«الإخوان» في ألمانيا... توسعات مقلقة

حملة على انتشارهم باعتبارهم خطراً يفوق «داعش» و«القاعدة»

مظاهرة إسلامية في برلين ضد تنظيم {داعش} الإرهابي في سبتمبر 2014 (غيتي)
مظاهرة إسلامية في برلين ضد تنظيم {داعش} الإرهابي في سبتمبر 2014 (غيتي)
TT

«الإخوان» في ألمانيا... توسعات مقلقة

مظاهرة إسلامية في برلين ضد تنظيم {داعش} الإرهابي في سبتمبر 2014 (غيتي)
مظاهرة إسلامية في برلين ضد تنظيم {داعش} الإرهابي في سبتمبر 2014 (غيتي)

عد مراقبون ومحللون توسعات جماعة «الإخوان» المسلمين في ألمانيا «مقلقة للغاية»، وباتت تخترق النظام الديمقراطي.
وقد تحولت مدينة كولن، في ولاية شمال الراين فستفالن، منذ سنين إلى شبه مقر لجماعة «الإخوان» في ألمانيا. إلا أن زيادة تأثير الجماعة أخيراً، وتمددها في المدينة، دفع بهيئة حماية الدستور في الولاية (المخابرات الداخلية) إلى التحذير من أن الجماعة المتطرفة باتت تشكل خطراً أكبر من «داعش» و«القاعدة» على ألمانيا.
نقل الصحافي أكسل شبيلكر، المتخصص في شؤون الإرهاب، عبر تقرير عن تمدد «الإخوان» نشرته صحيفتي «كولنر شتات أنزيغير» و«فوكس»، عن السلطات الأمنية في ولاية شمال الراين فستفالن، أن «شعبية الهيئات والمساجد التابعة لـ(الإخوان) تتزايد بشكل مضطرد. ووصف الكاتب الذي يكتب منذ سنوات عن الجماعات الإسلامية المتطرفة في ألمانيا توسع (الإخوان) في البلاد بأنه (مقلق)».

«نفوذ متصاعد»
وبحسب الاستخبارات الألمانية الداخلية، فإن «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، مقره كولن، تحول إلى المكتب الرئيسي لأنشطة «الإخوان المسلمين» في البلاد. ونقل شبيلكر عن الاستخبارات الداخلية قولها إن الجماعة «تخرق أسس النظام الديمقراطي بجهودها لخلق نظام اجتماعي وسياسي مبني على الشريعة».
ونقل الكاتب عن بورخهارد فراير، رئيس هيئة حماية الدستور في شمال الراين فستفالن، أن «التجمع» في ألمانيا، والمنظمات التي تعمل معه، رغم نفيه، يهدف لأمر واحد، هو تأسيس «دولة قائمة على الشريعة» في النهاية. ومن هنا، وبسبب تزايد نفوذ الجماعة، استنتج فراير أن خطر «الإخوان» على ألمانيا على المدى المتوسط أكبر من خطر التنظيمات المتطرفة الأخرى، مثل «داعش» و«القاعدة»، مشيراً، نقلاً عن الاستخبارات في ولاية شمال الراين فستفالن، إلى أن «الجماعات المحلية المرتبطة بالإخوان تجتذب بشكل متزايد لاجئين عرباً في ألمانيا لتستخدمهم لأهدافها الخاصة».
وأكمل الكاتب أن سبب هذا التقييم يعود لسببين: الأول أن قادة «الإخوان» في ألمانيا على مستوى عالٍ من العلم، والثاني بزعم تلقيهم دعماً مالياً. وبحسب تقييم الاستخبارات الألمانية، فإن هيئات ومؤسسات «الإخوان» تقدم تعليماً شاملاً، وبرنامج تدريب للمسلمين والأشخاص ذوي الاهتمام الديني من كل الأعمار.

«عظات ومحاضرات»
من جهته، نقل شبيلكر عن الاستخبارات أن الهيئات التعليمية هذه تشمل تلك التابعة للمنظمة، وأيضاً التي تتعاون معها في مدارس قرآنية كثيرة، مثل «المعهد الأوروبي للعلوم الإنسانية»، و«الجمعية الألمانية للقرآن الكريم» التي تستهدف بشكل خاص الصغار في السن، مضيفاً أن محللين في الاستخبارات أكدوا أن «تعاليم المنظمة التابعة لـ(الإخوان)، والهيئات الأخرى التي تعمل معها، تصل إلى عشرات الآلاف من المسلمين عبر العظات والمحاضرات والتدريب الذي يقدم تفسيرات شديدة التطرف للقرآن».وتقدر السلطات الألمانية عدد أتباع «الإخوان» ضمن الدائرة الضيقة بألف شخص، تزداد أعدادهم بشكل مضطرد. وبحسب معلومات من «التجمع الإسلامي في ألمانيا»، فإن المنظمة تضم 50 هيئة تعمل تحت مظلتها. وتعد الاستخبارات الداخلية في ولاية شمال الراين فستفالن 14 مسجداً تابعين للمنظمة، و109 دور عبادة متطرفة تنشر أفكار «الإخوان» في منطقة الراين والرو.
وأشار شبيلكر إلى أن الألماني برنار فولك، الذي اعتنق الإسلام وتطرف، كان يرتاد المسجد الأخير. وفولك كان ينتمي لليسار المتطرف، وسجن 13 عاماً بعد أن نفذ عمليات إرهابية يسارية، ثم اعتنق الإسلام في السجن. وبعد خروجه، راح يرتاد المساجد، حيث يعتقد أنه تطرف، وغير اسمه، وبات يعرف باسم المنتصر بالله. ويعد فولك من المتعاطفين مع فكر تنظيم «القاعدة»، وهو ينشط اليوم في مساعدة المتهمين والمسجونين بتهم تتعلق بالتطرف.
وتنفي جماعة «الإخوان» في ألمانيا تبنيها للعنف أو التطرف، إلا أن الاستخبارات الداخلية تقول إن تعاليم الجماعة تهدف إلى تقوية السلوك السلبي تجاه القيم الغربية، والترويج لمسافة مع الديمقراطية. وأضاف الكاتب، في تقريره، أن ما يثير القلق أيضاً أن المنظمة نجحت في «التأثير» على المجلس المركزي للمسلمين في ألمانيا، الذي يعتبر المظلة الواسعة للمسلمين في أنحاء البلاد. ونقل الكاتب عن الاستخبارات الداخلية أن جماعة «الإخوان» تحاول تقديم نفسها على أنها منفتحة، وتتبنى منهج الإسلام الوسطي، إلا أنه خلف الأبواب هناك قادة بارزون فيها يتحدثون عن هدف تأسيس «دولة إسلامية» على المدى المتوسط.

«علاقات متشابكة»
وتنفي منظمة «التجمع الإسلامي في ألمانيا» علاقتها بالإخوان، إلا أن الكاتب شبيلكر أشار إلى أن صفحة رئيس المنظمة، خالد سويد، على موقع التواصل «تويتر»، تشير إلى تعاطفه مع جمعيات تدعو لمقاطعة إسرائيل، بينما صفحته على «فيسبوك» ينشر عليها صوراً لشعار «الأصابع الأربعة» الذي يستخدمه «الإخوان». واستخدم «الإخوان» الشعار إبان ثورة «25 يناير» عام 2011 في مصر، التي أوصلت محمد مرسي إلى الرئاسة لفترة وجيزة. وغالباً ما يشاهد الرئيس التركي رجب طيب إردوغان وهو يرفع إشارة «رابعة»، وقد شوهد وهو يؤدي التحية بأربعة أصابع خلال زيارته إلى ألمانيا قبل بضعة أشهر، التي تضمنت زيارة إلى مدينة كولن، وافتتاحه أكبر مسجد في أوروبا فيها.
وفي تقرير سابق لتلفزيون «إي آر دي» الألماني، وصف محمد مهدي عاكف، المرشد السابق لـ«الإخوان» في مصر، الرئيس الأسبق لـ«التجمع الإسلامي في ألمانيا»، آنذال إبراهيم الزيات، بأنه «رئيس الإخوان في ألمانيا»، علماً بأن الزيات نفى ذلك. وترأس الزيات المنظمة بين عامي 2002 و2010، وحكم عليه بالسجن غيابياً في القاهرة لمدة 10 سنوات في عام 2008، بعد أن أحاله الرئيس المصري الأسبق في ذلك الوقت، حسني مبارك، إلى المحاكمة العسكرية عام 2006، إلى جانب قيادات أخرى من الإخوان. وأصدر عنه مرسي عفواً عاماً عام 2012.
وتأسس «التجمع الإسلامي في ألمانيا» عام 1958، وهو من أقدم المنظمات الإسلامية في البلاد. وتزعم الاستخبارات الداخلية الألمانية أنه منظمة تسيطر عليها جماعة «الإخوان» المسلمين. وذكرت الاستخبارات في تقييمها السنوي العام الماضي أن الجماعة تهدف لإقامة دولة مبنية على «الشريعة». ويرتبط المركز بشبكة جمعيات واسعة في مختلف المدن الألمانية، من بينها برلين وفرانكفورت وشتوتغارت ومونستر وماربيرغ.
وفي تعريف الاستخبارات الألمانية في ولاية شمال الراين فستفالن عن جماعة «الإخوان»، تفصل تاريخ تأسيسها في مصر عام 1928، على يد المؤسس الراحل حسن البنا. وتحدد الاستخبارات الألمانية أن من أهداف «الإخوان» استبدال الحكومات في مختلف البلدان بأنظمة مبينة على أسس الشريعة. وتضيف أن الجماعة تهدف لتحقيق ذلك من خلال «اختراق الدول ثقافياً، وبالعنف إذا استدعت الحاجة». ويذكر موقع الاستخبارات الداخلية في ولاية شمال الراين فستفالن مثالاً على ذلك محاولات «الإخوان» تنفيذ انقلاب في سوريا عام 1982، وفي الجزائر في التسعينات، ليضيف: «انطلاقاً من هذه الأهداف والأنشطة المطابقة، فإن مؤيدي جماعة (الإخوان) الذين يعيشون في ألمانيا يعرضون مصالح السياسة الخارجية الألمانية للخطر».

منصات التحريض
وكانت صحيفة «فوكس» قد نشرت مقابلة أجراها الكاتب شبيلكر نفسه مع الباحثة بالشؤون الإسلامية سوزان شروتر، حذرت فيها من التقليل من شأن قدرات «الإخوان» في ألمانيا، فرغم أن «قادة الجماعة غالباً ما يرفضون العنف في العلن، فإن هناك علاقات سرية تربطهم بأشخاص يدعون للعنف».
ويضيف موقع الاستخبارات الداخلية أن «الإخوان» ممثلون في جماعات مختلفة في ألمانيا مندمجة في شبكات مترابطة دولياً، وأن الهدف الأساسي هو التأثير آيديولوجياً على المسلمين الذين يعيشون هنا، وكسبهم إلى جانبهم. وتشير الاستخبارات في تقييمها إلى أن «أتباع الإخوان نادراً ما يظهرون في العلن، وأن المراكز التابعة لهم تستخدم كمنصات للتحريض السياسي من جهة، وأيضاً كغطاء لتنظيم لقاءات لمختلف أتباعها في دول كثيرة».
ويشير موقع الاستخبارات الداخلية إلى أن «التجمع الإسلامي في ألمانيا» تأسس قبل عام 1960، وهو المنظمة التي تضم أكبر عدد من أتباع الإخوان في ألمانيا. ويضيف أن التجمع يتخذ اليوم من مدينة كولن مقراً له، وأنه يمول نفسه من خلال رسوم انتماء لأعضائه، وتبرعات يجمعها من المساجد، إضافة إلى مساعدات خاصة يتلقاها.
وفي عام 2017، صدر تحذير من الاستخبارات الداخلية في ولاية ساكسونيا، الواقعة شرق البلاد، من توسع جماعة «الإخوان» فيها. وذكر حينها التقرير بأن الجماعة تستغل اللاجئين الجدد لزيادة أعداد أتباعها، بهدف تأسيس دولة قائمة على الشريعة. وأشار التقرير حينها أن الجماعة تستغل «نقص عدد المساجد، بعد وصول أعداد كبيرة من اللاجئين، لكي تتمدد وتنشر أفكارها».
وكشف رئيس الاستخبارات في ولاية ساكسونيا، غورديان ماير - بلات، عن أن الجماعة تشتري أعداداً كبيرة من المباني والأراضي والمقرات، لفتح مساجد وتأسيس مراكز التقاء، مضيفاً أن هذا الأمر «لا علاقة له بالجهاد، ولا الإرهاب؛ هدف (الإخوان المسلمين) هو (فرض) قانون الشريعة في ألمانيا».



«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
TT

«داعش» يُعيد اختبار قدراته في غرب أفريقيا

مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)
مقاتلو تحالف أهل أزواد أثناء قيامهم بدوريات في المنطقة القريبة من الحدود بين مالي وموريتانيا لحماية السكان المحليين من انعدام الأمن بسبب وجود عناصر «داعش» (أ.ف.ب)

في مؤشر رمزي لـ«اختبار قدراته»، عقب هزائمه في سوريا والعراق وعدد من الدول، دفع تنظيم داعش الإرهابي عناصره وخلاياه لتنفيذ عمليات في غرب أفريقيا، أملاً في «إثبات الوجود» وتأكيد استمرار مشروع التنظيم. ضربات التنظيم «الخاطفة» التي شهدتها بوركينا فاسو ومالي والنيجر، ونيجيريا أخيراً، دفعت لتساؤلات تتعلق بأهداف توجه «داعش» نحو غرب أفريقيا الآن، وخطة نشاطه خلال الفترة المقبلة.
خبراء ومتخصصون في الحركات الأصولية أكدوا أن «التنظيم يهدف من نشاطه في غرب القارة السمراء إلى تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، وتأكيد الوجود في المشهد، والحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق».
وقال الخبراء لـ«الشرق الأوسط» إن «التنظيم الإرهابي عانى من الانحسار الجغرافي خلال الأشهر الماضية، وتأثر بمقتل زعيمه السابق أبي بكر البغدادي، وهو يسعى لتدوير قدراته القتالية في مناطق جديدة». لكن الخبراء قللوا في هذا الصدد من تأثير عمليات «داعش» في هذه الدول، لكونها للترويج الإعلامي.

خلايا فرعية
يشار إلى أن «ولاية غرب أفريقيا» في «داعش» انشقت عن جماعة «بوكو حرام» في عام 2016، وأصبحت الجماعة المتشددة المهيمنة في تلك المنطقة. وأبدى «داعش» اهتماماً ملحوظاً خلال الأشهر الماضية بتوسيع نطاق نشاطه في القارة الأفريقية، حيث تعاني بعض الدول من مشكلات أمنية واقتصادية واجتماعية، مما ساعده في تحقيق أهدافه.
وقال أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر، إن «النقطة المركزية في حركة التنظيمات الجهادية، وتحديداً (المعولمة) الموجودة بين أكثر من دولة، وأكثر من نشاط، تحت رعاية مشروع آيديولوجي (جهادي) محدد، مثل (داعش) ومن قبله (القاعدة)، أنه في كثير من الأحيان يكون التمركز في منطقة معينة، وتكون هي مركز الثقل، مع وجود فروع أو جيوب أخرى يتم التحرك من خلالها في بعض الأحيان، فضلاً عن أن هناك قواعد جهادية قتالية بلا عمل، فيكون التكتيك الذي يتبعه التنظيم في هذه السياقات ضرورة العمل في مناطق أخرى، أو توزيع جهوده على نطاقات جغرافية أخرى، بهدف تفريغ القدرات القتالية لعناصره، والحفاظ على رأس ماله الرمزي، بصفته (أي داعش) جماعة مقاومة -على حد زعم التنظيم- فضلاً عن تأكيد عبارات مثل: (موجودون) و(مستمرون في القتال) و(مستمرون في إقامة مشروعنا)».
في حين أرجع عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، محاولات «داعش» للتمدد في غرب أفريقيا إلى «إعادة التموضع واتخاذ مرتكزات أخرى، بعد الضربات التي مُني بها التنظيم أخيراً، خاصة بعد مقتل البغدادي والمهاجر. لذلك لجأ التنظيم إلى أفريقيا الساحل ونيجيريا وبوركينا فاسو والنيجر ومالي، وغيرها من الدول، لأن بعض هذه الدول تعاني من مشكلات في الوجود الأمني، سواء داخلياً أو على الحدود. لذا لجأ التنظيم لعدة عمليات للحفاظ على حجم البيعات الصغيرة التي حصل عليها في السابق، مع وجود منافس شرس هناك مثل تنظيم (القاعدة) الموجود بصور مختلفة في السنوات القليلة الماضية على أراضي بعض الدول الأفريقية».
وفي غضون ذلك، فسر الأكاديمي الدكتور أيمن بريك، أستاذ الإعلام المساعد في جامعتي الأزهر والإمام محمد بن سعود الإسلامية، تمدد «داعش» في غرب أفريقيا بأنه «محاولة لـ(لملمة شتات) عناصره، بعد الهزائم المتتالية في العراق وسوريا، حيث دفع بكثير من أعضائه الفارين إلى أفريقيا، في محاولة لتأكيد البقاء».

ضربات موجعة
الكلام السابق تطابق مع دراسة لمرصد دار الإفتاء في مصر، أكدت أنه «رغم الضربات الموجعة التي تعرض لها (داعش)، سواء بإخراجه من آخر معاقله في الباغوز بسوريا، واستعادة كافة الأراضي التي سيطر عليها خلال عام 2014، أو بالقضاء على غالبية قياداته ورموزه، وعلى رأسهم أبو بكر البغدادي زعيم التنظيم السابق، فإنه ظل قادراً على تنفيذ عمليات في مناطق عدة، بعد فتح جبهات جديدة لعناصره في غرب أفريقيا التي تُعد ساحة مرشحة لعمليات متزايدة متضاعفة للتنظيم».
هذا وقد قتل البغدادي بعد غارة عسكرية أميركية في سوريا، بينما قتل المتحدث باسم التنظيم السابق أبو الحسن المهاجر في عملية عسكرية منفصلة في الأسبوع نفسه تقريباً، نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.
وأكد زغلول أن «التنظيم الإرهابي عانى من أزمات في مناطق انتشاره الأساسية، وهناك استراتيجيات أمنية على المستوى المحلي والدولي ضده، فضلاً عن انحسار جغرافي في سوريا والعراق، وهناك قيادة جديدة تولت التنظيم... كل هذه التحديات تدفعه إلى إثبات وجود، وإعادة تدوير قدراته القتالية في مناطق أخرى واختبارها، لذا يبدو طبيعياً أن يتمدد في غرب أفريقيا، أو في أي منطقة أخرى، ما دام أن هناك موارد وسياقات محلية تدعم هذا التوجه، والأمر لا يتوقف فقط على التنظيم الرئيسي (أي القيادة المركزية لداعش وقراراتها)، لكنه مرتبط بجانب آخر بوجود سياقات مناسبة؛ بمعنى أن الأوضاع الداخلية في دولة ما قد تكون مناسبة لنشاط التنظيم خلال فترة ما، وقد تكون هذه الأوضاع غير مناسبة للتنظيم في دولة أخرى».
ودعا البغدادي في وقت سابق ما سماها «ولايات دولة الخلافة المزعومة» في أفغانستان والقوقاز وإندونيسيا، وأيضاً غرب ووسط أفريقيا، للقيام بعمليات إرهابية.

مشهد جديد
وعن دلالة توجه «داعش» لغرب أفريقيا الآن، قال عبد المنعم: «هي محاولة لبلورة مشهد جهادي جديد في هذه الدول. وقد هذا ظهر بشكل كبير بعد أيام من مقتل البغدادي، وبيعة أبو إبراهيم الهاشمي القرشي زعيم (داعش) الجديد، ليؤكد التنظيم أنه عازم على استكمال مسيرة مشروعه، لذا خرج بشعار جديد في أحد إصداراته الأخيرة بعنوان (سوف نمضي)».
ومن جهته، أكد أحمد زغلول أن «التضييقات السياسية والأمنية على التنظيم في نقاطه المركزية دفعته إلى الكمون خلال الأشهر الماضية، وتضييق نشاطه، وتقليل حجم عملياته، بهدف البقاء، أو كنوع من المناورة مع السياسات الأمنية التي يتعرض لها من وقت لآخر، وهذا جعل التنظيم لديه أزمات داخلية؛ بمعنى أن هناك مشروعاً جهادياً لا بد من تحقيقه، وهناك قواعد له في دول أخرى ترى أن التنظيم نموذجاً وتدعمه بشكل أو بآخر بمختلف أوجه الدعم، لذا يؤكد دائماً على البقاء والثبات».
وكثف «داعش» من هجماته الإرهابية في دول غرب أفريقيا أخيراً. ففي نهاية ديسمبر (كانون الأول) الماضي، تبنى «داعش» هجوماً على قاعدة أربيندا العسكرية في بوركينا فاسو، قُتل خلاله 7 عسكريين. وفي الشهر ذاته، نشر التنظيم شريطاً مصوراً مدته دقيقة واحدة، أظهر فيه مشاهد إعدام 11 مسيحياً في شمال شرقي نيجيريا. وسبق ذلك إعلان «داعش»، في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، مسؤوليته عن هجوم استهدف قاعدة عسكرية شمال شرقي مالي، وأسفر عن مقتل 53 جندياً. كما تبنى التنظيم هجوماً أوقع أكثر من 70 قتيلاً في معسكر لجيش النيجر في ايناتيس قرب مالي.
وأشارت تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال مراقبون إن «عودة هؤلاء، أو من تبقى منهم، إلى أفريقيا بعد هزائم سوريا والعراق كانت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيرين منهم شباب صغير السن، وليس لهم روابط إرهابية سابقة، وأغلبهم تم استقطابه عبر الإنترنت».

عمليات نوعية
وحول نشاط «داعش» المستقبلي في غرب أفريقيا، قال عمرو عبد المنعم إن «نشاط (داعش) بدأ يظهر في غرب أفريقيا من خلال عمليات نوعية، سواء ضد المسيحيين أو جيوش الدول أو العناصر الغربية الموجودة في هذه المناطق»، لافتاً إلى أن «الاستهداف حتى الآن عشوائي، وبعض هذه العمليات لم يحدث تأثيراً بالقدر الكبير، كمثل العمليات التي حدثت في أوروبا، وأحدثت دوياً من قبل، وحتى الآن هي مجرد عمليات للترويج الإعلامي وإثبات الوجود، لأن بعض ولايات وأذرع (داعش) بأفريقيا التي بايعت البغدادي في وقت سابق ما زالت لم يسمع لها صوتاً، بالمقارنة بحجم وتأثير العمليات التي شهدتها أوروبا في وقت سابق».
أما الدكتور أيمن بريك، فقد تحدث عن احتمالية «حدوث تحالف بين (داعش) و(القاعدة) ‏في القارة الأفريقية، كـ(تحالف تكتيكي) في ظل حالة الضعف والتردي التي ‏يعاني منها التنظيمين»، لكنه في الوقت نفسه دعا إلى «ضرورة التصدي لـمحاولات تمدد (داعش) وغيره من التنظيمات الإرهابية في ‏القارة الأفريقية، وذلك قبل أن ينجح بقايا الدواعش في إعادة بناء تنظيم، ربما يكون أكثر عنفاً وتشدداً وإجراماً مما فعله التنظيم الأم (أي داعش) خلال أعوامه السابقة».