مفاجأة ثانية في انتخابات الكونغو

أنصار كابيلا يفوزون بغالبية برلمانية بعد فوز مرشح المعارضة بالرئاسة

TT

مفاجأة ثانية في انتخابات الكونغو

جاءت نتيجة الانتخابات الرئاسية في الكونغو الديمقراطية وفوز فيليكس تشيسكيدي صادمة للكثيرين الذين كانوا يعتقدون أنه سيتم تزوير الانتخابات لصالح إيمانويل رامازاني شاداري، المرشح المفضل لدى الرئيس المنتهية ولايته جوزيف كابيلا.
ولأول مرة يفوز منافس معارض في تاريخ الكونغو في انتخابات ديمقراطية. وجاءت المفاجأة الثانية يوم السبت عندما أعلن عن فوز الأحزاب المؤيدة لكابيلا، الائتلاف الحاكم، بـ290 مقعدا على الأقل من أصل 500 في المجلس الوطني (البرلمان) في الدولة المضطربة، كما أعلن أندريه الين أتوندو، المتحدث باسم الرئيس الكونغولي، لوكالة الأنباء الألمانية يوم السبت. وكتب مارتن فايولو، أحد مرشحي المعارضة الذي احتل المركز الثاني في الانتخابات الرئاسية تغريدة يوم السبت قائلا إن النتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات «مفبركة بالكامل. أطالب بإعادة فرز يدوي لكل الأصوات في الانتخابات الثلاثة (الرئاسية والتشريعية والمحلية)».
وبالنسبة لتصويت الجمعية الوطنية، يمكن أن يفوز أنصار كابيلا حتى بالمزيد من المقاعد، حيث إن لجنة الانتخابات أعلنت فقط عن 485 مقعدا حتى الآن. والمقاعد الباقية الـ15 في العديد من المناطق التي لم يجر فيها التصويت في 30 ديسمبر (كانون الأول) بسبب تفشي الإيبولا والعنف الذي تشنه الميليشيات. ومن المقرر إجراء التصويت في تلك المناطق في مارس (آذار) المقبل.
وتمثل نتيجة الانتخابات البرلمانية تناقضا صارخا، مع نتيجة الانتخابات الرئاسية، التي خسرها إيمانويل رامازاني شاداري، الذي اختاره كابيلا ليخلفه أمام زعيم المعارضة، فيليكس تشيسكيدي.
غير أن مارتن فايولو زعم أن التصويت مزور، قائلا إن كابيلا رأى أن مرشحه المفضل قد خسر، مما دعاه (كابيلا) إلى إبرام اتفاق خلف الكواليس مع تشيسكيدي. ومن المقرر أن يتنحى كابيلا خلال الأيام المقبلة بعد 18 عاما في السلطة، فيما ينتظر أن يكون أول انتقال ديمقراطي للسلطة في الكونغو خلال 59 عاما منذ الاستقلال.
ويعتزم فايولو الطعن في نتائج التصويت أمام المحاكم. وتوجه محامون يمثلون مارتن فيولو الذي جاء في المركز الثاني إلى أعلى محكمة في الكونغو يوم السبت لتقديم شكوى بشأن تزوير التصويت.
ستؤدي هذه النتيجة للحد من قدرة تشيسكيدي على تنفيذ وعوده خلال الحملة الانتخابية بالانفصال عن عهد كابيلا وتؤجج شكوكا في أن فوزه، الذي أعلنته السلطات يوم الخميس، جاء عبر اتفاق وراء الكواليس سيحفظ نفوذ كابيلا على وزارات مهمة وقوات الأمن. ويقول فيولو إنه حقق انتصارا ساحقا بأكثر من 60 في المائة من الأصوات، ويتهم تشيسكيدي بإبرام صفقة مع كابيلا مقابل إعلانه الفائز.
وقال شاهد من رويترز إن نحو 50 جنديا من الحرس الجمهوري وأفراد الشرطة طوقوا مقر إقامة فيولو عند الظهيرة، مما دفع العشرات من أنصاره، الذين كانوا يهتفون بشعارات مناهضة لكابيلا وتشيسكيدي، للفرار إلى داخل المبنى. وينفي معسكر تشيسكيدي وجود أي اتفاق ويقول إن اجتماعات عقدها مع ممثلين عن كابيلا بعد الانتخابات كانت تهدف فقط لضمان انتقال سلمي للسلطة.
وبموجب الدستور، تتمتع الأغلبية البرلمانية بنفوذ كبير ويتعين على الرئيس اختيار رئيس الوزراء من صفوفها. وبدوره، يجب أن يوقع رئيس الوزراء على الأوامر الرئاسية بتعيين أو إقالة قادة الجيش والقضاة ورؤساء المؤسسات المملوكة للدولة.
وقال آدم شالوي المسؤول في حزب كابيلا، وهو حزب الشعب للإعمار والديمقراطية وأكبر أحزاب ائتلاف الجبهة المشتركة من أجل الكونغو لـ«رويترز» إن النتائج التي أعلنتها مفوضية الانتخابات في صباح السبت تظهر حصول مرشحي الائتلاف على ما يقارب من 300 مقعد، وقالت رويترز بأنها لم تتمكن من تأكيد هذه النتائج على نحو مستقل.



كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
TT

كيف كسرت الحرب في أوكرانيا المحرّمات النووية؟

نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)
نظام صاروخي باليستي عابر للقارات من طراز «يارس» الروسي خلال عرض في «الساحة الحمراء» بموسكو يوم 24 يونيو 2020 (رويترز)

نجح الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، في خلق بيئة مواتية لانتشار أسلحة نووية جديدة في أوروبا وحول العالم، عبر جعل التهديد النووي أمراً عادياً، وإعلانه اعتزام تحويل القنبلة النووية إلى سلاح قابل للاستخدام، وفق تحليل لصحيفة «لوفيغارو» الفرنسية.

في عام 2009، حصل الرئيس الأميركي، باراك أوباما، على «جائزة نوبل للسلام»، ويرجع ذلك جزئياً إلى دعوته إلى ظهور «عالم خالٍ من الأسلحة النووية». وفي ذلك الوقت، بدت آمال الرئيس الأميركي الأسبق وهمية، في حين كانت قوى أخرى تستثمر في السباق نحو الذرة.

وهذا من دون شك أحد أخطر آثار الحرب في أوكرانيا على النظام الاستراتيجي الدولي. فعبر التهديد والتلويح المنتظم بالسلاح الذري، ساهم فلاديمير بوتين، إلى حد كبير، في اختفاء المحرمات النووية. وعبر استغلال الخوف من التصعيد النووي، تمكن الكرملين من الحد من الدعم العسكري الذي تقدمه الدول الغربية لأوكرانيا منذ بدء الغزو الروسي لأوكرانيا في فبراير (شباط) 2022، ومن مَنْع مشاركة الدول الغربية بشكل مباشر في الصراع، وتخويف جزء من سكان هذه الدول، الذين تغلّب عليهم «الإرهاق والإغراءات بالتخلي (عن أوكرانيا) باسم الأمن الزائف».

بدأ استخفاف الكرملين بالأسلحة النووية في عام 2014، عندما استخدم التهديد بالنيران الذرية للدفاع عن ضم شبه جزيرة القرم من طرف واحد إلى روسيا. ومنذ ذلك الحين، لُوّح باستخدام السلاح النووي في كل مرة شعرت فيها روسيا بصعوبة في الميدان، أو أرادت دفع الغرب إلى التراجع؛ ففي 27 فبراير 2022 على سبيل المثال، وُضع الجهاز النووي الروسي في حالة تأهب. وفي أبريل (نيسان) من العام نفسه، استخدمت روسيا التهديد النووي لمحاولة منع السويد وفنلندا من الانضمام إلى «حلف شمال الأطلسي (ناتو)». في مارس (آذار) 2023، نشرت روسيا صواريخ نووية تكتيكية في بيلاروسيا. في فبراير 2024، لجأت روسيا إلى التهديد النووي لجعل النشر المحتمل لقوات الـ«ناتو» في أوكرانيا مستحيلاً. وفي الآونة الأخيرة، وفي سياق المفاوضات المحتملة مع عودة الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب إلى البيت الأبيض، جلبت روسيا مرة أخرى الخطاب النووي إلى الحرب، من خلال إطلاق صاروخ باليستي متوسط ​​المدى على أوكرانيا. كما أنها وسعت البنود التي يمكن أن تبرر استخدام الأسلحة الذرية، عبر مراجعة روسيا عقيدتها النووية.

الرئيس الروسي فلاديمير بوتين خلال اجتماع مع قيادة وزارة الدفاع وممثلي صناعة الدفاع في موسكو يوم 22 نوفمبر 2024 (إ.ب.أ)

التصعيد اللفظي

تأتي التهديدات النووية التي أطلقتها السلطات الروسية في الأساس ضمن الابتزاز السياسي، وفق «لوفيغارو». ولن تكون لدى فلاديمير بوتين مصلحة في اتخاذ إجراء عبر تنفيذ هجوم نووي تكتيكي، وهو ما يعني نهاية نظامه. فالتصعيد اللفظي من جانب القادة الروس ورجال الدعاية لم تصاحبه قط تحركات مشبوهة للأسلحة النووية على الأرض. ولم يتغير الوضع النووي الروسي، الذي تراقبه الأجهزة الغربية من كثب. وتستمر الصين أيضاً في لعب دور معتدل، حيث تحذّر موسكو بانتظام من أن الطاقة النووية تشكل خطاً أحمر مطلقاً بالنسبة إليها.

إن التهوين من الخطاب الروسي غير المقيد بشكل متنامٍ بشأن استخدام الأسلحة النووية ومن التهديد المتكرر، قد أدى إلى انعكاسات دولية كبيرة؛ فقد غير هذا الخطاب بالفعل البيئة الاستراتيجية الدولية. ومن الممكن أن تحاول قوى أخرى غير روسيا تقليد تصرفات روسيا في أوكرانيا، من أجل تغيير وضع سياسي أو إقليمي راهن محمي نووياً، أو إنهاء صراع في ظل ظروف مواتية لدولة تمتلك السلاح النووي وتهدد باستخدامه، أو إذا أرادت دولة نووية فرض معادلات جديدة.

يقول ضابط فرنسي: «لولا الأسلحة النووية، لكان (حلف شمال الأطلسي) قد طرد روسيا بالفعل من أوكرانيا. لقد فهم الجميع ذلك في جميع أنحاء العالم».

من الجانب الروسي، يعتبر الكرملين أن الحرب في أوكرانيا جاء نتيجة عدم الاكتراث لمخاوف الأمن القومي الروسي إذ لم يتم إعطاء روسيا ضمانات بحياد أوكرانيا ولم يتعهّد الغرب بعدم ضم كييف إلى حلف الناتو.

وترى روسيا كذلك أن حلف الناتو يتعمّد استفزاز روسيا في محيطها المباشر، أكان في أوكرانيا أو في بولندا مثلا حيث افتتحت الولايات المتحدة مؤخرا قاعدة عسكرية جديدة لها هناك. وقد اعتبرت موسكو أن افتتاح القاعدة الأميركية في شمال بولندا سيزيد المستوى العام للخطر النووي.