العقوبات الغربية على إيران «توجع» مناطق النظام

أزمة في الغاز المنزلي وحليب الأطفال

TT

العقوبات الغربية على إيران «توجع» مناطق النظام

بدأت الآثار السلبية للعقوبات الاقتصادية الغربية المفروضة على إيران، تظهر في سوريا. وإلى جانب أزمة الغاز التي فاقمت أزمة الكهرباء، طفت على السطح أزمة جديدة بافتقاد حليب الأطفال في الأسواق السورية.
والأزمة، بحسب مصادر صيدلانية في دمشق، بدأت منذ شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي؛ إذ تراجعت كمية الحليب الموزعة على الصيدليات إلى أن توقفت تماما قبل أسبوع. وبحسب معلومات من مصادر، فإن أزمتي الغاز والحليب بدأتا في الشهر العاشر من العام الماضي، وهو الشهر الذي فرضت فيه الولايات المتحدة الأميركية حزمة جديدة من العقوبات الاقتصادية على إيران.
نقيب الصيادلة في سوريا أكد في تصريحات إعلامية أن الأصناف غير المتوفرة من حليب الرضع هي «التي يتم استيرادها من إيران» وأن «الحصار الأميركي على إيران أثر على وصـول كميات الحليب إلى سوريا؛ الأمر الذي سبب شحاً في المادة وتسبب في طلب زائد عليها». ونفى وجود أزمة حليب في السوق، مؤكدا على وجود بدائل للأصناف المفتقدة. وأشار إلى أن «الباخرة المحملة بحليب الأطفال آتية من إيران وفي طريقها إلى سوريا وستصل في غضون أيام». وعلمت «الشرق الأوسط» من مصادر أن كل أصناف حليب الرضع مفتقدة منذ أسابيع، وما يتوفر يأتي عن طريق التهريب من لبنان ويباع بأسعار مضاعفة، وذلك بعد أن أوقف الوكلاء السوريون المستوردون استقدام حليب، ربما تمهيداً لرفع سعره، بعد ارتفاع سعر صرف الدولار ليتجاوز 500 ليرة سورية، فالعلبة التي كانت تباع بنحو 2700 ليرة سورية، باتت المهربة منها تباع بـ8 آلاف ليرة (16 دولارا تقريبا)، وهو رقم باهظ لغالبية الأسر السورية ذات الدخل المحدود؛ إذ إن قيمة حاجة الطفل من الحليب لمدة شهر تعادل راتبا شهريا للموظف، والطفل يحتاج إلى علبة كل 4 أو 5 أيام.
وبحسب المصادر، فإن الحليب المفقود مكمل غذائي للرضع من عمر شهر إلى 6 أشهر، من الذين لا يكتفون بحليب الأم الطبيعي، وأول وأهم من اختص بإنتاجه شركة «نستله». وبدأت سوريا تستورده من إيران بعد نشوب الحرب وإغلاق مصنع «نستله» بريف دمشق، وفرض عقوبات اقتصادية دولية على سوريا. ولفتت المصادر إلى ظهور أصناف كثيرة من حليب الرضع في السوق خلال الحرب، أغلبها يتم استيراده من إيران.
وبدأت الصيدليات في دمشق تعلق على أبوابها عبارة: «الرجاء عدم السؤال، ليس لدينا حليب أطفال» تجنبا لإحراج السؤال. أحد الصيادلة قال إن أمّاً صغيرة بالسن انهارت بالبكاء عندما قال لها إنه لا يوجد لديه حليب أطفال.
وتلجأ بعض الأمهات إلى الاستعاضة عن الحليب الصناعي لتغذية أطفالهن بحليب بقر طبيعي بعد تخفيفه بالماء، رغم ما قد يسببه من مشكلات صحية للرضيع في شهوره الأولى. وما يعقد الأزمة ويزيد القلق غموض التصريحات الرسمية حول أسباب الأزمة وكذب الوعود بحلول عاجلة، كالحديث المكرر عن وجود بواخر محملة بالمواد المفتقدة في طريقها إلى البلاد أو أن الأحوال الجوية تعوق وصولها.
وتشهد معظم المحافظات السورية أزمة حادة في توفر مادة الغاز المنزلي، منذ أكثر من شهرين، لا سيما في محافظات حلب واللاذقية ودمشق وحماة، وذلك بالتزامن مع ارتفاع الطلب عليها مع دخول فصل الشتاء، حيث يُقدّر الاستهلاك اليومي للمحافظات السورية من مادة الغاز المنزلي بـ110 آلاف أسطوانة غاز، منها 40 ألف أسطوانة للعاصمة دمشق، وتتضاعف نحو 3 مرات خلال فصل الشتاء، يُغطّي ثلثها الإنتاج المحلّي والباقي يُستقدم استيراداً من روسيا وإيران ومصر، وفق المعلومات الحكومية. ويبلغ سعر الأسطوانة المنزلية 2500 ليرة سورية، (5 دولارات)، وارتفع ليتجاوز 10 آلاف ليرة سورية في السوق السوداء خلال الأزمة.
وفشلت وعود حكومة النظام بحلول سريعة في طمأنة السوريين بانفراج قريب، وذلك رغم التأكيدات بوصول 3 بواخر محملة بمادة الغاز، والتذرع بسوء الأحوال الجوية في تأخر إفراغ حمولتها؛ آخرها تصريح مدير فرع الغاز في دمشق وريفها منصور طه، لإذاعة محلية بأن «الأحوال الجوية أدت لإغلاق الموانئ البحرية وعدم القدرة على تفريغ البواخر المحملة بالغاز».
وقال وزير النفط المهندس علي غانم إن الحصار الاقتصادي «أدى إلى إيقاف جزء كبير من عمليات توريد الغاز»، علما بأن الإنتاج المحلي من الغاز المنزلي يبلغ 30 في المائة فقط، في حين يتم استيراد كامل الكمية المتبقية.
وبين الوزير غانم أنه مع استكمال الجيش السيطرة على المناطق التي تحتوي الآبار النفطية، فمن المتوقع أن يزداد الإنتاج من المعامل الغازية الموجودة في المنطقة الشمالية، وبالتالي ستتم تغطية الاحتياجات كافة للبلاد من الغاز.



«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
TT

«الرئاسي اليمني» يُطلق حرباً على الفساد في المؤسسات الحكومية

مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)
مجلس القيادة الرئاسي في اليمن يبدأ حملة واسعة لمكافحة الفساد وحماية المال العام (سبأ)

في خطوة غير مسبوقة تهدف إلى مواجهة الفساد المستشري في المؤسسات الحكومية وحماية المال العام، أعلن مجلس القيادة الرئاسي في اليمن حزمة من الإجراءات المنسقة لمكافحة الفساد وغسل الأموال وتمويل الإرهاب، وتعزيز المركز القانوني للدولة، وذلك بعد تلقي المجلس تقارير من الأجهزة الرقابية والقضائية حول قضايا فساد كبرى وقعت في الأعوام الأخيرة.

وأفاد الإعلام الرسمي بأنه، بناءً على توصيات من رئيس مجلس القيادة الرئاسي رشاد العليمي، صدرت توجيهات مستعجلة لاستكمال إجراءات التحقيق في القضايا قيد النظر، مع متابعة الجهات المتخلفة عن التعاون مع الأجهزة الرقابية.

وشدد مجلس الحكم اليمني على إحالة القضايا المتعلقة بالفساد إلى السلطة القضائية، مع توجيهات صريحة بملاحقة المتهمين داخل البلاد وخارجها عبر «الإنتربول» الدولي.

رئيس مجلس القيادة الرئاسي في اليمن رشاد العليمي (سبأ)

وأمر العليمي -حسب المصادر الرسمية- بتشكيل فريق لتقييم أداء هيئة أراضي الدولة وعقاراتها، التي تواجه اتهامات بتسهيل الاستيلاء على أراضيها من قِبل شخصيات نافذة. كما شدد على إلغاء جميع التصرفات المخالفة للقانون وملاحقة المتورطين.

وبينما تشير هذه الخطوات الجادة من مجلس القيادة الرئاسي إلى التزام الحكومة اليمنية بمكافحة الفساد، وتحسين الأداء المؤسسي، وتعزيز الشفافية، يتطلّع الشارع اليمني إلى رؤية تأثير ملموس لهذه الإجراءات في بناء دولة القانون، وحماية موارد البلاد من العبث والاستغلال.

النيابة تحرّك 20 قضية

ووفقاً لتقرير النائب العام اليمني، تم تحريك الدعوى الجزائية في أكثر من 20 قضية تشمل جرائم الفساد المالي، وغسل الأموال، وتمويل الإرهاب، والتهرب الضريبي. ومن بين القضايا التي أُحيلت إلى محاكم الأموال العامة، هناك قضايا تتعلّق بعدم التزام بنوك وشركات صرافة بالقوانين المالية؛ مما أدى إلى إدانات قضائية وغرامات بملايين الريالات.

كما تناولت النيابة العامة ملفات فساد في عقود تنفيذ مشروعات حيوية، وعقود إيجار لتوليد الطاقة، والتعدي على أراضي الدولة، وقضايا تتعلق بمحاولة الاستيلاء على مشتقات نفطية بطرق غير مشروعة.

مبنى المجمع القضائي في العاصمة اليمنية المؤقتة عدن (سبأ)

ومع ذلك، اشتكت النيابة من عدم تجاوب بعض الجهات الحكومية مع طلبات توفير الأدلة والوثائق، مما أدى إلى تعثر التصرف في قضايا مهمة.

وأوردت النيابة العامة مثالاً على ذلك بقضية الإضرار بمصلحة الدولة والتهرب الجمركي من قبل محافظ سابق قالت إنه لا يزال يرفض المثول أمام القضاء حتى اليوم، بعد أن تمّ تجميد نحو 27 مليار ريال يمني من أرصدته مع استمرار ملاحقته لتوريد عشرات المليارات المختلسة من الأموال العامة. (الدولار يساوي نحو 2000 ريال في مناطق سيطرة الحكومة اليمنية).

وعلى صعيد التعاون الدولي، أوضحت النيابة العامة أنها تلقت طلبات لتجميد أرصدة أشخاص وكيانات متورطين في غسل الأموال وتمويل الإرهاب. وبينما أصدرت النيابة قرارات تجميد لبعض الحسابات المرتبطة بميليشيات الحوثي، طلبت أدلة إضافية من وزارة الخزانة الأميركية لتعزيز قراراتها.

تجاوزات مالية وإدارية

وكشف الجهاز المركزي اليمني للرقابة والمحاسبة، في تقريره المقدم إلى مجلس القيادة الرئاسي، عن خروقات جسيمة في أداء البنك المركزي منذ نقله إلى عدن في 2016 وحتى نهاية 2021. وتضمنت التجاوزات التلاعب في الموارد المالية، والتحصيل غير القانوني للرسوم القنصلية، وتوريد إيرادات غير مكتملة في القنصلية العامة بجدة وسفارتي اليمن في مصر والأردن.

وأفاد الجهاز الرقابي بأن التجاوزات في القنصلية اليمنية في جدة بلغت 156 مليون ريال سعودي، تم توريد 12 مليون ريال فقط منها إيرادات عامة، في حين استولت جهات أخرى على الفارق. أما في مصر فتم الكشف عن استيلاء موظفين في السفارة على 268 ألف دولار من إيرادات الدخل القنصلي باستخدام وثائق مزورة.

وفي قطاع الكهرباء، كشف تقرير الجهاز المركزي للرقابة والمحاسبة عن مخالفات جسيمة في عقود توفير المشتقات النفطية، تضمّنت تضخيم تكلفة التعاقدات وإهدار المال العام بقيمة تزيد على 285 مليون دولار. كما أشار التقرير إلى اختلالات في عقود السفينة العائمة لتوليد الطاقة التي تضمنت بنوداً مجحفة وإعفاءات ضريبية وجمركية للشركة المتعاقد معها.

وتحدّث الجهاز الرقابي اليمني عن اعتداءات ممنهجة على أراضي الدولة، تشمل مساحة تزيد على 476 مليون متر مربع، وقال إن هذه الاعتداءات نُفّذت بواسطة مجاميع مسلحة وشخصيات نافذة استغلّت ظروف الحرب لنهب ممتلكات الدولة. كما تم تسليم أراضٍ لمستثمرين غير جادين تحت ذرائع قانونية؛ مما تسبّب في إهدار أصول حكومية ضخمة.

وحسب التقارير الرقابية، تواجه شركة «بترومسيلة» التي أُنشئت لتشغيل قطاع 14 النفطي في حضرموت (شرق اليمن)، اتهامات بتجاوز نطاق عملها الأساسي نحو مشروعات أخرى دون شفافية، إلى جانب اتهامها بتحويل أكثر من مليار دولار إلى حساباتها الخارجية، مع غياب الرقابة من وزارة النفط والجهاز المركزي.