مطبات على طريق ارتفاع أسعار النفط في 2019

«برنت» يصعد 20% في أقل من أسبوعين

مطبات على طريق ارتفاع أسعار النفط في 2019
TT

مطبات على طريق ارتفاع أسعار النفط في 2019

مطبات على طريق ارتفاع أسعار النفط في 2019

انخفض خام القياس العالمي مزيج برنت قليلاً، أمس، بعدما أظهرت بيانات صينية ضعفاً في واردات وصادرات أكبر بلد تجاري وثاني أكبر مستهلك للخام في العالم.. كما نزلت العقود الآجلة لخام غرب تكساس الوسيط الأميركي.
لكن، وعلى الرغم من بيانات التجارة الصينية الضعيفة، ظلت واردات البلاد النفطية قرب مستويات قياسية مرتفعة خلال ديسمبر (كانون الأول) عند 10.31 مليون برميل يومياً، متماسكة بذلك فوق مستوى العشرة ملايين برميل يومياً للشهر الثاني على التوالي. وجاء هذا بفعل بناء مخزونات في المصافي المستقلة الصغيرة، التي تحاول الاستفادة من الحصص السنوية المخصصة لها.
وكانت أسعار النفط هبطت نحو 2 في المائة يوم الجمعة الماضي مع قلق المستثمرين من تباطؤ اقتصادي عالمي، مرتدة عن 9 جلسات متتالية من المكاسب أثارتها آمال بشأن محادثات التجارة بين الولايات المتحدة والصين، لكنها تشبثت ببعض تلك المكاسب لتنهي الأسبوع على ارتفاع. وسجل برنت يوم الخميس الماضي تاسع جلسة على التوالي من المكاسب في أطول سلسلة صعود منذ سبتمبر (أيلول) 2007، وصعد الخام الأميركي أيضاً لتاسع يوم على التوالي، محطماً مستوىً قياسياً سجله في 2010.
وأعطت توقعات متزايدة بأن حرباً تجارية شاملة بين واشنطن وبكين ربما يمكن تفاديها دعماً لأسواق النفط في وقت سابق هذا الأسبوع. واختتمت المحادثات بين العملاقين الاقتصاديين يوم الأربعاء من دون الإعلان عن نتائج ملموسة، لكن مناقشات على مستوى عال قد تُعقَد في وقت لاحق هذا الشهر.
ويؤكد خبراء أسواق النفط، أن ما يحدث هذه الأيام، سواء لجهة تحقيق مكاسب والاحتفاظ بها أو تسجيل انخفاض طفيف، منطقي وله أسبابه الشارحة لتماسك الأسعار. فبعد هبوط حاد في خريف 2018، شهدت الأسواق صعوداً في الأسبوعين الماضيين. والأربعاء الماضي زاد سعر برميل برنت على 60 دولاراً؛ ما يعني ارتفاعاً نسبته 20 في المائة مقارنة بنهاية ديسمبر الماضي.
واللافت، لا بل النادر، بنظر المراقبين أن موجة الصعود تواصلت لتسعة أيام متتالية؛ إذ لم يحصل ذلك منذ أمد بعيد؛ ما دفع وزير النفط الإماراتي السبت الماضي إلى القول: إن الأسعار ربما تصل في متوسطها العام إلى 70 دولاراً للبرميل هذا العام.
وبين الأسباب الظاهرة الاتفاق الذي حصل الشهر الماضي بين دول منظمة «أوبك» وروسيا على خفض الإنتاج، علماً بأن المملكة العربية السعودية أعلنت الأربعاء الماضي الذهاب أبعد من ذلك؛ إذ إنها قد تخفض التوريد خلال شهري يناير (كانون الثاني) وشباط (فبراير (شباط) بمعدلات أعلى من المتوقع.
إذن، العرض يتقلص بينما الطلب مستمر بالارتفاع، وبالتالي لا عجب إذا ارتفعت الأسعار وفقاً لمعظم المحللين. وقال أحدهم: «كان المنتجون قلقين جداً بعدما هبط البرميل من 80 دولاراً في الصيف الماضي إلى نحو 50 دولاراً قبيل نهاية 2018». وأضاف: «ما يحصل الآن، على صعيد ارتفاع الأسعار، يؤكد مرة أخرى أهمية السعودية كأول منتج ومصدر للبترول في العالم».
ويذكر أنه في عام 2016 عندما هبطت الأسعار كثيراً كان حصل اتفاق أيضاً ضم «أوبك» وروسيا لخفض الإنتاج، فانتعشت الأسواق اعتباراً من منتصف عام 2017، وفي 2018 استفادت الدول النفطية كما الشركات النفطية من صعود حتى راوح البرميل بين 60 و80 دولاراً؛ ما دفع الرئيس الأميركي دونالد ترمب إلى التغريد مرات عدة عبر «تويتر»، مطالباً بزيادة الإنتاج لخفض الأسعار، وكان قلقاً من «أثر ما» في سوق النفط لإلغاء الاتفاق النووي وتجديد العقوبات على إيران. ثم تبدد قلقه مع زيادة الإمدادات من دول نفطية أخرى، لكن حصل إغراق سببه أيضاً الإعفاءات التي منحتها إدارة ترمب لعدد من الدول المستوردة للنفط الإيراني وبينها الصين والهند، أكبر بلدين مستوردين لذلك النفط.
وفي موازاة ذلك، استمر منتجو النفط الصخري الأميركي بالضخ فهبطت الأسعار بنتيجة كل ذلك 30 في المائة في شهري أكتوبر (تشرين الأول) ونوفمبر (تشرين الثاني)، فبدأ الحديث عن أزمة عميقة ما في السوق.
لذا؛ برأي المحللين، كان لا بد من الاتفاق الذي حصل في فيينا الشهر الماضي ووافقت فيه دول أوبك وروسيا ودول نفطية أخرى (تشكل مجتمعة أكثر من 50 في المائة من الإنتاج العالمي) على خفض الإنتاج. لكن الأسعار لم تصعد فوراً بعد ذلك الاتفاق؛ لأن كميات كبيرة من النفط كانت تنتج وتتجه إلى الأسواق، والبواخر كانت متخمة، وهي تبحر لتسليم البترول إلى المشترين.
ويسأل المراقبون الآن: «إلى متى ستستمر صحوة الأسعار الحالية؟»، والإجابة غير واضحة لدى معظم المحللين لأن بلداناً منتجة تخشى من فقدان أسواقها إذا استمر خفض الإمداد طويلاً. كما أن الرئيس الأميركي لن يتردد في تكرار تغريداته عندما يرى أن الأسعار ارتفعت إلى مستوى لا يقبله؛ خصوصاً أنه سيدخل مرحلة التحضير للانتخابات الرئاسية ولن يرغب في سعر نفط يعكر وعوده للأميركيين بقدرة شرائية أعلى.
إلى ذلك، هناك عامل النفط الصخري الأميركي الذي يفاجئ الأسواق بانتعاشه فوق المتوقع في كل مرة تصعد فيها الأسعار، كما أنه بدأ يتعايش نسبياً مع فترات الهبوط؛ ما دفع وكالة الطاقة الدولية إلى توقع أن تأتي أكبر زيادة في الإنتاج في السنوات الخمس المقبلة من الولايات المتحدة الأميركية. ويقول محلل من الوكالة: «هناك مشكلة الآن في تسويق كل إنتاج النفط الصخري الأميركي بسبب محدودية وسائل النقل، لكن مشروعات مد الأنابيب قائمة على قدم وساق وستحل المشكلة بعد 6 إلى 8 أشهر، عندئذ يرجح أن يحصل إغراق في الأسواق، وقد تنخفض الأسعار». وتختم المصادر بالقول: «سيشهد النصف الثاني من عام 2019 تحدياً جديداً، والمطبات مستمرة على الطريق».


مقالات ذات صلة

النفط يتراجع بفعل توقف المساعدات لأوكرانيا والرسوم الجمركية وزيادة إنتاج «أوبك بلس»

الاقتصاد مصفاة بار مونتانا الواقعة على طول نهر يلوستون والتي تعالج النفط الخام من غرب كندا (أ.ب)

النفط يتراجع بفعل توقف المساعدات لأوكرانيا والرسوم الجمركية وزيادة إنتاج «أوبك بلس»

انخفضت أسعار النفط يوم الثلاثاء بعد أن أوقف الرئيس الأميركي دونالد ترمب المساعدات العسكرية لأوكرانيا ومع الاستعداد لبدء تنفيذ الرسوم الجمركية.

«الشرق الأوسط» (سنغافورة)
الاقتصاد شعار «أرامكو»... (رويترز)

106.2 مليار دولار أرباح «أرامكو» في 2024

حققت شركة «أرامكو السعودية» ربحاً صافياً عام 2024 بقيمة 106.2 مليار دولار، بتراجع نسبته 12.39 في المائة عن عام 2023 (121.3 مليار دولار).

«الشرق الأوسط» (الرياض)
الاقتصاد يشاهد الناس نافورة راقصة جديدة في العاصمة الليبية طرابلس (أ.ف.ب)

ليبيا تعلن عن أول جولة مناقصات للتنقيب عن النفط منذ 17 عاماً

تخطط ليبيا لأول جولة مناقصة للتنقيب عن النفط منذ أكثر من 17 عاماً، وفق ما أعلنت المؤسسة الوطنية للنفط.

«الشرق الأوسط» (القاهرة)
الاقتصاد حصان يرعى بالقرب من منصة حفر نفطية في كازاخستان (رويترز)

كازاخستان ترفع إنتاجها من النفط إلى مستوى قياسي في فبراير

رفعت كازاخستان إنتاج النفط الخام ومكثفات الغاز خلال فبراير الماضي بنسبة 13 في المائة، إلى مستوى قياسي مرتفع بلغ 2.12 مليون برميل يومياً، مقارنة بشهر يناير.

«الشرق الأوسط» (لندن)
وزير النفط العراقي خلال استقباله وفداً من ألمانيا في قطاع الصناعة والنفط (وزارة البترول العراقية)

شركات ألمانية تقدم عروضاً للعراق في قطاع الصناعة والنفط

قال نائب رئيس الوزراء العراقي وزير النفط حيان عبد الغني، إن العراق حرص على التعاون مع الشركات الألمانية التي لها باع طويل في مجال الصناعة وذات جودة عالية.

«الشرق الأوسط» (بغداد)

عدم اليقين التجاري يربك الشركات الأميركية وسط تصعيد الرسوم الجمركية

أفق مدينة نيويورك ومبنى إمباير ستيت في ويهاوكن بنيوجيرسي (رويترز)
أفق مدينة نيويورك ومبنى إمباير ستيت في ويهاوكن بنيوجيرسي (رويترز)
TT

عدم اليقين التجاري يربك الشركات الأميركية وسط تصعيد الرسوم الجمركية

أفق مدينة نيويورك ومبنى إمباير ستيت في ويهاوكن بنيوجيرسي (رويترز)
أفق مدينة نيويورك ومبنى إمباير ستيت في ويهاوكن بنيوجيرسي (رويترز)

منذ توليه منصبه في يناير (كانون الثاني)، واجه المسؤولون التنفيذيون في الشركات حالة من عدم اليقين بشأن خطط دونالد ترمب المتقلبة لفرض تعريفات جمركية مرتفعة. ولم يسهم إعلان يوم الثلاثاء في إزالة هذا الغموض، إذ كشف الرئيس الأميركي عن عزمه فرض رسوم جمركية بنسبة 25 في المائة على أكبر شريكين تجاريين للولايات المتحدة، كندا والمكسيك. ويرى خبراء الاقتصاد أن هذه الخطوة ستؤدي إلى زيادة التكاليف على الشركات الأميركية، التي ستكون مضطرة لتحمل أعباء هذه الرسوم.

وهيمن احتمال فرض تعريفات جمركية واسعة على الواردات الأجنبية على نقاشات الشركات الأميركية طوال العام. فمنذ بداية عام 2025، ناقشت أكثر من 750 من كبرى الشركات الأميركية هذا الموضوع، سواء في فعاليات المستثمرين أو خلال مكالمات مؤتمرات الأرباح، وفقاً لبيانات «إل إس إي جي».

وفي الأسابيع الأخيرة، سارع بعض الشركات إلى اتخاذ تدابير استباقية لتجنب تأثير التعريفات الجمركية، مثل تقديم طلبات مسبقة للسلع، إلا أن المسؤولين التنفيذيين تبنوا إلى حد كبير نهج الانتظار والترقب فيما يتعلق بالاستثمارات والنفقات، لا سيما أن ترمب غيّر موقفه من الرسوم الجمركية عدة مرات منذ إعادة انتخابه، وفق «رويترز».

ورغم أن إعلان يوم الثلاثاء يوفر بعض الوضوح، فإنه لا يمثل نهاية القصة. فقد تعهد ترمب بالفعل بفرض رسوم جمركية إضافية على الاتحاد الأوروبي، كما بدأ تحقيقاً في واردات النحاس والأخشاب، مما قد يؤدي إلى فرض رسوم إضافية على هذه السلع. في المقابل، توعدت دول أخرى باتخاذ تدابير انتقامية بعد محاولات التفاوض مع الإدارة الأميركية، وهو ما يهدد بمزيد من الاضطراب في التجارة العالمية.

في هذا السياق، قال ديفيد يونغ، أحد المسؤولين التنفيذيين في «كونفرنس بورد»، وهي مجموعة أعمال عالمية: «لا يزال عدم اليقين يهيمن على المشهد. هناك قرارات مؤجلة ومتأخرة... وحالة من الشلل الواضح».

وحاول المسؤولون التنفيذيون طمأنة المستثمرين بأنهم قادرون على التخفيف من التكاليف الإضافية أو تمريرها للمستهلكين، لكن البعض أعرب عن إحباطه إزاء التغيرات المستمرة في سياسات البيت الأبيض.

تقويض الثقة

أدى هذا الغموض إلى تراجع ثقة الشركات والمستهلكين في الأسابيع الأخيرة، رغم التحسن الذي شهدته الأسواق في البداية بعد إعادة انتخاب ترمب. فقد أظهر مؤشر «معهد إدارة التوريد (ISM)» للتصنيع، وهو مقياس رئيسي لمعنويات الشركات المصنعة، ارتفاعاً حاداً في توقعات التضخم خلال فبراير (شباط)، حيث أشار الموردون مراراً إلى تأثير التعريفات الجمركية.

كذلك، انخفضت ثقة المستهلك الأميركي إلى أدنى مستوياتها خلال ثمانية أشهر في فبراير، مع تصاعد المخاوف من التضخم. وحذرت شركات التجزئة الكبرى مثل «وول مارت» و«لوي» من تباطؤ الطلب.

وقال أندرو أناغنوست، الرئيس التنفيذي لشركة «أوتوديسك»، للمستثمرين: «إن عدم اليقين هو المحرك الأساسي لمخاوف العملاء. هذا هو التحدي الذي نسعى لتجاوزه. نريد الوصول إلى وضوح في السياسة، لأن عدم اليقين يعرقل أعمال عملائنا».

وخلال ولايته الأولى، ركز ترمب على التصدي لما عدَّته إدارته ممارسات تجارية غير عادلة من الصين، وفرض بالفعل تعريفات جمركية بنسبة 10 في المائة على السلع الصينية، قبل أن يضيف 10 في المائة أخرى يوم الثلاثاء، مع التهديد بفرض رسوم دخول على السفن المصنّعة في الصين. لكنه لم يكتفِ بذلك، بل استهدف أيضاً كندا والمكسيك، متذرعاً بعدم تعاونهما الكافي في مكافحة تهريب الفنتانيل عبر الحدود أو الحد من تدفق المهاجرين غير الشرعيين.

وتستورد الولايات المتحدة بضائع بقيمة 900 مليار دولار سنوياً من كندا والمكسيك، وترتبط الدول الثلاث بسلاسل توريد متكاملة، لا سيما في قطاع السيارات، حيث تعبر الأجزاء الحدود عدة مرات في أثناء عملية التصنيع. كما تشمل التجارة العابرة للحدود قطاعات رئيسية مثل الصناعة، والطيران، والزراعة، والطاقة.

ويؤكد مستشارو ترمب وأنصاره أن الهدف الأساسي من هذه السياسات هو تعزيز التصنيع المحلي وتقليل العجز التجاري القياسي للولايات المتحدة. وقال جاستوس بارمار، الرئيس التنفيذي لشركة «فورتونا» للاستثمارات: «رغم أن التعريفات الجمركية ذات تأثير تضخمي وقد تضر الاقتصاد على المدى القصير، فإنها ستعود بالفائدة على الوظائف الأميركية في الأمد الطويل».

من جانبها، أعلن بعض الشركات، مثل «هوندا» و«فايزر»، نيتها نقل جزء من عملياتها التصنيعية إلى الولايات المتحدة، لكنَّ هذا القرار قد يؤدي إلى ارتفاع التكاليف. بينما اختارت شركات أخرى تقديم طلبات مسبقة قبل دخول التعريفات الجمركية حيز التنفيذ، إلا أن الموردين الذين قابلتهم «رويترز» أشاروا إلى أن هذه استراتيجية قصيرة الأجل في أفضل الأحوال، نظراً لعدم رغبتهم في الاحتفاظ بمخزون زائد وسط حالة عدم اليقين حول الطلب المستقبلي.

في هذا السياق، قال بات ديرامو، الرئيس التنفيذي لشركة «مارتينريا» الكندية لتوريد السيارات: «إنه هدر هائل للموارد. أفضّل العمل على خفض التكاليف حتى نتمكن من أن نكون أكثر قدرة على المنافسة».