ردفورد وإيستوود... عملاقان عند آخر الخط

يلوّحان وداعاً في فيلمين جيدين

كلينت إيستوود وسط عصبة المهربين في «البغل»
كلينت إيستوود وسط عصبة المهربين في «البغل»
TT

ردفورد وإيستوود... عملاقان عند آخر الخط

كلينت إيستوود وسط عصبة المهربين في «البغل»
كلينت إيستوود وسط عصبة المهربين في «البغل»

خلال مهرجان تورونتو السينمائي الأخير، وفي الندوة الصحافية التي أقيمت لفيلم «العجوز والمسدس» صرّح الممثل روبرت ردفورد (82 سنة) بأنه وجد في هذا الفيلم الفرصة «الجيدة للتوقف عن التمثيل». وأضاف: «أردت لآخر فيلم أقوم بتمثيله أن يكون ترفيهاً».
بعد عودته من تورونتو ذكر في بعض مراسلاته أنه لم يقرر التوقف عن التمثيل. على ذلك، فإن تصريحه السابق، وسط أكثر من مائة صحافي، يبدو الأصدق والأكثر احتمالاً.
كلينت إيستوود، من ناحيته ذكر صراحة أنه سيتوقف عن العمل ممثلاً أو مخرجاً بعد فيلمه الجديد «ذا ميول» (The Mule). فيلمه هذا يوعز بهذا القرار فعلاً.
ما لدينا هنا هو قرار لعملاقين من عمالقة هوليوود أمام وخلف الكاميرا بالتنحي عن العمل بعدما بلغا من العمر عتياً. ردفورد وإيستوود ينتميان إلى جيل الستينات من النجوم. الوحيدان اللذان ما زالا يعملان من بين أبناء ذلك الجيل في أدوار أولى أو وراء الكاميرا في الإنتاج والإخراج. هذا من بعد أن انسحب من الملعب وورن بايتي وجاك نيكولسون وسيدني بواتييه وجين هاكمان وتعرض وودي ألن لوعكة إعلامية قد تتسبب في تباطؤ وتيرة أعماله، عدا عن وفاة بعضهم أيضاً.
بالنسبة لردفورد لديه 84 فيلماً ممثلاً و10 أفلام مخرجاً و53 فيلماً منتجاً، وهو بدأ حياته السينمائية سنة 1960 بدور صغير في فيلم Tall Story لجوشوا لوغن، لكن اسمه لم يظهر في بطاقة ذلك الفيلم لصغر دوره. إيستوود لعب في 86 فيلماً ممثلاً وأخرج 46 فيلماً (ما بين روائي وتسجيلي) وأنتج 47 فيلماً. وهو بدوره سجل ظهوره من دون ذكر اسمه في بطاقة الفيلم. كان ذلك عندما أُسند إليه دور صغير جداً في «انتقام المخلوق» (1955).
- عجوزان في اللعبة
كل ما سبق من باب المعلومات الموثقة التي نستطيع أن نمضي بها طويلاً، لكن ما هو أكثر إثارة للاهتمام التشابه المتعدد في أوجهه وجوانبه بين الفيلمين اللذين اختارا إنهاء مهنتهما بهما. «العجوز والمسدس» و«البغل» يبدوان فعلياً تحية وداع، لكن بنكهة خاصة... كل منهما يمد يده لمصافحة معجبيه بيد خشنة ودور في صميمه شرير فردفورد في «العجوز والمسدس» لص مصارف. إيستوود في «البغل» ناقل مخدرات.
في «العجوز والمسدس» (إخراج ديفيد لاوري) نتعرّف على فورست تاكر وهو يقوم بما يجيده أكثر من سواه: سرقة المصارف. أحياناً ما يفعل ذلك منفرداً. في أحيان أخرى يقوم بالسرقة مع رفيقين له عجوزين مثله (داني كلوفر وتوم وايتس) منتقلاً ما بين مصارف. بعضها يقع في مدينة سنسيناتي (ولاية أوهايو) وبعضها في مدينة جاكسون (ميتشيغان) وصولا إلى بلميد (تكساس).
في «البغل» (والكلمة مجازية هنا؛ إذ تُطلق على الأفراد الذين يقومون بنقل وتوصيل المخدرات من نقطة إلى أخرى) فهو عجوز آخر مارس المهنة على كبر ونجح فيها. اختارته عصابة من المكسيكيين لكي يكون «بغلها» المفضل؛ كونه عجوزاً لا يثير الريبة، ورجلاً أبيض البشرة لا ينتمي إلى ذوي البشرات الداكنة من سود أو لاتينيين.
هناك قدر من الواقع؛ إذ إن الشخصية الحقيقية مارست هذا العمل بالفعل وهي في سن متقدمة جداً من العمر (تقول بعض المصادر إن إيرل ستون كان في التسعين من العمر عندما مارس التهريب لبعض سنين)، لكن هناك الكثير من التدخل في الحقيقة ومعالجة الفيلم على نحو بعيد جداً عن التماثل الفعلي للواقع.
بذلك، فإن التشابه الأول قائم في أن كل من ردفورد وإيستوود يمثلان عمريهما في فيلم يعتبره كل منهما آخر ما عنده من أعمال. وأن الحكايتين هما حقيقيتان تم تذويب تفاصيلهما في ماء المعالجات الفنية العذبة، وأن كلتا الشخصيتين تمارسان عملاً إجرامياً في واقعها.
- تشابه واختلاف لكن التشابهات لا تتوقف عند هذا الحد.
في «البغل» يحاول القانون (ممثلاً ببرادلي كوبر ومايكل بينا) اكتشاف هذا المهرّب والقبض عليه. في «العجوز والمسدس» هناك كايسي أفلك في دور المحقق الذي يتابع عمليات اللص حتى من بعد أن تولى مكتب التحقيقات الفيدرالية الملف.
هذا الوضع ينجز مشهدين متماثلين على نحو لافت: كايسي أفلك وروبرت ردفورد في «العجوز والمسدس» يلتقيان صدفة في مطعم، وذلك قبل نهاية الفيلم بنصف ساعة. في «البغل» يتم لقاء صدفة آخر بين شخصيتي إيستوود وكوبر في مطعم أيضا وخلال أحداث نصف الساعة الأخيرة.
علاقة شخصية ردفورد في «العجوز والمسدس» مع المرأة موازية مع علاقة شخصية إيستوود مع المرأة أيضاً. هذا الثاني لديه عائلة انصرف عنها وانصرفت عنه، لكن أواصر العلاقة توطدت عند مرض زوجته (دايان ويست) فهرع ليكون بجانبها. ردفورد في الفيلم الآخر ليس متزوّجاً، لكنه يقع في الحب مع امرأة تعيش الآن وحيدة (سيسي سبايسك)، وموضوع الزواج يُطرح بعد ذلك تلقائياً.
ما يتشابه الوضع فيه هو مشهد يتوجه فيه ردفورد إلى أحد المصارف ليس لسرقته، بل لدفع ما على المرأة التي يحب الأقساط الباقية على العقار الذي تملكه. إيستوود يذهب أيضاً إلى أحد المصارف ويدفع ديوناً مستحقة على زوجته.
النهاية في الفيلمين واحدة: البوليس يلقي القبض على الرجلين وهو آسف كونهما عجوزين لم يهددا حياة أحد ولا عمداً إلى حمل السلاح المتوفر لهما لو أرادا.
إذا ما كانت التشابهات متعددة، فإن بعض الاختلافات تطفو على السطح أيضاً، وإن كانت ليست بالوفرة ذاتها. من بينها - وبل أهمها - أن شخصية ردفورد في «العجوز والمسدس» تقوم بعملياتها الخارجة عن القانون شغفاً في المقام الأول. في «البغل» يقوم إيستوود بالعمل لدى عصابات التهريب اضطراراً بسبب ديونه واحتمال أن يخسر بيته.
الاختلاف المهم الثاني، هو أن إيستوود هو من يقوم بإخراج هذا الفيلم في حين أن إخراج «العجوز والمسدس» قام به ديفيد لاوري (أحد السينمائيين الجيدين الجدد). تجوز هنا المقارنة من حيث إن فيلم إيستوود يسيطر على رقعة أكبر من الشخصيات والأحداث، بينما يجول «العجوز والمسدس» في رقعة أصغر حجماً (وميزانية).
لا يترك «العجوز والمسدس» بصمة يصعب محوها. هو فيلم جيد بموضوع آسر وتمثيل جيد، لكن «البغل» هو تحفة عمل يوفرها إيستوود وليس للمرة الأولى بالنسبة إليه.
مهم أن نلاحظ أن ردفورد ليبرالي النزعة، اختار فيلماً بلا توجه سياسي، بينما شحن اليميني المحافظ إيستوود عمله بما يناسب من نقد في مشاهد تمس الوضع الاقتصادي وبعض الملامح العنصرية أيضاً، وهذه ليست المرّة الأولى التي يفعل بها ذلك.


مقالات ذات صلة

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يوميات الشرق مشهد من فيلم «هُوبَال» الذي يُعرض حالياً في صالات السينما السعودية (الشرق الأوسط)

بعد أسبوع من عرضه... لماذا شغل «هُوبَال» الجمهور السعودي؟

يندر أن يتعلق الجمهور السعودي بفيلم محلي إلى الحد الذي يجعله يحاكي شخصياته وتفاصيله، إلا أن هذا ما حدث مع «هوبال» الذي بدأ عرضه في صالات السينما قبل أسبوع واحد.

إيمان الخطاف (الدمام)
لمسات الموضة أنجلينا جولي في حفل «غولدن غلوب» لعام 2025 (رويترز)

«غولدن غلوب» 2025 يؤكد أن «القالب غالب»

أكد حفل الغولدن غلوب لعام 2025 أنه لا يزال يشكِل مع الموضة ثنائياً يغذي كل الحواس. يترقبه المصممون ويحضّرون له وكأنه حملة ترويجية متحركة، بينما يترقبه عشاق…

«الشرق الأوسط» (لندن)
سينما صُناع فيلم «إيميليا بيريز» في حفل «غولدن غلوب» (رويترز)

«ذا بروتاليست» و«إيميليا بيريز» يهيمنان... القائمة الكاملة للفائزين بجوائز «غولدن غلوب»

فاز فيلم «ذا بروتاليست» للمخرج برادي كوربيت الذي يمتد لـ215 دقيقة بجائزة أفضل فيلم درامي في حفل توزيع جوائز «غولدن غلوب».

«الشرق الأوسط» (لوس أنجليس)
يوميات الشرق عصام عمر خلال العرض الخاص للفيلم (حسابه على فيسبوك)

عصام عمر: «السيد رامبو» يراهن على المتعة والمستوى الفني

قال الفنان المصري عصام عمر إن فيلم «البحث عن منفذ لخروج السيد رامبو» يجمع بين المتعة والفن ويعبر عن الناس.

انتصار دردير (القاهرة )
يوميات الشرق الممثل الجزائري الفرنسي طاهر رحيم في شخصية المغنّي العالمي شارل أزنافور (باتيه فيلم)

«السيّد أزنافور»... تحيّة موفّقة إلى عملاق الأغنية الفرنسية بأيادٍ عربية

ينطلق عرض فيلم «السيّد أزنافور» خلال هذا الشهر في الصالات العربية. ويسرد العمل سيرة الفنان الأرمني الفرنسي شارل أزنافور، من عثرات البدايات إلى الأمجاد التي تلت.

كريستين حبيب (بيروت)

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
TT

نجم بوليوود عامر خان يصرف النظر عن الاعتزال ويواصل التمثيل والإنتاج

نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)
نجم بوليوود عامر خان (أ.ف.ب)

خطرت فكرة اعتزال السينما في بال نجم بوليوود، عامر خان، في خضمّ فترة التأمل التي أمضاها خلال جائحة كوفيد-19، لكنّ الممثل والمنتج الهندي بدّل رأيه مذّاك ويعتزم مواصلة مسيرته المهنية الغنية التي بدأت في سبعينات القرن العشرين.

وقال خان لـ«وكالة الصحافة الفرنسية»، خلال مقابلة أجرتها معه في لندن، إنه مرّ قبل بضع سنوات بمرحلة إعادة نظر ذاتية.

وأضاف: «كان ذلك خلال أزمة كوفيد، وكنت أفكر في كثير من الأمور، وأدركت أنني قضيت حياتي بأكملها في عالم السينما السحري هذا منذ أن أصبحت بالغاً».

وتولى عامر خان بطولة عدد كبير من الأفلام التي حققت نجاحاً تجارياً واسعاً في بلده، ومنها «3 بلهاء» و«دانغال»، و«نجوم على الأرض»، كما اشتهر عامر خان بإنتاج وبطولة فيلم «لاغان Lagaan» الذي كان بين الأعمال المرشحة لجائزة الأوسكار للأفلام الأجنبية عام 2002.

وتابع خان الذي بدأت مسيرته التمثيلية منذ الطفولة في السبعينات، وأصبح لاسمه ارتباط وثيق ببوليوود: «لقد أدركت أنني لم أعطِ حياتي الشخصية الأهمية التي كنت أرغب فيها».

وزاد: «واجهتُ صعوبة في التغلب على الشعور بأنني أهدرت الكثير من الوقت، وكنت أشعر بالكثير من الذنب... كان رد فعلي الأول القول إنني اكتفيت من السينما».

لكنّ عائلته، وخصوصاً ابنه وابنته، أقنعته بالعدول عن الاعتزال. وقال: «في رأسي كنت أقول سأتوقف. ثم لم أفعل ذلك».

والآن، مع اقتراب عيد ميلاده الستين في مارس (آذار)، يريد عامر خان، الذي يعيش في مومباي، «مواصلة التمثيل والإنتاج لبعض الوقت».

«أحب أن أفاجئ جمهوري»

ويعتزم النجم الهندي أيضاً جعل شركته للإنتاج «عامر خان بروداكشنز» منصة «لتشجيع المواهب الجديدة التي تكون أحاسيسها قريبة» من أحساسيسه و«تريد أن تروي القصص» التي تهمه.

ومن ذلك مثلاً فيلم «لاباتا ليديز» Laapataa Ladies الكوميدي عن شابتين من منطقة ريفية في الهند، يطرح موضوع الزواج ووضع المرأة في بلده، وقد شارك في إنتاجه مع زوجته السابقة كيران راو، وحضر أخيراً إلى لندن للترويج له.

ويتناول عدد من أفلام عامر خان قضايا اجتماعية، مثل حقوق المرأة في المناطق الريفية، أو الصناعة الرياضية، أو الضغط المفرط في التعليم العالي أو حقوق الأشخاص ذوي الإعاقة.

لكن خان يرفض أن يحبس نفسه في نوع واحد فقط من الأفلام أو الأدوار، وقال في هذا الصدد: «أحب التنويع والتطرق إلى قصص مختلفة. أحب أن أفاجئ نفسي وجمهوري».

ولم يتردد النجم البوليوودي في انتقاد نفسه أيضاً، مشيراً إلى أنه «غير راضٍ» عن أدائه في فيلم «لا سينغ شادا» Laal Singh Chaddha الهندي المقتبس من فيلم «فورست غامب» تم إنتاجه عام 2022، لكنه لم يحظَ بالاستحسان المألوف الذي تُقابَل به أعماله.

وأما في «أن يكون هذا الفيلم أفضل»، في إشارة إلى عمله الجديد «سيتار زامين بار» Sitaare Zameen Par الذي يُطرَح قريباً.

ورغم فوزه بالعشرات من الجوائز السينمائية في الهند بالإضافة إلى ثالث أعلى وسام مدني في بلده، فإن عامر خان يحرص على تقويم كل فيلم من أفلامه.

وشدّد على أن «إخراج فيلم أمر بالغ الصعوبة». وقال: «عندما أنظر إلى الفيلم الذي أخرجناه، ثم إلى السيناريو الذي كتبناه، أتساءل هل حقق الفيلم الأهداف التي حددناها».

وأضاف: «إذا وصلنا إلى ما أردناه، وصنعنا الفيلم الذي أردناه، فيشكّل ذلك ارتياحاً كبيراً».