يهود حلب في ثلاث روايات سورية

مفاصل تاريخية حاسمة منذ حرب 1948

يهود حلب في ثلاث روايات سورية
TT

يهود حلب في ثلاث روايات سورية

يهود حلب في ثلاث روايات سورية

قبل قيام إسرائيل عام 1948 كان العدد الأكبر من اليهود السوريين في دمشق وحلب. وفي القامشلي التي لم يبلغ عمرها القرن بعد، وهي نصيبين القديمة قبل ترسيم الحدود بين سوريا وتركيا. وقد هاجر من هاجر من هؤلاء على وقع نكبة فلسطين، ثم على وقع حرب 1956، ومع ذلك بلغ عددهم 32000 في إحصاء عام 1957. وعلى وقع هزيمة 1967 تفاقمت هجرة - تهريب الشباب خاصة، مما ضاعف عدد النساء من العازبات. وجراء ذلك سمحت الحكومة بهجرة ثلاثمائة فتاة عام 1977، وبهجرة خمسمائة فتاة عام 1989. وفي عام 1992 رُفع الحظر عمن يريد من اليهود أن يغادر، وكان ذلك عقب مؤتمر مدريد للسلام، فلم يبق في سوريا أكثر من ثلاثمائة من كبار السن. ولأول مرة منذ عام 1948، سُمح لوفدٍ ممن هاجروا بالعودة إلى سوريا في زيارة عام 2004.
بحدودٍ دنيا، شغلت تلك المفاصل التاريخية الحاسمة الرواية في سوريا، ومن ذلك ما تعلق باليهود في حلب، كما يتبين في روايات «حمام النسوان» لفيصل خرتش، و«لعنة الكادميوم» لابتسام التريسي، و«وداد من حلب» لقحطان مهنا.

صدوع 3 حروب

صدرت رواية فيصل خرتش (حمام النسوان) سنة 1999، وأولى شخصياتها المحورية اليهودية هي المغنية سلافة. وتتوسل الرواية
السخرية والغرائبية والبوليسية أيضاً، بينما تشبك بين الأزمنة وبين الأصوات، فمن زمن الجد لاوي الهارب من الأندلس إلى حلب، تطوي الرواية الزمن إلى عام 1948، عندما بدأت اللحمة السورية الوطنية تتصدع جراء قيام إسرائيل، كما ترسم الرواية فيما نال العائلات اليهودية في محلة (القلّة) من غضب الشباب العرب، وبالقابل ترسم الرواية حماية العائلات العربية (آل القناعة والقصاص والطحان) لليهود ومخاطبتهم الشبّان الغاضبين: «يهودنا غير اليهود الذين هجموا على فلسطين (...) إنهم مثلنا ونحن وهم أهل». بيد أن الصدع سيتجدد ويكبر مع حرب 1956، ثم مع حرب 1967، وكان تهريب اليهود من حلب إلى إسرائيل قد بدأ بعد النكبة، عبر تركيا، وبتدبير السفارة الإسرائيلية.
هكذا جرى تهريب زلفي شقيق سلافة التي تلجأ إلى عزرا، بينما من قبض عليه أثناء تهريب الشباب اليهود يطرد. وكان عزرا عرّاب التهريب يحمّل كل شاب ورقة من نسخة التوراة المخطوطة التي يحتفظ بها في غرفة من الكنيس، والشاب يوصلها إلى الحاخام يوسف في تل أبيب. أما سلافة فتتردد في الهرب. وبموت عزرا تعتبر نفسها مسؤولة عن تهريب مخطوطة التوراة. وقد فقدت صوتها عندما تقدمت للغناء في حفلٍ رُصد ريعه للعمل الفدائي.

الأزمنة الثلاثة

مدينة حلب هي فضاء رواية ابتسام التريسي «لعنة الكادميوم»، قبل أن تغادرها الشخصية المحورية فضيلة إلى إيطاليا وأميركا، ثم تعود بعد عشرين عاماً إلى حلب بصحبة حبيب الصبا اليهودي آرام صوبا. وتشرح الرواية في هامش أن اليهود أطلقوا على حلب اسم «آرام صوبا»، كما ورد في العهد القديم 11 مرة، وإن يكن بعضهم يرون أن الاسم هو لتدمر أو لمنطقة تقع جنوب حماة.
تشبك فضيلة في سردها لقصتها مع آرام، بين استرجاع زمنهما الحلبي قبل أن يختفي هو من الجامعة، ليتابع دراسة الطب في دمشق، كما ستكتشف أخيراً، وبين تجدد لقائهما - بسعي منها - بعد عشرين عاماً في حي بروكلين من نيويورك سنة 2003، حيث أكبر تجمع لليهود السوريين، إذ إن قلة قليلة منهم تابعت الهجرة إلى إسرائيل.
في بروكلين ترى فضيلة مخازن اليهود التي يتكلم أصحابها العربية، وترى المطبخ السوري، والعجوز اليهودي الحلبي الذي قدم إلى بروكلين عندما رُفع الحظر عن مغادرة اليهود، وهو من سيجمعها بآرام. وفي سردٍ مؤثرٍ وعميقٍ تصف فضيلة بوح آرام بعشقه لها أخيراً، وهي التي كانت تحسب أن الحب بينهما من طرفها فقط. كما تصف فضيلة الشبح الذي يشاركهما اللقاء: «شبح مدينة غادرناها، وتأبى أن تغادرنا. كانت حلب بيننا». ويحدثها آرام أنه ترك حلب فراراً منها هي، كيلا يتورط في حب مسلمة، كما يحدثها عن إقامته في دمشق قبل الهجرة: «كنت مرتاحاً في حياتي. ولا أدري أي شيطان رمى بي هنا». ويضيف أن الهجرة سحقته، وأنه في أميركا يحيى في الماضي «السوري». ويستعيد من الثمانينات مصرع أخيه في حوادث شغب، مما كان سبباً آخر للهجرة. ورغم التناقض بين فضيلة المعارضة للنظام وآرام المؤيد، يعودان معاً إلى حلب، ويعيشان الماضي شهرين، والمدينة تبعدهما عن الاختلاف على المستقبل. لكن الاختلاف لن يتأخر، فآرام لا يمانع أن يعيش في سوريا محروماً من بعض الحقوق. وهو يكتب على صفحته «الفيسبوكية» في بداية زلزال 2011 أن قلبه يهودي، وأنه يحب إسرائيل أكثر من سوريا: «أنا على يقين أن الوطن حيث قبور أجدادي، وأن حبلي السري في أرض الميعاد». وستقرأ فضيلة أيضاً على صفحة آرام ما كتب عن زيارته إلى سوريا في ربيع 2004 ضمن وفد رسمي، وبذلك تكون نهاية الحب، ويلوب سؤال فضيلة عما إذا كان آرام أكبر كذبة في حياتها.
بعد لأي سيتساءل آرام باسم اليهود على صفحته: «هل استعجلنا الرحيل من سوريا؟». وتتساءل فضيلة معقبة عما إن كانت فرصة عودة اليهود إلى سوريا للاحتفال بالعيد الماسي لا تزال سانحة. فبعد 75 سنة من قيام إسرائيل، قد ينفخ الصبي في الشوفار، أي في قرن الكبش الذي كان اليهود ينفخون فيه في مواسمهم، مستدعياً الأمة اليهودية من جميع أنحاء العالم لدخول الشام. وفي متابعة الساردة لمصير آرام، يعود إلى إسرائيل، ويعتزل في جبال القدس منتظراً اليوم الموعود. ويتفجر التخييل الروائي ببوقٍ ينفخ فيه آرام، وقطيعٍ يلبي نداء البوق، وبمصرع عربي ومواصلة النفخ، داعياً اليهود للاحتفال بعيد الكفارة. وسيبقى آرام في عزلته ليكون «أول من يسمع نداء النصر، وأول الواصلين حين ينفخ الرب ليجتمع شعبه المختار عند خيمته! لكنه قبل ذلك، سيكون أول الواصلين إلى دمشق، وسيحتفل في حلب بالعيد الماسي لقيام إسرائيل». وهكذا تكون رواية «لعنة الكادميوم» قد شبكت الماضي والحاضر، لترسل إشارتها الحاسمة بالقطع مع «الأسرلة» في المستقبل.
فيما يتعلق بالماضي، تتقاطع روايتا ابتسام التريسي وفيصل خرتش في الرسم الدقيق والحار والشامل لليهود في مدينة حلب. ولكل من الروايتين جماليتها الخاصة، على العكس من رواية ثالثة تتعلق باليهود في حلب، هي رواية قحطان مهنا «وداد من حلب»، وتتمحور حول اليهودية وداد التي ترفض الرحيل إلى إسرائيل. ومن اليهود في الرواية أيضاً أبو إسحاق التاجر. وقد تيسّر لهذه الرواية أن تتحول إلى مسلسل تلفزيوني أخرجه باسل الخطيب تحت عنوان «حدث في دمشق»، إذ نقل وقائع الرواية من حلب إلى دمشق.
هكذا يبدو أن نصيب يهود حلب الروائي ضئيل، رغم أن عددهم وفعاليتهم فيها ينافسان ما كان لهم في دمشق. لكن النصيب الروائي ليهودِ دمشق جاء أوفى، مما يقتضي مقاماً مستقلاً.



تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
TT

تجميد الجثث أملاً في إحيائها مستقبلاً لم يعد يقتصر على الخيال العلمي

إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)
إميل كيندزورا أحد مؤسسي شركة «توموروو بايوستيتس» (على اليمين) داخل مركز تخزين الجثث في سويسرا (أ.ف.ب)

قررت بيكا زيغلر البالغة 24 عاماً، تجميد جثتها في برّاد بعد وفاتها عن طريق مختبر في برلين، على أمل محدود بإعادة إحيائها مستقبلاً.

وقّعت هذه المرأة الأميركية التي تعيش وتعمل في العاصمة الألمانية، عقداً مع شركة «توموروو بايوستيتس» الناشئة المتخصصة في حفظ الموتى في درجات حرارة منخفضة جداً لإعادة إحيائهم في حال توصّل التقدم العلمي إلى ذلك يوماً ما.

وعندما تتوفى زيغلر، سيضع فريق من الأطباء جثتها في حوض من النيتروجين السائل عند حرارة 196 درجة مئوية تحت الصفر، ثم ينقلون الكبسولة إلى مركز في سويسرا.

وتقول زيغلر، وهي مديرة لقسم المنتجات في إحدى شركات التكنولوجيا في كاليفورنيا، لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «بشكل عام، أحب الحياة ولدي فضول لمعرفة كيف سيبدو عالمنا في المستقبل».

ولم يعد علم حفظ الجسم بالتبريد الذي ظهر في ستينات القرن العشرين، مقتصراً على أصحاب الملايين أو الخيال العلمي كما ظهر في فيلم «ذي إمباير سترايكس باك» الذي تم فيه تجميد هان سولو، وفيلم «هايبرنيتس» حين يعود رجل تحرر من الجليد القطبي، إلى الحياة.

توفّر شركات في الولايات المتحدة هذه الخدمة أصلاً، ويُقدّر عدد الأشخاص الذي وُضعت جثثهم في التبريد الأبدي بـ500 فرد.

50 يورو شهرياً

تأسست «توموروو بايوستيتس» عام 2020 في برلين، وهي الشركة الأولى من نوعها في أوروبا.

وفي حديث إلى «وكالة الصحافة الفرنسية»، يقول إميل كيندزورا، أحد مؤسسي الشركة، إن أحد أهدافها «هو خفض التكاليف حتى يصبح تبريد الجثة في متناول الجميع».

إميل كيندزورا أحد مؤسسي «توموروو بايوستيتس» يقف داخل إحدى سيارات الإسعاف التابعة للشركة خارج مقرها في برلين (أ.ف.ب)

ولقاء مبلغ شهري قدره 50 يورو (نحو 52.70 دولار) تتقاضاه من زبائنها طيلة حياتهم، تتعهد الشركة الناشئة بتجميد جثثهم بعد وفاتهم.

يضاف إلى الـ50 يورو مبلغ مقطوع قدره 200 ألف يورو (نحو 211 ألف دولار) يُدفع بعد الوفاة - 75 ألف يورو (نحو 79 ألف دولار) لقاء تجميد الدماغ وحده - ويمكن أن يغطيه نظام تأمين على الحياة.

ويقول كيندزورا (38 سنة) المتحدر من مدينة دارمشتات في غرب ألمانيا، إنه درس الطب وتخصص في الأبحاث المتعلقة بالسرطان، قبل أن يتخلى عن هذا الاختصاص بسبب التقدم البطيء في المجال.

وتشير «توموروو بايوستيتس» إلى أنّ نحو 700 زبون متعاقد معها. وتقول إنها نفذت عمليات تبريد لأربعة أشخاص بحلول نهاية عام 2023.

ويلفت كيندزورا إلى أنّ غالبية زبائنه يتراوح عمرهم بين 30 و40 سنة، ويعملون في قطاع التكنولوجيا، والذكور أكثر من الإناث.

عندما يموت أحد الزبائن، تتعهد «توموروو بايوستيتس» بإرسال سيارة إسعاف مجهزة خصيصاً لتبريد المتوفى باستخدام الثلج والماء. يتم بعد ذلك حقن الجسم بمادة «حفظ بالتبريد» ونقله إلى المنشأة المخصصة في سويسرا.

دماغ أرنب

في عام 2016، نجح فريق من العلماء في حفظ دماغ أرنب بحال مثالية بفضل عملية تبريد. وفي مايو (أيار) من هذا العام، استخدم باحثون صينيون من جامعة فودان تقنية جديدة لتجميد أنسجة المخ البشري، تبين أنها تعمل بكامل طاقتها بعد 18 شهراً من التخزين المبرد.

لكنّ هولغر رينش، الباحث في معهد «آي إل كاي» في دريسدن (شرق ألمانيا)، يرى أنّ الآمال في إعادة شخص متجمد إلى الحياة في المستقبل القريب ضئيلة جداً.

ويقول لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»: «نشكّ في ذلك. أنصح شخصياً بعدم اللجوء إلى مثل هذا الإجراء».

ويتابع: «في الممارسة الطبية، إنّ الحدّ الأقصى لبنية الأنسجة التي يمكن حفظها بالتبريد هو بحجم وسمك ظفر الإبهام، والوضع لم يتغير منذ سبعينات القرن العشرين».

ويقرّ كيندزورا بعدم وجود ضمانات، ويقول: «لا نعرف ما إذا كان ذلك ممكناً أم لا. أعتقد أن هناك فرصة جيدة، لكن هل أنا متأكد؟ قطعاً لا».

بغض النظر عما يمكن أن يحدث في المستقبل، تقول زيغلر إنها متأكدة من أنها لن تندم على قرارها. وتضيف: «قد يبدو الأمر غريباً، لكن من ناحية أخرى، البديل هو أن يضعوك داخل تابوت وتأكلك الديدان».