بيلاروس... الأرض الطيبة

شاهدة على ملاحم وحاضنة لطبيعة ألهمت قصصاً وأساطير

قصر نياسفيتش
قصر نياسفيتش
TT

بيلاروس... الأرض الطيبة

قصر نياسفيتش
قصر نياسفيتش

تقع في مركز القارة الأوروبية، وبالنسبة للكثير ممن زاروها، هي جديرة بلقب «القلب السياحي لأوروبا». إنها جمهورية بيلاروس، الاسم الصحيح لبيلاروسيات، التي شهدت في السنوات الماضية انفتاحاً سياحياً انعكس على أعداد زوارها. تضاريسها «طيبة» كما يقال، حيث تشكل السهول المساحات الأكبر منها، وتمتد على شكل حقول وغابات شبيهة بتلك التي ألهمت قصص الأساطير الجميلة. انتشار آلاف البحيرات والأنهار حولها يساعد في الحفاظ على نضرة وحيوية طبيعتها طيلة أيام السنة، علماً بأن بعضها يوفر أنواعاً من المياه والطين تُستخدم لأغراض علاجية؛ ما ساعد على انتشار منتجعات صحية وسط الغابات البيلاروسية، يجزم زوارها بأنهم استعادوا فيها نشاطهم وحيويتهم.
فضلاً عن طبيعتها، تتميز بيلاروس بمعالم تاريخية كثيرة، تؤرخ لمراحل مختلفة. ولعل أكثرها شهرة مجمع «قلعة بريست»، التي كانت أول هدف على الجبهة السوفياتية للقوات النازية. ويُروى أن تلك القلعة بقيت صامدة في وجه الألمان حتى بعد أن وصلت قواتهم محيط العاصمة موسكو. هناك أيضاً غابات بيلافيجسك، التي كانت شاهداً على توقيع اتفاقية إلغاء الاتحاد السوفياتي وتفكيكه.

- مينسك مدينة البحيرات ومرآة بيلاروس
يصف كثيرون مدينة مينسك، عاصمة بيلاروس، بأنها مرآة ثقافية وحضارية للبلاد؛ نظراً لتاريخ العريق، حيث ورد ذكرها لأول مرة في مؤلفات القرن الحادي عشر. والحقيقة أن زيارتها متعة لا توصف؛ نظراً لعدد المعالم الأثرية والحدائق الكبيرة التي تحتضنها، إضافة إلى تواجد واحدة من أكبر البحيرات في أوروبا بضواحيها.
حالها حال جميع العواصم في العالم، تبدأ السياحة في مينسك من زيارة القسم القديم منها، وهو معروف محلياً باسم «المدينة العليا». المعلَم التاريخي الأهم في ذلك الجزء هو «ساحة الحرية»، وكانت تعرف سابقاً باسم ساحة نابليون. بدأت حكاية تلك الساحة في القرن السادس عشر، حين شُيد فيها مبنى المقر الرئيسي للسلطات الحكومية، المعروف باسم «مينسكايا غورودسكايا راتوشا». ومنذ ذلك الحين تحولت الساحة إلى مركز سياسي وتجاري مهم استقطب الأغنياء والتجار الذين شيّدوا منازلهم الفخمة فيها، بالقرب من محالهم التجارية القديمة. أما مبنى «راتوشا»، وبعد أن تم ترميمه، فإنه يلعب اليوم دور «قصر الضيافة»، حيث تجري فيه مراسم استقبال كبار ضيوف الدولة.
في ساحة الحرية تقف الكثير من التماثيل التي يشكل كل منها لوحة فنية بحد ذاتها، ليس أقلها المثال المنصوب بالقرب من مبنى «راتوشا» ويحمل اسم «حنطور العمدة تجره الخيول». فهو يأخذ شكل عربة تجرها الخيول، وكأن مصممه يريد أن يقول إن «العمدة موجود حتى الآن داخل مبنى راتوشا». ويمكن أن يصعد أي شخص عربة ليتصور عليها. وفي الساحة نفسها يقف تمثال «رئيس قضاة التحقيق» يحمل بيده وثيقة تشير إلى حصول مينسك في القرن الخامس عشر على قانون ماغديبرغ، أحد أشهر أنظمة القانون المدني. وهو قانون ظهر في القرن الثالث عشر في مدينة ماغدبيرغ الألمانية، وبموجبه تم تنظيم النشاط الاقتصادي وحقوق الملكية والحياة الاجتماعية والسياسية والعقارية للمواطنين.
وفي الأحياء القديمة من مينسك أيضاً تقف بعض المعالم الأثرية التي كان مقرها في وقت سابق بداخل سور المدينة القديمة، مثل «ترويتسكا غارا» و«عزبة ترويتسك» التي كانت ذات يوم المركز الاقتصادي والتجاري للمدينة. وفي كل تلك المناطق التاريخية تنتشر أكشاك ومحال تجارية لبيع الهدايا التذكارية، فضلاً عن عدد لا يستهان به من المقاهي والمطاعم، التي توفر للسائح وجبات بمذاقات متنوعة. وحول الجزء القديم تنتشر أحياء مدينة مينسك الحديثة، التي لا تقل جمالاً، بل العكس هي ملاذ للراحة أيضاً. فعندما ينتاب السائح بعض التعب سيجد عشرات الحدائق الغناء والشاسعة بانتظاره. إذا تعب من التنزه فيها يمكن أن يرتمي بين أحضان طبيعتها الخلابة للاسترخاء.
مقاطعة مينسك، التي تنضوي تحتها مجموعة من المدن والقرى، غنية هي الأخرى بالمعالم السياحية. ومنها على سبيل المثال مدينة «نيسفيج»، التي تحظى بشهرة واسعة بين السياح، رغم أنها مدينة صغيرة، والفضل في ذلك يعود إلى حصنها الذي تحمل اسمه. وهو حصن قديم كانت تمتلكه عائلة غنية، وتحيط به حدائق غناء.

- مقاطعة بريست... محطة رئيسية
لا تكتمل الرحلة السياحية في بيلاروس دون زيارة المعالم التاريخية الأثرية والطبيعية في مقاطعة ومدينة بريست، التي تعود - حسب كتب التاريخ - إلى مطلع القرن الحادي عشر ميلادي. ويقال إن تجاراً أسسوها؛ لأنهم كانوا يضطرون إلى التوقف في المنطقة للاستراحة قبل دخول منطقة المستنقعات، في طريقهم إلى ليتوانيا في منطقة البلطيق. ويعود الفضل في اختيار موقعها بين نهرين إلى كبير التجار الذي قرر الإقامة هناك بشكل دائم. وهكذا ظهرت مدينة بريست وتوسعت. وفي عهد الإمبراطور نيقولاي الأول تم تشييد حصن بريست الشهير، وهو اليوم أول معلم أثري يزوره السياح في المدينة.
شيد حصن بريست في عام 1836م، ودخل التاريخ في الحرب العالمية الثانية، حين سطر الجنود السوفيات الذين دافعوا عن ذلك الحصن ملحمة بطولية، في تصديهم لقوات ألمانيا النازية رغم أنها فاقتهم عدداً وعتاداً. وكان الهجوم على قلعة بريست فاتحة المعركة البرية التي حلم هتلر أن تنتهي بفرض سيطرته على الاتحاد السوفياتي. إلا أن المدافعين عن الحصن لم يستسلموا وواصلوا القتال لأشهر طويلة رغم شح الماء والطعام. ولم تتمكن القوات النازية من دخول الحصن إلا بعد أشهر عدة. وهناك الكثير من الروايات في الأدب الروسي حول ملحمة الدفاع عن حصن بريست. تخليداً لهذه البطولات، قامت السلطات السوفياتية بتشييد مجمع تذكاري عند الحصن، نصبت في القسم الرئيسي منه تمثالاً لجندي يزحف حاملاً بيده خوذته بحثاً عن الماء، في صورة تستحضر كيف انتصر الجنود على الجوع والعطش والقوات النازية، ودافعوا عن الحصن حتى آخر رمق من حياتهم. تبدأ الجولة داخل الحصن بسماع النسخة الصوتية الأصلية للبيان الأول عن القيادة السوفياتية الذي تعلن فيه أن ألمانيا النازية شنّت عدواناً ضد الاتحاد السوفياتي.

- فيتبسك... العاصمة الصغرى لعصر النهضة
كما هي حال معظم مدن بيلاروس، تتمتع فيتبسك بطبيعة خلابة، فضلاً عن مجموعة مهمة من المعالم التاريخية والمواقع الأثرية التي تجعل منها مركز جذب للسياح، وتجعلهم يتوافدون إليها طيلة فصول السنة. تأسست عام 974م، على صفاف نهري «دوين» و«فيتبي». ويُعتبر إقبال السياح عليها أمراً طبيعياً؛ كونها ما زالت تمتلك حتى يومنا هذا أكثر من 200 معلم تاريخي وعشرات المتاحف الفريدة، التي تحتفظ بأعمال فنية نادرة. ويشعر الزائر فيها وكأنه يعيش مراحل التاريخ القديم منذ القرن العاشر وحتى السادس عشر ميلادي، حيث لكل مبنى حكايته.

- غوميل مدينة القصور والحدائق
مدينة غوميل، هي ثاني أكبر مدن بيلاروس. تتميز بقصورها التاريخية، التي تقع على مسافات قريبة من بعضها بعضاً، ويرتبط معظمها بتاريخ الولادة الجديدة للمدينة في عهد الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية. ومن أشهرها مجمع القصور المعروف باسم «قصور روميانتسفيخ - باسكيفيتشي»، الذي كان عبارة عن حصن خشبي، وفي عام 1775 قدمته الإمبراطورة يكاتيرينا الثانية هدية للقائد العسكري الغراف بيوتر روميانتسيف، ومنحته من الخزينة الأموال الضرورية لبناء قصر جديد عصري مكان قصر خشبي قديم. بفضل إبداع عشرات المهندسين والمصممين المعماريين تمكن الغراف روميانتسيف من بناء تحفة فنية جميلة على الطراز الكلاسيكي المبكر. وتوارثت سلالته القصر عنه حتى عام 1834، حين اشتراه القائد العسكري إيفان باسكيفيتش، الذي أعاد ترميمه بتصميم أجزاء رئيسية منه، وضم مساحات واسعة في محيطه لتوسيع حدائقه وفق أحدث أساليب التصميم حينها. ويطلق حالياً على ذلك المجمع «قصر روميانتسيف – باسكيفيتش».

- بولوتسك مركز أوروبا
بولوتسك هي واحدة من مدن بيلاروس، التي يجب على أي سائح إدراجها ضمن برنامجه السياحي للمنطقة. لأسباب عدة. في مقدمتها أنها كانت ذات يوم العاصمة الأولى لبيلاروس، وتضم بين جنباتها الكثير من المعالم التاريخية. ثانياً موقعها الجغرافي المهم وسط أوروبا؛ ما يجعلها «مركز أوروبا الجغرافي».

- غابات بيلافجسك
أما غابات بيلافيجسك التي تمتد على أراضي بيلاروس والجارة بولونيا، فإنها محطة ثانية يفترض ألا يفوتها السائح على نفسه؛ إذ يعرف عن تلك الغابة أنها ما تبقى من الغابات المعمرة الهائلة التي امتدت منذ القدم عبر السهل الأوروبي العظيم. وهذا يعني أن بها أشجاراً معمرة بعضها يزيد عمره على 350 عاماً، ويبلغ قطرها أكثر من 150سم. في تلك الغابات تعيش مجموعة كبيرة من الحيوانات والطيور التي لا يمكن مشاهدتها في أي مكان آخر من العالم، منها على سبيل المثال اللقلق الأسود والبيسون الأوروبي الذي تعتبر موطناً لأكثر من 800 منه. وتجدر الإشارة إلى أن هذه الغابات مدرجة على قائمة التراث العالمي كمحمية طبيعية. شهرتها أيضاً تعود إلى اتفاقية فككت الاتحاد السوفياتي. كان ذلك حين قرر قادة روسيا وبيلاروس وأوكرانيا عقد اجتماع في واحد من قصورها الحكومية، لبحث مصير الاتفاقية الاتحادية التأسيسية للاتحاد السوفياتي، وانتهى الاجتماع يوم 8 ديسمبر (كانون الأول) عام 1991 بتوقيع ما أصبح يعرف بـ«اتفاقية بيلافيجسك»، التي أعلن فيها المشاركون أن «الاتحاد السوفياتي بصفته عضواً (كياناً) في المجتمع الدولي لم يعد له وجود».


مقالات ذات صلة

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

الاقتصاد سياح صينيون يزورون مسجد الحسن الثاني في الدار البيضاء (رويترز)

السياحة المغربية تشهد نمواً قوياً... 15.9 مليون سائح في 11 شهراً

أعلنت وزارة السياحة المغربية، الاثنين، أن عدد السياح الذين زاروا المغرب منذ بداية العام وحتى نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) بلغ 15.9 مليون سائح.

«الشرق الأوسط» (الرباط)
سفر وسياحة من بين الأدوات التي استخدمها المجرمون في قتل ضحاياهم (متحف الجريمة)

«متحف الجريمة» في لندن... لأصحاب القلوب القوية

من براميل الأسيد التي استخدمها القاتل جون جورج هاي لتذويب ضحاياه والتي تعرف باسم Acid Bath «مغطس الأسيد» إلى الملابس الداخلية لـ«روز ويست».

عادل عبد الرحمن (لندن)
يوميات الشرق آلاف الحقائب التي خسرتها شركات الطيران في متجر الأمتعة بألاباما (سي إن إن)

المسافرون الأميركيون يفقدون ملايين الحقائب كل عام

داخل المساحة التي تبلغ 50 ألف قدم مربع، وإلى مدى لا ترى العين نهايته، تمتد صفوف من الملابس والأحذية والكتب والإلكترونيات، وغيرها من الأشياء المستخرجة من…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سفر وسياحة «ساحة تيفولي» في كوبنهاغن (الشرق الأوسط)

دليلك إلى أجمل أضواء وزينة أعياد الميلاد ورأس السنة حول العالم

زينة أعياد الميلاد ورأس السنة لها سحرها. يعشقها الصغار والكبار، ينتظرونها كل سنة بفارغ الصبر. البعض يسافر من بلد إلى آخر، فقط من أجل رؤية زينة العيد.

جوسلين إيليا (لندن)

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)
TT

سوق البحرين العتيقة... روح البلد وعنوان المقاهي القديمة والجلسات التراثية

سوق المنامة القديم (إنستغرام)
سوق المنامة القديم (إنستغرام)

«إن أعدنا لك المقاهي القديمة، فمن يُعِد لك الرفاق؟» بهذه العبارة التي تحمل في طياتها حنيناً عميقاً لماضٍ تليد، استهل محمود النامليتي، مالك أحد أقدم المقاهي الشعبية في قلب سوق المنامة، حديثه عن شغف البحرينيين بتراثهم العريق وارتباطهم العاطفي بجذورهم.

فور دخولك بوابة البحرين، والتجول في أزقة السوق العتيقة، حيث تمتزج رائحة القهوة بنكهة الذكريات، تبدو حكايات الأجداد حاضرة في كل زاوية، ويتأكد لك أن الموروث الثقافي ليس مجرد معلم من بين المعالم القديمة، بل روح متجددة تتوارثها الأجيال على مدى عقود.

«مقهى النامليتي» يُعدُّ أيقونة تاريخية ومعلماً شعبياً يُجسّد أصالة البحرين، حيث يقع في قلب سوق المنامة القديمة، نابضاً بروح الماضي وعراقة المكان، مالكه، محمود النامليتي، يحرص على الوجود يومياً، مرحباً بالزبائن بابتسامة دافئة وأسلوب يفيض بكرم الضيافة البحرينية التي تُدهش الزوار بحفاوتها وتميّزها.

مجموعة من الزوار قدموا من دولة الكويت حرصوا على زيارة مقهى النامليتي في سوق المنامة القديمة (الشرق الأوسط)

يؤكد النامليتي في حديثه لـ«الشرق الأوسط» أن سوق المنامة القديمة، الذي يمتد عمره لأكثر من 150 عاماً، يُعد شاهداً حيّاً على تاريخ البحرين وإرثها العريق، حيث تحتضن أزقته العديد من المقاهي الشعبية التي تروي حكايات الأجيال وتُبقي على جذور الهوية البحرينية متأصلة، ويُدلل على أهمية هذا الإرث بالمقولة الشعبية «اللي ما له أول ما له تالي».

عندما سألناه عن المقهى وبداياته، ارتسمت على وجهه ابتسامة وأجاب قائلاً: «مقهى النامليتي تأسس قبل نحو 85 عاماً، وخلال تلك المسيرة أُغلق وأُعيد فتحه 3 مرات تقريباً».

محمود النامليتي مالك المقهى يوجد باستمرار للترحيب بالزبائن بكل بشاشة (الشرق الأوسط)

وأضاف: «في الستينات، كان المقهى مركزاً ثقافياً واجتماعياً، تُوزع فيه المناهج الدراسية القادمة من العراق، والكويت، ومصر، وكان يشكل ملتقى للسكان من مختلف مناطق البلاد، كما أتذكر كيف كان الزبائن يشترون جريدة واحدة فقط، ويتناوبون على قراءتها واحداً تلو الآخر، لم تكن هناك إمكانية لأن يشتري كل شخص جريدة خاصة به، فكانوا يتشاركونها».

وتضم سوق المنامة القديمة، التي تعد واحدة من أقدم الأسواق في الخليج عدة مقاه ومطاعم وأسواق مخصصة قديمة مثل: مثل سوق الطووايش، والبهارات، والحلويات، والأغنام، والطيور، واللحوم، والذهب، والفضة، والساعات وغيرها.

وبينما كان صوت كوكب الشرق أم كلثوم يصدح في أرجاء المكان، استرسل النامليتي بقوله: «الناس تأتي إلى هنا لترتاح، واحتساء استكانة شاي، أو لتجربة أكلات شعبية مثل البليلة والخبيصة وغيرها، الزوار الذين يأتون إلى البحرين غالباً لا يبحثون عن الأماكن الحديثة، فهي موجودة في كل مكان، بل يتوقون لاكتشاف الأماكن الشعبية، تلك التي تحمل روح البلد، مثل المقاهي القديمة، والمطاعم البسيطة، والجلسات التراثية، والمحلات التقليدية».

جانب من السوق القديم (الشرق الاوسط)

في الماضي، كانت المقاهي الشعبية - كما يروي محمود النامليتي - تشكل متنفساً رئيسياً لأهل الخليج والبحرين على وجه الخصوص، في زمن خالٍ من السينما والتلفزيون والإنترنت والهواتف المحمولة. وأضاف: «كانت تلك المقاهي مركزاً للقاء الشعراء والمثقفين والأدباء، حيث يملأون المكان بحواراتهم ونقاشاتهم حول مختلف القضايا الثقافية والاجتماعية».

عندما سألناه عن سر تمسكه بالمقهى العتيق، رغم اتجاه الكثيرين للتخلي عن مقاهي آبائهم لصالح محلات حديثة تواكب متطلبات العصر، أجاب بثقة: «تمسكنا بالمقهى هو حفاظ على ماضينا وماضي آبائنا وأجدادنا، ولإبراز هذه الجوانب للآخرين، الناس اليوم يشتاقون للمقاهي والمجالس القديمة، للسيارات الكلاسيكية، المباني التراثية، الأنتيك، وحتى الأشرطة القديمة، هذه الأشياء ليست مجرد ذكريات، بل هي هوية نحرص على إبقائها حية للأجيال المقبلة».

يحرص العديد من الزوار والدبلوماسيين على زيارة الأماكن التراثية والشعبية في البحرين (الشرق الأوسط)

اليوم، يشهد الإقبال على المقاهي الشعبية ازدياداً لافتاً من الشباب من الجنسين، كما يوضح محمود النامليتي، مشيراً إلى أن بعضهم يتخذ من هذه الأماكن العريقة موضوعاً لأبحاثهم الجامعية، مما يعكس اهتمامهم بالتراث وتوثيقه أكاديمياً.

وأضاف: «كما يحرص العديد من السفراء المعتمدين لدى المنامة على زيارة المقهى باستمرار، للتعرف عن قرب على تراث البحرين العريق وأسواقها الشعبية».