الهجمات الإعلامية الحوثية... انتقامٌ إثر الفضيحة «الأممية» أم تنصلٌّ من الاتفاقيات؟

الجماعة الانقلابية سلّطت قيادات الصف الثاني لمهاجمة الأمم المتحدة ومسؤوليها

جندي في القوات التابعة للجيش اليمني غطى مدفعه في إشارة إلى الالتزام بالهدنة (إ.ب.أ)
جندي في القوات التابعة للجيش اليمني غطى مدفعه في إشارة إلى الالتزام بالهدنة (إ.ب.أ)
TT

الهجمات الإعلامية الحوثية... انتقامٌ إثر الفضيحة «الأممية» أم تنصلٌّ من الاتفاقيات؟

جندي في القوات التابعة للجيش اليمني غطى مدفعه في إشارة إلى الالتزام بالهدنة (إ.ب.أ)
جندي في القوات التابعة للجيش اليمني غطى مدفعه في إشارة إلى الالتزام بالهدنة (إ.ب.أ)

سعياً إلى امتصاص الصدمة التي فاجأتهم عند إعلان سرقات الإغاثة، سارع الحوثيون إلى شن هجمات ضد الأمم المتحدة ومسؤوليها بعد تلقي الجماعة الانقلابية عدة ضربات إعلامية متوالية، بدأت بموافقتهم على الانسحاب من الحديدة خلال مشاورات السويد، واستمرت ببيان أممي صارم حول مسرحية الانسحاب (إعادة الانتشار) من الحديدة، واتصلت بفضيحة التقرير الشهير الذي نشره برنامج الأغذية العالمي.
ورغم انتقاد عدد واسع من المحللين والناشطين اليمنيين والمهتمين بالشأن اليمني، لـ«الدلال» الأممي تجاه الجماعة، فإن ذلك لم يشفع للمنظمات أن تخرج من سوط «التكذيب والإدانة» وصولاً إلى «التبعية السياسية لبريطانيا وأميركا»، وفقاً لقيادي حوثي غرّد في «تويتر» مهاجماً الأمم المتحدة.
ومن اللافت أن الجماعة لم تسلِّط أياً من مسؤوليها الضالعين بالملفات السياسية أو أولئك الذين تتقاطع أدوارهم مع المنظمات الدولية، وفضلوا ترك المساحة للصف الثاني، الذي يتزعمه رئيس اللجنة الثورية (الانقلابية) محمد علي الحوثي.
وراحت وكالة الأنباء اليمنية (سبأ) بنسختها المسروقة لدى الحوثيين تنشر خلال اليومين الماضيين إدانات واتهامات للمنظمات الدولية، وأنها «تفتري على الثورة»، على حد زعمها، في إشارة إلى كشفها حقائق سرقة الغذاء من أفواه الجوعى والتلاعب في سجلات المستحقين للمساعدات وتزويرها.
يقول حمزة الكمالي وكيل وزارة الشباب والرياضة اليمني لـ«الشرق الأوسط»: «حسناً، ها هي الميليشيات تشنّ حرباً مع الأمم المتحدة للتنصل من تنفيذ اتفاقية استوكهولم، وتنقل المعركة (مع المنظمات الأممية) إلى شبه مواجهة... أتصور أنّ تماهي بعض المسؤولين الأمميين مع الحوثيين دفعهم إلى ذلك».
ولأن الحديدة واتفاقها «السويدي» تحتل صدارة الاهتمام في الجانب السياسي اليمني؛ كشفت مصادر مقربة من لجنة إعادة الانتشار عن تسلم الجنرال الهولندي باتريك كومارت رئيس لجنة إعادة الانتشار، خرائط مقترحة وخططاً من الطرفين (الحكومة والانقلابيين).
مصادر -لا تستطيع كشف هويتها- لوّحت إلى «تقارب في وجهات النظر» مع بقاء «النقطة المهمة المتوقع وجود خلافات حولها مسألة السلطة المحلية الإدارية والأمنية»، فالحكومة اليمنية -وفقاً للاتفاقية- تتكئ على ما ورد في كلمة «القانون اليمني» والذي لا يعترف بأي سلطة خارج سلطة الدولة والحكومة دستورياً، أو حتى بالاعتراف الدولي. تقول المصادر: الحوثيون «لا يريدون الخروج من المؤسسات».
وتداول ناشطون يمنيون، أمس، نبأ بدء الجماعة المدعومة من إيران حملة لجمع توقيعات ضد الجنرال الهولندي، في الوقت الذي هاجمه فيه اجتماع للمجلس المحلي بالحديدة الذي تسيطر على قراره الميليشيات الحوثية.
ونشرت وسائل إعلام حوثية أن اجتماع المجلس (الذي لا يحمل أي صفة رسمية وفق القانون اليمني) حمّل الأمم المتحدة مسؤولية «التأخر عن تنفيذ اتفاق السويد»، ولوّح بيان الاجتماع إلى أن الجنرال الهولندي يجب أن «يطبق اتفاق السويد وقرار مجلس الأمن 2451، وعليه عدم الانشغال بأي أشياء أخرى خارج الاتفاق وقرار مجلس الأمن».
ويفسر هذا الحنق الحوثي ما أفشله كومارت من مسرحية لتسليم ميناء الحديدة لقوات اتضح لاحقاً أن الجماعة سلّمتها لنفسها، ما دفعه إلى إصدار بيان لم يرحب فيه بما سماه الحوثيون «بدء إعادة الانتشار»، وشدد على أن «أي إعادة انتشار لن تكون ذات مصداقية إلا إذا تمكنت جميع الأطراف والأمم المتحدة من الملاحظة والتحقق من أنها تتماشى مع اتفاق استوكهولم».
ويطالب محللون يمنيون بضرورة أن تواصل الأمم المتحدة ضغوطها على الحوثيين حتى ينجح اتفاق استوكهولم.
يقول نجيب غلاب رئيس «مركز الجزيرة العربية للدراسات»: «الأمم المتحدة لا تمارس الضغوط الكافية على الجماعة، وإذا رفع باتريك كومارت لمجلس الأمن أن الحوثيين هم المعرقلون ستصبح الضغوط ملموسة»، مضيفاً: «إذا فشل اتفاق الحديدة ستكون النتيجة أن الحل السياسي فشل، والحوثيون مصرون على التمسك بالميناء والإدارة المحلية للحديدة، والسؤال هنا: هل الأمم المتحدة والدول الخمس سيقبلون بمسألة الحل العسكري أم لا، إذا فشل الحل السياسي؟».
حيال ذلك، قال حمزة الكمالي: «أتمنى أن يكون هناك موقف حاسم... يجب أن تعطى الحكومة الشرعية المساحة وتخفيف الضغوط الأممية عليها من الناحية الدبلوماسية والسياسية لتحرير ما تبقى من اليمن».


مقالات ذات صلة

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

العالم العربي فتاة في مخيم مؤقت للنازحين اليمنيين جنوب الحُديدة في 4 يناير الحالي (أ.ف.ب)

انخفاض شديد في مستويات دخل الأسر بمناطق الحوثيين

أظهرت بيانات حديثة، وزَّعتها الأمم المتحدة، تراجعَ مستوى دخل الأسر في اليمن خلال الشهر الأخير مقارنة بسابقه، لكنه كان أكثر شدة في مناطق سيطرة الحوثيين.

محمد ناصر (تعز)
العالم العربي أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

ضاعفت الجماعة الحوثية من استهدافها الأكاديميين اليمنيين، وإخضاعهم لأنشطتها التعبوية، في حين تكشف تقارير عن انتهاكات خطيرة طالتهم وأجبرتهم على طلب الهجرة.

وضاح الجليل (عدن)
المشرق العربي رئيس مجلس القيادة الرئاسي اليمني ومحافظ مأرب ورئيس هيئة الأركان خلال زيارة سابقة للجبهات في مأرب (سبأ)

القوات المسلحة اليمنية: قادرون على تأمين الممرات المائية الاستراتيجية وعلى رأسها باب المندب

أكدت القوات المسلحة اليمنية قدرة هذه القوات على مواجهة جماعة الحوثي وتأمين البحر الأحمر والممرات المائية الحيوية وفي مقدمتها مضيق باب المندب الاستراتيجي.

عبد الهادي حبتور (الرياض)
العالم العربي العام الماضي كان قاسياً على اليمنيين وتضاعفت معاناتهم خلاله (أ.ف.ب)

اليمنيون يودّعون عاماً حافلاً بالانتهاكات والمعاناة الإنسانية

شهد اليمن خلال العام الماضي انتهاكات واسعة لحقوق الإنسان، وتسببت مواجهات البحر الأحمر والممارسات الحوثية في المزيد من المعاناة للسكان والإضرار بمعيشتهم وأمنهم.

وضاح الجليل (عدن)
العالم العربي أطفال جندتهم الجماعة الحوثية خلال 2024 في وقفة تحدٍ لتحالف الازدهار (غيتي)

تحالف حقوقي يكشف عن وسائل الحوثيين لاستقطاب القاصرين

يكشف تحالف حقوقي يمني من خلال قصة طفل تم تجنيده وقتل في المعارك، عن وسائل الجماعة الحوثية لاستدراج الأطفال للتجنيد، بالتزامن مع إنشائها معسكراً جديداً بالحديدة.

وضاح الجليل (عدن)

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يكثفون انتهاكاتهم بحق الأكاديميين في الجامعات

فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)
فعالية حوثية داخل جامعة صنعاء تضامناً مع «حزب الله» (إعلام حوثي)

كثّفت الجماعة الحوثية استهدافها مدرسي الجامعات والأكاديميين المقيمين في مناطق سيطرتها بحملات جديدة، وألزمتهم بحضور دورات تعبوية وزيارات أضرحة القتلى من قادتها، والمشاركة في وقفات تنظمها ضد الغرب وإسرائيل، بالتزامن مع الكشف عن انتهاكات خطيرة طالتهم خلال فترة الانقلاب والحرب، ومساعٍ حثيثة لكثير منهم إلى الهجرة.

وذكرت مصادر أكاديمية في العاصمة اليمنية المختطفة صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن مدرسي الجامعات العامة والخاصة والموظفين في تلك الجامعات يخضعون خلال الأسابيع الماضية لممارسات متنوعة؛ يُجبرون خلالها على المشاركة في أنشطة خاصة بالجماعة على حساب مهامهم الأكاديمية والتدريس، وتحت مبرر مواجهة ما تسميه «العدوان الغربي والإسرائيلي»، ومناصرة فلسطينيي غزة.

وتُلوّح الجماعة بمعاقبة مَن يتهرّب أو يتخلّف من الأكاديميين في الجامعات العمومية، عن المشاركة في تلك الفعاليات بالفصل من وظائفهم، وإيقاف مستحقاتهم المالية، في حين يتم تهديد الجامعات الخاصة بإجراءات عقابية مختلفة، منها الغرامات والإغلاق، في حال عدم مشاركة مدرسيها وموظفيها في تلك الفعاليات.

أكاديميون في جامعة صنعاء يشاركون في تدريبات عسكرية أخضعهم لها الحوثيون (إعلام حوثي)

وتأتي هذه الإجراءات متزامنة مع إجراءات شبيهة يتعرّض لها الطلاب الذين يجبرون على حضور دورات تدريبية قتالية، والمشاركة في عروض عسكرية ضمن مساعي الجماعة لاستغلال الحرب الإسرائيلية على غزة لتجنيد مقاتلين تابعين لها.

انتهاكات مروّعة

وكان تقرير حقوقي قد كشف عن «انتهاكات خطيرة» طالت عشرات الأكاديميين والمعلمين اليمنيين خلال الأعوام العشرة الماضية.

وأوضح التقرير الذي أصدرته «بوابة التقاضي الاستراتيجي»، التابعة للمجلس العربي، بالتعاون مع الهيئة الوطنية للأسرى والمختطفين، قبل أسبوع تقريباً، وغطّي الفترة من مايو (أيار) 2015، وحتى أغسطس (آب) الماضي، أن 1304 وقائع انتهاك طالت الأكاديميين والمعلمين في مناطق سيطرة الجماعة الحوثية التي اتهمها باختطافهم وتعقبهم، ضمن ما سمّاها بـ«سياسة تستهدف القضاء على الفئات المؤثرة في المجتمع اليمني وتعطيل العملية التعليمية».

أنشطة الجماعة الحوثية في الجامعات طغت على الأنشطة الأكاديمية والعلمية (إكس)

ووثّق التقرير حالتي وفاة تحت التعذيب في سجون الجماعة، وأكثر من 20 حالة إخفاء قسري، منوهاً بأن من بين المستهدفين وزراء ومستشارين حكوميين ونقابيين ورؤساء جامعات، ومرجعيات علمية وثقافية ذات تأثير كبير في المجتمع اليمني.

وتضمن التقرير تحليلاً قانونياً لمجموعة من الوثائق، بما في ذلك تفاصيل جلسات التحقيق ووقائع التعذيب.

ووفق تصنيف التقرير للانتهاكات، فإن الجماعة الحوثية نفّذت 1046 حالة اختطاف بحق مؤثرين، وعرضت 124 منهم للتعذيب، وأخضعت اثنين من الأكاديميين و26 من المعلمين لمحاكمات سياسية.

وتشمل الانتهاكات التي رصدها التقرير، الاعتقال التعسفي والإخفاء القسري والتعذيب الجسدي والنفسي والمحاكمات الصورية وأحكام الإعدام.

عشرات الأكاديميين لجأوا إلى طلب الهجرة بسبب سياسات الإقصاء الحوثية وقطع الرواتب (إكس)

وسبق أن كشف تقرير تحليلي لأوضاع الأكاديميين اليمنيين عن زيادة في طلبات العلماء والباحثين الجامعيين للهجرة خارج البلاد، بعد تدهور الظروف المعيشية، واستمرار توقف رواتبهم، والانتهاكات التي تطال الحرية الأكاديمية.

وطبقاً للتقرير الصادر عن معهد التعليم الدولي، ارتفعت أعداد الطلبات المقدمة من باحثين وأكاديميين يمنيين لصندوق إنقاذ العلماء، في حين تجري محاولات لاستكشاف الطرق التي يمكن لقطاع التعليم الدولي من خلالها مساعدة وتغيير حياة من تبقى منهم في البلاد إلى الأفضل.

إقبال على الهجرة

يؤكد المعهد الدولي أن اليمن كان مصدر غالبية الطلبات التي تلقّاها صندوق إنقاذ العلماء في السنوات الخمس الماضية، وتم دعم أكثر من ثلثي العلماء اليمنيين داخل المنطقة العربية وفي الدول المجاورة، بمنحة قدرها 25 ألف دولار لتسهيل وظائف مؤقتة.

قادة حوثيون يتجولون في جامعة صنعاء (إعلام حوثي)

لكن تحديات التنقل المتعلقة بالتأشيرات وتكلفة المعيشة والاختلافات اللغوية الأكاديمية والثقافية تحد من منح الفرص للأكاديميين اليمنيين في أميركا الشمالية وأوروبا، مقابل توفر هذه الفرص في مصر والأردن وشمال العراق، وهو ما يفضله كثير منهم؛ لأن ذلك يسمح لهم بالبقاء قريباً من عائلاتهم وأقاربهم.

وخلص التقرير إلى أن العمل الأكاديمي والبحثي داخل البلاد «يواجه عراقيل سياسية وتقييداً للحريات ونقصاً في الوصول إلى الإنترنت، ما يجعلهم يعيشون فيما يُشبه العزلة».

وأبدى أكاديمي في جامعة صنعاء رغبته في البحث عن منافذ أخرى قائمة ومستمرة، خصوصاً مع انقطاع الرواتب وضآلة ما يتلقاه الأستاذ الجامعي من مبالغ، منها أجور ساعات تدريس محاضرات لا تفي بالاحتياجات الأساسية، فضلاً عن ارتفاع الإيجارات.

إجبار الأكاديميين اليمنيين على المشاركة في الأنشطة الحوثية تسبب في تراجع العملية التعليمية (إكس)

وقال الأكاديمي الذي طلب من «الشرق الأوسط» التحفظ على بياناته خوفاً على سلامته، إن الهجرة ليست غاية بقدر ما هي بحث عن وظيفة أكاديمية بديلة للوضع المأساوي المعاش.

ويقدر الأكاديمي أن تأثير هذه الأوضاع أدّى إلى تدهور العملية التعليمية في الجامعات اليمنية بنسبة تتجاوز نصف الأداء في بعض الأقسام العلمية، وثلثه في أقسام أخرى، ما أتاح المجال لإحلال كوادر غير مؤهلة تأهيلاً عالياً، وتتبع الجماعة الحوثية التي لم تتوقف مساعيها الحثيثة للهيمنة على الجامعات ومصادرة قرارها، وصياغة محتوى مناهجها وفقاً لرؤية أحادية، خصوصاً في العلوم الاجتماعية والإنسانية.

وفي حين فقدت جامعة صنعاء -على سبيل المثال- دورها التنويري في المجتمع، ومكانتها بصفتها مؤسسة تعليمية، تُشجع على النقد والتفكير العقلاني، تحسّر الأكاديمي اليمني لغياب مساعي المنظمات الدولية في تبني حلول لأعضاء هيئة التدريس، سواء في استيعابهم في مجالات أو مشروعات علمية، متمنياً ألا يكون تخصيص المساعدات لمواجهة المتطلبات الحياتية للأكاديميين غير مشروط أو مجاني، وبما لا يمس كرامتهم.