز» قد يقومون بالواجب وأكثر، بعد أن أكد بعضهم في الآونة الأخيرة مصداقيتهم ومدى تأثيرهم الإيجابي على المستهلك. على الأقل من ناحية تفاعلهم معه بشكل مباشر حتى قبل أن تصل المنتجات إلى المحلات. بتغريداتهم وصورهم وتعليقاتهم يخلقون نوعاً من الرغبة في الأزياء والإكسسوارات. ويقول بعض المصممين إنها أكثر فاعلية من أي إعلان في مجلة براقة. من هذا المنظور أيضاً يرى البعض أن عودتهم إلى أسابيع الموضة النسائية واندماجهم معها ليس سيئاً أو سلبياً، لأنهم سيحصلون على تغطيات أكبر، بحكم أن عدد المجلات النسائية التي ستغطي هذه الفعاليات أكبر بكثير من المجلات الرجالية، التي لا يختلف اثنان على أن عددها لا يزال أقل بالمقارنة.
لكن إلى أن يحين ذلك الوقت وتصبح هذه هي القاعدة، فإن أسبوع لندن لخريف وشتاء 2019 الذي اختُتم يوم الاثنين الماضي، أكد روحه اللندنية المتحدية والمسؤولة في الوقت ذاته، منها تبني قضايا إنسانية مثل صامويل روس مؤسس ماركة «أ - كولد - وول»، ورسم لوحات فنية بألوان متفتحة مثل باتريك غرانت مصمم «إي.توتز»، وتشارلز جيفري وآخرين. ألوان سيسل بيتون الصاخبة وقصّات «بيتر بان» كانت حاضرة، كذلك نقاشات فكرية تغوص في اللاوعي في زمن التكنولوجيا وتتساءل عن دور وسائل التواصل الاجتماعي. كل هذا جعل العديد من العروض يتعدى الجمالي إلى الإنساني. عرض تشارلز جيفري مثلاً أخذنا من الواقع بكل ما يحمله من أزمات وضبابية في رحلة إلى عالم مفعم بالغرائب والخيال. عالم غني بالألوان والتصاميم التي سيجد فيها الرجل، أياً كانت ميوله وذوقه، ما يشفي غليله. من البدلات المفصلة والمصنوع بعضها من قماش «التارتان» إلى معاطف الموهير المزينة بسلاسل، وغيرها من القطع المطعمة بلمسات شقية تناسب رجلاً إما جريئاً أو متمكناً من أدواته يعشق اللعب بالموضة. ما قام به جيفري أنه عاد بنا إلى التسعينات، الحقبة التي شهدت تغيرات إيجابية هزت الكثير من التابوهات التي كانت تُكبل الرجل تحديداً.
من جهتهما، قدم المصممان بين كوتريل وماثيو داينتي عرضاً غريباً حاولا من خلاله «الغوص في تأثيرات عالم التكنولوجيا على حياتنا، حسب قولهما. ترجمتهما لهذه الفكرة تجلت في أزياء مطبوعة بلمسة رياضية يتخللها بعض التفصيل الرجالي، إلى جانب قطع مضادة للماء بتقنيات جديدة وأخرى بسحابات مائلة إلى الجانب وغير متوازية.
طبعاً ليس هناك أكثر من «فاشن إيست» لتجسيد المفهومين الشبابي والتكنولوجي اللذين باتت تفرضهما وسائل التواصل الاجتماعي. فهذا المشروع الذي دُشن في عام 2000 لاحتضان مصممين شباب في بداياتهم، اشتدّ صُلبه واكتمل لكنه لا يزال موجهاً إلى المواهب الصاعدة. لا يختلف اثنان على أن الزمن الذي ظهر فيه المشروع يختلف تماماً عما شهده عالم الموضة من تغيرات وتطورات على مدى 19 عاماً. فالكثير من المفاهيم تغيّر وإيقاع الحياة يتسارع يوماً عن يوم، كذلك الانفتاح على أسواق عالمية وما تتطلبه من تجاوب ومنافسة، الأمر الذي يضعهم أمام تحديات غير مسبوقة. فما كان مُهماً في الماضي، مثل الابتكار على حساب التسويق، أصبح خبراً من الماضي. أصبح الابتكار مربوطاً بالتسويق لكن أيضاً بالثقة وتلك العلاقة الحميمة التي تربط المصمم بالمستهلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي. فما يقدمه يجب أن يُعبر عن فلسفته ومبادئه من جهة، وأن يعكس مواكبته لأحداث عصره من جهة ثانية. ليس أدلّ على هذا من ماركة «أ - كولد - وول» التي أطلقها الشاب صامويل روس، 27 عاماً. فهي من الماركات التي لا تفوّت خلال أسبوع لندن منذ إطلاقها في عام 2015. لم يخيب المصمم الآمال هذه المرة أيضاً، وقدم عرضاً مؤثراً لم يكن عن الأزياء المتنوعة والعملية بقدر ما كان عن مآسي المهاجرين. خيَّم على الضيوف طوال العرض إحساس بالحزن وهم يتابعون حركات العارضين كأنهم يغرقون ويتعلقون بألواح خشبية لكي يطفوا على سطح الماء، بينما كان عارضون آخرون يتوقفون في منتصف الخشبة بين الفينة والأخرى، وهم يتلفتون وراءهم بخوف وريبة. كأن هذا لا يكفي، ظهر فجأة كلب شرس وهو ينبح. والحقيقة أن مشاعر الحزن لم تختفِ إلا بعد ظهور المصمم في آخر العرض وهو يحمل طفلته الصغيرة كأنه يذكِّرنا بأن هناك أملاً في المستقبل. خلف الكواليس لم يخفِ أن هدفه كان تسليط الضوء على تنامي الموجات القومية ومخاوفه من تأثيراتها «كنت أريد أن أرمز من خلال الماء إلى الخوف والرغبة في البقاء... كنت أريد أيضاً أن أشير إلى تخبط الإنسان وعُمق المخاوف التي تساوره ومدى الشجاعة التي نحتاج إليها للانتصار على الأفكار الشعبوية للتقدم إلى الأمام». تجدر الإشارة إلى أن صامويل روس، وهو صديق مقرب من مصمم دار «لويس فويتون» فيرجيل أبلو، كما سبق له العمل مع كيني ويست، تبنى هذه العروض الفلسفية والإنسانية منذ بدايته في عام 2015، حيث تناول فيها قضايا مثل التمييز العنصري والطبقي وغيرها.
لحسن الحظ أن باتريك غرانت، مصمم دار «إي.توتز» أخذنا في رحلة عبر العالم كانت أكثر متعة وراحة للبال والعين معاً. قال إنه استوحاها من ألوان غابات البرازيل التي قضى فيها إجازته الأخيرة، وهو ما تجلى في ألوان مثل الأخضر والأصفر الزعفراني والبيج الرملي. كانت الدرجات المنعشة هي التي طبعت سترات خفيفة وبنطلونات واسعة ومريحة قال إنه استلهمها من السروال المغربي. أما الخطوط والتقليمات التي ظهرت في المعاطف والكنزات والإيشاربات الصوفية فاستلهمها من أسلوب أوسكار نيماير المعماري ومن حديقة باركي دو إبيرابويرا، في ساو باولو، حسب قوله.
من جهته، نجح عرض «كنت آند كوروين» التي يملك لاعب الكرة البريطاني ديفيد بيكهام الحصة الأكبر فيها، في جذب الكثير من الأنظار. فبالإضافة إلى حضور أفراد من عائلته، كانت القصات التي اعتمدتها التشكيلة «دانديه» ضمت قمصاناً كلاسيكية وبدلات مع صديريات ومعاطف صوفية وقبعات. كانت بكل تفاصيلها تعكس أسلوب بيكهام الشخصي. فهو أسلوب يُقلده العديد من الشباب من كل أنحاء العالم، فلمَ لا يقدمه لهم على طبق جاهز؟
تجدر الإشارة إلى أن «كنت آند كوروين» تأسست في عام 1926 على يد كنت ودوروثي كوروين في «سافيل رو»، لكنها توارت عن الأنظار إلى أن عادت في عام 2015 عندما اشترى ديفيد بيكهام حصة مهمة فيها.


مقالات ذات صلة

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

لمسات الموضة الجينز لا يزال يتصدر منصات الموضة العالمية مثل عرض «ليبرتين» خلال أسبوع نيويورك الأخير (إ.ب.أ)

5 قطع لن تخسري إذا استثمرتِ فيها حالياً

مهما تغيرت المواسم والأذواق، هناك قطع من الموضة تتحدى الزمن وتعتبر بمثابة استثمار سعره فيه.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة اعتمد المصمم على التفاصيل الجريئة حتى يمنح كل زي ديناميكية خاصة (خاص)

فؤاد سركيس يرسم لوحة ملونة بالالوان والتفاصيل في مجموعته لـ 2025

في أحدث مجموعاته لموسم خريف وشتاء 2025، يعيد المصمم فؤاد سركيس رسم هوية جديدة لمعنى الجرأة في الموضة. جرأة اعتمد فيها على تفاصيل الجسم وتضاريسه. تتبعها من دون…

«الشرق الأوسط» (لندن)
لمسات الموضة مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي (الشرق الأوسط)

علياء السالمي... تحمل تقاليد الماضي إلى الحاضر

من قلب المملكة العربية السعودية؛ حيث تتلاقى الأصالة والحداثة، تبرز مصممة الأزياء التراثية علياء السالمي واحدةً من ألمع الأسماء في عالم تصميم الأزياء.

أسماء الغابري (جدة)
لمسات الموضة كانت روح ماريا تحوم في قصر غارنييه بكل تجلياتها (ستيفان رولان)

من عاشقة موضة إلى مُلهمة

كل مصمم رآها بإحساس وعيون مختلفة، لكن أغلبهم افتُتنوا بالجانب الدرامي، وذلك التجاذب بين «الشخصية والشخص» الذي أثَّر على حياتها.

جميلة حلفيشي (لندن)
لمسات الموضة لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يرسم معالمها... لأن «نجمها الأول وعملتها الذهبية» هي أنسجتها (لورو بيانا)

«لورو بيانا»... تحتفل بمئويتها بفخامة تستهدف أصحاب الذوق الرفيع

لم تحتج الدار يوماً إلى مدير إبداعي يقودها ويحدد اتجاهاتها... فشخصيتها واضحة، كما أنها تمتلك نجماً ساطعاً يتمثل في أليافها وصوفها الملكي.

جميلة حلفيشي (لندن)

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)
في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)
TT

المغنية أديل تُودّع لاس فيغاس بفستان من «كلوي»

في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)
في توديع جمهورها بلاس فيغاس أبدعت أديل غناء وإطلالة (كلوي)

اختتمت نجمة البوب البريطانية أديل سلسلة حفلاتها الموسيقية في لاس فيغاس، نيفادا، بالدموع. كانت آخِر ليلة لها على خشبة مسرح «الكولوسيوم» بقصر سيزار في لاس فيغاس، وكانت مِسك الختام، حيث حضرها نجوم وشخصيات كبيرة انتزعوا من عيونها دموع «الامتنان والحب والفخر»، كما قالت، مضيفة: «لن أنسى هذه التجربة، وسأشتاق إليكم كثيراً، فالشيء الوحيد الذي أتقنه جيداً هو الغناء، وأنا الآن لا أعرف متى سأعود إلى المسرح وإليكم».

تميَّز الفستان بياقة مفتوحة على شكل V وأكمام منفوخة من الكوع إلى المعصم (كلوي)

إطلالتها، وهي تغني بشغف، أكدت أن الغناء ليس قوتها الوحيدة، فهي تُجيد، الآن، فنون الأناقة أيضاً، وهو ما يؤكده الفستان الذي ظهرت به. صممته لها دار «كلوي» الفرنسية خصوصاً وعلى مقاسها. اختارت له المصممة شيمينا كامالي اللون الأسود وحرير الكريب، الذي طرزته الأنامل الناعمة العاملة في ورشات الدار يدوياً بخرز وأحجار باللونين الأسود والذهبي. ما يميزه هو التخريمات حول الصدر والأكمام المنفوخة من الكوع إلى المعصم. هذه التفاصيل الصغيرة أضفت عليه ابتكاراً أخرجه من الكلاسيكية التي تشتهر بها أديل عادة، فهي معروفة بميلها إلى اللون الأسود والتصاميم الكلاسيكية التي تُبرز تضاريس جسدها وأنوثتها، خصوصاً بعد أن أنقصت وزنها بشكل كبير.

تم تطريزه بخرز وأحجار باللونين الأسود والذهبي لمظهر راقٍ (كلوي)

تقول الدار إن تنفيذ الفستان استغرق 890 ساعة، علماً بأنها ليست المرة الأولى التي تختار فيها المغنية البريطانية تصميماً من دار «كلوي». ففي عام 2016 ظهرت أيضاً بفستان بتوقيع الدار خطفت فيه الأنظار في مهرجان غلاستنبوري البريطاني.