رئيس «أوديمار بيغيه» التنفيذي لـ«الشرق الأوسط»: نقتحم عالم الساعات الدائرية بعدما هجرناه لعقدين

«كود 11:59»... ساعة كلاسيكية بـ«شفرة» عصرية من «أوديمار بيغيه»

الرئيس التنفيذي لـ«أوديمار بيغيه» فرنسوا - هنري بينامياس
الرئيس التنفيذي لـ«أوديمار بيغيه» فرنسوا - هنري بينامياس
TT

رئيس «أوديمار بيغيه» التنفيذي لـ«الشرق الأوسط»: نقتحم عالم الساعات الدائرية بعدما هجرناه لعقدين

الرئيس التنفيذي لـ«أوديمار بيغيه» فرنسوا - هنري بينامياس
الرئيس التنفيذي لـ«أوديمار بيغيه» فرنسوا - هنري بينامياس

وسط جبال جورا المكسوة بالثلوج، تحديداً في فالي دوجو، تقع قرية لو براسو. قرية هادئة ذو طبيعة وعرة لطالما سكنتها عوائل صناع الساعات المعقدة، وبها ولدت «أوديمار بيغيه» في عام 1875. على مدى أجيال عدّة، أصبح أشخاص من فالي خبراء في شغل وصياغة المعادن وصكها. محاطون بالطبيعة كما هي.
ارتبط اسم لو براسو بـ«أوديمار بيغيه»، وكانت مهد إبداعات الساعة التي جمعت بين التقنية المعقدة والتّصميم الإبداعي. حرصت الشركة العائلية المستقلة على مدى عقود أن تكون دوماً سباقة في هذا المجال. فطوّرت أول خاصية تعقيد المنبه الرنان اليدوي عند الطلب (minute repeater)، وأول تصميم لهيكل ساعة يد ثمانية الأضلاع، وأرق ساعة في العالم، إلى جانب ابتكارها حركات شديدة التعقيد. ازدادت شهرتها بعدما أدخلت الساعات الرياضية إلى عالم الساعات الفاخرة بساعة «رويال أوك». اليوم، بعد نحو 5 عقود على تلك الساعة،  قرّرت «أوديمار بيغيه» خوض تحدي العودة إلى السّاعات الدائرية بنسخة مواكبة للتطور مع الإبقاء على هويتها المميزة.
وعلى مدار الشهور الماضية، من خلال حملة دعائية غامضة تحت شعارCODE» » الذي يرمز إلى التحدي والامتلاك والجرأة والتطور، وعدت «أوديمار بيغيه» الجمهور بإطلاق يعدّ الأكبر منذ سنوات، من دون الكشف عن نجمته، إلا أنها أطلقت أمس، وبعد انتظار ولهفة، ساعتها «كود 11:59» التي راهنت عليها بجميع مهاراتها ليكسب سباق الساعات الدائرية. 4 أمور تميّز السّاعة الجديدة: الهيكل، والزجاج، والميناء، والحركة. اللافت أنّ «كود 11:59» لن تعرض لتكون للرجال أو للنساء، بل هي ساعة ملائمة للجنسين. المجموعة تضم 13 خياراً و6 منظومات للحركة (كاليبر) منها 3 تُصدر للمرة الأولى. الخيارات تضم 4 حركات أوتوماتيكية؛ 2 منها بالذهب الأبيض و2 بالذهب الوردي إلى جانب 4 خيارات من منظومة حركة كرونوغراف؛ واحد يشمل حركة التقويم الدائم، و2 من حركة تربيون الاوتوماتيكية، وتوربيون مخرّمة، وخيار يضم خاصية تعقيد المنبه الرنان اليدوي عند الطلب (minute repeater) ومؤشر الرنان المنتظم (supersonnerie).

غرفة الاجتماعات في مقر «أوديمار بيغيه» فخمة يزيّنها أثاث كلاسيكي فاخر. مزودة بأحدث الأجهزة الذكية. كل تفصيل فيها مدروس باتقانية مميّزة. فحتى الأكواب الزّجاجية تحمل علامة الشّركة. يستقبلك ديكور إحدى أفخم شركات السّاعات السّويسرية بسحر خاص، قد يكون حتماً متوقعا في مثل هذا المكان. أما ما لم يكن متوقّعاً لقاء «خارج الصندوق» مع مدير «أوديمار بيغيه» التنفيذي فرنسوا - هنري بينامياس، حاضر مع طاقمه في غرفة الاجتماعات استعدادا للكشف لنا عن الساعة التي طال انتظارها «كود 11:59».
رجل ديناميكي في حضوره طاقة إيجابية. احترف الغولف قبل سنوات. رحلته مع «أوديمار بيغيه» بدأت عام 1994. ليستلم قيادة الدفة في العام 2012. حدثني وموظفوه وأغلبهم من جيل الشباب، عن تبلور ساعة حلموا بها وعملوا على تطويرها لعدة سنوات. تصميم الساعة كغرفة الاجتماعات يحمل لمسة كلاسيكية بنكهة عصرية. جوهرها، كالطاقم الذي ابتكرها جريء مليء بالتحدي.
بعد نجاحات ساعات «رويال أوك» و«رويال أوك أوفشور» ذات الطابع الرياضي، ها هي الشّركة تقتحم اليوم عالم الساعات الدائرية الكلاسيكية بعدما هجرتها لعقدين. «كود 11:59» تجسد هوية «أوديمار بيغيه»، ولا تتخلى عن تصميم ثماني الأضلاع في رونقها. جديدها اليوم، أنّها ساعة لكلا الجنسين... لمحبي الدقة والكمال. وفيما يلي تفاصيل الحوار:

> كيف استلهمتم اسم الساعة الجديدة «كود 11:59»؟
- عندما قررنا تطوير الساعة، قمنا بإطلاق مسابقة لموظفي الشركة لابتكار اسم مناسب لها. الأسماء المقترحة كانت ذات أصول إغريقية، ورومانية، وصينية، ويابانية، وإيطالية، لكن لم يكن أي منها جيدا بما فيه الكفاية. ثم فكرنا بالطريقة التي يتحدث بها جيل الشباب اليوم… بالاختصارات ورموز الإيموجي. هم يتحدثون بالشيفرة (Code). استهوانا الأمر، وقررنا ابتكار «شيفرة» خاصة بنا Code بالنسبة لنا ترمز إلى Challenge تحدي، Own امتلاك، Dare الجرأة، وEvolve التطور.
التحدي، لأنه لم يطلب منا أي أحد صنع ساعة جديدة، مبيعاتنا قياسية على مدى السبع سنوات الماضية، لكن قررنا خوض التحدي. أما الامتلاك، فنحن نمتلك إخفاقاتنا ونجاحاتنا ونحن ما زلنا شركة مملوكة من قبل عائلة، لا نبحث عن التبريرات بل فخورون بهويتنا. بالنسبة للجرأة، نتجرأ بالنجاح أخيرا لتطوير ساعة كلاسيكية. وأخيرا التطور دائم رغم أي شيء، فنحن نسعى إلى الكمال. ومن هنا أتى اسم «كود». أما اختيار 11:59 لتحديد الدقيقة الأخيرة التي تفصل بين يوم يحمل المجهول، عمل جديد أو ولادة أو ارتباط أو غيره. اليوم الجديد بالنسبة لنا يحمل فصلا جديدا نكتبه في قصة «أوديمار بيغيه». وهذا أكبر إطلاق للشركة منذ عام 1972.
> مسؤولية كبيرة. هل أنت متوتر؟
- لم أعد متوترا، بل متحمس لإطلاق الساعة. قمنا بتوظيف جميع مهاراتنا وإبداعاتنا لتطوير هذه الساعة. واخترنا ضم في تصميمها وحرفيتها كل ما نملك. الساعة الجديدة تميزها أربعة أمور: الهيكل، الزجاج، الميناء، الحركة.
استلهمنا الساعة الجديدة من تطور الأجهزة التكنولوجي. لم يعد هنالك إطارات للشاشات. وهذا ما فعلناه عند تصميم الهيكل، فجعلنا الحواف (بيزل) نحيفة جدا فقط موجودة لغاية تثبيت الزجاج. واخترنا أن نبقي على الشكل الثماني الأضلاع في التصميم للإبقاء على هويتنا، مع العودة إلى الساعة الدائرية. تفاصيل الساعة تجعل محاولة استنساخها أو تقليدها تكاد مستحيلة. زجاج الساعة من الكريستال والنظر إلى الساعة من خلاله كما وأنك تنظر بجودة 4K (أعلى كثافة موجودة حالياً في تقنيات العرض). أما قرص الساعة من ميناء مصقول بحرفية عالية، والمؤشرات والأرقام من الذهب موضوعة باليد.
علامة «أوديمار بيغيه» أيضا مضافة يدويا، ما كان يعد تحديا صعبا استغرقنا سنتين لإيجاد الحجم الملائم الذي يحتمل ضغط اليد البشرية (12.5 مم)، وهذه المرة الأولى التي تطبق هذه التقنية من قبل شركة ساعات. المجموعة تضم 13 خيارا و6 منظومات للحركة (كاليبر) منها 3 يتم إصدارهم للمرة الأولى، تضم حركة أوتوماتيكية جديدة، وحركة كرونوغرافية متكاملة ضمن منظومة الحركة طال انتظارها من قبل الناس. الخيارات تضم أربع حركات أوتوماتيكية، اثنتان منها بالذهب الأبيض واثنتان بالذهب الوردي إلى جانب 4 خيارات من منظومة حركة كرونوغراف، واحدة تشمل حركة التقويم الدائم، وخياران من حركة تربيون الأوتوماتيكية (إصدار أول من نوعه)، وتربيون مخرّمة، وخيار يضم خاصية تعقيد المنبه الرنان اليدوي عند الطلب(minute repeater) ومؤشر الرنان المنتظم (supersonnerie).
نطلق المجموعة يوم الأحد 13 يناير (كانون الثاني) (أمس)، وستكون متوفرة للاقتناء في أول أسبوع من فبراير (شباط)، ما يعتبر أمرا غير اعتيادي. ولن نقوم بعرض الساعات على أنها للرجال أو للنساء، بل هي ساعات «أوديمار بيغيه».
> هل تعتقد أن هذا سينجح؟
- نعم، حتى على معصم صغير صممت هذه الساعة رغم حجمها على أن تكون مريحة وملائمة. منظرها معاصر، وهي إعادة تفسير للساعة الكلاسيكية، بـ«شيفرة عصرية».
> من هم «المقتنون المثاليون» لهذه الساعة برأيك؟
- لا نفكر بهذه الطريقة، بل ركزنا على هدف أردنا تحقيقه. بعدما تميزنا بمجموعات مثل «رويال اوك» و«رويال أوك أوف شور»، قررنا اقتحام عالم الساعات الدائرية الذي كنا قد هجرناه لعقدين. الساعة الجديدة ستجذب زبائن جددا لم ينظروا إلينا من قبل، كما ستوطد علاقتنا مع زبائننا الحاليين. معظم مقتني ساعات «أوديمار بيغيه» تتراوح أعمارهم بين 25 - 40 عاما. وفي آسيا معظم الزبائن من الشباب (18 - 35)، يشكلون نحو ثمانين في المائة.
> بالعودة إلى أن الساعة الجديدة للجنسين، كيف ستسوقون ذلك وتقنعون الناس به؟
- قرار إطلاق ساعة ملائمة للجنسين لم يكن مخططا له، بل قررناه عفويا. في مرحلة التصميم حضّرنا مجسمات الساعات بالشمع، وجربها نساء وراقت لهن، لم تكن ضخمة كثيرا، فقررنا أن هذه الساعة ملائمة للجنسين.
عند ارتداء الساعة، يلاحظ المرء (الرجال والنساء) أنها ملائمة لهم، لذلك مهمتنا هي إعلام الناس عن الساعة وجعلهم يجربونها، حتى يتقبلوا الفكرة. نلاحظ في الآونة الأخيرة أن العديد من النساء يشترين ساعات «رجالية»، لأنها تلائم شخصيتهن وتعكس مشاعرهن. وهذا ما يجب أن يحدد اختيار المرء للساعة؛ هويته وليس جنسه.
> هل تنافس «كود 11:59» الـ«رويال أوك»؟
- لا، العلاقة ليست علاقة تنافس، بل تكامل. وسنجذب العديد من الزبائن من خلال الساعة الجديدة. حان الوقت لأن نعود إلى عالم الساعات الدائرية التي كنا تميزنا به منذ زمن. ولن نقف هنا، فحتى قبل إطلاق المجموعة ننظر إلى خطة تطويرها لعام 2021 و2022.
> ما هي أكبر أسواق «أوديمار بيغيه»؟
- الولايات المتحدة الأميركية في المرتبة الأولى، وثم سويسرا في المركز الثاني، اليابان تليها في المركز الثالث، وفي المركز الرابع هونغ كونغ.
> ماذا عن دول منطقة الشرق الأوسط؟
- منطقة الشرق الأوسط تمثل عشرة في المائة من مبيعاتنا، وقد تمثل أكثر لكننا لا نبيع أكثر من أربعين ألف ساعة سنويا، ولذا يجب أن نبقي على التوازن في توزيع الساعات بأسواقنا العالمية. ودبي ضمن قائمة أكبر عشر أسواق لنا.
> هل لديكم خطط لتوسيع وجودكم في منطقة الشرق الأوسط؟
- حاليا لا. لأننا يجب أن نزيد من إنتاجنا الإجمالي أولا لنستطيع التوسع في منطقة الشرق الأوسط.
> اشتهرت «أوديمار بيغيه» بابتكارها مفهوم الساعات الرياضية الفاخرة. الساعة الجديدة ليست برياضية. هل تشعرون أن ذلك يبعدكم عن هويتكم أو عما تميزتم به؟
- لا أبدا. «أوديمار بيغيه» أجادت هذا النوع «الكلاسيكي» من الساعات منذ سنوات، لكن الناس قد نسوا ذلك بعدما تألقنا بـ«الرويال أوك»، وحان الوقت لنعود لهذا العالم.
في السابق أيضا كانت لدينا ساعات دائرية لكنها لم تكن بتميز «كود 11:59» التي تحافظ على الكلاسيكية لكن ببصمة «أوديمار بيغيه» وتفسيرنا الخاص لتطور الساعة الدائرية. لم نتخلى عن الذي عرفنا به، بل خصنا بأعماقه في هذه المجموعة، التي نعتبرها اليوم قلبنا النابض. وحتى في الحملة الإعلانية التي سبقت إطلاق الساعة الجديدة، كانت الساعة هي النجمة، ولم نستعن بأحد المشاهير ليرتديها في الصور، بل كانت هي «الشهيرة». لكن لدينا مجموعة من السفراء الذين تبنوا فكر «أوديمار بيغيه» شاركوا معنا في حملة «كود 11:59» منهم لاعبة التنس الشهيرة سيرينا ويليامز والشيف الفرنسية الشهيرة دومينيك كرين الحائزة على ثلاثة نجوم ميشلان. اخترنا أشخاصا يمثلوننا.
>  كنت لاعب غولف محترفا سابقا، ونعرف أن هناك علاقة وطيدة بين «أوديمار بيغيه» ولاعبي الغولف، التي تجمع ما بينهم وبين صانعي الساعات في مجالات الحرفية والدقة والسعي إلى الكمال. ما أهمية هذا لك؟
- لم أختر «أوديمار بيغيه» بل كانت صدفة. عندما بدأت عملي استغرقني الأمر سنتان أو ثلاثة لفهم عمق العلامة، وبعد خمسة وعشرين عاما لي هنا، ليس هنالك مجال للتوقف، مضينا بقوة طوال السنوات وعندما عاش قطاع صناعة الساعات حالة من الخوف من أن الأجيال الشابة لم تعد ترتدي ساعات على معصمها واعتمدت على أجهزتها الذكية، لم نهلع مثل غيرها، بل استمررنا لنثبت لهم أن ذلك ليس صحيحا، واستطعنا ذلك. جميع من يعمل في الشركة لديه نفس المنظور، جميعنا مؤمنون بمجموعتنا الجديدة. وخلال السبع سنوات الماضية عملنا جاهدين جدا للتوصل لهذا الابتكار أخيرا.
> «أوديمار بيغيه» تعتبر علامة فاخرة حصرية نوعا ما، لكن فلسفة الشركة وجوهر استمراريتها شمولي. هل تتفق؟
- نحن علامة تجارية جادة جدا، لكننا لا نأخذ نفسنا على محمل الجد إلى حد التصلب. نحن شركة ساعات فاخرة، ولكن لا يعني ذلك أنه يجب علينا أن نكون متكبرين أو مملين. علينا دوما التأقلم مع تطورات عالمنا، ومواكبة جيل الشباب. لا نتباهى بأسعار ساعاتنا أو بأعداد مبيعاتنا (40 ألفا سنويا)، ما يهمنا هو الشغف.
> بالحديث عن مواكبة جيل الشباب، نلاحظ اهتمام «أوديمار بيغيه» بالوجود على مواقع التواصل الاجتماعي مؤخرا خصوصا خلال حملة تسويق «كود 11:59»، هل هذا جزء من استراتيجيتكم في السنوات المقبلة؟
- بالتأكيد. وعلى سبيل المثال التقينا بالمغني الشهير برونو مارس (آذار) قبل ليلة من حفله الغنائي في باريس قبل ثلاثة أشهر، وأمضينا ثلاث ساعات معه في هذا اللقاء الأول، وأعرب لنا أنه يريد أن يهدي طاقمه ساعات «رويال أوك» خاصة بجولته الغنائية العالمية كعربون شكر لهم، ووفرنا ذلك. برونو نجم وذكي جدا، لكنه في المرتبة الأولى إنسان حقيقي معطاء. الصور نشرها برونو على مواقع التواصل الاجتماعي وأثارت تفاعلا كبيرا بين جيل الشباب. وهذا ما نحرص عليه، مواكبة التغيرات مع الإبقاء على هويتنا.
>  الجو العام في «أوديمار بيغيه» عائلي، وحرصت الشركة على الحفاظ على استقلاليتها وملكيتها ضمن العائلتين المؤسستين. لكن في ظل زيادة المنافسة وظاهرة استحواذ الشركات المملوكة من العوائل، هل ستستطيع «أوديمار بيغيه» الحفاظ على استقلاليتها؟
- عندما تسلمت منصبي كمدير تنفيذي لـ«أوديمار بيغيه» في عام 2012 كنا نتلقى عروضا للاستحواذ على شركتنا كل ربع سنة مالية، حتى اضطررت لإدلاء تصريحات صحافية أن تلك المحاولات لن تنجح ولن يتم الاستحواذ على «أوديمار بيغيه». خلال السنوات الثلاث الماضية، لم نتلق أي عروض جديدة، ما يعني أن العالم فهم نيتنا وأهمية استقلاليتنا.
> وستظل هذه الإجابة حتى ولو كان العرض مغريا جدا؟
- بالتأكيد. جاسمين وأوليفير أوديمار، مالكا أكبر حصص من أسهم الشركة مواظبان على ذلك. جاسمين (77 عاما) تركب سيارتها ذاتها، وتعيش في منزلها ذاته منذ سنوات، وأوليفير أيضا. ليسا مهتمين بتجميع أموالهم خاصة بهم، بل ما يهمهما هو أن تنمو «أوديمار بيغيه» وتكون الأفضل وتحافظ على جوهرها. النجاح في ذلك يضمن لنا استقلاليتنا. أرباحنا وصلت نصف المليار في عام 2011 وتعدت المليار في عام 2018. لم يمر وقت على الشركة أفضل من اليوم، وما زلنا نحافظ على مصداقيتنا... واستقلاليتنا.

نابضة منذ عام 1875 تدق عقاربها خارج السرب

> كانت صناعة الساعات في حالة من التحول والتغيير عندما اجتمع جول لوي أوديمار وإدوار أوغست بيغيه في عام 1875 لتأسيس شركة «أوديمار بيغيه». فحتى في فالي السويسرية، حيث لا يزال معظم صانعي الساعات يحافظون على التقنيات التقليدية ويتمسكون بها، ظهرت أولى الآلات الصناعية على أمل إنتاج كميّاتٍ كبيرة. لكن منذ البداية لم يأبه الشريكان بإغراء سوق الكميّات الكبيرة، ولم يختارا الطريق السهلة، حيث كانت أعينهما وقلباهما شغوفة لإنتاج ساعات فريدة متفردة تضم تركيبات ساعاتية معقدة.
وفي هذا السياق، قاما بتأسيس تخصصاتٍ في الميكانيكيات الدقّاقة، وفي حركات الكرونوغراف، والتركيبات المعقدة الفلكية، وما زالت هذه التخصصات تُمارس حتى الآن بإتقان وتتجسد من خلال الساعات المثالية التي تنتجها «أوديمار بيغه» في يومنا هذا. ومن بين 1500 ساعة تقريباً أنتجتها الشركة بين عامي 1882 و1892، فإن أكثر من 80 في المائة منها، حسبما تُظهر دفاتر السجلات، احتوَت على واحدةٍ على الأقل من التركيبات الساعاتية المُعقدة. وفي عام 1889 عندما كانت الشركة في عامها الرابع عشر، فازت «أوديمار بيغيه» بميدالية من خلال مشاركتها بساعة التعقيدة الكبرى غراند كومبليكاسيون في معرض باريس العالمي، وانطلَقَت المبيعات متصاعدةً في أوروبا وفي الولايات المتحدة.
في عام 1972، كسرت الشركة قالب الساعات الكلاسيكية المعتاد، وجاءت ساعة «رويال أوك» بتصميمها الريادي المختلف على الساحة، وجعلت من الفولاذ معدناً نبيلاً من خلال الارتقاء به إلى مقام الذهب، ومنذ ذلك الحين أصبح لهذا التصميم كثير من الأتباع.
وفي عام 1976 قامت جاكلين ديمييه التي ترأست فريق التصميم في «أوديمار بيغه» بتطوير نسخةٍ نسائية من هذه الساعة. وفي عام 1993 انضم إلى «رويال أوك» ساعة ذات حجم أكبر (قطرها 42 مم) وأكثر سماكة، وهي ساعة «رويال أوك أوفشور» التي وضعت أساس الاتجاه لنمط الساعات الأكبر في هذه الصناعة.
وبعد 144 عاماً، على تأسيس الشركة التي لا تزال مستقلة ومملوكة من قبل عوائل المؤسسين، وبعد 47 عاماً على ساعتها «رويال أوك» ثمانية الأضلاع، رياضية الرونق، تخوض الشركة تحدي العودة إلى الساعات الدائرية بنسخة مواكبة للتطور مع الإبقاء على هويتها المميزة.



100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
TT

100 عامٍ من عاصي الرحباني

عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)
عاصي الرحباني وفيروز (تويتر)

في الرابع من شهر الخِصب وبراعم اللوز والورد، وُلد عاصي الرحباني. كانت البلادُ فكرةً فَتيّة لم تبلغ بعد عامها الثالث. وكانت أنطلياس، مسقط الرأس، قريةً لبنانيةً ساحليّة تتعطّر بزهر الليمون، وتَطربُ لارتطام الموج بصخور شاطئها.
لو قُدّر له أن يبلغ عامه المائة اليوم، لأَبصر عاصي التحوّلات التي أصابت البلاد وقُراها. تلاشت الأحلام، لكنّ «الرحباني الكبير» ثابتٌ كحقيقةٍ مُطلَقة وعَصي على الغياب؛ مقيمٌ في الأمس، متجذّر في الحاضر وممتدّةٌ جذوره إلى كل الآتي من الزمان.


عاصي الرحباني خلال جلسة تمرين ويبدو شقيقه الياس على البيانو (أرشيف Rahbani Productions)

«مهما قلنا عن عاصي قليل، ومهما فعلت الدولة لتكريمه قليل، وهذا يشمل كذلك منصور وفيروز»، يقول المؤلّف والمنتج الموسيقي أسامة الرحباني لـ«الشرق الأوسط» بمناسبة مئويّة عمّه. أما الصحافي والباحث محمود الزيباوي، الذي تعمّق كثيراً في إرث الرحابنة، فيرى أن التكريم الحقيقي يكون بتأليف لجنة تصنّف ما لم يُنشر من لوحاته الغنائية الموجودة في إذاعتَي دمشق ولبنان، وتعمل على نشره.
يقرّ أسامة الرحباني بتقصير العائلة تجاه «الريبرتوار الرحباني الضخم الذي يحتاج إلى تضافر جهود من أجل جَمعه»، متأسفاً على «الأعمال الكثيرة التي راحت في إذاعة الشرق الأدنى». غير أنّ ما انتشر من أغانٍ ومسرحيات وأفلام، على مدى أربعة عقود من عمل الثلاثي الرحباني عاصي ومنصور وفيروز، أصبح ذخيرةً للقرون المقبلة، وليس للقرن الرحباني الأول فحسب.

«فوتي احفظي، قومي سجّلي»
«كان بركاناً يغلي بالعمل... يكتب بسرعة ولا يتوقف عند هاجس صناعة ما هو أجمل، بل يترك السرد يمشي كي لا ينقطع الدفق»، هكذا يتذكّر أسامة عمّه عاصي. وفي بال الزيباوي كذلك، «عاصي هو تجسيدٌ للشغف وللإنسان المهووس بعمله». لم يكن مستغرباً أن يرنّ الهاتف عند أحد أصدقائه الساعة الثالثة فجراً، ليخرج صوت عاصي من السمّاعة قارئاً له ما كتب أو آخذاً رأيه في لحنٍ أنهاه للتوّ.
ووفق ما سمعه الزيباوي، فإن «بعض تمارين السيدة فيروز وتسجيلاتها كان من الممكن أن يمتدّ لـ40 ساعة متواصلة. يعيد التسجيل إذا لم يعجبه تفصيل، وهذا كان يرهقها»، رغم أنه الزوج وأب الأولاد الأربعة، إلا أن «عاصي بقي الأستاذ الذي تزوّج تلميذته»، على حدّ وصف الزيباوي. ومن أكثر الجمل التي تتذكّرها التلميذة عن أستاذها: «فوتي احفظي، قومي سَجّلي». أضنى الأمر فيروز وغالباً ما اعترفت به في الحوارات معها قبل أن تُطلقَ تنهيدةً صامتة: «كان ديكتاتوراً ومتطلّباً وقاسياً ومش سهل الرِضا أبداً... كان صعب كتير بالفن. لمّا يقرر شي يمشي فيه، ما يهمّه مواقفي».


عاصي وفيروز (تويتر)
نعم، كان عاصي الرحباني ديكتاتوراً في الفن وفق كل مَن عاصروه وعملوا معه. «كل العباقرة ديكتاتوريين، وهذا ضروري في الفن»، يقول أسامة الرحباني. ثم إن تلك القسوة لم تأتِ من عدم، فعاصي ومنصور ابنا الوَعر والحرمان.
أثقلت كتفَي عاصي منذ الصغر همومٌ أكبر من سنّه، فتحمّلَ وأخوه مسؤولية العائلة بعد وفاة الوالد. كان السند المعنوي والمادّي لأهل بيته. كمعطفٍ ردّ البردَ عنهم، كما في تلك الليلة العاصفة التي استقل فيها دراجة هوائية وقادها تحت حبال المطر من أنطلياس إلى الدورة، بحثاً عن منصور الذي تأخّر بالعودة من الوظيفة في بيروت. يروي أسامة الرحباني أنها «كانت لحظة مؤثرة جداً بين الأخوين، أبصرا خلالها وضعهما المادي المُذري... لم ينسيا ذلك المشهد أبداً، ومن مواقفَ كتلك استمدّا قوّتهما».
وكما في الصِبا كذلك في الطفولة، عندما كانت تمطر فتدخل المياه إلى المدرسة، كان يظنّ منصور أن الطوفان المذكور في الكتاب المقدّس قد بدأ. يُصاب بالهلَع ويصرخ مطالباً المدرّسين بالذهاب إلى أخيه، فيلاقيه عاصي ويحتضنه مهدّئاً من رَوعه.

«سهرة حبّ»... بالدَين
تعاقبت مواسم العزّ على سنوات عاصي الرحباني. فبعد بدايةٍ متعثّرة وحربٍ شرسة ضد أسلوبه الموسيقي الثائر على القديم، سلك دروب المجد. متسلّحاً بخياله المطرّز بحكايا جدّته غيتا و«عنتريّات» الوالد حنّا عاصي، اخترع قصصاً خفتت بفعلِ سحرِها الأصواتُ المُعترضة. أما لحناً، فابتدعَ نغمات غير مطابقة للنظريات السائدة، و«أوجد تركيبة جديدة لتوزيع الموسيقى العربية»، على ما يشرح أسامة الرحباني.


صورة تجمع عاصي ومنصور الرحباني وفيروز بالموسيقار محمد عبد الوهاب وفريد الأطرش، بحضور بديعة مصابني وفيلمون وهبي ونجيب حنكش (أرشيف Rahbani Productions)
كان عاصي مستعداً للخسارة المادية من أجل الربح الفني. يحكي محمود الزيباوي أنه، ولشدّة مثاليته، «سجّل مسرحية (سهرة حب) مرتَين ولم تعجبه النتيجة، فاقترض مبلغاً من المال ليسجّلها مرة ثالثة». ويضيف أن «أساطير كثيرة نُسجت حول الرحابنة، لكن الأسطورة الحقيقية الوحيدة هي جمال عملهم».
ما كانت لتكتمل أسطورة عاصي، لولا صوت تلك الصبية التي دخلت قفصَه الذهبي نهاد حدّاد، وطارت منه «فيروز».
«أدهشته»، يؤكّد الزيباوي؛ ويستطرد: «لكنّ أحداً منهما لم يعرف كيف يميّز بين نهاد حداد وفيروز»... «هي طبعاً المُلهِمة»، يقول أسامة الرحباني؛ «لمح فيها الشخصية التي لطالما أراد رسمَها، ورأى امرأةً تتجاوب مع تلك الشخصية»، ويضيف أن «عاصي دفع بصوت فيروز إلى الأعلى، فهو في الفن كان عنيفاً ويؤمن بالعصَب. كان يكره الارتخاء الموسيقي ويربط النجاح بالطبع الفني القوي، وهذا موجود عند فيروز».


زفاف عاصي الرحباني ونهاد حداد (فيروز) عام 1955 (تويتر)

دماغٌ بحجم وطن
من عزّ المجد، سرقت جلطة دماغيّة عاصي الرحباني عام 1972. «أكثر ما يثير الحزن أن عاصي مرض وهو في ذروة عطائه وإبداعه، وقد زادت الحرب اللبنانية من مرضه وصعّبت العمل كثيراً»، وفق الزيباوي. لم يكن القلق من الغد الغامض غريباً عليه. فهو ومنذ أودى انفجارٌ في إحدى الكسّارات بحياة زوج خالته يوسف الزيناتي، الذي كان يعتبره صياداً خارقاً واستوحى منه شخصيات لمسرحه، سكنته الأسئلة الحائرة حول الموت وما بعدَه.
الدماغ الذي وصفه الطبيب الفرنسي المعالج بأنه من أكبر ما رأى، عاد ليضيء كقمرٍ ليالي الحصّادين والعاشقين والوطن المشلّع. نهض عاصي ورجع إلى البزُق الذي ورثه عن والده، وإلى نُبله وكرمه الذي يسرد أسامة الرحباني عنهما الكثير.
بعد المرض، لانت قسوة عاصي في العمل وتَضاعفَ كرَمُه المعهود. يقول أسامة الرحباني إن «أقصى لحظات فرحه كانت لحظة العطاء». أعطى من ماله ومن فِكرِه، وعُرف بيدِه الموضوعة دائماً في جيبِه استعداداً لتوزيع النقود على المحتاجين في الشارع. أما داخل البيت، فتجسّد الكرَم عاداتٍ لطيفة وطريفة، كأن يشتري 20 كنزة متشابهة ويوزّعها على رجال العائلة وشبّانها.
خلال سنواته الأخيرة ومع احتدام الحرب، زاد قلق عاصي الرحباني على أفراد العائلة. ما كان يوفّر مزحة أو حكاية ليهدّئ بها خوف الأطفال، كما في ذلك اليوم من صيف 1975 الذي استُهدفت فيه بلدة بكفيا، مصيَف العائلة. يذكر أسامة الرحباني كيف دخل عاصي إلى الغرفة التي تجمّع فيها أولاد العائلة مرتعدين، فبدأ يقلّد الممثلين الأميركيين وهم يُطلقون النار في الأفلام الإيطالية، ليُنسيَهم ما في الخارج من أزيز رصاص حقيقي. وسط الدمار، بنى لهم وطناً من خيالٍ جميل، تماماً كما فعل وما زال يفعل في عامِه المائة، مع اللبنانيين.


عاصي الرحباني (غيتي)