أورهان باموق يعود إلى إسطنبول... بتفاصيل مملة

ترجمة فرنسية لروايته الأخيرة «غرابة في عقلي»

غلاف الترجمة الفرنسية
غلاف الترجمة الفرنسية
TT

أورهان باموق يعود إلى إسطنبول... بتفاصيل مملة

غلاف الترجمة الفرنسية
غلاف الترجمة الفرنسية

تبقى مدينة إسطنبول مسقط رأس أورهان باموق في عام 1952 مصدر إلهامه في مجمل أعماله: (إسطنبول، اسمي أحمر، القلعة البيضاء، الثلج، جودت بيه وأولاده..). في رواية «إسطنبول» يكتشف القارئ المدينة المستلقية على ضفتي البوسفور عبر سيرة ذاتية للكاتب المتحدر من عائلة برجوازية إسطنبولية، وفي رواية «اسمي أحمر» (العمل الأفضل للكاتب) يتعرف عن كثب على إسطنبول العثمانية في نهاية القرن التاسع عشر عبر التشويق في البحث عن قاتل لأحد الرسامين في المدرسة السلطانية ضمن قصة حب أكثر تشويقاً.
ويعود صاحب جائزة نوبل للآداب في عام 2006 ليرسم صورة لإسطنبول في آخر عمل له صدر عن دار «غاليمار» بترجمته الفرنسية تحت عنوان «هذا الشيء الغريب في نفسي» (والعنوان الأصلي بالتركية: «غرابة في عقلي») خلال نصف القرن الماضي عبر شخصية مولود كاراتاس بائع اللبن والبوظة، النازح مع أبيه من قريته النائية في مرتفعات الأناضول إلى العاصمة هرباً من الفقر والجوع لينضم إلى آلاف النازحين الذين يشكلون أحزمة البؤس على الهضاب القريبة المطلة على المدينة: (دوتيب، كولتيب، غولتيب)، حيث يقومون باستقطاع أراضٍ وبناء عشوائيات تفتقر لكل وسائل الراحة لتحميهم فقط من عاديات الأحوال الجوية القاسية. من هذه العشوائيات بدأت الحكاية الطويلة لمولود ومعاناته في المدينة التي ما زالت تتدثر بجلباب عثماني وتحاول أن تتمدن بلباس أوروبي فرضه الأب المؤسس مصطفى كمال (أتاتورك). من خلال هذه الرواية الطويلة التي تسجل مراحل حياة مولود بأكملها (661 صفحة من القطع الكبير)، يتتبع باموق مراحل تطور المدينة العمراني والأحداث السياسية فيها وكل الأحداث العالمية الكبرى الموازية لها (انقلاب الجنرالات الأتراك والسيطرة على الحكم في عام 1980، مواجهة الشيوعيين والأكراد، حرب المالوين، حرب الخليج، 11 سبتمبر /أيلول/)، وينتقل إلى الشارع، حيث انتشار الباعة المتجولين في المدينة، وجلهم من نازحي القرى الأناضولية، ومدينة قونية. وكان مولود ووالده مصطفى أفندي وكذلك عمه وولداه سليمان وقرقوط من هؤلاء الذين نزحوا واستوطنوا في هضبة دوتيب المطلة على إسطنبول، وباتوا من الباعة المتجولين في شوارعها. الكاتب يبدأ الرواية بقيام مولود بخطف الفتاة ريحة من القرية بمساعدة ابن عمه سليمان الذي رتب عملية الخطف مع الفتاة نفسها بعد أن كان مرسالاً بينها وبين مولود الذي «عشق عينيها بعد أن رآها في عرس أختها فتيحة، وأرسل لها عشرات الرسائل الغرامية». لكنه في ليلة الخطف وبعد أن وصلا إلى محطة القطار المتجه إلى إسطنبول تفاجأ مولود بأن الفتاة التي خطفها لم تكن تلك التي كان يرسل لها رسائل الغرام بل أختها الكبرى، لأن ابن عمه سليمان قد خدعه عندما سأله عن اسم الفتاة الجميلة التي سحرته بعينيها فقال: اسمها ريحة. وهي في الحقيقة اسمها سميحة التي كان سليمان يريد أن يحتفظ بها لنفسه ويتزوج بها لأنها كانت الأجمل، وعيناها تسحران كل من رآهما، فأعطى مولود الاسم الخطأ عندما سأله عن اسمها كي يكتب لها رسائله الغرامية. عندما اكتشف أنه اختطف البنت الكبرى بدل الصغرى رضي بالأمر والواقع وتزوجها وأنجب منها ابنتين: مريم وفوزية. أما سميحة ذات العينين الخلابتين التي لم ترض بالزواج بسليمان فهربت بدورها مع فرحات العلوي الشيوعي صديق مولود القديم، وعاشت معه على هضبة أخرى، واضطرت للعمل كخادمة لمساعدة زوجها قبل أن يصبح موظفاً في شركة الكهرباء التي باتت مؤسسة خاصة. وصار الشيوعي السابق يتقاضى الرشاوى مقابل غض الطرف عن خطوط الكهرباء غير القانونية التي كانت معظم العلب الليلية والنوادي والبيوت العشوائية ترتكب فيها مخالفات بمبالغ كبيرة. أما مولود فكان يجوب شوارع المدينة العتيقة مع أبيه لبيع اللبن نهاراً، وبيع البوظة ليلاً منادياً بصوت شجي: «بوووظة». في تجواله يبني علاقة حميمية بينه وبين المدينة وشوارعها وأزقتها (تقسيم، برج جلاطة، طوب قابي، السليمانية، آيا صوفيا، البازار، البوسفور..) والأبنية القديمة المتهالكة، والبيوت الخشبية، والمقاهي التي تنفث دخان التبغ المحروق وروائح العرق، والمطاعم الشعبية المكتظة ببسطاء القوم، والعائلات التي تناديه من النوافذ لتشتري بضاعته. ومن أفراد هذه العائلات الأستاذ الصوفي المبدع في كتابة الخط العربي الذي بات مولود يتردد عليه بين فينة وأخرى، وفي كل مرة يجد حوله تلامذة جدداً. ولاحظ من خلال علاقته هذه، أن الإسلاميين يتقدمون على المستويين الشعبي والسياسي. ومع مر السنين كسحابة على كف ريح يلمس مولود تبدل المدينة التي باتت كأخطبوط بألف ذراع تتمدد في كل الاتجاهات وتنبت فيها الأبراج وناطحات السحاب كنبات الفطر بعد مطر، وتنحض الجسور والمخازن الكبرى، ومعها تختفي معالم المدينة القديمة، ومهنة بيع اللبن والبوظة التي باتت الشركات الكبرى تبيعها معلبة. لكن مولود بقي مصراً على بيعها متجولاً منادياً: «بوووظة» بصوته الشجي... حتى نهاية عمره. (يعبر باموق في أكثر من موضع على لسان بطله عن الحسرة الكبيرة من تشويه المدينة التي كانت ذات يوم توصف بالباب العالي وكانت عاصمة العالم).
ذات ظهيرة يقع ما لا بالحسبان. ريحة النازفة نتيجة إجهاضها، تفارق الحياة على باب المشفى بعد عشرين سنة من الزواج بمولود، ثم يأتيه خبر مقتل صديقه القديم فرحات زوج سميحة ذات العينين الساحرتين من رجال مافيا العلب الليلية، ثم هرب ابنته فوزية مع سائق سيارة أجرة كما فعلت أمها قبلها، ثم زواج ابنته فاطمة من زميل لها في الجامعة، فيبقى وحيداً يناجي الجدران، وكذلك سميحة التي انتقلت للعيش في بيت أختها بعد أن باتت وحيدة أيضاً بعد مقتل زوجها. وهكذا يشاء القدر أن يلتقيا مجدداً بعد ثلاثين سنة من النظرة الأولى فيتزوجا ويعترف لها بأن رسائل الغرام التي كان يرسلها كانت موجهة لها، ويعيشان معاً في شقة في برج بني على أنقاض المنزل القديم الذي عاش فيه طفولته مع أبيه عندما وصل إسطنبول للمرة الأولى، وكان صبياً بعد أن ساومه ابنا عمه اللذان باتا مقاولين في شركة كبيرة يملكها الشيخ حميد.
رواية طويلة تدعو للملل أحياناً، رغم التشويق في تتبع الأحداث ومصائر الشخصيات، وتغلب عليها التفاصيل المتكررة التي لا تخدم بالضرورة النسق السردي.



هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
TT

هند الفهاد: أنحاز للأفلام المعبرة عن روح المغامرة

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)
هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

عدّت المخرجة السعودية هند الفهاد مشاركتها في لجنة تحكيم مسابقة «آفاق السينما العربية» بمهرجان القاهرة السينمائي في دورته الـ45، «تشريفاً تعتز به»، ومسؤولية في الوقت نفسه، مؤكدة أن «السينما العربية حققت حضوراً جيداً في المهرجانات الدولية». وأشارت، في حوارها مع «الشرق الأوسط»، إلى أنها تنحاز للأفلام التي تُعبر عن أصالة الفكرة وروح المغامرة، منوهة بعملها على فيلمها الطويل الأول منذ 3 سنوات، لكنها لا تتعجّل تصويره؛ كون الأفلام الطويلة تتطلّب وقتاً، ولا سيما الأفلام الأولى التي تحمل تحديات على صُعُد القصة والإنتاج والممثلين، مُشيدة بالخطوات التي قطعتها السينما السعودية عبر أفلام حقّقت صدى محلياً ودولياً على غرار «نورة» و«مندوب الليل».

بدأت هند الفهاد عملها عام 2012، فأخرجت 4 أفلام قصيرة شاركت في مهرجانات عدة وهي: «بسطة» الذي فاز بجائزة في «مهرجان دبي» 2015، و«مقعد خلفي»، و«ثلاث عرائس وطائرة ورقية»، و«المرخ الأخير» الذي جاء ضمن فيلم «بلوغ»، وتضمّن 5 أفلام قصيرة لـ5 مخرجات سعوديات، وشارك قبل 3 أعوام في «مهرجان القاهرة السينمائي».

وبين حضورها المهرجان في أحد أفلامها قبل سنوات، ومشاركتها بلجنة تحكيم العام الحالي، ترى هند الفهاد فرقاً كبيراً، موضحة: «أن أكون مشاركة في فيلم ويعتريني القلق والترقب شيء، وأن أكون أحد الأعضاء الذين يُسمّون هذه المشروعات شيء آخر، هذا تشريف ومسؤولية، إذ أشاهد الأفلام بمنظور البحث عن الاختلاف والتميز وأساليب جديدة لصناع أفلام في تناول موضوعاتهم، وأجدني أنحاز للأفلام التي تعبّر عن أصالة الفكرة وتقدم حكاية لا تشبه أي حكاية، وتنطوي على قدر من المغامرة الفنية، هذه من الأشياء المحفزة في التحكيم، وقد ترأستُ قبل ذلك لجنة تحكيم أفلام الطلبة في مهرجان أفلام السعودية».

لا تتعجل الفهاد فيلمها الطويل الأول (الشرق الأوسط)

وعن رؤيتها للسينما العربية بعد مشاهدتها أحدث إنتاجاتها في «مهرجان القاهرة»، تقول هند الفهاد: «لا شك في أنها قطعت خطوات واسعة في السنوات الأخيرة بحضورها في المهرجانات الكبرى؛ لأن لدينا حكايات تخصّنا، وهناك مخرجون ومخرجات أثبتوا حضورهم القوي عبر أفكار وأساليب متباينة، وأنا أقول دائماً إن الفكرة ليست في القصة، وإنما في كيف تروي هذه القصة ليتفاعل معها الجمهور في كل مكان».

وتكشف المخرجة السعودية عن استعدادها لتصوير فيلمها الروائي الطويل الأول الذي تعمل عليه منذ سنوات، قائلة: «كتبته المخرجة هناء العمير، ووصلنا أخيراً لنسخة السيناريو المناسبة، لكن الأفلام الطويلة، ولا سيما الأولى تحتاج إلى وقت للتحضير، خصوصاً إذا كان في المشروع تحديات على صُعُد القصة والممثلين والإنتاج».

وتتابع هند: «لم أحدّد بعدُ توقيت التصوير. وعلى الرغم من أنه مشروعي الأساسي، لكن هناك مشروعات أخرى أشتغل عليها، وفي تعدّدها أضمن استمرارية العمل لأكون حاضرة في المجال، فقد تكون هناك فكرة رائعة، لكن حين تُكتب نكتشف أنه من الصعب تنفيذها، لأسباب عدة».

وعن نوعية الفيلم تقول: «اجتماعيّ دراميّ، تدور أحداثه في غير الزمن الحالي. وانتهت مرحلة تطوير النص لفيلمي القصير، ووصل إلى النسخة المناسبة، وأنا، الآن، أختار أبطاله، وهو يروي حكاية تبدو في ظاهرها بسيطة، وتحمل أوجهاً عدّة، فأنا لا أُعدّ الأفلام القصيرة مرحلة وانتهت، بل أحب العمل عليها بشغف كبير في ظل ما أريده، والمعطيات من حولي وكيف أتقاطع مع هذه الأشياء».

وحاز مشروع فيلمها الطويل «شرشف» على منحة إنتاج من معمل البحر الأحمر، وترى هند الفهاد أن التّحدي الحقيقي ليس في التمويل؛ لأن النص الجيد والسيناريو المكتمل يجلبان التمويل، مُشيدة بتعدّد جهات الدعم في المملكة من منطلق الاهتمام الجاد بالسينما السعودية لتأسيس بنية قوية لصناعة السينما أوجدت صناديق تمويل متعددة.

وعلى الرغم من عمل هند الفهاد مستشارة في تطوير المحتوى والنصوص الدرامية، فإنها تواصل بجدية الانضمام إلى ورش السيناريو؛ بهدف اكتساب مزيد من الخبرات التي تُضيف لها بصفتها صانعة أفلام، وفق تأكيدها.

هند الفهاد على السجادة الحمراء مع لجنة تحكيم آفاق عربية (إدارة المهرجان)

بدأت هند الفهاد مشوارها قبل القفزة التي حققتها صناعة السينما السعودية. وعن ذلك تقول: «كنا نحلم بخطوة صغيرة فجاءنا بحرٌ من الطموحات، لذا نعيش لحظة عظيمة لتمكين المرأة ورعاية المواهب المحلية بشكل عام، وقد كنّا نتطلع لهذا التّحول، وأذكر في بداياتي أنه كان وجود السينما أَشبه بالحلم، لا شك في أن نقلة كبيرة تحقّقت، لكن لا تزال التجربة في طور التشكيل وتتطلّب وقتاً، ونحن مهتمون بتطوير المواهب من خلال مشاركتها في مشروعات عربية وعالمية لاكتساب الخبرات، وقد حقّقت أعمالٌ مهمة نجاحاً دولياً لافتاً على غرار (نورة) و(مندوب الليل)».

وتُعبر هند الفهاد عن طموحاتها قائلة: «أتطلع لأحكي قصصنا للعالم، فالسينما هي الصوت الذي يخترق جميع الحواجز».