اتسم أسبوع التداول الأول لعام 2019 ببعض الاضطرابات، ولكنه شهد إغلاقاً بوتيرة أكثر هدوءاً. فقد تمكن مؤشر «بلومبرغ» للسلع من الصعود ليسجل أول مكاسب أسبوعيّة له في 5 أسابيع، وذلك بعد أن بلغ المؤشر أدنى مستوى له في 33 شهراً. ويعزى سبب اضطراب السوق العالمية إلى انعدام اليقين الاقتصادي والسياسي، لكن بعض الدعم أتى من توقّف تشديد السيولة يوم الجمعة الماضي بعد تأكيد العاصمة الصينية بكين أن وفداً تجارياً أميركياً سيزور الصين في الفترة بين 7 و8 يناير (كانون الثاني).
وأكد تقرير صادر عن «ساكسو بنك» تزايد الثقة بحدوث انفراجة، خصوصاً بعد أن أظهرت تأثيرات الحرب التجارية بين الولايات المتحدة والصين تسجيل بيانات اقتصادية أضعف من المتوقع في كلا البلدين اللذين يُمثلان أكبر اقتصادين في العالم.
وأضاف التقرير أنه في حين أن الأسهم الأميركية قد سجّلت في مطلع يناير الحالي أسوأ شهرٍ لها منذ مطلع ثلاثينات القرن الماضي، اتسمت سوق العملات ببعض الهدوء على الأقل حتى هذا الأسبوع. كما أن أول تحذير بشأن الأرباح في 16 عاماً من قِبل شركة «آبل» - نتيجة تباطؤ الطلب الصيني - تسبب باضطراب الأسواق، وساعد على إطلاق موجةٍ من المخاطر العالمية.
إلى جانب ذلك، شهدت اليابان انخفاضاً في مستويات السيولة خلال فترة العطلات، مما أدى إلى صعود الين الياباني. وقد انخفض الدولار الأسترالي مقابل الين الياباني، الذي غالباً ما يُنظر إليه على أنه مؤشر على صحة السوق الآسيوية، بنسبة 7 في المائة، قبل أن يستعيد كل خسائره بمجرد إعادة افتتاح سوق طوكيو أمام أنشطة التداول يوم الجمعة الماضي. وأسهمت هذه التطورات وغيرها في انخفاض الدولار للأسبوع الثالث، مما وفر بعض الدعم الإضافي للسلع.
وفي غمرة هذا المزيج من التقلّبات وانعدام اليقين، تمكنت السلع بشكل عام من بدء عام 2019 من تحقيق مكاسب في معظم القطاعات. واستطاع قطاع النفط نسبياً تجاوز المخاوف المتعلقة بالطلب بعد توصّل «أوبك» بقيادة المملكة العربية السعودية إلى اتفاق لخفض الإنتاج بكميات كبيرة.
وشهد خام «برنت»، الذي وجد دعماً في أواخر ديسمبر (كانون الأول) عند المستوى الفني والنفسي البالغ 50 دولاراً للبرميل، أفضل أسبوع له منذ أبريل (نيسان) الماضي.
الذهب
واصلت المعادن الثمينة ارتفاعها للأسبوع الثالث، ولكن الأسواق الهادئة في أماكن أخرى إلى جانب ظروف ذروة الشراء قد عززت الحاجة إلى مزيدٍ من التماسك. ويبدو أن هذه المرحلة قد برزت الآن بالتوازي مع عمليات جني الأرباح التي شهدها الذهب، وذلك بعد أن لامس المعدن الأصفر ولفترة وجيزة مستوى 1300 دولار/ للأونصة يوم الجمعة الماضي.
وأسهمت حركة الدولار والأسهم والسندات في دعم الطلب المتجدد على الأصول الآمنة مثل الذهب. ومع ذلك، فقد حققت الفضة الأداء الأفضل بالمقارنة مع مستوياتها التاريخية الرخيصة مقابل الذهب. ومن الآن فصاعداً، ستساعد التطورات في هذه الأسواق على تحديد قوة الطلب والاتجاه.
أما بالنسبة إلى الذين يبحثون عن رهانات طويلة الأجل على الذهب، فهم يميلون إلى استخدام الصناديق المتداولة في البورصة، حيث شهد هذا القطاع أكبر زيادة في إجمالي الحيازات خلال الربع الماضي، منذ الربع الأول لعام 2017. وقد ركزت صناديق التحوط أخيراً على حيازات مراكز التداول المفتوحة طويلة الأجل في بداية شهر ديسمبر، وذلك بعد أن حققت حيازات قياسية من مراكز التداول قصيرة الأجل في العقود الآجلة للذهب مطلع شهر أكتوبر (تشرين الأول).
وبسبب إغلاق الحكومة الأميركية، لم تقم اللجنة الأميركية لتجارة السلع الآجلة بإصدار أي تقارير عن التزامات المتداولين منذ الأسبوع الأخير لشهر ديسمبر 2018. ويقدم تقرير التزامات المتداولين لمحةً أسبوعية مهمة حول حجم واتجاه مراكز التداول التي تحتفظ بها صناديق التحوط عبر أسواق العقود الآجلة الرئيسية، بدءاً من العملات والسندات ووصولاً إلى السلع.
وتبدو التوقعات حول الذهب لعام 2019 إيجابية وواعدة في هذه المرحلة. ويعتقد المحللون أن الأمر قد يستغرق بعض الوقت حتى يتعافى المخزون، وذلك بانتظار ورود أنباء حول المفاوضات التجارية بين الولايات المتحدة والصين وأرباح الربع الرابع من العام الماضي، والتي من المرجح جميعها أن تحدد الاتجاه على المدى القصير. ومن المتوقع أن يقوم مجلس الاحتياطي الفيدرالي (المركزي الأميركي) بتخفيف دعوته الحالية لزيادتين جديدتين في أسعار الفائدة لهذا العام.
وكعادته، يمثل الدولار تفسيراً لأداء وتوجه الذهب، ويرى المحللون في هذه المرحلة مخاطر تتعلق بتراجع قوة الدولار.
وبعد تسجيل ارتفاعٍ بمقدار 138 دولاراً منذ أغسطس (آب) وتحقيق أفضل أداء ربع سنوي منذ الربع الأول لعام 2017، قد يتوقف الذهب مؤقتاً بعد أن يقوم ولفترة وجيزة بملامسة مستوى 1300 دولاراً للأونصة. وبالنظر إلى القوة الأخيرة وتغير التوجهات تجاه الأصول الآمنة، يشكك التقرير بأن احتمالات حدوث موجة تصحيح ستتراجع قبل الوصول إلى مستوى 1265 دولاراً للأونصة. وقد يبدأ المضاربون بالقلق فقط عند حدوث كسر دون مستوى 1250 دولاراً للأونصة، وذلك نظراً لأن إمكانية تحقيق المزيد من المكاسب لا تزال مرتفعة.
النفط
من جهة ثانية، بدأ النفط الخام بإظهار إشارات دعم بعد تراجعه بنسبة تزيد عن 40 في المائة منذ أكتوبر الماضي. ومنذ أن وصل إلى المستوى الفني والنفسي عند 50 دولاراً للبرميل في الأسبوع الماضي، تمكن النفط الخام من التعافي بقوة بسبب تحسن التوقعات إزاء مستويات العرض والطلب.
وبالنسبة إلى المعروض، أكد مجلس الاحتياطي الفيدرالي في دالاس - من خلال تقريره الاستقصائي الخاص بقطاع الطاقة للربع الرابع - أن نمو قطاع النفط والغاز في المنطقة قد توقف وسط انخفاض حادٍ في أسعار النفط، وتقدِّم التعليقات والتحليلات من كبار المسؤولين التنفيذيين في قطاع النفط والغاز نظرةً ثاقبة ومتعمّقة حيال الإجهاد المتجدد الناتج عن الهبوط الحاد في الأسعار. ومن المرجح أن يتباطأ نمو إنتاج النفط الصخري الأميركي في أعقاب انخفاض الأسعار، ولكن لو أخذنا موجة البيع بين عامي 2014 إلى 2016 كمثالٍ في هذا الإطار، فسنجد أن الأمر قد يستغرق 6 أشهر قبل ظهور أي تأثير واضح في البيانات التي تواصل إظهار تحقيق نموٍ على أساس سنوي يقترب من نحو مليوني برميل يومياً.
وفي حين تتزايد الشكوك في ضوء مستويات نمو الإنتاج الأميركي خلال المرحلة المقبلة، فقد استجابت «أوبك» بقوة إلى تدهور التوقعات من خلال الإعلان عن التوصل إلى اتفاق لخفض إنتاج النفط الخام في ديسمبر بأكبر حجمٍ منذ يناير 2017. وقد أظهرت استطلاعات الإنتاج الشهرية من «بلومبرغ» و«رويترز» أن «أوبك» قد خفضت الإنتاج بنحو 500 ألف برميل ليصل إلى 32.6 مليون برميل يومياً. وجاء هذا الانخفاض مدعوماً بانخفاض طوعي من المملكة العربية السعودية (420 ألف برميل يومياً) إلى جانب خفضٍ غير مخطط له من إيران (120 ألف برميل يومياً) وليبيا (110 آلاف برميل يومياً).
وفي حين أن خفض الإنتاج قد يوفّر بعض الدعم، فإن التوقعات المتعلقة بالطلب تحتاج إلى الاستقرار أيضاً، فقد حدثت موجات البيع السابقة خلال فترة ارتفاع الطلب، وعلى هذا الأساس، وجد المنتجون أنه من السهل نسبياً خفض الإنتاج وتغيير اتجاه النفط. ويبدو الأمر مختلفاً هذه المرة مع «أوبك»، ويرى مراقبون أنه يتوجب على المنتجين الآخرين التعامل مع تجدد انتعاش الإنتاج الأميركي الذي قد يستغرق عدة أشهر قبل أن يتباطأ.
وقد يشعر المنتجون ببعض القلق حيال التوقعات العالمية المتعلقة بالنمو والطلب، وهو أمر لا يملكون القدرة على السيطرة عليه. كما أن الحرب التجارية المحتملة بين الصين (وهي أكبر مستورد للنفط في العالم) والولايات المتحدة (وهي أكبر مستهلك) تمثل قضية مثيرة للقلق بالنسبة للجميع.
غير أن هذا القلق لم ينعكس بعد في التوقعات الرسمية الصادرة عن منظمة «أوبك» وإدارة معلومات الطاقة الأميركية ووكالة الطاقة الدولية. وخلال الأشهر الستة الماضية، عملت هذه الجهات على خفض التوقعات حول نمو الطلب العالمي بمتوسط قدره 100 ألف برميل يومياً ليصل إلى 1.4 مليون برميل يومياً.
وبعد إيجاد بعض الدعم عند مستوى 50 دولاراً للبرميل، أصبح خام برنت يواجه الآن مقاومة عند مستوى 57.50 دولار للبرميل. وأكدت تقارير إمكان أن نشهد حوادث اختراقٍ صعودي والعودة بالتالي إلى منطقة التماسك والدعم السابقة حول 60 دولاراً للبرميل.
الغاز
أما الغاز الطبيعي، فقد عاد إلى مستوى 3 دولارات للوحدة الحرارية بعد الارتفاع القوي المُسجّل في منتصف نوفمبر (تشرين الثاني) الذي وصل إلى نحو 5 دولارات للوحدة الحرارية. وجاء هذا الضعف مدفوعاً بالعودة إلى درجات الحرارة المعتدلة غير المعتادة في الولايات الأميركية، وهو ما أدى سحب مخزون بمستوى أقل من المُعدّل المتوسط. ولا شك في أن هذه التطورات أسهمت الآن في إزالة المخاوف حيال نهاية أزمة المعروض في موسم الشتاء.
الصويا والحبوب
إلى ذلك، سجلت الصويا والحبوب ارتفاعاً بشكلٍ عام وسط تفاؤل بشأن مستويات التصدير التي يمكن أن تساعد في خفض المخزونات المتضخمة بعد موسم المحصول الوفير، واتساع نطاق الحرب التجارية مع الصين. ويتم دعم تصدير فول الصويا في الولايات المتحدة بعودة المشترين الصينيين، والمخاوف بشأن سوء الأحوال الجوية في أجزاء ومناطق من البرازيل التي يوشك أن يبدأ فيها موسم الحصاد.
من ناحية أخرى، انخفضت أسعار القمح في شيكاغو أخيراً إلى مستويات أقل من القمح الروسي، وقد أسهم ذلك بالإضافة إلى تكشّف علامات تباطؤ في الصادرات من منطقة البحر الأسود، في دعم الأسعار.
النحاس
كما تعافت عقود النحاس عالية الجودة من تأثير انخفاضها إلى أدنى مستوياتها في 18 شهراً، وذلك بعد نجاتها من احتمالات التراجع إلى أدنى من 2.55 دولار للرطل، والتوجّه إلى نطاق 2.85 دولار للرطل، وهو نطاق سائد منذ شهر يوليو (تموز) الماضي.
وقد انخفضت الأسعار في البداية بعد تراجع مؤشر مديري المشتريات الصناعي الصيني، والمؤشر الصناعي لمعهد إدارة الموارد الأميركي بوتيرة هي الأكبر منذ 10 سنوات، وذلك في ضوء توقعات المحللين حول الانخفاض الأول لمبيعات السيارات العالمية في غضون عقدٍ من الزمان. ولم تظهر أي إشارات دعم إلا بعد ورود أنباء عن استئناف المحادثات التجارية في الأسبوع المقبل، وتعهّد الحكومة الصينية بتعزيز السياسات الاقتصادية المضادة للدورة الاقتصادية. وجاءت العلامة الأولى في هذا السياق من بنك الشعب الصيني الذي أعلن يوم الجمعة الماضي أن نسبة احتياطي البنوك ستنخفض 1 في المائة.