«سوبرينو دي بوتان» أقدم مطعم في العالم حسب موسوعة «غينيس»

قبل تمام الواحدة ظهراً، وأبواب المطعم على وشك أن تُفتح أمام الضيوف لتناول الغداء، يرتقي اثنان من السياح الإسبان ومرشدهم السياحي السلالم الضيقة المؤدية إلى الطابق الرئيسي من مطعم «سوبرينو دي بوتان Sobrino de Botín»، والمعروف هناك اختصاراً باسم «مطعم بوتان Botin»، في حين يقف رجل أنيق فيبسترة بيضاء فاخرة وربطة عنق سوداء ليجيب على الاتصالات الهاتفية من الزبائن الذين يحاولون حجز الطاولات للغداء أو العشاء في هذا المطعم الراقي، والذي يعد أقدم مطعم في العالم حسب موسوعة «غينيس» للأرقام القياسية، إذ تأسس أول الأمر في عام 1725 ميلادية.
قد يحالف الزبائن الحظ الذين يتصلون يبحثون عن حجز في نفس اليوم في العثور على طاولة بالمطعم، ولكن ربما يتعين عليهم الوصول إلى المطعم في وقت متأخر يقارب الساعة الحادية عشرة مساء ذلك اليوم. وفي حين أن رنين هاتف المطعم لا يتوقف طوال اليوم، ويتحقق النادلون على الدوام من وضع الأدوات والأطباق في ترتيب مثالي، فإن صف الانتظار خارج المطعم في تزايد مستمر. ولا يزور المطعم السياح فحسب، وإنما العديد من العائلات الإسبانية التي لا تعتبر رحلتهم إلى العاصمة مدريد كاملة من دون زيارة هذا المطعم لتناول الغداء أو العشاء هناك.
ومطعم «بوتان» معروف للغاية هناك لدرجة أنه ليس من الضروري إعطاء العنوان لسائق الأجرة كي يوصلك إليه. والجميع هناك يعلم أنه يحتل الرقم 17 من شارع كوشيلروس بجوار مايور بلازا في قلب العاصمة مدريد.
وتتكون الواجهة الخارجية للمطعم بالإضافة إلى الباب الرئيسي الأصلي من الخشب. وبالمطعم خمس صالات للطعام موزعة على أربعة طوابق. وهناك الكثير من المشغولات الخشبية والحجر الأحمر الصغير داخل المطعم، كما أن مبنى المطعم الحالي هو المبنى الأصلي القديم. وبالداخل مساحة متسعة ومريحة وتتسم بالكلاسيكية والألفة، تماماً كما يصفها السيد أنطونيو غونزاليز الذي ينحدر من عائلة غونزاليز التي تدير ذلك المطعم، ويقول: «وصلت عائلتي إلى الأراضي الإسبانية في عشرينات القرن الماضي واستقرت وواصلت الحياة هنا منذ ذلك الحين وإنني أمثل الجيل الرابع لأسلافي».
ويعرف السيد أنطونيو، الذي يعمل في المطعم مثل بقية أفراد عائلته، تاريخ هذا المكان جيداً. ويوضح ذلك بقوله: «تأسس المطعم على أيدي طاهٍ فرنسي يُدعى جان بوتان، وهو يعد أقدم مطعم في العالم نظراً إلى أنه لم يغلق أبوابه أبداً ولم يُبدل اسمه قط. لقد ظل المطعم في حالة تشغيلية مستمرة منذ تاريخ التأسيس». وهناك تاريخ مسجل على مدى سنوات عمل المطعم. ويبدو تاريخ المكان نفسه مسجلاً في كل ركن من أركانه وبطريقة أليفة للغاية تتبدى في قائمة الطعام التي يجب عليك إفرادها أولاً كي تتمكن من الاطلاع على محتوياتها.
وفي أثناء إجراء المقابلة داخل المطعم، وصل أكثر من مائة شخص لالتقاط الصور وبعض مقاطع الفيديو للمكان، وكلهم كانوا متوخين الحذر الشديد في أثناء عبور الممرات الضيقة داخل المطعم. ولأجل الذهاب إلى الطابق السفلي، عليك خفض رأسك بعض الشيء لأن ارتفاع السقف هو أدنى من المعتاد، ثم يقول إنطونيو: «إنها مساحات صغيرة، والأبواب أقل ارتفاعاً وأكثر ملاءمة لارتفاع الناس في وقت بناء المطعم».
ولم يطرأ أي تعديل على مبنى المطعم طوال السنوات التي مرت منذ بنائه. والمطبخ صغير للغاية، ولكن الطهاة يعملون بسرعة كبيرة، تماماً مثل النادلين الذين يتلقون الطلبات من كل مائدة.
ويوضح أنطونيو الأمر قائلاً: «إنه المبنى الأصلي للمطعم منذ عام 1725 مع قبو يرجع إلى القرن السادس عشر الميلادي، ولدينا هنا وثائق تاريخية تعود إلى عام 1580، وهو أقدم موضع من المبنى. ويرجع الفرن إلى نفس الفترة الزمنية». ومن الأطباق المميزة في المطعم هناك الأطباق المخبوزة التي تُطهى في أفران حرق الخشب القديمة الأصلية. ومن بين أبرز الأطباق المشهورة هناك طبق لحم الضأن وسمك النازلي المصحوب بالبطاطا. وتقدم الأطعمة في أطباق فخارية مستديرة ودائماً ما تكون ساخنة. وفرن المطعم قديم للغاية لدرجة أن الضيوف دوماً ما يطلبون التقاط الصور بجواره، إلى جانب الطهاة الذين يرتدون ملابس العمل البيضاء التي لا تشوبها شائبة جراء العمل اليومي هناك.
ويقدم المطعم الأطباق التقليدية الإسبانية. وهناك بعض وصفات الطهي التي تعود إلى أسلاف عائلة غونزاليز والتي منحت للمطعم شخصيته المتميزة.
وإلى جوار مائدة مستديرة وصغيرة، بالقرب من السلم الموصل إلى الطابق السفلي من المطعم، هناك صالتان للطعام بمساحة واسعة وأنيقة محجوزة للعديد من شهادات التقدير والعرفان والامتنان، ونسخة من كتاب «موسوعة غينيس للأرقام القياسية العالمية» لعام 2010، حيث تم اعتماد المطعم على اعتباره أقدم مطاعم العالم قاطبة.
ويقول أنطونيو إن أحد ضيوف المطعم راسل مؤسسة «غينيس» في عام 1987، مشيراً إلى أن ذلك المطعم في العاصمة مدريد ربما يكون أقدم مطعم في العالم فعلاً. فما كان من المؤسسة إلا أن اتصلوا بإدارة المطعم للتحقق من الأمر وخلصوا إلى الحقيقة التاريخية المؤكدة.
ويواصل أنطونيو قائلاً: «نحن سعداء للغاية بذلك التقدير غير أنه لا يغير من شيء في الطريقة التي نؤدي بها الأمور هنا». ويعد المطعم من معالم الزيارة الرئيسية بالنسبة إلى أي جولة سياحية في العاصمة مدريد. وفي أي يوم عادي، يحسب أنطونيو وصول أكثر من 600 شخص لزيارة المطعم. ويتسع المطعم لنحو 200 ضيف في المناوبة الواحدة، كما أن المطعم يقدم الغداء فيما بين الساعة الواحدة والثالثة من عصر كل يوم، والعشاء بين الساعة الثامنة مساءً وحتى الساعة الثانية من صباح اليوم التالي.
والحلوى الموصى بها في ذلك المطعم هي «تارت بوتان»، وهي كعكة إسفنجية بالكريمة المخفوقة والمرنغ. وكل المأكولات في هذا المطعم تتسم بنكهة خاصة تقليدية ومحلية، ويبدو ذلك واضحاً في المبنى والمناخ العام للمطعم.