ترمب يتعهد {انسحاباً بطيئاً} من سوريا

اتصالات تركية ـ أميركية بالتزامن مع تعزيزات عسكرية

قوات معارضة سورية مدعومة من تركيا في ريف إدلب السبت الماضي (رويترز)
قوات معارضة سورية مدعومة من تركيا في ريف إدلب السبت الماضي (رويترز)
TT

ترمب يتعهد {انسحاباً بطيئاً} من سوريا

قوات معارضة سورية مدعومة من تركيا في ريف إدلب السبت الماضي (رويترز)
قوات معارضة سورية مدعومة من تركيا في ريف إدلب السبت الماضي (رويترز)

خفف الرئيس الأميركي دونالد ترمب يوم أمس، من وطأة تصريحاته حول خططه سحب القوات الأميركية من سوريا فورا، متحدثا عن خطة للقيام بانسحاب «بطيء»، معتبرا في الوقت نفسه أن إنجازاته في النزاع السوري تجعل منه «بطلا قوميا». وجاء ذلك في تغريدات غداة ما تردد عن أن ترمب وعد بالبقاء في سوريا لإنهاء مهمة القضاء على تنظيم داعش.
وكان ترمب أحدث صدمة لدى حلفاء بلاده ومؤسسته العسكرية بالإعلان عن سحب القوات الأميركية من سوريا.
وكتب ترمب على «تويتر» الاثنين: «لو كان أي شخص غير دونالد ترمب فعل ما فعلته في سوريا التي كانت في حالة فوضى فاقمها (داعش) عندما أصبحت رئيسا، لكان بطلا قوميا». بحسب وكالة الصحافة الفرنسية.
وأضاف: «داعش اختفى تقريباً، ونحن نعيد جنودنا ببطء إلى بلادهم ليكونوا مع عائلاتهم، وفي الوقت ذاته نحارب فلول داعش». وينتشر نحو ألفي جندي أميركي وأجنبي في سوريا لمساعدة قوات سوريا الديمقراطية المؤلفة من مقاتلين أكراد وعرب، في قتال التنظيم المتطرف الذي سيطر على مناطق شاسعة من سوريا والعراق قبل أن يطرد منها خلال السنتين الماضيتين. ولا يزال موجودا في مناطق جبلية حدودية في البلدين الجارين. وكان ترمب كتب على «تويتر» في 19 ديسمبر (كانون الأول): «لقد هزمنا تنظيم داعش في سوريا»، بينما حذر مراقبون عسكريون وأمنيون من انسحاب أميركي متسرع.
كما أعرب ترمب عن رغبته في سحب نحو نصف القوات الأميركية من أفغانستان والبالغ عددها 14 ألف جندي يقاتلون مسلحي طالبان، إلا أنه لم يعلن رسميا عن هذه الخطوة.
وحذر الجنرال الأميركي المتقاعد ستانلي ماكريستال، القائد السابق للقوات الأميركية والدولية في أفغانستان، الأحد، من أن الانسحاب الأميركي سيؤدي على الأرجح إلى «زعزعة الاستقرار بشكل أكبر» في المنطقة.
وكتب ترمب على «تويتر» الاثنين: «لقد خضت حملتي الانتخابية على وعد الخروج من سوريا وغيرها من المناطق. والآن عندما بدأت أخرج، أخذت وسائل الإعلام الكاذب أو بعض الجنرالات الفاشلين الذين لم يتمكنوا من إنجاز العمل قبل وصولي، في الشكوى مني ومن تكتيكاتي الناجحة».
من جهة أخرى, قالت وكالة «الأناضول» التركية، أمس (الاثنين)، إن وزيري الخارجية التركي مولود جاويش أوغلو والأميركي مايك بومبيو قد أجريا محادثات هاتفية. ونقلت الوكالة عن مصادر دبلوماسية أن الجانبين أجريا المباحثات يوم أول من أمس، دون ذكر أي تفاصيل أخرى. ومن المقرر أن يصل مستشار الأمن القومي الأميركي جون بولتون إلى أنقرة خلال أيام لبحث مسألة التنسيق بشأن الانسحاب مع المسؤولين الأتراك. وتزامن الاتصال مع وصول المزيد من التعزيزات العسكرية التركية إلى الحدود مع سوريا منذ أيام، وسط ترقب لإطلاق عملية عسكرية تركية جديدة في شمال سوريا، رغم إعلان الرئيس التركي رجب طيب إردوغان أن بلاده ستؤجل عملية عسكرية سبق أن أعلن عن قرب شنها، شرق الفرات.
وقد وصلت أمس تعزيزات عسكرية تركية جديدة إلى ولايات شانلي أورفا وغازي عنتاب وماردين، الواقعة على الحدود السورية، قادمة من ولاية هطاي. وتضمنت التعزيزات وحدات من المدفعية وناقلات جنود تم إرسالها من ولاية وان (شرق) يتم نشرها في القطع العسكرية المنتشرة على الحدود مع سوريا.
وفي وقت سابق، وصلت تعزيزات عسكرية من ولاية سكاريا (شمال غربي تركيا) إلى غازي عنتاب، تضم ناقلات جنود.
ومنذ أسبوعين، تتوالى تعزيزات الجيش التركي في المنطقة الحدودية، وسط ترقب لإطلاق عملية عسكرية ضد «الوحدات» الكردية في شرق الفرات. كما كثفت تركيا تعزيزاتها العسكرية في محيط مدينة منبج، التي تبعد 30 كيلومتراً عن الحدود، وسط قصف متقطع من جانب الفصائل الموالية لها في «الجيش الوطني»، المكون من فصائل من المعارضة السورية المسلحة، لبعض مواقع «وحدات حماية الشعب» الكردية.
وفي هذا الوقت، عبرت تركيا عن قلقها بعد تصريحات أميركية أخيرة، نقلاً عن الرئيس دونالد ترمب، بأن خطة الانسحاب الأميركي من سوريا لا تتضمن تخلي واشنطن عن «حلفائها الأكراد».
وفي غضون ذلك، قال المتحدث باسم الرئاسة التركية، إبراهيم كالين، في رد فوري على هذه التصريحات، إنه لا يمكن لمن وصفهم بـ«الإرهابيين» أن يكونوا حلفاءً للولايات المتحدة. وأضاف كالين في تغريدة عبر «تويتر» أن حزب الاتحاد الديمقراطي الكردي السوري، وذراعه العسكرية (وحدات حماية الشعب) الكردية، المتفرعين عن حزب العمال الكردستاني (المحظور)، لا يمثلان الأكراد، مثلما أن تنظيم داعش الإرهابي لا يمثل المسلمين.
وعلق كالين على استخدام عبارة «الحلفاء الأكراد»، خلال تصريحات حول إعادة الإدارة الأميركية تقييم خططها بشأن الانسحاب الفوري من سوريا، قائلاً: «أنتم (الأميركيون) تعرفون الصلة المباشرة بين العمال الكردستاني وامتداده في سوريا (الاتحاد الديمقراطي والوحدات الكردية)، وعبرتم عن ذلك بشكل علني أمام الرأي العام».
وأضاف: «لا يمكن لـ(الإرهابيين) أن يكونوا حلفاءكم. وكما أن (داعش) لا يمثل المسلمين، فإن العمال الكردستاني وامتداداته لا يمثلان الأكراد في سوريا، أو أي مكان آخر».
وتابع أن ترمب ملتزم بالتأكد من عدم اشتباك تركيا مع قوات «وحدات حماية الشعب» الكردية عقب انسحاب القوات الأميركية من سوريا، وأكد لتركيا، حليفة بلاده في حلف شمال الأطلسي (ناتو)، إقامة منطقة عازلة في شمال سوريا للمساعدة في حماية مصالحها.
كان مسؤولون عسكريون من «البنتاغون» قد صرحوا، مؤخراً، بأن القادة الذين يخططون لانسحاب القوات الأميركية من سوريا يوصون بالسماح لمقاتلي «وحدات حماية الشعب» الكردية الذين يحاربون تنظيم داعش بالاحتفاظ بالأسلحة التي قدمتها لهم الولايات المتحدة.
ومن المرجح أن يثير هذا الاقتراح غضب تركيا التي سيجري جون بولتون مستشار الأمن القومي الأميركي محادثات مع مسؤوليها هذا الأسبوع.



الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
TT

الحوثيون يواجهون مخاوفهم من مصير الأسد بالقمع والتحشيد

طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)
طلاب في جامعة البيضاء أجبرتهم الجماعة الحوثية على المشاركة في فعاليات تعبوية (إعلام حوثي)

ضمن مخاوف الجماعة الحوثية من ارتدادات تطورات الأوضاع في سوريا على قوتها وتراجع نفوذ محور إيران في منطقة الشرق الأوسط؛ صعّدت الجماعة من ممارساتها بغرض تطييف المجتمع واستقطاب أتباع جدد ومنع اليمنيين من الاحتفال بسقوط نظام بشار الأسد.

واستهدفت الجماعة، حديثاً، موظفي مؤسسات عمومية وأخرى خاصة وأولياء أمور الطلاب بالأنشطة والفعاليات ضمن حملات التعبئة التي تنفذها لاستقطاب أتباع جدد، واختبار ولاء منتسبي مختلف القطاعات الخاضعة لها، كما أجبرت أعياناً قبليين على الالتزام برفد جبهاتها بالمقاتلين، ولجأت إلى تصعيد عسكري في محافظة تعز.

وكانت قوات الحكومة اليمنية أكدت، الخميس، إحباطها ثلاث محاولات تسلل لمقاتلي الجماعة الحوثية في جبهات محافظة تعز (جنوب غربي)، قتل خلالها اثنان من مسلحي الجماعة، وتزامنت مع قصف مواقع للجيش ومناطق سكنية بالطيران المسير، ورد الجيش على تلك الهجمات باستهداف مواقع مدفعية الجماعة في مختلف الجبهات، وفق ما نقله الإعلام الرسمي.

الجيش اليمني في تعز يتصدى لأعمال تصعيد حوثية متكررة خلال الأسابيع الماضية (الجيش اليمني)

وخلال الأيام الماضية اختطفت الجماعة الحوثية في عدد من المحافظات الخاضعة لسيطرتها ناشطين وشباناً على خلفية احتفالهم بسقوط نظام الأسد في سوريا، وبلغ عدد المختطفين في صنعاء 17 شخصاً، قالت شبكة حقوقية يمنية إنهم اقتيدوا إلى سجون سرية، في حين تم اختطاف آخرين في محافظتي إب وتعز للأسباب نفسها.

وأدانت الشبكة اليمنية للحقوق والحريات حملة الاختطافات التي رصدتها في العاصمة المختطفة صنعاء، مشيرة إلى أنها تعكس قلق الجماعة الحوثية من انعكاسات الوضع في سوريا على سيطرتها في صنعاء، وخوفها من اندلاع انتفاضة شعبية مماثلة تنهي وجودها، ما اضطرها إلى تكثيف انتشار عناصرها الأمنية والعسكرية في شوارع وأحياء المدينة خلال الأيام الماضية.

وطالبت الشبكة في بيان لها المجتمع الدولي والأمم المتحدة والمنظمات الحقوقية بإدانة هذه الممارسات بشكل واضح، بوصفها خطوة أساسية نحو محاسبة مرتكبيها، والضغط على الجماعة الحوثية للإفراج عن جميع المختطفين والمخفيين قسراً في معتقلاتها، والتحرك الفوري لتصنيفها منظمة إرهابية بسبب تهديدها للأمن والسلم الإقليميين والدوليين.

تطييف القطاع الطبي

في محافظة تعز، كشفت مصادر محلية لـ«الشرق الأوسط» عن أن الجماعة الحوثية اختطفت عدداً من الشبان في منطقة الحوبان على خلفية إبداء آرائهم بسقوط نظام الأسد، ولم يعرف عدد من جرى اختطافهم.

تكدس في نقطة تفتيش حوثية في تعز حيث اختطفت الجماعة ناشطين بتهمة الاحتفال بسقوط الأسد (إكس)

وأوقفت الجماعة، بحسب المصادر، عدداً كبيراً من الشبان والناشطين القادمين من مناطق سيطرة الحكومة اليمنية، وأخضعتهم للاستجواب وتفتيش متعلقاتهم الشخصية وجوالاتهم بحثاً عمّا يدل على احتفالهم بتطورات الأحداث في سوريا، أو ربط ما يجري هناك بالوضع في اليمن.

وشهدت محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) اختطاف عدد من السكان للأسباب نفسها في عدد من المديريات، مترافقاً مع إجراءات أمنية مشددة في مركز المحافظة ومدنها الأخرى، وتكثيف أعمال التحري في الطرقات ونقاط التفتيش.

إلى ذلك، أجبرت الجماعة عاملين في القطاع الطبي، بشقيه العام والخاص، على حضور فعاليات تعبوية تتضمن محاضرات واستماع لخطابات زعيمها عبد الملك الحوثي، وشروحات لملازم المؤسس حسين الحوثي، وأتبعت ذلك بإجبارهم على المشاركة في تدريبات عسكرية على استخدام مختلف الأسلحة الخفيفة والمتوسطة والقنابل اليدوية وزراعة الألغام والتعامل مع المتفجرات.

وذكرت مصادر طبية في صنعاء أن هذه الإجراءات استهدفت العاملين في المستشفيات الخاصعة لسيطرة الجماعة بشكل مباشر، سواء العمومية منها، أو المستشفيات الخاصة التي استولت عليها الجماعة بواسطة ما يعرف بالحارس القضائي المكلف بالاستحواذ على أموال وممتلكات معارضيها ومناهضي نفوذها من الأحزاب والأفراد.

زيارات إجبارية للموظفين العموميين إلى معارض صور قتلى الجماعة الحوثية ومقابرهم (إعلام حوثي)

وتتزامن هذه الأنشطة مع أنشطة أخرى شبيهة تستهدف منتسبي الجامعات الخاصة من المدرسين والأكاديميين والموظفين، يضاف إليها إجبارهم على زيارة مقابر قتلى الجماعة في الحرب، وأضرحة عدد من قادتها، بما فيها ضريح حسين الحوثي في محافظة صعدة (233 كيلومتراً شمال صنعاء)، وفق ما كانت أوردته «الشرق الأوسط» في وقت سابق.

وكانت الجماعة أخضعت أكثر من 250 من العاملين في الهيئة العليا للأدوية خلال سبتمبر (أيلول) الماضي، وأخضعت قبلهم مدرسي وأكاديميي جامعة صنعاء (أغلبهم تجاوزوا الستين من العمر) في مايو (أيار) الماضي، لتدريبات عسكرية مكثفة، ضمن ما تعلن الجماعة أنه استعداد لمواجهة الغرب وإسرائيل.

استهداف أولياء الأمور

في ضوء المخاوف الحوثية، ألزمت الجماعة المدعومة من إيران أعياناً قبليين في محافظة الضالع (243 كيلومتراً جنوب صنعاء) بتوقيع اتفاقية لجمع الأموال وحشد المقاتلين إلى الجبهات.

موظفون في القطاع الطبي يخضعون لدورات قتالية إجبارية في صنعاء (إعلام حوثي)

وبينما أعلنت الجماعة ما وصفته بالنفير العام في المناطق الخاضعة لسيطرتها من المحافظة، برعاية أسماء «السلطة المحلية» و«جهاز التعبئة العامة» و«مكتب هيئة شؤون القبائل» التابعة لها، أبدت أوساط اجتماعية استياءها من إجبار الأعيان والمشايخ في تلك المناطق على التوقيع على وثيقة لإلزام السكان بدفع إتاوات مالية لصالح المجهود الحربي وتجنيد أبنائهم للقتال خلال الأشهر المقبلة.

في السياق نفسه، أقدمت الجماعة الانقلابية على خصم 10 درجات من طلاب المرحلة الأساسية في عدد من مدارس صنعاء، بحة عدم حضور أولياء الأمور محاضرات زعيمها المسجلة داخل المدارس.

ونقلت المصادر عن عدد من الطلاب وأولياء أمورهم أن المشرفين الحوثيين على تلك المدارس هددوا الطلاب بعواقب مضاعفة في حال استمرار تغيب آبائهم عن حضور تلك المحاضرات، ومن ذلك طردهم من المدارس أو إسقاطهم في عدد من المواد الدراسية.

وأوضح مصدر تربوي في صنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن تعميماً صدر من قيادات عليا في الجماعة إلى القادة الحوثيين المشرفين على قطاع التربية والتعليم باتباع جميع الوسائل للتعبئة العامة في أوساط أولياء الأمور.

مقاتلون حوثيون جدد جرى تدريبهم وإعدادهم أخيراً بمزاعم مناصرة قطاع غزة (إعلام حوثي)

ونبه المصدر إلى أن طلب أولياء الأمور للحضور إلى المدارس بشكل أسبوعي للاستماع إلى محاضرات مسجلة لزعيم الجماعة هو أول إجراء لتنفيذ هذه التعبئة، متوقعاً إجراءات أخرى قد تصل إلى إلزامهم بحضور فعاليات تعبوية أخرى تستمر لأيام، وزيارة المقابر والأضرحة والمشاركة في تدريبات قتالية.

وبحسب المصدر؛ فإن الجماعة لا تقبل أي أعذار لتغيب أولياء الأمور، كالسفر أو الانشغال بالعمل، بل إنها تأمر كل طالب يتحجج بعدم قدرة والده على حضور المحاضرات بإقناع أي فرد آخر في العائلة بالحضور نيابة عن ولي الأمر المتغيب.