كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟

خدمة ذكية تتعرّف على الوجوه والمزاج والعواطف البشرية

كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟
TT

كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟

كيف أصبحت «غوغل فوتوز» صندوقاً آلياً لذكرياتنا؟

أصبحت خدمة «غوغل فوتوز» (صور غوغل) التي ظهرت للمرة الأولى عام 2015، من أكثر التقنيات المؤثرة عاطفياً اليوم، وهي أيضاً تلعب دوراً مهماً في رسم قصصنا على طول الطريق.
يقول أحد الخبراء الأميركيين إنه تعرض لصدمة قوية وبكى بسبب «غوغل فوتوز»، عندما نظر إلى هاتفه في أحد الصباحات، ووجد إشعاراً من «فوتوز» يعلمه بأن روبوتات غوغل المختصة في معالجة الصور، قدّمت له مونتاجاً لهذه الصور على شكل مقطع فيديو. لم تكن هذه المرّة الأولى التي يرى فيها مقاطع فيديو من إنتاج الذكاء الصناعي، فـ«فيسبوك» يقدّم مونتاجات من هذا النوع، لذا لم يكن يتوقّع الكثير من غوغل. ثمّ نقر على «تشغيل» وخلال 30 ثانية، تأثر جداً إلى حدّ البكاء. إذ كان المونتاج عن ابنته سمارا (5 سنوات)، التي كانت تصوّر كلّ لحظات نشاطها وتحفظها كأي أب مهووس بالتصوير. وتحوّل هذا الهوس إلى كابوس أرشيفي أنتج صوراً وفيديوهات لسمارا وأخيها الأكبر خليل اللذين ولدا في عصر الهواتف الذكية، ولديه حتى الآن عدد كبير من الصور يفوق الوقت المتاح له لمراجعتها. وتساءل الخبير الأميركي، وهو فرهاد مونجو: ما هي الفائدة من التقاط جميع هذه اللحظات؟ إلا أن الإجابة تكمن في خدمة «غوغل فوتوز» نفسها.
- ميزة التعرّف الذكي
تستطيع كومبيوترات غوغل التعرّف على الوجوه، حتى مع تقدّم أصحابها في السنّ. ومن الواضح أيضاً أن خدمة «فوتوز» تفهم المزاج والتكافؤ العاطفي في التفاعل البشري من خلال الابتسام والضحك والعبوس والغضب ورقصات الفرح وبعض الجمل كـ«عيد ميلاد سعيد» أو «أحسنت». وقد عرض المونتاج الذي صنعته خدمة صور غوغل، ذو التأثير الهوليوودي، أخيراً مزيجاً من الأحداث الهامة كأعياد الميلاد والمسرحيات المدرسية، إلى جانب عشرات اللحظات العادية التي ترافق جمال الطفولة.
تضمّن المونتاج لقطات لسمارا وهي طفلة أثناء قصّ شعرها وقيامها ببضع خطوات غير متوازنة، وخلال اللعب مع أخيها وقتالها معه، وغوصها بشجاعة في صفّ السباحة؛ ثمّ عرض لحظات لها وهي أكبر سناً تتناول البيتزا، أو خلال رحلة ما، أو تقوم بحركات التنمر أمام الكاميرا.
وهنا حدثت الصدمة القوية: فمن قد يتوقع أن يتأثر حدّ البكاء بسبب برنامج إلكتروني؟ صحيح أنّ الصور على إنستغرام وسنابتشات تحرّك مشاعركم دائماً، ولكن خدمة «غوغل فوتوز» ليست من منصات التواصل الاجتماعي؛ إنّها نوع من التواصل الشخصي. انطلقت هذه الخدمة للمرة الأولى منذ ثلاث سنوات، وتديرها آلات على شكل قاعدة بيانات تخزّن مجموعاتنا المتنامية من الصور الشخصية.
ولكن رغم ذلك، تحوّلت «غوغل فوتوز» إلى واحدة من أكثر الخدمات المؤثرة عاطفياً التي أستخدمها بشكل منتظم. وأهمية هذه الخدمة لا تكمن في الفائدة التي يمكن أن تقدّمها فحسب، بل في قدرتها على تجنيبنا أي صداع ينتج عن تخزين عدد هائل من الصور التي نلتقطها والبحث فيها. والأكثر من ذلك، تقدّم لنا «غوغل فوتوز» عن طريق ما تعرضه، فرصة لفهم أنفسنا من خلال التصوير الفوتوغرافي.
بتركيزها الكبير على معالجة الذكاء الصناعي، ترجّح «غوغل فوتوز» ولادة عصر جديد من المؤرخين الآليين الشخصيين. إذ ستتحوّل تريليونات الصور التي نلتقطها إلى مادة أساسية تعتمد عليها الخوارزميات التي تعالج الذكريات وتبني القصص حول أكثر التجارب الإنسانية عاطفية. في المستقبل، ستعرف الروبوتات كلّ شيء عنّا، وستروي قصصنا.
قبل عقد مضى، توصّلت التقنية إلى حلّ جزئي واحد لأعداد الصور الهائلة التي نلتقطها: تحويل هذه الصور إلى مادة اجتماعية. فمن خلال خدمات كـ«فليكر» ومن ثمّ «فيسبوك» و«إنستغرام»، حاولنا تنظيم صورنا عبر جعل آخرين يقومون بهذه المهمة عنّا. وبالطبع، دائماً ما تكون أفضل صورنا هي تلك التي تحصل على أفضل الانطباعات في يوميات صفحاتنا الاجتماعية، أمّا الأسوأ بينها، فهي تلك التي لا ننشرها. ولكنّ منصات التواصل الاجتماعي أفضت إلى مشاكل جديدة أخرى، كالخوف من خسارة الصور، وتراجع الثقة بالنفس، والوحدة، وفقدان الخصوصية. بدورها، سعت غوغل إلى المشاركة في لعبة الصورة الاجتماعية. بدأت خدمة «غوغل فوتوز» نشاطها في منصّة «غوغل بلاس»، الشبكة الاجتماعية الفاشلة التي أسستها غوغل وأوقفتها لاحقاً. بعد سنوات قليلة، وبعد إدراكها بأن التواصل الاجتماعي ليس استثماراً ناجحاً بالنسبة لها، عادت الشركة إلى مبدأ جمع الصور عبر خدمة «فوتوز».
- خدمة سحابية
ترتكز مهمّة هذه الخدمة في طرحها الجديد على ثلاثة أمور: تقديم سعة تخزينية غير محدودة ومجانية لصوركم (ويمكنكم أن تدفعوا القليل مقابل تخزين صوركم بمقاسات ودقّة أكبر)، ووضعها في السحابة حتى تتمكّنوا من الوصول إليها أينما كنتم، والاعتماد على الذكاء الصناعي في حلّ المشكلة الأكبر التي يعيشها عصر الهواتف الذكية، ألا وهي حقيقة أننا نلتقط صوراً نادراً ما نعود إليها.
يقول أنيل سابهاروال، نائب رئيس غوغل والذي قاد فريق تطوير خدمة «فوتوز» والمسؤول عن إدارتها حتى اليوم: «لاحظنا أنكم لن تعيدوا إحياء أو تذكّر أي من هذه اللحظات. تذهبون في عطلة جميلة، وتلتقطون صوراً رائعة، تمضي السنوات، ولا تنظرون مجدداً إلى أي منها».
عندما انطلقت عام 2015، قدّمت خدمة «غوغل فوتوز» وسيلة فورية للراحة، عبر ميزة التعرّف على الوجه التي تتيح مشاركة الصور بشكل تلقائي. اليوم، عندما تلتقط صوراً لأولادك، تتعرف غوغل عليهم وتشارك هذه الصور مع عائلتك، وتشارك في المقابل الصور التي تلتقطها العائلة، معك. فوراً ودون تفكير وبطريقة رائعة، يصبح لدى كلينا مجموعة كاملة من الصور للأولاد ودون الشعور بأي قلق حول كيفية حمايتها.
ثمّ تأتي جهود غوغل اليومية لتذكيرنا بها. من الصعب جداً أن نصف براعة آلات غوغل في التنقيب في مجموعات الصور للعثور على أشياء جديدة تذهلكم بها. ففي مجموعة واحدة، تعرف باسم «آنذاك والآن»، تعثر هذه الآلات على صور للشخص نفسه، أو لمجموعة من الأشخاص، في مواقف متشابهة ولكن في فترتين زمنيتين مختلفتين: أولادكم في أول يوم لهم في المدرسة هذا العام مقابل أول يوم لهم من العام الماضي مثلاً، أو صورة لكم أمام مبنى الإمباير ستيت قبل 10 سنوات مقابل صورة أمام المبنى نفسه اليوم.
الشهر الماضي، أطلقت غوغل «ذا هوم هاب» Home Hub وهو جهاز منزلي جديد يعمل بالتشغيل الصوتي تعرض شاشته هذه الذكريات في عرض شرائح متواصل. الأمر سحري! وعندما تضع جهاز «هوم هاب» في مكتبك لأكثر من أسبوع، فإنه سيغيّر الطريقة التي تتعامل بها مع صورك بشكل جذري... ستشعر أنّها عادت إلى الحياة.
ولكن الكثيرين يشعرون بالرعب من المستقبل. فقد أجمع الكثير من باحثي علم الاجتماع على أنّ ذكرياتنا تتغيّر كثيراً بفعل الصور. وأظهرت إحدى الدراسات أنّ التقاط الصور بشكل مستمرّ يضعف قدرتنا على تذكّر الأحداث التي حصلت من حولنا. وتساهم الصور أيضاً في رسم انطباعنا عن أنفسنا، وإلى درجة تكوين ذكريات جديدة، حيث إن صورة خاطئة يمكن أن تقنعكم بأن شيئاً ما حصل فعلاً رغم عدم حصوله على الإطلاق. وتزداد منطقية هذه الآلات شيئاً فشيئاً في عالمنا البشري، فهي ترسم الحقيقة بأعمق طريقة ممكنة. لقد أصبحت كما الكاميرات، واقعاً لا مفرّ منه.


مقالات ذات صلة

من أجل المنافسة مع «أبل»... «غوغل» تتجه لافتتاح متاجر بيع بالتجزئة في الهند

الاقتصاد رجل يمر بجانب لافتة «غوغل من أجل الهند» في نيودلهي (صورة - أرشيفية)

من أجل المنافسة مع «أبل»... «غوغل» تتجه لافتتاح متاجر بيع بالتجزئة في الهند

أفادت ثلاثة مصادر مطلعة بأن شركة «غوغل»، التابعة لشركة «ألفابت»، تقترب من تحديد المواقع لمتاجرها الفعلية الأولى للبيع بالتجزئة خارج الولايات المتحدة.

«الشرق الأوسط» (نيودلهي )
الاقتصاد شعار «غوغل» (رويترز)

غوغل تدفع 340 مليون دولار لتسوية قضية ضريبية إيطالية

قال ممثلو الادعاء في ميلانو، اليوم الأربعاء، إنهم يخططون لإسقاط قضية مرفوعة ضد القسم الأوروبي من «غوغل»، بعد أن وافقت الشركة على دفع 340 مليون دولار.

«الشرق الأوسط» (ميلانو)
الولايات المتحدة​ «خليج أميركا» على «خرائط غوغل» (أ.ف.ب)

المكسيك تهدد «غوغل» قضائياً بسبب «خليج أميركا»

هددت المكسيك بمقاضاة شركة «غوغل» بسبب استخدام اسم «خليج أميركا» بعد أن كان «خليج المكسيك» على خرائطها بسبب الرئيس الأميركي دونالد ترمب.

«الشرق الأوسط» (مكسيكو سيتي)
العالم «خليج المكسيك» المعروف باسم «خليج أميركا» من خلال عدسة مكبرة على تطبيق «خرائط غوغل» على جهاز كمبيوتر في بوغوتا بكولومبيا 11 فبراير 2025 (أ.ف.ب)

المكسيك تنتظر رداً جديداً من «غوغل» على طلب لإعادة استخدام تسمية «خليج المكسيك»

قالت المكسيك، اليوم (الاثنين)، إنها تنتظر رداً جديداً من شركة التكنولوجيا الأميركية «غوغل» على طلبها إعادة استخدام اسم «خليج المكسيك» في خدمة «خرائط غوغل».

«الشرق الأوسط» (مكسيكو)
تكنولوجيا «ويسك» أداة ذكاء اصطناعي تتيح للمستخدمين إنشاء صور جديدة عبر دمج عناصر من صورهم الأصلية مع التحكم في الأسلوب والمشهد والتفاصيل الإبداعية (غوغل)

أداة «ويسك» من «غوغل» لتجربة إبداعية مفيدة بالذكاء الاصطناعي

تهدف إلى تطوير طرق مبتكرة لإنشاء الصور باستخدام الذكاء الاصطناعي

عبد العزيز الرشيد (الرياض)

على غرار «تيك توك»... «ميتا» تدرس إطلاق تطبيق جديد للفيديوهات القصيرة

شعار شركة «ميتا» في معرض بباريس مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» في معرض بباريس مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
TT

على غرار «تيك توك»... «ميتا» تدرس إطلاق تطبيق جديد للفيديوهات القصيرة

شعار شركة «ميتا» في معرض بباريس مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)
شعار شركة «ميتا» في معرض بباريس مايو الماضي (أرشيفية - أ.ف.ب)

تدرس شركة التكنولوجيا العملاقة «ميتا» مالكة منصات التواصل الاجتماعي «فيسبوك» و«ماسنجر» و«واتساب» إطلاق تطبيق مستقل للفيديوهات القصيرة التي يتم توفيرها حالياً عبر تطبيق «إنستغرام».

ونقل موقع «إنفورميشن» المتخصص في موضوعات التكنولوجيا عن مصدر لم يحدد هويته، القول إنه سمع آدم موسيري رئيس منصة «إنستغرام» يتحدث عن مشروع التطبيق الجديد مع العاملين في المنصة.

وبحسب المصدر، يحمل المشروع الجديد الاسم الكودي «بروجيكت راي» الذي يستهدف تحسين التوصيات المقدمة للمستخدمين الجدد والحاليين في الولايات المتحدة والسماح بعرض فيديوهات تزيد مدتها على 3 دقائق.

يذكر أن «ميتا» أعلنت في يناير (كانون الثاني) الماضي، عن تطبيق لتحرير الفيديوهات باسم «إيديتس» لمنافسة تطبيق «كاب كت» المملوك لشركة «بايت دانس» الصينية المالكة لمنصة الفيديوهات القصيرة الأشهر في العالم «تيك توك».

وتستهدف «ميتا» الاستفادة من حالة الغموض الذي يحيط بمستقبل «تيك توك» و«بايت دانس» في الولايات المتحدة، في ظل وجود قانون يسمح بحظر المنصة الصينية في السوق الأمريكية خلال أسابيع قليلة، إذا لم يتم بيع حصة الأغلبية فيها إلى ملاك أميركيين.

ويتيح تطبيق «إنستغرام» حالياً للمستخدمين عرض ومشاهدة مزيج من الصور والفيديوهات (ريلز) والقصص. ومع ذلك، يشعر كثير من المستخدمين بأن التطبيق أصبح مزدحماً بالمحتوى بسبب كثافة مقاطع الفيديو المعروضة عليه، ولم يعد متمسكاً بجذوره بوصفه تطبيقاً لمشاركة الصور. وإذا نقلت الشركة خدمة الريلز إلى تطبيق مستقل لمقاطع الفيديوهات القصيرة، فقد يتيح ذلك فرصة لـ«إنستغرام» لتسليط الضوء على ميزاته الأخرى.

وفي وقت سابق من هذا العام، بدأ «إنستغرام» دفع أموال للمبدعين للترويج له على منصات أخرى مثل «تيك توك» و«سناب شات» و«يوتيوب». كما أشارت تقارير إلى دفع التطبيق مبالغ مالية كبيرة لمبدعي المحتوى مقابل نشر فيديوهاتهم حصرياً على خدمته «ريلز».