في محاولة لإنعاش سوق العقارات الداخلية، التي تشهد تباطؤا في حركة البيع والشراء أخيراً، اتخذت مصر خطوات فعلية نحو تصدير العقار وبيعه للعرب والأجانب، متوقعةً تحقيق عائد مالي كبير يصل إلى 200 مليار جنيه خلال السنوات الخمس المقبلة، وعلى الرغم من المشروع الطموح الذي تتبناه الحكومة المصرية وتأييد المطورين العقاريين للفكرة فإن هناك بعض المعوقات تقف في طريق تنفيذ المشروع وتحقيق العائد المنتظر منه، أهمها بطء إجراءات تملُّك العقارات، وعدم جاذبية منطقة الشرق الأوسط كمكان إقامة للمستثمرين الأجانب.
ويرى الدكتور ماجد عبد العظيم، الخبير العقاري وأستاذ الاقتصاد، أن «مصر لديها مقومات كثيرة تؤهلها للنجاح في مجال تصدير العقار، على رأسها المناخ والمزارات السياحية المهمة، والأسعار التنافسية الناتجة عن انخفاض سعر الجنيه المصري مقابل الدولار»، وقال لـ«الشرق الأوسط»، إن «أسعار العقارات في مصر منخفضة مقارنةً بأسعار العقارات في الدول المجاورة، ويمكن أن تكون سواحل البحر الأحمر مدناً جاذبة للمواطن الأوروبي مثل الغردقة، وشرم الشيخ، بينما تعد القاهرة والإسكندرية ومدن الساحل الشمالي جاذبة للمواطن العربي».
لكنّ الدكتور وائل النحاس، الخبير الاقتصادي، كان له رأي مختلف، إذ قال لـ«الشرق الأوسط» إن «فكرة تصدير العقار مستهلكة وقديمة، تعتمد على الترويج للعقارات في المعارض الخارجية بهدف استقطاب استثمارات غير مباشرة في العقارات، عبر إقناع المستثمر بتحويل أوعيته الادّخارية من البنوك إلى العقارات لأن العائد أكبر»، موضحاً أن «هذه الفكرة كانت صالحة قبل سنوات، لكن مع التضخم الذي تعانيه منطقة الشرق الأوسط، وانهيار سوق العقارات، أصبح الترويج لهذه الفكرة صعباً، بالنسبة إلى المستثمر العربي، أما المستثمر الأجنبي من شرق آسيا وأوروبا والولايات المتحدة فهو يفضل زيارة مصر للسياحة لا للإقامة».
وأملاً في دعم خطة تصدير العقار، وقّعت الحكومة المصرية ممثلةً في وزارة الإسكان، مذكرة تفاهم مع إحدى شركات تنظيم المعارض العقارية في الدول العربية والأوروبية، وفي هذا الإطار شاركت مصر في معرض «سيتي سكيب» بدبي في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، كما شاركت في معرض عقاري في لندن نهاية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، افتتحته السفيرة نبيلة مكرم، وزيرة الهجرة وشؤون المصريين بالخارج، مؤكدةً أن «المعرض هو نافذة للترويج للعقارات المصرية في العواصم الأوروبية، في إطار خطة الدولة للتوسع في مشروع تصدير العقار»، ووفقاً للخطة من المنتظر أن تشارك مصر في معارض في كلٍّ من جدة وأبوظبي في أبريل (نيسان) المقبل، ولندن في يونيو (حزيران) المقبل، وهونغ كونغ في نوفمبر المقبل، ليكون عام 2019 هو عام تصدير العقار وفقاً للتصريحات الرسمية المصرية.
من جانبه قال عبد العظيم إن «المعارض الدولية إحدى وسائل التسويق المهمة للعقارات، لكنها لن تكفي وحدها، ولا بد من استغلال وسائل التسويق الإلكتروني، ومواقع التواصل الاجتماعي التي تصل إلى شريحة عريضة من المواطنين حول العالم، وأن تستهدف المعارض الخارجية الأجانب لا المصريين المقيمين في الخارج فحسب».
وأضاف أن «أهم معوقات نجاح خطة تصدير العقار هي صعوبة وبطء إجراءات تسجيل العقارات»، مطالباً الحكومة «بتبسيط الإجراءات والعمل على توفير منتج عقاري متميز يلبي حاجة المستثمر العربي والأجنبي حتى تحقق خطة تصدير العقار العائد المرجو منها»، مشيراً إلى أن «الوضع الأمني قد يشكل أحد المعوقات، ولكن ليس بدرجة كبيرة، حيث اتخذت الحكومة إجراءات متعددة لحل المشكلات الأمنية».
الدكتور مصطفى مدبولي، رئيس الوزراء المصري ووزير الإسكان، أكد في تصريحات صحافية أخيراً «نية الدولة التوسع في سياسة تصدير العقارات عبر المؤتمرات والمعارض الدولية في الدول المستهدفة»، مشدداً على «دعم الوزارة، واستعدادها لتقديم كل التسهيلات في هذا الإطار، لتحقيق استثمارات أجنبية مباشرة في قطاع العقارات»، وقال إن «تصدير العقار يمكن أن يدر عوائد ضخمة على مصر، ويجذب استثمارات تعادل إيرادات قناة السويس».
وقال المهندس خالد عباس، نائب وزير الإسكان للمشروعات القومية، في تصريحات صحافية، أخيراً، إن «وزارة الإسكان تستهدف تحقيق مبيعات للأجانب من خلال خطة تصدير العقار، بمساعدة المطورين العقاريين، تتراوح ما بين 150 مليار جنيه و200 مليار جنيه، خلال السنوات الخمس المقبلة»، مشيراً إلى أن «القانون الجديد يتيح للأجانب الحصول على الإقامة في مصر مقابل شراء العقارات».
وبموجب قانون الإقامة للأجانب، الذي تتولى وزارة الداخلية المصرية حالياً إصدار لائحته التنفيذية، فإنه يمكن للأجنبي الحصول على إقامة لمدة خمس سنوات، مقابل شراء عقار بقيمة 400 ألف دولار، أو إقامة لمدة 3 سنوات مقابل شراء عقار بقيمة 300 ألف دولار، وإقامة لمدة عام لمن يشتري عقاراً بقيمة 100 ألف دولار.
لكن النحاس يرى أن «الفئة الوحيدة التي يمكن أن ترحب بشراء العقارات في مصر في إطار هذه الخطة، هم المصريون المقيمون في الخارج، والذين يرغبون في تحقيق روابط مع دولتهم الأم»، مشيراً إلى أن «المستثمر العربي أو الخليجي قد تملك وحدته أو مسكنه في مصر بالفعل، والدليل على ذلك أنه رغم زيادة السياحة العربية هذا العام بنسبة 50% فإن إشغالات الفنادق ما زالت منخفضة، لأن السائح العربي أصبح يقيم في شقته داخل مصر».
وقال النحاس إن «السوق العقارية المصرية تعاني من بالونة عقارية، نتيجة ارتفاع الأسعار، وتحول وزارة الإسكان إلى مطور عقاري، وزيادة المعروض على الطلب على مدار السنوات الأربع الماضية»، وأوضح أن «السوق المحلية قبل عام 2011 كانت تحتاج إلى 276 ألف وحدة سنوياً، وفقاً للتقديرات في ذلك الوقت، لكن اليوم وبعد بناء 40 مليون وحدة سكنية في الفترة الأخيرة، تشبع السوق إلى درجة وجود 10 ملايين وحدة سكنية فارغة»، مشيراً إلى أن «وزارة الإسكان أنشأت 276 ألف وحدة سكنية خلال السنوات الأربع الماضية، بينما أنشأ المطورون العقاريون ما يقرب من 25 ألف وحدة، أي أن عدد الوحدات التي تم إنشاؤها في 4 سنوات يعادل الطلب في عام واحد قبل عام 2011»، مؤكداً أن «معطيات السوق تغيرت، ولا بد من التفكير في السوق بالمعطيات الحالية».
وأضاف أن «البالونة العقارية انتفخت في السنوات الأربع الماضية، ونتيجة الأعباء المعيشية المتزايدة، وارتفاع الأسعار تخلى كثير من المصريين عن استثماراتهم العقارية، وبدأ عدد من المطورين العقاريين يضاربون في الأسواق بتخفيض أسعار الوحدات، حيث انخفضت أسعار العقارات في المدن الجديدة بمعدل 25%».
ووفقاً لتعداد السكان في مصر عام 2017، والذي أعلنه الجهاز المركزي للتعبئة والإحصاء فإن هناك نحو 12.5 مليون وحدة سكنية مغلقة، أي نحو 29% من عدد الوحدات السكنية في مصر، بينها 9 ملايين وحدة سكنية خالية تماماً، من بينها نحو 4 ملايين و662 ألف وحدة فارغة ومكتملة التشطيب، والباقي من دون تشطيب، ومليونان و887 ألف وحدة سكنية مغلقة لوجود مسكن آخر للأسرة، ومليون و159 ألف وحدة مغلقة لسفر الأسرة خارج مصر.
مصر تتجه لتصدير العقار لإنعاش السوق المحلية
الحكومة تستهدف 200 مليار جنيه في 5 سنوات... وبطء الإجراءات أكبر المعوقات
مصر تتجه لتصدير العقار لإنعاش السوق المحلية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة