عدوى الصراع السياسي العراقي تصيب مكونات السلطة القضائية

«مجلس القضاء الأعلى» يتهم المحكمة الاتحادية بتضليل الرأي العام

TT

عدوى الصراع السياسي العراقي تصيب مكونات السلطة القضائية

يبدو أن الصراع السياسي المتواصل بين الأفرقاء السياسيين العراقيين قد انتقل هذه المرة ليصيب بعدواه السلطة القضائية، التي تمثل إحدى سلطات الحكم الثلاث الأساسية التي تأسست بعد 2003، إلى جانب السلطتين التنفيذية ممثلة بمجلس الوزراء، والتشريعية بالبرلمان.
ولأول مرة منذ سنوات، تبرز إلى العلن خلافات واتهامات متبادلة بين «المحكمة الاتحادية»، التي يترأسها القاضي مدحت المحمود، و«مجلس القضاء الأعلى» الذي يرأسه القاضي فائق زيدان، حول أهمية وعلو مكانة كل منهما، وصلت حد اتهام مجلس القضاء للمحكمة الاتحادية بتضليل الرأي العام، بعد قولها إن دورها أكثر أهمية من دوره.
واعتبرت المحكمة الاتحادية العليا أنها تمثل أعلى هيئة قضائية في العراق، وأعلى مكونات السلطة القضائية الاتحادية، ثم يليها مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي. وقال المتحدث الرسمي للمحكمة إياس الساموك في بيان، أول من أمس، إن «أهمية المحكمة الاتحادية العليا تأتي من باب الرقابة، التي تمارسها على ما يصدر من السلطات من قوانين وتنظيمات، لمعالجة أي تجاوز يحصل للدستور».
لافتا إلى أن «الدستور العراقي نص وفق المادة (89) منه على أن السلطة القضائية الاتحادية تتكون من عدة مكونات، أعلاها المحكمة الاتحادية العليا، ثم مجلس القضاء الأعلى، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي»، وأنها بموجب الدستور «تتمتع بالاستقلال المالي والإداري، وليست تابعة لمجلس القضاء الأعلى، بل هناك هرم للسلطة القضائية الاتحادية في أعلى الهرم هو المحكمة الاتحادية العليا».
وأثار كلام المحكمة الاتحادية حفيظة مجلس القضاء الأعلى، ودفعه إلى الرد ببيان مماثل، شدد فيه على أن «المسؤولية والواجب الأخلاقي والقضائي يفرضان الأمانة والدقة في تفسير النصوص الدستورية والقانونية، ويفترض أن يتم ذلك بشكل موضوعي، وليس وفق أسلوب تفسير النصوص بما يتفق والمصلحة الشخصية».
وقال المركز الإعلامي لمجلس القضاء الأعلى، في بيان أمس، إن كلام المحكمة الاتحادية «غير صحيح ويضلل الرأي العام».
ورأى البيان أن مجلس القضاء هو الأكثر أهمية من بين مكونات السلطة القضائية لأن المادة (89) من دستور جمهورية العراق لسنة 2005، نصت على «تعداد مكونات السلطة القضائية بحسب تسلسل أهميتها، وهي مجلس القضاء الأعلى، والمحكمة الاتحادية، ومحكمة التمييز الاتحادية، وجهاز الادعاء العام، وهيئة الإشراف القضائي، والمحاكم الاتحادية الأخرى. ومن هذا النص يتضح جلياً أن مجلس القضاء الأعلى ورد ذكره قبل المحكمة الاتحادية، وبذلك فهو يتقدم في الأهمية والعلوية على المحكمة الاتحادية. مشيرا إلى أنه «لا يوجد أي نص في الدستور، أو في القانون، يشير إلى علوية المحكمة الاتحادية على باقي مكونات السلطة القضائية».
ورأى مصدر قضائي رفيع، أن «النزاع والتراشق بالبيانات الحادة اللهجة داخل السلطة القضائية، يتعلق بالصراع غير المعلن بين رئيس المحكمة الاتحادية العليا القاضي مدحت المحمود، والرئيس الحالي لمجلس القضاء الأعلى القاضي فائق زيدان حول من هو الأعلى».
وقال المصدر، الذي فضل عدم الإشارة إلى اسمه، لـ«الشرق الأوسط»: «الحقيقة أنه صراع شخصي بحت، يريد الطرفان تغليفه بأطر قانونية ودستورية، في حين لا شأن للقانون ولا للدستور ولا للعدالة به». مؤكدا أن «الصراع لم يكن قائما عندما كان القاضي مدحت المحمود يشغل منصب رئيس مجلس القضاء والمحكمة الاتحادية، لكن اليوم برز بقوة بسبب التنافس بين الرجلين، وأتصور أن الصراع ليست له قيمة قانونية أو دستورية أو عملية تذكر».
ويؤكد المصدر القضائي أن الدستور العراقي «لا ينص على علوية إحدى الجهات على الأخرى. لكنها مكونات ستة للقضاء تتساوى في كونها مكونا للقضاء فقط، وهذه إحدى أهم سمات السلطة القضائية النابعة من استقلالها، ولكون مكوناتها يراقب ويحاسب بعضها بعضا، ويتقاضى بعضها ضد بعض، ويحكم بعضها على أو لمصلحة بعض، أي أنها مكونات متساوية، شأنها شأن الوزارات داخل السلطة التنفيذية، ولكل منها واجباته واختصاصاته وليس لأحد أن يقول إنه الأعلى».
ويوافق الخبير القانوني طارق حرب على عدم تحديد الدستور العراقي «من هو المكون الأعلى في السلطة القضائية، والمادة 89 من الدستور صريحة في ذلك». ويضيف في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن الدستور «منح مجلس القضاء الأعلى صلاحية إدارة شؤون الهيئات القضائية. لكن ذلك لا يجعله أعلى من بقية الهيئات بالضرورة».
ويعتقد حرب أن «أساس المشكلة يكمن في عدم صدور قانون السلطة القضائية، وبالتالي عدم انتخاب رئيس أعلى للسلطة القضائية أسوة بالسلطتين التشريعية والتنفيذية».



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.