«لعنة جيش فاغنر» تلاحق الساعين إلى فتح ملفات المرتزقة في سوريا

معطيات عن «تمدد» نشاط الجيش الروسي الخاص إلى السودان وليبيا

صورة نشرها موقع روسي لعناصر من {جيش فاغنر} في دير الزور
صورة نشرها موقع روسي لعناصر من {جيش فاغنر} في دير الزور
TT

«لعنة جيش فاغنر» تلاحق الساعين إلى فتح ملفات المرتزقة في سوريا

صورة نشرها موقع روسي لعناصر من {جيش فاغنر} في دير الزور
صورة نشرها موقع روسي لعناصر من {جيش فاغنر} في دير الزور

أشعل تعليق الرئيس الروسي فلاديمير بوتين أخيراً، حول نشاط التشكيلات الخاصة الروسية التي قاتلت في سوريا منذ عام 2015، وباتت معروفة باسم «جيش فاغنر»، النقاشات مجدداً حول مدى سطوة وقوة وحدات المرتزقة التي عكس نشاطها تغلغل الأصابع الخفية الروسية في أزمات وحروب خارجية، على مدى السنوات الست الأخيرة.
ومع حروب الكرملين المعلنة في أوكرانيا وسوريا، فإن خريطة انتشار «الجيش السري» كانت أوسع بكثير وشملت بلداناً لا وجود عسكرياً مباشراً لروسيا فيها، مثل جمهورية أفريقيا الوسطى. وهذه الخريطة تتجه إلى أن تتسع أكثر، إذ تبدو بلدان جديدة تعاني أزمات وحروباً، وفيها ثروات تسيل اللعاب مرشحة لأن تكون الوجهات الجديدة للمرتزقة الذين تقترب مهمتهم في سوريا من الانتهاء، مع استكمال المرحلة الأخيرة لفرض القبضة الروسية في شمال البلاد وشرقها، في حال نفذت الولايات المتحدة قرارها بالانسحاب من المنطقة.
بوتين أشعل النقاشات بتعليق صغير رداً على سؤال في مؤتمره الصحافي السنوي، حول نشاط «جيش فاغنر» خارج الحدود. قال الرئيس إنه لا يمكن أن يحظر «الشركات الأمنية الخاصة» في البلاد، لأن ثمة مليون شخص يعملون فيها. أما بالنسبة إلى نشاطها «خارج روسيا» فهذا أمر يتعلق بمصالحها. و«إذا كانت لا تخالف القوانين الروسية، فمن حقها أن تعمل في أي مكان في العالم». وزاد أنه يمكن أن تحقق النيابة العامة الروسية في نشاط الشركات الخاصة إذا برزت مخالفات لديها.لم يمر وقت طويل بعد ذلك، حتى أعلنت النيابة العامة الروسية أنها «لا يمكن أن تفتح تحقيقاً في نشاط هذه الشركات بسبب عدم وجود أي جهة مشتكية».
هكذا حُسِم الملف. لا توجد جهة ادعاء، وبالتالي لا مبرر لفتح تحقيق في نشاط جيش فاغنر في سوريا أو غيرها. لكن سرعان ما أثارت هذه العبارات غضب معارضين ومعلقين رأوا أنه «لا توجد جهة ادعاء، لأن كل من يحاول فتح هذا الملف تصيبه لعنة فاغنر، من الصحافيين الذين قُتلوا أو لوحقوا في مناطق مختلفة إلى الباحثين والدارسين الذين وجدوا أنفسهم في السجن بتهمة محاولة إفشاء أسرار الدولة».

موت صحافيين بظروف غامضة
على مدى العامين الأخيرين تعرض عشرات الصحافيين إلى ملاحقات أو مضايقات وصلت إلى موت بعضهم في ظروف غامضة. الجامع بينهم أنهم حاولوا الاقتراب من هذه المنطقة الغامضة والمخيفة: دور ونشاط التشكيلات العسكرية الخاصة في الحروب الخارجية.
هذا ما حدث مع الصحافي الروسي مكسيم بورودين، الذي «انتحر» فجأة في مدينته يكاتيرنبورغ في أبريل (نيسان) الماضي، بعدما قفز من شرفة منزله في الطابق الخامس. وكان يمكن للحادث أن يمر سريعاً ولا يلفت الأنظار، لولا أن اسم «المنتحر» برز بقوة في قضية نشاط «فاغنر» في سوريا؛ فقد كان أول من كشف تفاصيل كاملة عن حادثة تعرض وحدات من المرتزقة الروس، الذين كانوا يقاتلون قرب تدمر، لقصف أميركي مركّز يوم السابع في فبراير (شباط) الماضي، على قافلة ضمن 3 وحدات من هذا الجيش كانت تقترب من موقع نفطي قرب دير الزور. وأسفر القصف عن مقتل 217 منهم، وفقاً لتأكيدات صدرت لاحقاً.
وأثار الموت الغامض لبورودين شكوكاً كثيرة لدى الأوساط القريبة منه، ولدى منظمة «مراسلون بلا حدود» التي طالبت بتحقيق جاد وشفاف. بينما قالت رئيسة تحرير «نوفي دين»، بالينا رومانتسيفا، إن مكسيم الذي عمل للصحيفة «كان نشطاً ومحباً للحياة، ولا دوافع لديه كي ينتحر»، وأعربت عن شكوك بسير التحقيقات، ونبّهت إلى أن «موته ليس مجرد حادث، ثمة من ساعد في إظهاره كأنه انتحار»، علماً بأن بورودين الذي تبنى موقفاً مناهضاً للتدخل الروسي في سوريا منذ بدايته، تعرض لوابل من التهديدات في السابق بسبب مواقفه، ونجا بأعجوبة من موت محقق في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، بعدما اعتدى مجهولون عليه مستخدمين قضباناً حديدية، بعد مرور وقت قصير على إجرائه مقابلة تلفزيونية مع محطة «دوجد» المعارضة تحدّث فيها عن الوضع في سوريا.
اللافت أن مواقع روسية كانت قد أشارت بعد حادثة «جيش فاغنر» إلى تعرض عدد من الصحافيين الذين تابعوا الموضوع لمضايقات متنوعة. ووجه بعض ناشطي «الجيش» تهديدات مباشرة عبر مواقع إلكترونية إلى «مَن يحاولون الإساءة إلى المقاتلين الذين سقطوا في معركة»، في إشارة إلى ضحايا الهجوم الأميركي قرب دير الزور.
هكذا تعرضت شبكة «فانتانكا» في سان بطرسبورغ التي تابعت ملف قتلى «فاغنر» وأجرت مقابلات مع ذويهم في روسيا، لوابل من التهديدات، وأضيفت إلى «لائحة سوداء»، ظهرت على شبكة الإنترنت تضم «عملاء» و«طابوراً خامساً».
وفي أكتوبر الماضي، تعرضت صحيفة «نوفاي غازيتا» إلى سيل من التهديدات، بينها وضع أكاليل جنائزية على باب المؤسسة المعارضة، مع أقفاص فيها خراف وبطاقات كُتبت عليها أسماء صحافيين فتحوا ملف «جيش فاغنر». وتعرض لتهديد مماثل في الفترة ذاتها، الصحافي دينيس كوروتكوف الذي وُصف في بطاقة أرسلت إلى مقر عمله في تلفزيون «الجديد»، بأنه «خائن»، قبل أن يقوم مجهولون بإرسال باقة تحتوي على عدد زوجي من الزهور (في إشارة إلى الموت) إلى منزله، حيث تم تسليمها إلى زوجته مرفقة ببطاقة عليها عبارة «لن ننساك». وكوروتكوف هو صاحب تحقيقات رنانة، درس لفترة طويلة إمبراطورية رجل الأعمال يفغيني بريغوجين المقرب من بوتين، الذي يدير أنشطة الشركات العسكرية الخاصة الروسية.

وللباحثين نصيب
لكن تلك الملاحقات والتهديدات الخفية لم تقتصر على صحافيين تابعوا نشاط «جيش فاغنر» في سوريا، بل وصلت إلى باحثين في مراكز مرموقة للدراسات الاستراتيجية، مثل فلاديمير نيلوف الذي يقبع حالياً في السجن بعد توجيه تهمة إفشاء أسرار الدولة والتخابر مع جهات أجنبية ضده، بداية الشهر الماضي. ونيلوف هو خبير عسكري كان يظهر على شبكات التلفزة الحكومية ويقدم تعليقات على الأحداث لمؤسسات إعلامية كثيرة داخل روسيا وخارجها، وعمل في «مركز البحث الاستراتيجي» كمتخصص في دراسة الشركات العسكرية الخاصة، وخصائص الحروب الحديثة، والعقائد والاستراتيجيات العسكرية، والثورات المسلحة وظاهرة «خصخصة المجال العسكري». وهو مؤلف كثير من الأعمال في مجال البحث الاستراتيجي والتحليل العسكري السياسي، لكن الخطأ «الاستراتيجي» الذي أوقعه أنه كرس جزءاً من دراساته المنشورة لمتابعة نشاط «جيش فاغنر».
قبل ذلك، وتحديداً في أغسطس (آب)، لقي ثلاثة صحافيين روس مصرعهم في أفريقيا الوسطى خلال محاولتهم إجراء تحقيق حول نشاط الشركات العسكرية الروسية الخاصة في هذا البلد. قتل الصحافيون على أيدي مجموعة مسلحة قطعت طريق موكبهم وفتحت نيراناً عليهم. وأعلنت الأجهزة الخاصة الأوكرانية في وقت لاحق أن لديها لائحة تضم عشرة أسماء من مقاتلي «فاغنر» دخلوا إلى أفريقيا الوسطى ونفذوا «عملية الاغتيال»، لكن الكرملين اعتبر الاتهامات «سخيفة» وقال إنه لا يوجد دليل على تورط المجموعات الخاصة الروسية بهذه الجريمة.
مهما كانت الحقيقة في مقتل الصحافيين في هذا البلد الأفريقي؛ فهي فتحت الباب للحديث عن انتشار نشاط «جيش فاغنر» في مناطق جديدة، وبعدما كان الجيش يرسل مقاتليه إلى سوريا للمساعدة في السيطرة على مواقع ومنشآت نفطية في مقابل عقود مجزية وقّعها مقربون من الكرملين مع السلطات السورية للحصول على النفط السوري، فإن تقارير أشارت إلى أن نشاط هذه الشركات الخاصة في القارة الأفريقية مرتبط بالسيطرة على مناجم الماس وتوقيع عقود مماثلة هناك.

تمدد «جيش فاغنر» في السودان وليبيا
منذ بداية الحملة العسكرية في سوريا، لم تعترف السلطات الروسية بوجود الشركات العسكرية الخاصة الروسية في هذه الحرب، ولا بوجود مثل هذه الشركات في روسيا من حيث المبدأ. وقال ديمتري بيسكوف، السكرتير الصحافي للرئيس الروسي في حينها: «بحكم القانون، ليس لدينا كيانات قانونية مثل الشركات العسكرية الخاصة». وكان معروفاً عن هذه الشركات أنها شاركت في العمليات العسكرية في أوكرانيا في إطار ما عُرِف بـ«الفيلق السلافي» الذي أسهم في السيطرة على القرم وعلى مناطق في شرق البلاد. ومنذ 2015 تم زجّ آلاف من مقاتليه في سوريا عبر إعلانات مغرية برزت على شبكات التواصل الاجتماعي، ودفعت إلى تطوع كثيرين من مشاركي الحرب الشيشانية والحرب الجورجية في السابق في هذه التشكيلات طمعاً بالمكافآت المجزية. ونشرت وسائل إعلام غربية تفاصيل واسعة ومقابلات مع عدد من ذوي القتلى في سوريا توضح جوانب من هذه التفاصيل، بعد مقتل 217 من المرتزقة في هجوم أميركي على قافلتهم قرب دير الزور في فبراير الماضي التي فجّرت النقاش حول الموضوع بعدما كان محرماً.
في أوائل نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، ذكرت «نوفاي غازيتا» أن رجل الأعمال يفغيني بريغوجين المعروف باسم «طباخ الكرملين» (كونه كان متعهد حفلات في الكرملين قبل أن يفتح نشاطاً واسعاً باستخدام الشركات العسكرية الخاصة منذ عام 2012)، كان حاضراً في المحادثات بين وزير الدفاع الروسي سيرجي شويغو وقائد الجيش الوطني الليبي خليفة حفتر. وفسر حضور الرجل الذي لا يتولى منصباً عسكرياً أو رسمياً في الدولة، بأن جانباً من النقاشات تعلق بإرسال وحدات روسية خاصة إلى ليبيا.
قبل ذلك مباشرة ترددت معطيات عن وجود عدة وحدات من «جيش فاغنر» في السودان.
ولا تستبعد مصادر روسية أن يكون النشاط القائم حالياً، يهدف إلى تحويل جزء من المتعاقدين في الجيش الروسي الخاص من سوريا بعد تراجع الحاجة إلى نشاطهم في هذا البلد، ما يعني أن التمدد سيكون أوسع خلال المرحلة المقبلة في كل من ليبيا والسودان، فضلاً عن بلدان أفريقية أخرى تتطلع روسيا إلى توسيع وجودها فيها عبر الشركات الخاصة، للحصول على استثمارات وعقود مجزية.



«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
TT

«بريكست» بريطانيا... الحمى أقل زخماً

نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)
نتائج خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي لا تزال تثير جدلاً سياسياً واجتماعياً (أ.ب)

خلال السنوات الـ8 التي مرت منذ التصويت على خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي (بريكست) عام 2016، كُتبت ملايين الكلمات عن آثاره. وحتى يومنا هذا، لا تزال قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي تقسم البريطانيين.

في المملكة المتحدة، هيمن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على النقاش السياسي لسنوات، سيما بين عامي 2016 و2019. وبدا الأمر وكأن الملحمة لا نهاية لها. كنت نائباً في البرلمان ووزيراً في الحكومة البريطانية طوال ذلك الوقت. وأعلم كم من الوقت استهلك الجدل الذي يبدو بلا نهاية.

لكن الساحة السياسية في المملكة المتحدة اليوم أصبحت أقل زخماً بحمى البريكست. واستقر النقاش الآن على شواغل أطول أجلاً: كيف يمكننا تنمية الاقتصاد؟ وكيف يمكننا التعامل مع مستويات الهجرة المرتفعة للغاية؟ وكيف يمكن للمملكة المتحدة أن ترسم طريقها في الساحة الدولية؟

وزير الخزانة البريطاني السابق كوازي كوارتنغ (غيتي)

في الأثناء، وفي أوروبا نفسها، هناك مشاكل ملحة لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي، والمشاكل التي تواجهها أوروبا تماثل بشكل ملحوظ مشاكل بريطانيا.

يُنظر إلى خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي على اعتبار أنه عمل غريب وضرب من الجنون من جانب البريطانيين، في الوقت الذي أصبحت فيه القوى الاقتصادية في الاتحاد الأوروبي وألمانيا وفرنسا أكثر تركيزاً على الداخل وأكثر تفتتاً من الناحية السياسية.

كان سقوط حكومة ميشال بارنييه بفرنسا، في بداية ديسمبر (كانون الأول)، مثالاً على مشكلة أوروبية لا علاقة لها بخروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي. جاء رحيل بارنييه، بعد 3 أشهر فقط، بعد وقت قصير من انهيار الائتلاف في ألمانيا، الذي دفع باتجاه إجراء انتخابات مبكرة في فبراير (شباط) 2025، بدل الموعد الذي توقعه الجميع في سبتمبر (أيلول).

في بريطانيا، بطبيعة الحال، حصلنا على نصيبنا العادل من الانتخابات المبكرة. كان قرار ريشي سوناك بإجراء الانتخابات في يوليو (تموز) 2024 أحدث دعوة لإجراء انتخابات مبكرة، بعد الانتخابات المبكرة الناجحة التي أجراها بوريس جونسون عام 2019، وانتخابات تيريزا ماي المبكرة الكارثية عام 2017.

تظهر كل هذه الانتخابات المبكرة كيف أن الخروج البريطاني استشرف عصراً يتسم بقدر أكبر من عدم اليقين والفوضى. لا شك أن الأمور أصبحت أقل قابلية للتنبؤ بها بعد خروج بريطانيا، برغم أن المؤرخين سوف يتناقشون بلا أدنى شك حول ما إذا كان خروج بريطانيا أحد أبرز أعراض عصر الاضطرابات، أو بالأحرى أحد تداعياتها.

يشير نجاح دونالد ترمب في الانتخابات الأميركية عام 2016 إلى أن الخروج البريطاني، الذي سبق انتخابات ترمب، كان جزءاً من مجموعة أوسع من المتغيرات.

كانت القضايا التي أدت إلى بريكست؛ بما فيها ركود النمو الاقتصادي والهجرة الجماعية وفقدان الهوية بالنسبة للعديد من الناس في الغرب، هي القضايا نفسها التي ساهمت إلى حد كبير في انتصارات ترمب الانتخابية في عامي 2016 و2024.

يواجه البريطانيون أسئلة ملحة عن النمو الاقتصادي (إ.ب.أ)

في بداية عام 2025، يواجه الاتحاد الأوروبي وبريطانيا مشاكل تراجع النمو وارتفاع الهجرة نفسها. وتكمن خلف هذه الأسئلة القضايا المتعلقة بسياسات الهوية، والسياسات المثيرة للانقسام والمتعلقة بالعرق والجنس.

ويُقال إن الهوس المتصور بسياسات الهوية كان سبباً في إلحاق ضرر هائل بالديمقراطيين، كما بدا واضحاً في أحد الإعلانات الانتخابية الجمهورية، الذي يقول: «كامالا من أجلهم، والرئيس ترمب من أجلكم!».

هذه الرسالة المؤثرة بكل فعالية ألمحت إلى أن الديمقراطيين صاروا منغمسين في قضايا مثل حقوق المتحولين جنسياً، والاستخدام الصحيح للضمائر الشخصية، فضلاً عن مجموعة كاملة من النقاشات «المقبولة سياسياً» التي لم تكن على الإطلاق بين اهتمامات غالبية الأميركيين.

في أوروبا، هناك أيضاً مسألة الطاقة الرخيصة. وإلى أي مدى يتعيّن على الناس العاديين أن يدفعوا مقابل «التحول في الطاقة» لتصفير الكربون في اقتصاد بلدانهم عبر التخلي عن الوقود الأحفوري؟ لم تسبق أي قارة أوروبا في جهود «تصفير الكربون» أو الترويج للتخفيف من استخدام الوقود الأحفوري. ومع ذلك، لم تشهد أي قارة صعوداً أقوى للشعبوية اليمينية من أوروبا. فالشعبوية اليمينية عموماً ليست صديقة لـ«التحول الطاقي» والطاقة الخضراء.

من الواضح أن كل هذه المشاكل تتجاوز قضية خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي التي تبدو أضيق وأكثر محدودية؛ إذ تنحسر أكثر في الزمن الماضي.

لكن بالنسبة لعشاق الاتحاد الأوروبي، فهناك شعور بأن خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي كان بمثابة خسارة لكل من المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي. وهم يزعمون أن المملكة المتحدة والاتحاد الأوروبي كان بوسعهما التعامل مع هذه القضايا بشكل أكثر فاعلية.

غير أن الحقيقة الواقعية تشير إلى خلاف ذلك. فمن المرجح ألا يختلف الوضع الراهن من عدم اليقين والخلافات السياسية إذا ظلت المملكة المتحدة داخل الاتحاد الأوروبي. خروج بريطانيا من الاتحاد الأوروبي في حد ذاته لم يتسبب في الوعكة التي يعيشها الآن كل بلدان الغرب.

*وزير الخزانة البريطاني السابق