باسم درويش: رائحة مصر في كل ألحان فرقة «كايرو ستبس» بألمانيا

قال لـ«الشرق الأوسط» إن بليغ حمدي قدوته

الموسيقي المصري باسم درويش
الموسيقي المصري باسم درويش
TT

باسم درويش: رائحة مصر في كل ألحان فرقة «كايرو ستبس» بألمانيا

الموسيقي المصري باسم درويش
الموسيقي المصري باسم درويش

منذ عام 1999، اعتاد الموسيقي وعازف العود باسم درويش، مؤسس فرقة «كايرو ستبس» المصرية الألمانية، تقديم حفل سنوي في دار الأوبرا المصرية، بعنوان «مولد وميلاد»، يستهدف من خلاله عزف موسيقى تلمس الروح وتسمو بها عن العالم الحقيقي، وخلق جو من التسامح وثقافة قبول الآخر، مستعيناً بشعار «الموسيقى هي القوة الموحدة».
خلال جولته هذه المرة في مصر، حرص درويش على أن يصطحب فرقته التي تضم عازفين مصريين وألمانيين، إلى مسقط رأسه بمحافظة المنيا جنوب مصر، والتي تشهد العديد من الحوادث ذات الطابع الطائفي، ليقدم حفلاً لطلاب جامعة المنيا أحياه المنشد علي الهلباوي والمرنم ماهر فايز، وذلك إلى جانب ثلاثة حفلات أخرى قدمها في أوبرا القاهرة والإسكندرية ودمنهور.
يقول باسم درويش، في حديثه لـ«الشرق الأوسط»، إنه لم يذهب إلى محافظة المنيا ليتحدث عن الأزمات والمشكلات التي تحدث بين المسيحيين والمسلمين، مؤكداً أنها ليست وظيفته، ولكنه ذهب من أجل إعادة الذاكرة الإيجابية، من خلال حكيه قصة نجاح دفعته التي كانت قبل 40 سنة في مدرسة للراهبات في هذه المحافظة، وحالياً بينهم الفنان، والقاضي، والصحافي، لتكون رسالة إلى الشباب، بأن هذه المجموعة نجحت لأن المجتمع كان متسامحاً ويتقبل وجود الآخر بعيداً عن التطرف.
يضيف باسم درويش: «هذه الرسالة موجّهة إلى الشباب في الجامعة لينقلوها إلى أطفالهم، فالأمل في التغيير سيكون بداية من جيل الشباب والأطفال، ولذلك نسعى مع وزيرة الثقافة المصرية الدكتورة إيناس عبد الدايم أن نفتتح مركزاً ثقافياً بالمنيا، ليساعد المجتمع على الانفتاح والتغير بدلاً من الانغلاق».
نشْرُ الثقافة المصرية في قالب عالمي، هي الرسالة الذي يسعى باسم درويش إلى توصيلها للجمهور، من خلال فرقة «كايرو ستبس» التي أسسها في ألمانيا قبل 16 عاماً، وتتميز بتقديم الموسيقى التقليدية المصرية متأثرةً بالموسيقى الروحية، وحصلت أخيراً على جائزة الجاز الألمانية عن ألبوم «السجادة الطائرة».
يوضح الفنان المصري: «لأنني أقيم في ألمانيا، أحرص على زيارة مصر بشكل دوري، ولا أقيم في فندق، وإنما في شقتي بحي الزيتون بالقاهرة، وأنزل للجلوس مع الناس على المقاهي وفي الحارة لأعيش مع الناس وأعرف نبض الشارع، وماذا يستمعون، وأسجل كل الملاحظات وعندما أعود إلى ألمانيا أحلّل الحالة النفسية للمواطن، وأدرس وأبحث عن الموسيقى التي يمكن أن تساعده في استعادة ثقته بنفسه، وكيف يعود ليحب الحياة، كل هذه العوامل أضعها أمامي في أثناء التلحين، وبعد أن أنتهي من اللحن أعرضه على زوجتي، وهي موسيقية ألمانية، ثم على ابني وهو أيضاً موسيقيّ، وأرى أن هذا هو السبب الذي يجعل الجمهور يشعر بأنه يستمع لموسيقى ليست غريبة عليه، فيها رائحة مصر، ورائحة سيد درويش وبليغ حمدي، فيها رائحة من الكنيسة، وكذلك من الصوفية».
يؤكد درويش أن قدوته في التلحين هو الموسيقار الراحل بليغ حمدي، الذي كان قريباً جداً من الشارع، وعندما كان يعزف بالعود كان يعبر عن الحالة الموجودة في الشارع جداً، كما أن جمله الموسيقية ظلت باقية في الآذان والوجدان، فرغم أنها كانت سهلة جداً فإنها قوية وباقية، والسر في ذلك أنها تعبر عن الشارع.
وعن سبب تسمية المقطوعات الموسيقية لـ«كايرو ستبس» بأماكن ومصطلحات مصرية، مثل «سيوة» و«إسكندرية»، و«قهوة جروبي»، و«نوبي»، و«رقصة النيل»، قال درويش إن ذلك يعود لسببين رئيسيين: الأول؛ أنه يستهدف من خلال كل لحن يكتبه التعبير عن رؤيته لمصر التي يتمناها، ويقدم صورة مصر التي لا تزال تسكنه رغم أنه سافر إلى ألمانيا عندما كان عمره 19 عاماً، مؤكداً أنه لا يزال يحتفظ بذاكرته عن مصر كأنه لا يزال يعيش فيها، ويسعى لأن يحافظ على ذاكرة المجتمع المصري قناعةً منه بأن المجتمع الذي ينسى أصله لا يتقدم.
أما السبب الآخر، فأكد أنه مرتبط بجانب دعائي وترويجي يريد أن يحققه لمصر في أوروبا، خلال حفلاته التي تزيد على 25 حفلاً في العام الواحد، يحضر كل منها ما يزيد على 4 آلاف شخص، حيث يسأله الجمهور عن المعنى والمغزى من الاسم، فيستغل ذلك في أن يحدثهم عن مصر، مشيراً في الوقت نفسه إلى أنه يحرص على ترك بصمة إيجابية عن تراث الثقافة المصرية في أوروبا والغرب، وإعادة تقديم الثقافة المصرية بطريقة معاصرة وجاذبة للجمهور في كل زياراته وحفلاته.
يحرص باسم درويش في حفلاته السنوية بالأوبرا المصرية على الاستعانة بمنشدين ومرنمين، إلا أنه هذا العام يفاجئ الجمهور بتقديم حفل موسيقي خالص.
ويكشف مؤسس «كايرو ستبس» أنه يتعامل مع المطرب كما يتعامل مع الآلة الموسيقية، مشيراً إلى أن هناك فرقاً بين الرؤية الغنائية التي تعتمد على النص والرؤية الفنية التي تتبناها «كايرو ستبس» وتشمل صوراً موسيقية تعتمد على عدة عناصر منها «صوت المطرب» الذي يُستخدم كآلة موسيقية، وبالتالي ربما يحتاج إليه أو يستغني عنه، مؤكداً أنه كان سعيداً لامتلاء المسرح الكبير بدار الأوبرا المصرية رغم أنه أكد في إعلانات الحفل عدم وجود مطربين، وبالتالي الجمهور ذهب إلى الحفل ليستمع ويستمتع بالموسيقى فقط، وهذا دليل على نجاح الفكرة.
وتابع قائلاً: «تعاملت كثيراً مع مطربين ومنشدين، لكن يبقى محمد منير الأكثر احتراماً للفرقة الموسيقية التي تعزف معه، فهو لا يتدخل في عملك كموسيقي، وهو المطرب الوحيد الذي يشجع الموسيقيين ويتعامل معهم بشكل لائق، لكن غيره من نجوم الطرب يتعاملون مع أعضاء الفرق الموسيقية باعتبارهم مجرد مساندين فقط، وهذا لا يليق بـ(كايرو ستبس) التي حصلت على جائزة الجاز الألمانية في 2018».



سليم سحاب: اكتشافي نجوم الأغنية المصرية يشعرني بالفخر

المايسترو سليم سحاب يتوسط مي فاروق وشرين عبد الوهاب (الشرق الأوسط)
المايسترو سليم سحاب يتوسط مي فاروق وشرين عبد الوهاب (الشرق الأوسط)
TT

سليم سحاب: اكتشافي نجوم الأغنية المصرية يشعرني بالفخر

المايسترو سليم سحاب يتوسط مي فاروق وشرين عبد الوهاب (الشرق الأوسط)
المايسترو سليم سحاب يتوسط مي فاروق وشرين عبد الوهاب (الشرق الأوسط)

قال المايسترو سليم سحاب إنه يعتز بكل الأصوات الغنائية التي تخرجت من كورال أطفال الأوبرا المصرية وصاروا من أهم المطربين على الساحة العربية حالياً، ومن بينهم شيرين عبد الوهاب، وتامر حسني، ومي فاروق، وأحمد سعد وريهام عبد الحكيم، مؤكداً في حواره لـ«الشرق الأوسط» أن الموهبة منحة إلهية، وأن أكثر لحظات يشعر فيها بالقرب من الله وقت قيادته الأوركسترا، مثمناً تجربته مع «كورال مصر» التي اختار لها أطفالاً من دور الرعاية الاجتماعية ليزرع فيهم حب الحياة عبر الموسيقى.

يحرص سحاب على مساندة كل مبدع عربي ومساعدته على بناء مستقبله الفني (الشرق الأوسط)

وحاز الموسيقار اللبناني المصري لقب «عالم موسيقي»، حيث جمع بين كونه باحثاً ومؤرخاً ومحللاً ومُنظراً موسيقياً وموزعاً للأوركسترا السيمفوني، ولا يزال سحاب يجد سعادته القصوى وهو ممسك بعصا المايسترو وعينه على المطرب وعازفي الأوركسترا.

يؤمن المايسترو الكبير بمقولة أفلاطون: «علموا أولادكم الموسيقى ثم أغلقوا السجون»، مؤكداً أنها صحيحة مائة في المائة، ومن منطلق إيمانه بها كوّن فريق «كورال مصر» لثقته بأن الموسيقى تعمل على الارتقاء بالنفس البشرية، قائلاً عن تجربته الشخصية: «إن أكثر الأوقات التي أجد فيها نفسي قريباً من الله سبحانه وتعالى عندما أقف على المسرح، وقد كان عبد الوهاب يقول إن أعظم أوقاته في الحياة عندما يلحن وعندما يصلي».

سحاب يتحدث للموسيقار محمد عبد الوهاب في إحدى الحفلات (الشرق الأوسط)

ويلفت سحاب إلى أنه منذ بداية القرن الـ20 اكتشف العلماء استخدام الموسيقى في العلاج النفسي، وهو ما لجأ إليه في تجربته الكبيرة مع «كورال مصر»، فقد كانت الموسيقى وسيلته لإعادة بعض الأطفال إلى المجتمع، ويقول عن ذلك: «لم تكن الموسيقى بحد ذاتها هدفاً، بل وسيلة للارتقاء بنفس هؤلاء الأطفال».

منذ جاء سليم سحاب إلى مصر نهاية ثمانينات القرن الماضي أسس «كورال أطفال الأوبرا»؛ فهو يعترف بأنه محب للأطفال بشكل كبير، موضحاً أنها «صفة أوجدها الله في قلبه»، لافتاً إلى أن «البداية مع الصغار تكون أسهل كثيراً من الكبار».

الموسيقار اللبناني - المصري سليم سحاب (الشرق الأوسط)

يفخر سحاب بكل من تعلموا في كورال الأطفال وباتوا من أهم الأصوات على الساحة العربية الآن، قائلاً كلهم أولادي، ولا أفضّل ابناً على آخر، ويذكر منهم، على سبيل المثال، شيرين عبد الوهاب، وتامر حسني، ومي فاروق، وريهام عبد الحكيم وأحمد سعد وإلى جانبهم هناك عشرات من الأصوات لمطربين قالوا إن بدايتهم كانت من كورال الأطفال، وهناك أيضاً ممثلون بدأوا من كورال الأطفال، من بينهم دنيا وإيمي سمير غانم.

وعن طريقة اكتشافه هذه المواهب، يقول: «أختار من يكون صوته صحيحاً، والعلم يصقل الموهبة؛ لذا أقول دائماً إن بإمكان معهد موسيقي واحد أن يُخرج جيشاً من الموسيقيين، لكن كل معاهد العالم لا تستطيع أن تُخرج موهبة لمن لا يتمتع بهذه المنحة الإلهية».

سحاب مع فيروز التي قاد أوركسترا إحدى حفلاتها (الشرق الأوسط)

ويبدي اهتماماً منذ بدايته بالمبدعين العرب الذي أسس لأجلهم مشروع «المبدع العربي»، مؤكداً أنه لن يتخلى عن مساندة كل مبدع عربي ومساعدته على بناء مستقبله الفني.

يشعر المايسترو بالفخر لقيادته الأوركسترا لكبار المطربين العرب، ولأصوات تاريخية، من بينهم، فيروز، ووديع الصافي وسعاد محمد من لبنان، ومن مصر سعاد مكاوي وشريفة فاضل، ومن سوريا المطرب الكبير صفوان بهلوان، ومن تونس لطفي بوشناق، كما يعتز بقيادته الحفلات الأولى في مصر لكل من المطربات سمية قيصر، وأصالة وفؤاد زبادي الذي قاد جميع حفلاته بدار الأوبرا المصرية.

وُلد سليم سحاب في يافا رغم أنه لبناني «أباً عن جد»، لكنه بقي مع أسرته بفلسطين وعاش بها حتى عمر 5 سنوات، كما قضوا عامين بها، ثم اتجهوا لبلدهم لبنان، وكما يروي: «في لبنان ظهرت ميولي الموسيقية بتأثير شقيقي الأكبر الذي كان هاوياً ولا يزال، وهو أحد أهم المؤرخين الموسيقيين بلبنان، أحببت منه الموسيقى الكلاسيكية الأوروبية بعدما كنت مشغولاً بالموسيقى العربية لعبد الوهاب وأسمهان وليلى مراد التي كانت متاحة في الإذاعات العربية».

كما تأثر بعباقرة الموسيقى في لبنان التي كانت زاخرة بهم، ومن بينهم سامي السداوي، وخالد أبو النصر وفيلمون وهبي، والمدرسة الجديدة التي ضمت العباقرة الكبار أمثال زكي نصيف، والأخوين رحباني، وتوفيق الباشا وحليم الرومي.

التوقف معناه العودة للوراء... فلا بد أن نسير للأمام لأن الحياة تعلمنا أشياء لم نكن نتوقعها

سليم سحاب

ويلفت إلى أنه كان يستمع للموسيقى المصرية واللبنانية، والكلاسيكية الأوروبية لعشر ساعات يومياً، وكل ذلك قاده لدراسة الموسيقى بمعهد «كونسرفتوار تشاسيوفكي» وكان أعظم معاهد الموسيقى بالعالم.

وقد بدأ حياته الموسيقية في لبنان باحثاً وكاتباً في مجلات «الفكر العربي» وجريدة «السفير»، مثلما أسس عام 1980 الفرقة اللبنانية للموسيقى العربية.

معاهد الموسيقى لا تستطيع أن تُخرج موهبة لمن لا يتمتع بهذه المنحة الإلهية

سليم سحاب

وفي عام 1988 دعت وزارة الثقافة المصرية سحاب لإقامة حفلات بالقاهرة، ثم تلقى عرضاً للعمل أستاذاً بمعهد الموسيقى العربية، ويتذكر ذلك قائلاً: «لقد كان عرضاً فنياً مغرياً؛ لأن مصر معروفة بإمكاناتها الفنية التي لا تنتهي، فاتخذت قراراً إيجابياً وبقيت في مصر من وقتها وأسست الفرقة القومية العربية للموسيقى عام 1989 ثم كورال أطفال الأوبرا وكورال مصر».

وكان قد حاز المايسترو الكبير الجنسية المصرية عام 1994: «انطلاقتي الموسيقية الأولى في لبنان جلبت لي الشهرة داخل لبنان فقط، لكن عملي في مصر أطلق شهرتي في العالم العربي والدولي، فقد قدمت 25 حفلاً باليابان، وحفلات عدة في الولايات المتحدة وفرنسا وبريطانيا».

ابنتي قررت أن يكون لها أغانيها الخاصة رافعة شعار «لن أعيش في جلباب أبي»

سليم سحاب

ومثلما اكتشف أصواتاً واعدة فقد اكتشف موهبة ابنته سارة التي رباها على أصول الغناء العربي الكلاسيكي منذ طفولتها وترك لها حرية اختيار طريقها، وكانت بدأت أولى خطواتها بالفرقة القومية للموسيقى العربية، لكنها اتخذت قراراً أن يكون لها أغانيها الخاصة لكي تتوجه لشباب يماثلها رافعة شعار «لن أعيش في جلباب أبي» وهو يثق في اختياراتها. وفق تعبيره.

ويصف المايسترو سليم سحاب رحلته الموسيقية بأنها مرحلة «ناجحة»، ويتمنى أن يُضيف لها لأن «التوقف معناه العودة للوراء، فلا بد أن نسير للأمام لأن الحياة تعلمنا أشياء لم نكن نتوقعها».