السورينام تودع شاعرها الأبرز ميشال سلوري

السورينام تودع شاعرها الأبرز ميشال سلوري
TT

السورينام تودع شاعرها الأبرز ميشال سلوري

السورينام تودع شاعرها الأبرز ميشال سلوري

رحل في 19 ديسمبر (كانون الأول) الماضي الشاعر السورينامي ميشال سلوري عن 83 عاماً، الذي يحتل موقعاً خاصاً في أدب سورينان منذ إصدار مجموعته الشعرية الأولى التي كتبها في الثالثة والعشرين من العمر.
وكان الشاعر غزير الإنتاج، فقد كان يصدر معدل مجموعتين شعريتين أو 3 في غضون عام باللغات الهولندية والإسبانية والسرانانية، وهي إحدى لغات الكريول، وتستخدم لغة تواصل مشتركة من قبل نحو 400 ألف نسمة في سورينام.
نشر ميشال سلوري كثيراً من أعماله في مجلة «ترو تايم»، التي عبر فيها عن احتجاجه على الانتهاكات التي تعرض لها شعبه.
وعلى الرغم من كثير من الدواوين الشعرية التي غاب عنها الهاجس السياسي، يصعب تخيل سلوري خارج الحدث الاجتماعي في سورينام. جميع قصائده تقريباً، وكذلك شعر الحب والطبيعة الغنائية، لها طبقة ثانية يفهمها فقط أولئك الذين لديهم بعض التبصر في العلاقة بين التدهور الاجتماعي والثقافي في سورينام. لكن «الأمل في إعادة تأسيس دولة سورينام على الصعيدين الاجتماعي والنفسي لا يمكن على أي نحو مواصلته، دون أن يتم نحت الندوب في الجلد. إنه ضوء مشكوك فيه ولكنه جميل المظهر»، كما ورد في إحدى قصائده.
في يونيو (حزيران) من العام الماضي، صدرت آخر مجموعة شعرية له، خلافاً لأسلوبه، احتوت على كثير من النثر. وعلاوة على ذلك، فإن العنوان لا يخلو من التنبؤ: «كما لو أن المرء يترك كل شيء».
هنا قصائد مترجمة منها:
الخراب
ها أتمسك بوجهك المحطم
في الجزائر،
نحن اللصوص على الرصيف
بين المنازل في غواتيمالا،
إذ في بنما
ما زال الناس يشربون
دماء أطفالهم.
في خنادق فنزويلا،
لا تتحدث معي عن الفوضى
لدينا ما يكفي منها
في قلوبنا.
نحن اللصوص على الطريق،
نلهث دائماً.
رفض
يا زنوج!
إذا نظرنا إلى الوراء
لرؤية ما حدث
سوف يتم تلخيصنا
في النسيان
لكن عندما استدرت،
رأيت البحر
ينساب نحو خيوط الببغاء.
في الرغوة البيضاء،
لمحت دموعاً تتدفق،
حينها تنهدت في أعماقي:
يا زنوج!
كيف بمقدورنا أن ننظر
في المرآة
والتاريخ، أسود، أسود؟

فن المستطاع
بالإمكان
صناعة قناع
من الضوء.
بالمستطاع أيضاً
أن تستوعب ضفائرُ العشب
الصباح الباكر
متناثراً فوق جسد الجداول
بالمقدور أيضاً
أن تكون الصفصافة
دون بكاء.
مخرماً بالرصاص
في شوارع كاراكاس
يمكنك أن تسير في المنحدرات.
آه لقد قتلوا للتو فابريسيو أوخيدا.
وقد حمله أصدقاؤه
إلى المقبرة.
ليس لدي شيء لأقوله.
ماذا علي أن أقول لك؟

الصيادون
لقد فارقتم الحياة
وغالباً من دون أن تبلغوا
حافة السعادة
رازحين تحت وطأة اللايقين، دائماً.
سأدعكم تمضون مرة أخرى
مع شباككم
قديمة هي وبالية
لكنها مليئة بالقصص.

مدخّنة
وصلت السمكة إلى الجرف
تم إعدادها تحت الأشجار.
كم أنفقتم من أجل ذلك؟
حقاً ما هو الثمن؟

للمياه
امنح إيقاعك
لكلماتي،
الماء الذي يتصاعد باستمرار إلى أعلى وأسفل.
صب طيات الأمواج
كما الزبد
في أنفاسي
لا تستطيع القيثارة بمفردها
أن تحرر فمي
لنتحدث لغة الفجر.
هب إيقاعك
لكلماتي،
الماء الذي يغسل النهار خصيصاً لي.



مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
TT

مسرحية «5 دقايق» تختصر زمن الوفاء للأهل بـ50 دقيقة

مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)
مايا سعيد مع بطلي العمل طارق تميم وسولانج تراك (مايا سعيد)

تختصر المخرجة مايا سعيد زمن الوفاء للوالدين بمسرحية «5 دقايق». اختارت عرضها في موسم عيد الميلاد، الموعد نفسه الذي خسرت فيه والدها. فكرّمته على طريقتها ضمن نص بسيط ومعبّر، يترك أثره عند متابعه ويتسلل إلى مشاعره من دون أن تفرض عليه ذلك. لا مبالغة في الوقت ولا في الحوارات.

رسالة إنسانية بامتياز تمرّ أمامك بـ50 دقيقة لتستوعب هدفها في الدقائق الخمس الأخيرة منها. على مسرح «ديستركت 7» في بيروت يقام العرض. ومع بطلي المسرحية طارق تميم وسولانج تراك وضعت مايا سعيد الشخصيتين اللتين يؤديانهما بتصرفهما، فأدركا دقّة معانيهما بحيث جسّداهما بعفوية تليق بخطوطهما.

مسرحية «5 دقايق» تحية تكريمية في ذكرى من نحبّهم (مايا سعيد)

بحوارات تميل إلى الكوميديا رغبت مايا سعيد في إيصال رسالتها المؤثرة. لم تشأ أن تحمّل المشاهد همّاً جديداً. ولا أن تُغرقه بمشاعر الأسى والحزن. فموسم الأعياد يجب أن يطبعه الفرح، ولكن لا بأس إذا ما تحررنا من أحاسيس حبّ مكبوتة في أعماقنا، وتكمن أهميتها بمنبعها فهي آتية من ذكرى الأهل.

تحكي المسرحية عن ليلة ميلادية تقتحم خلالها سيدة غريبة منزل «الأستاذ حرب»، فتقلبه رأساً على عقب بالشكلين الخارجي والداخلي. وتجري أحداث العمل في مساحة ضيقة على خشبة تتزين بديكورات بسيطة. وتتألّف من شجرة عيد الميلاد وكنبة وطاولة. وإذا ما تفرّجنا على هذا المكان بنظرة ثلاثية الأبعاد، سنكتشف أن الخشبة تُشبه شاشة تلفزيونية. فحلاوتها بعمقها وليس بسطحها العريض. مربّعة الشكل يتحرّك فيها البطلان براحة رغم ضيق المكان. يشعر المشاهد بأنه يعيش معهما في المكان والزمان نفسيهما.

وتعلّق مايا سعيد، كاتبة ومخرجة العمل، لـ«الشرق الأوسط»: «ينبع الموضوع من تجربة شخصية عشتها مع والدي الذي رحل في زمن الميلاد. وعندما تدهورت حالته الصحية عاش أيامه الخمسة الأخيرة فاقداً الذاكرة. ومثله مثل أي مريض مصاب بألزهايمر لم يكن في استطاعته التعرّف إليّ. وهو أمر أحزنني جداً».

من هذا المنطلق تروي مايا سعيد قصة «5 دقايق». وضمن أحداث سريعة وحوارات تترك غموضاً عند مشاهدها، يعيش هذا الأخير تجربة مسرحية جديدة. فيحاول حلّ لغز حبكة نصّ محيّرة. ويخيّل له بأنها مجرّد مقتطفات من قصص مصوّرة عدّة، ليكتشف في النهاية سبب هذا التشرذم الذي شرّحته المخرجة برؤية مبدعة.

طارق تميم يجسّد شخصية مصاب بألزهايمر ببراعة (مايا سعيد)

وتوضح مايا سعيد: «رغبت في أن يدخل المشاهد في ذهن الشخصيتين وأفكارهما. وفي الدقائق الخمس الأخيرة وضعته في مكان الشخص الذي يعاني من مرض الطرف الآخر. أنا شخصياً لم أتحمّل 5 أيام ضاع فيها توازن والدي العقلي. فكيف لهؤلاء الذين يمضون سنوات يساعدون أشخاصاً مصابون بمرض ألزهايمر».

وعن الصعوبة التي واجهتها في إيصال رسالتها ضمن هذا العمل تردّ: «كان همّي إيصال الرسالة من دون سكب الحزن والألم على مشاهدها. فنحن خرجنا للتو من حرب قاسية. وكان ذلك يفوق قدرة اللبناني على التحمّل. من هنا قرّرت أن تطبع الكوميديا العمل، ولكن من دون مبالغة. وفي الوقت نفسه أوصل الرسالة التي أريدها بسلاسة».

يلاحظ مشاهد العمل طيلة فترة العرض أن نوعاً من الشرود الذهني يسكن بطله. وعرف طارق تميم كيف يقولبه بحبكة مثيرة من خلال خبرته الطويلة في العمل المسرحي. وبالتالي كانت سولانج تراك حرفيّة بردّ الكرة له بالأسلوب نفسه. فصار المشاهد في حيرة من أمره. وتُعلّق مايا سعيد في سياق حديثها: «طارق وسولانج ساعداني كثيراً في تلقف صميم الرسالة. فتقمصا الشخصيتين بامتياز بحيث قدماهما أجمل مما كُتب على الورق».

ضمن نص معبّر تدور«5 دقايق» (مايا سعيد)

طيلة عرض المسرحية لن يتوصّل مشاهدها إلى معرفة اسمي الشخصيتين. فيختلط عليه الأمر في كل مرة اعتقد بأنه حفظ اسم أحدهما. وكانت بمثابة حبكة نص متقنة كي يشعر المشاهد بهذه اللخبطة. وتستطرد مايا: «لا شك أن المسرحية تتضمن مفاتيح صغيرة تدلّنا على فحوى الرسالة. والتشابك بالأسماء كان واحداً منها».

حاولت مايا سعيد إيصال معاني عيد الميلاد على طريقتها. وتختم: «لهذا العيد معانٍ كثيرة. وأردتها أن تحمل أبعاداً مختلفة تخصّ الأشخاص الذين نحبّهم حتى لو رحلوا عنّا. فغيابهم يحضر عندنا في مناسبات الفرح. وبهذا الأسلوب قد ننجح في التعبير لهم عن ذكراهم في قلوبنا».