ليس سهلاً أن تكتب حكايتك مع الإعلام. ومصدر الصعوبة أمران: الأول، أن حكايتك ليست حكاية واحدة بل حكايات. والآخر، أن هذه الحكاية لم تنته بعد... هكذا أعتقد على الأقل... أو هكذا آمل على الأكثر! لكن، سأسمح لنفسي أن أغيّر العنوان المطلوب، فأحوّله إلى حكاياتي في الإعلام. فأنا بصراحة لا أملك حكاية واحدة للميدان الذي أعمل فيه، بل أملك حكايات صغيرة، متناقضة، لا تسير في اتجاه واحد. لكن، مَن يمكنه الإنكار أساساً أن الحياة في ذاتها متناقضة، وهي لا تسير ولا يمكن أن تسير في اتجاه واحد؟ انطلاقاً من مبدأ أن الجزء لا بد أن يلحق بالكل، يصبح الإعلام جزءاً لا يتجزأ من الحياة في تناقضاتها، وتصبح حكايته حكايات تحتمل كل نوع من أنواع التضارب، التي تصل إلى حد التناقض أحياناً! حكايتي الأولى مع الإعلام، أنني جئته بالصدفة لا أكثر ولا أقل. بعد تخرجي في المدرسة كنت أحلم أن أصبح أستاذاً جامعياً أعلّم الأدب العربي، وأنشر الدراسات في هذا الاختصاص. ولكي أنهي شهادة الدكتوراه رأيت من المفيد أن أعمل بالتوازي لأكتشف عالماً اعتقدت أنني سأكتفي باكتشافه. وشيئاً فشيئاً انزلقت وغيّرت اتجاه حياتي. هل كان قراراً واعياً: الأكيد لا. لكني شبه متأكد أنني في لا وعيي أحببت انزلاقتي، وأردتها، وهذا ما اكتشفته لاحقاً... عندما اكتشفت نفسي. ذاك أن شخصية الأستاذ الجامعي الهادئة لا تناسبني. أنا أحب التغيير والمفاجآت، بل أنا إنسان يبحث عن المتاعب في كل شيء، لذا كان من الطبيعي أن أنتهي جندياً في جيش مهنة المتاعب. الحكاية الثانية: لقد عاصرت الصحافة التقليدية من مكتوبة ومرئية في عزّها، وعاصرت أسماء كبيرة وكبيرة جداً في بلاط صاحبة الجلالة. يكفي أنني عملت عن قرب جداً ولفترة تتجاوز السنوات العشر مع الشهيد جبران تويني. لقد عشت زمناً كان فيه الصحافي بالنسبة إلى الناس والمجتمع مميزاً جداً، لأنه كان صاحب قضية حقيقية. اليوم، مع كثرة وسائل الإعلام، وتدهور المستوى، وطغيان المصلحة الشخصية على كل شيء، وانتشار وسائل التواصل الاجتماعي أصبح كل إنسان صحافياً، ولم يعد الصحافي كما كان في السابق. النظرة المميزة إلى صاحب المعلومة والرأي والكلمة والموقف تغيرت، إن لم أقل سقطت. ولا شك في أن ممارستنا كصحافيين أسهمت في هذا الأمر. نحن في أحيان كثيرة لم نكن على مستوى الرسالة الملقاة على... أقلامنا. لذا ساهمنا من حيث ندري أو لا ندري في تدهور مهنة الصحافة، وفي تشويه صورة الإعلام. الحكاية الثالثة: كل يوم ألتقي صحافيين وإعلاميين يعملون في وسائل إعلام لبنانية وعربية. القاسم المشترك بين جميع هؤلاء الزملاء (والزميلات طبعاً) هو الشكوى من تدهور حال المؤسسات الإعلامية. نحن في قلب أزمة بنيوية تهدد مصير المؤسسات الإعلامية اللبنانية والعربية ومصير مئات العائلات التي تعتاش من هذه المؤسسات. المؤسف أننا كإعلاميين نعرف كيف نطالب بحقوق جميع الناس، لكننا أفشل الناس في معرفة كيف نطالب بحقوقنا. ذات مرة حاولت أن أشارك في تأسيس نقابة تعنى بقضايا الإعلاميين في لبنان، ثم اكتشفت أن المسار خاطئ لاعتبارات لا أريد الدخول في تفاصيلها. الخلاصة: لا مؤسسات تحمينا، ولا أطر نقابية، لذلك يتعرض زملاء كثر لنا لما يتعرضون له اليوم. وبعد... حكاياتي مع الإعلام تراكمات لتجارب واختبارات، ولنجاحات وإخفاقات عشتها طوال أربعين عاماً تقريباً. الأمل بعد كل هذه السنوات ألا يكون عملي وتجربتي، بل ألا تكون حياتي كلها مجرد «حبر على ورق»! *إعلامي لبناني
إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنهاhttps://aawsat.com/%D8%AB%D9%82%D8%A7%D9%81%D8%A9-%D9%88%D9%81%D9%86%D9%88%D9%86/%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85/5091980-%D8%A5%D8%B9%D9%84%D8%A7%D9%85%D9%8A%D9%88-%D9%81%D8%B1%D9%86%D8%B3%D8%A7-%D8%A3%D9%85%D8%A7%D9%85-%D9%85%D8%B9%D8%B6%D9%84%D8%A9-%D8%A7%D9%84%D8%A8%D9%82%D8%A7%D8%A1-%D9%85%D8%B9-%D8%A5%D9%83%D8%B3-%D8%A3%D9%88-%D8%A7%D9%84%D8%A7%D8%A8%D8%AA%D8%B9%D8%A7%D8%AF-%D8%B9%D9%86%D9%87%D8%A7
إعلاميو فرنسا أمام معضلة البقاء مع «إكس» أو الابتعاد عنها
الصحف الفرنسية أمام التحدي
يرى البعض في فرنسا أن موسم رحيل «العصافير الزرقاء» يلوح في الأفق بقوة، وذلك بعدما أعلنت مجموعة كبيرة من الشخصيات والمؤسسات الإعلامية انسحابها من منصّة التواصل الاجتماعي «إكس» (تويتر سابقاً).
الظاهرة بدأت تدريجياً بسبب ما وصف بـ«الأجواء السامة» التي اتسّمت بها المنصّة. إذ نقلت صحيفة «كابيتال» الفرنسية أن منصة «إكس» فقدت منذ وصول مالكها الحالي إيلون ماسك أكثر من مليون مشترك، إلا أن الوتيرة أخذت تتسارع في الآونة الأخيرة بعد النشاط الفعّال الذي لعبه ماسك في الحملة الانتخابية الأميركية، ومنها تحويله المنصّة إلى أداة دعاية قوية للمرشح الجمهوري والرئيس العائد دونالد ترمب، وكذلك إلى منبر لترويج أفكار اليمين المتطرف، ناهيك من تفاقم إشكالية «الأخبار الزائفة» أو «المضللة» (الفايك نيوز).
نقاش إعلامي محتدم
ومهما يكن من أمر، فإن السؤال الذي صار مطروحاً بإلحاح على وسائل الإعلام: هل نبقى في منصّة «إكس»... أم ننسحب منها؟ حقاً، النقاش محتدم اليوم في فرنسا لدرجة أنه تحّول إلى معضلة حقيقية بالنسبة للمؤسسات الإعلامية، التي انقسمت فيها الآراء بين مؤيد ومعارض.
للتذكير بعض وسائل الإعلام الغربية خارج فرنسا كانت قد حسمت أمرها باكراً بالانسحاب، وكانت صحيفة «الغارديان» البريطانية الأولى التي رحلت عن المنصّة تاركة وراءها ما يناهز الـ11 مليون متابع، تلتها صحيفة «فون غوارديا» الإسبانية، ثم السويدية «داكنز نيهتر».
أما في فرنسا فكانت أولى وسائل الإعلام المنسحبة أسبوعية «ويست فرنس»، وهي صحيفة جهوية تصدر في غرب البلاد، لكنها تتمتع بشعبية كبيرة، إذ تُعد من أكثر الصحف الفرنسية قراءة بأكثر من 630 ألف نسخة تباع يومياً ونحو 5 ملايين زيارة على موقعها عام 2023. ولقد برّر نيكولا ستارك، المدير العام لـ«ويست فرنس»، موقف الصحيفة بـ«غياب التنظيم والمراقبة»، موضحاً «ما عاد صوتنا مسموعاً وسط فوضى كبيرة، وكأننا نقاوم تسونامي من الأخبار الزائفة... تحوّلت (إكس) إلى فضاء لا يحترم القانون بسبب غياب المشرفين». ثم تابع أن هذا القرار لم يكن صعباً على الأسبوعية الفرنسية على أساس أن منصّة التواصل الاجتماعي هي مصدر لأقل من واحد في المائة من الزيارات التي تستهدف موقعها على الشبكة.
«سلبيات» كثيرة بينها بصمات إيلون ماسك
من جهتها، قررت مجموعة «سود ويست» - التي تضم 4 منشورات تصدر في جنوب فرنسا هي «سود ويست»، و«لاروبوبليك دي بيريني»، و«شارانت ليبر» و«دوردون ليبر» - هي الأخرى الانسحاب من منصّة «إكس»، ملخصّة الدوافع في بيان وزع على وسائل الإعلام، جاء فيه أن «غياب الإشراف والمراقبة، وتحديد عدد المنشورات التابعة لحسابات وسائل الإعلام، وإبدال سياسة التوثيق القديمة بواسطة أخرى مدفوعة الثمن، كانت العوامل وراء هذا القرار».
أيضاً الموقع الإخباري المهتم بشؤون البيئة «فير» - أي «أخضر» - انسحب بدوره من «إكس»، تاركاً وراءه عشرين ألف متابع لدوافع وصفها بـ«الأخلاقية»، قائلا إن مضامين المنصّة تتعارض مع قيمه التحريرية. وشرحت جولييت كيف، مديرة الموقع الإخباري، أنه لن يكون لهذا القرار تأثير كبير بما أن الحضور الأهم الذي يسجّله الموقع ليس في «إكس»، وإنما في منصّة «إنستغرام»، حيث لديه فيها أكثر من 200 ألف متابع. ولكن قبل كل هؤلاء، كان قرار انسحاب برنامج «لوكوتيديان» الإخباري الناجح احتجاجاً على التغييرات التي أحدثها إيلون ماسك منذ امتلاكه «إكس» قد أطلق ردود فعل كثيرة وقويّة، لا سيما أن حساب البرنامج كان يجمع أكثر من 900 ألف متابع.
... الفريق المتريّث
في المقابل، وسائل إعلام فرنسية أخرى فضّلت التريّث قبل اتخاذ قرار الانسحاب، وفي خطوة أولى اختارت فتح باب النقاش لدراسة الموضوع بكل حيثياته. وبالفعل، عقدت صحيفة «ليبيراسيون»، ذات التوجّه اليساري، جلسة «تشاور» جمعت الإدارة بالصحافيين والعمال يوم 19 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي للبحث في مسألة «البقاء مع منصّة (إكس) أو الانسحاب منها؟». وفي هذا الإطار، قال دون ألفون، مدير الصحيفة، في موضوع نشر بصحيفة «لوموند»، ما يلي: «نحن ما زلنا في مرحلة التشاور والنقاش، لكننا حدّدنا لأنفسنا تاريخ 20 يناير (كانون الثاني) (وهو اليوم الذي يصادف تنصيب دونالد ترمب رئيساً للمرة الثانية) لاتخاذ قرار نهائي».
الوضع ذاته ينطبق على الأسبوعية «لاكروا» التي أعلنت في بيان أن الإدارة والصحافيين بصّدد التشاور بشأن الانسحاب أو البقاء، وكذلك «لوموند» التي ذكرت أنها «تدرس» الموضوع، مع الإشارة إلى أن صحافييها كانوا قد احتفظوا بحضور أدنى في المنصّة على الرغم من عدد كبير من المتابعين يصل إلى 11 مليوناً.
من جانب آخر، إذا كان القرار صعب الاتخاذ بالنسبة لوسائل الإعلام لاعتبارات إعلانية واقتصادية، فإن بعض الصحافيين بنوا المسألة من دون أي انتظار، فقد قررت سالومي ساكي، الصحافية المعروفة بتوجهاتها اليسارية والتي تعمل في موقع «بلاست» الإخباري، إغلاق حسابها على «إكس»، ونشرت آخر تغريدة لها يوم 19 نوفمبر الماضي. وفي التغريدة دعت ساكي متابعيها - يصل عددهم إلى أكثر من 200 ألف - إلى اللّحاق بها في منصّة أخرى هي «بلو سكاي»، من دون أن تنسى القول إنها انسحبت من «إكس» بسبب إيلون ماسك وتسييره «الكارثي» للمنّصة.
وفي الاتجاه عينه، قال غيوم إرنر، الإعلامي والمنتج في إذاعة «فرنس كولتو»، بعدما انسحب إنه يفضل «تناول طبق مليء بالعقارب على العودة إلى (إكس)». ثم ذهب أبعد من ذلك ليضيف أنه «لا ينبغي علينا ترك (إكس) فحسب، بل يجب أن نطالب المنصّة بتعويضات بسبب مسؤوليتها في انتشار الأخبار الكاذبة والنظريات التآمرية وتدّني مستوى النقاش البنّاء».
«لوفيغارو»... باقية
هذا، وبين الذين قرّروا الانسحاب وأولئك الذين يفكّرون به جدياً، يوجد رأي ثالث لوسائل الإعلام التي تتذرّع بأنها تريد أن تحافظ على حضورها في المنصّة «لإسماع صوتها» على غرار صحيفة «لوفيغارو» اليمينية. مارك فويي، مدير الصحيفة اليمينية التوجه، صرح بأنها لن تغيّر شيئاً في تعاملها مع «إكس»، فهي ستبقى لتحارب «الأخبار الكاذبة»، وتطالب بتطبيق المراقبة والإشراف بحزم وانتظام.
ولقد تبنّت مواقف مشابهة لـ«لوفيغارو» كل من صحيفة «لي زيكو» الاقتصادية، ويومية «لوباريزيان»، وقناة «تي إف1» و«إم 6»، والقنوات الإخبارية الكبرى مثل «بي إف إم تي في»، و«سي نيوز». وفي حين تتّفق كل المؤسّسات المذكورة على أن المنّصة «أصبحت عبارة عن فضاء سام»، فهي تعترف في الوقت نفسه باستحالة الاستغناء عنها، لأن السؤال الأهم ليس ترك «إكس»، بل أين البديل؟ وهنا أقرّ الصحافي المعروف نيكولا دوموران، خلال حوار على أمواج إذاعة «فرنس إنتير»، بأنه جرّب الاستعاضة عن «إكس» بواسطة «بلو سكاي»، لكنه وجد الأجواء مملة وكان النقاش ضعيفا، الأمر الذي جعله يعود إلى «إكس»، حيث «الأحداث أكثر سخونة» حسب رأيه.
أما الصحافي المخضرم جان ميشال أباتي، فعلى الرغم من انتقاده الشديد للمنصّة وانسحاب برنامج «لوكوتيديان» - الذي يشارك فيه - من «إكس» - فإنه لم يفكر في إغلاق حسابه لكونه الإعلامي الفرنسي الأكثر متابعة؛ إذ يسجل حسابه أكثر من 600 ألف متابع.
في هذه الأثناء، وصفت كارين فوتو، رئيسة موقع «ميديا بارت» الإخباري المستقّل الوضع «بالفخ الذي انغلق على وسائل الإعلام»، حيث «إما البقاء وتعزيز أدوات الدعاية لليمين المتطرّف وإما الانسحاب والتخلّي عن مواجهة النقاش». وللعلم، من الملاحظ أن المنصّة غدت حاجة شبه ماسة لأصحاب القرار والساسة، حيث إن بعضهم يتوجه إليها قبل أن يفكّر في عقد مؤتمر صحافي، وهذا ما حدا بالباحث دومينيك بوليي، من معهد «سيانس بو» للعلوم السياسية، إلى القول في حوار لصحيفة «لوتان» إن منصّة «إكس» بمثابة «الشّر الذي لا بد منه»، إذ تبقى المفضّلة لدى رجال السياسة للإعلان عن القرارات المهمة، وللصحافيين لتداولها والتعليق عليها، مذكّراً بأن الرئيس الأميركي جو بايدن اختار «إكس» للإعلان عن انسحابه من السباق الرئاسي الأخير.