بينما يلجأ المارة إلى الاحتماء من العواصف التّرابية الشّديدة، ونسمات البرد الشاردة، بسرعة العودة إلى منازلهم، يقف باعة مصريون جائلون في ميادين القاهرة وشوارعها، وقد ارتسمت على وجوههم ملامح الصبر ممزوجة بغبار العواصف التّرابية.
في زاوية متسعة من شارع شهاب بحي المهندسين في الجيزة، وقف أحمد السيد، (35 سنة)، بائع وجبات سريعة، خلف صندوق خشبي، مستجيباً لطلبات زبائنه. فهو لا يخشى الماء البارد أثناء العاصفة التي تضرب القاهرة حالياً، إذ يضطر بشكل متكرر لغسل أدواته المتواضعة.
يقول أحمد لـ«الشرق الأوسط»: «أحضر إلى هذه النقطة كل صباح، ولا أغادرها إلّا مساءً، فلا موعد محدد لعملي». وأضاف: «طبيعة عملنا تفرض علينا الوجود في الشارع باستمرار، وتحمّل كل ظروف الطقس القاسية، صيفاً وشتاءً». ولفت إلى أنّه «يضطر للنزول للعمل رغم برودة الجو، بسبب الصعوبات المادية وارتفاع الأسعار والالتزامات المادية نحو أسرته».
وضربت مصر أخيراً موجة طقس باردة، وعاصفة ترابية أحدثت اضطرابات ملاحية متأثرة بمنخفض جوي قطبي ضرب 4 بلاد عربية (سوريا والأردن ولبنان وفلسطين).
ولا يشكو الباعة الجائلون في مصر من سوء أحوال الطقس بقدر شكواهم من تعنت الإدارات المحلية معهم، التي تجول لرفع الإشغالات وتزيل في كثير من الأحيان عرباتهم المتنقلة حسب وصف السيد فهمي، بائع جوارب في الجيزة، الذي يضيف لـ«الشرق الأوسط»: «نتحمل البرد والعواصف والأتربة ونتغلب عليها، لكن لا نستطيع تحمل المخاوف المتكررة من رفع رأسمالنا، ودفع غرامة كبيرة».
وفي ميدان عبد المنعم رياض بوسط القاهرة، كانت تجلس سيدة خمسينية، تدعى آمال ناصر، تبيع الذرة المشوي، أسفل جسر 6 أكتوبر العلوي الذي يعبر نهر النيل ويربط بين مدينتي القاهرة والجيزة. قالت لـ«الشرق الأوسط» إنّها تتعرض لوعكات صحية ونزلات برد متكررة بسبب عملها في الشارع، لكنّها تضطر إلى بيع الذرة بسبب حاجتها للمال، للإنفاق على أسرتها بعد وفاة زوجها. وتضيف بنبرة حزينة: «لو أملك مالاً يكفيني لأسبوع كامل، لن أنزل في عز البرد هكذا».
بائعو البطاطا المشوية المتجولون كذلك، ليسوا في مأمن من الرياح الباردة. عماد محمد، (40 سنة)، بائع بطاطا بالدقي، يقول: «الطقس السيئ يبعد المارة عن الشارع ويعيدهم إلى منازلهم، وبالتالي فإن الإقبال على شراء البطاطا خفيف، لذلك نلجأ إلى الشوارع الجانبية الضيقة أحياناً هروباً من نسمات الشوارع الكبيرة المفتوحة الباردة».
وبينما يصعب تحديد أعداد الباعة الجائلين في مصر بشكل رسمي، فإن بعض خبراء الاقتصاد يقدر أعدادهم بنحو 6 ملايين شخص، يعملون في كل المجالات تقريباً ويبيعون كل المنتجات في الشارع. ويوجدون بشكل لافت في المناطق المزدحمة بالمارة مثل المناطق المحيطة ببوابات محطات مترو أنفاق القاهرة الكبرى شديدة الزحام، وبالقرب من محطة مصر للسكك الحديدية بميدان رمسيس بوسط القاهرة، وميدان العتبة أكبر سوق شعبية لبيع الملابس الجاهزة في القاهرة، بالإضافة إلى ميدان الجيزة، حلقة الوصل بين أحياء المدينة المكتظة بالسكان.
باعة جائلون يصمدون أمام تقلبات شتاء القاهرة
باعة جائلون يصمدون أمام تقلبات شتاء القاهرة
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة