السوريون يستقبلون 2019 بانقسام حول العام المنقضي

كنائس تزينت بصور القتلى في درعا... ودمشق يتنازعها أمراء الحرب وفقراؤها

احتفالات مبالغ بها في موسم الأعياد في دمشق هذا العام (إ.ب.أ)
احتفالات مبالغ بها في موسم الأعياد في دمشق هذا العام (إ.ب.أ)
TT

السوريون يستقبلون 2019 بانقسام حول العام المنقضي

احتفالات مبالغ بها في موسم الأعياد في دمشق هذا العام (إ.ب.أ)
احتفالات مبالغ بها في موسم الأعياد في دمشق هذا العام (إ.ب.أ)

يودع السوريون عام 2018 وهم منقسمون حول وصفه، ففريق الموالين للنظام يراه عام الانتصارات، وفريق المعارضين يصفه بعام التهجير القسري وتكريس التغيير الديموغرافي. الكفة الراجحة خلال العام المنصرم كانت لصالح النظام كللها باحتفالات أعياد الميلاد ورأس السنة التي عمت الشوارع والساحات العامة، وأصدرت صورة زاهية عن الأمان الذي تمكن من تحقيقه، عززتها تباشير العودة إلى «الحضن العربي»، سواء بزيارة الرئيس السوداني عمر البشير إلى دمشق أم بإعادة افتتاح سفارة الإمارات العربية وسط دمشق بعد سنوات من إغلاقها.
على المقلب الآخر ما تزال الحرب مستعرة في مناطق سيطرة المعارضة في الشمال السوري، وما زالت أيامها القادمة مفتوحة على المجهول، في حين يعيش النازحون في المخيمات حياة صعبة غارقة بالوحول، حيث لا شجرة ميلاد ولا بارقة أمل تجلب شعاعا من النور والدفء، وما بين هذا الفريق وذاك الغالبية العظمى من السوريين تتنفس الصعداء مع قرب انتهاء الحرب، لكنها قلقة حيال معركتها اليومية في تحصيل لقمة العيش والتمكن العودة إلى نمط الحياة العادية.
وشهد عام 2018 استعادة النظام لسيطرته على أكثر من ثلثي البلاد، وإزالة الكثير من الحواجز التي كانت تقطع أوصال مدينة دمشق وتعزلها عن ريفها، فالطرق إلى جنوب البلاد عادت سالكة، وبات بمقدور النازحين من درعا إلى دمشق العودة إلى مناطقهم وزيارة أقاربهم هناك، لا سيما في المناطق التي كانت تحت سيطرة النظام. جورجيت ذهبت لتمضي أيام الأعياد مع والديها العجوزين في درعا البلد، ومع أنها لم تنقطع عن الذهاب إلى درعا خلال سنوات الحرب، لكنها كانت زيارات قليلة محفوفة بالمخاطر وتستغرق ساعات طويلة، إلا أنه اليوم ومع عودة الحركة إلى طريق دمشق درعا لا يستغرق السفر أكثر من ساعتين، فقد أزيلت الكثير من الحواجز، وبدا «معظم العساكر بوضع مسترخ إلى حد الملل».
لكن هل يوجد عيد في درعا؟ تقول جورجيت ما زال العيد هناك خجولا وبائسا، رغم محاولة سكان الحي المسيحي (حي المحطة)، الاحتفال من أجل من تبقى من أطفال، فلا زينات في الشوارع كما الحال في دمشق. عدد السكان قليل، وظلال الموت ما تزال تخيم على المدينة، الدمار يشمل أكثر من ثلثيها، وما يزال النظام يفرض حظرا على تنقل المدنيين بين الأحياء الواقعة تحت سيطرته والأحياء المعارضة. وعما إذا كانت حاقدة على المسلحين والمعارضين الذين يتهمهم النظام بتخريب البلاد، تتجنب جورجيت إعطاء إجابة، وتقول: «شعبنا طيب وهناك من حمل السلاح مرغما».
وبحسب مصادر محلية في درعا، فإن أكثر من ستين في المائة من السكان هُجروا. وعلى سبيل المثال كان هناك أكثر 500 عائلة مسيحية، تبقى منها أقل من مائتي عائلة. في إحدى القرى ذات الغالبية المسيحية في ريف درعا والتي بقيت تحت سيطرة النظام ولم تشهد معارك وقصف خلال السنوات الماضية، زينت الكنائس بصور القتلى «شهدائها»، وبدت الاحتفالات أقرب إلى جنازات حزينة. البلاد «ما تزال تئن من جراحها» والطفلة الصغيرة التي أدهشت حضور حفل للأطفال بدبكتها الرائعة فقدت معظم أفراد عائلتها الكبيرة، ولم تعرف من ألوان ملابس الكبار سوى الأسود، وفق ما قاله كاهن اختار البقاء مع رعيته، مؤكدا «كان يجب أن نبقى لتبق البلاد»، في إشارة إلى أن معظم الشباب هاجروا.
في دمشق تبدو الأمور مختلفة تماما، فبينما الحزن والطقس الشديد البرودة يجانس المشهد العام للمحافظة الجنوبية الرابضة تحت تلال الدمار، تترنح دمشق تحت وطأة التناقضات الفاقعة، بين ريفها المدمر بشكل شبه كلي، ووسطها الضاج بالزينات والأنوار. بين فقرائها المستلقين على الأرصفة، وأمراء الحرب الباحثين عن أفضل مكان لقضاء ليلة رأس السنة. وبين هذا وذاك، تحاول الغالبية أن تفرح بعد سنوات من القهر والألم، ويسعى كل بإمكانياته لاستقبال العام الجديد باحتفال يمسح ألم سنوات المرّة.
آمال تتصفح بدقة الصفحات السورية على الإنترنت بحثا عن عرض لقضاء ليلة رأس السنة في دمشق مع زوجها وأولادها، لتعثر على عرض بتسعة آلاف ليرة (18 دولارا)، كأدنى سعر ممكن، لكنها ستستهلك وقتا طويلا في حسابات مضنية تفضي في النهاية إلى تفضيل قضاء ليلة العيد في البيت ومشاهدة التلفزيون.
وتمتلئ الصفحات السورية بعروض تنافسية لحفلات رأس السنة، في المطاعم والفنادق ومكاتب السياحة، والجديد هو تقديم رحلات في رأس السنة إلى الساحل بأسعار مخفضة، يظن عماد تمام أنها «خلبية» مع أنه لم يجربها سابقا، فهو يرتاح لهذا الحكم المسبق، كي لا يتحسر على شيء، في ظل وضع اقتصادي منهك. ويقول ساخرا: «الرحلات والسهر والليالي الملاح لأمراء الحرب، فهؤلاء وحدهم قادرون على دفع مبالغ طائلة دون توجع وتفجع».



أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
TT

أحداث سوريا تدفع الحوثيين لإطلاق مجاميع من المعتقلين

الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)
الحوثيون هددوا برد قاسٍ على أي تحرك وقالوا إنهم أقوى من النظام السوري (إعلام حوثي)

دفعت الأحداث المتسارعة التي شهدتها سوريا الحوثيين إلى إطلاق العشرات من المعتقلين على ذمة التخطيط للاحتفال بالذكرى السنوية لإسقاط أسلافهم في شمال اليمن، في خطوة تؤكد المصادر أنها تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية ومواجهة الدعوات لاستنساخ التجربة السورية في تحرير صنعاء.

وذكرت مصادر سياسية في إب وصنعاء لـ«الشرق الأوسط» أن الحوثيين أطلقوا دفعة جديدة من المعتقلين المنحدرين من محافظة إب (193 كيلومتراً جنوب صنعاء) بعد مضي ثلاثة أشهر على اعتقالهم بتهمة الدعوة للاحتفال بالذكرى السنوية للإطاحة بنظام حكم الإمامة في شمال البلاد عام 1962.

الكثيري والحذيفي بعد ساعات من إطلاق سراحهما من المعتقل الحوثي (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن معتقلين آخرين من صنعاء تم إطلاق سراحهم أيضاً، ورأت أن هذه الخطوة تهدف إلى امتصاص النقمة الشعبية على إثر انكشاف حجم الجرائم التي ظهرت في سجون النظام السوري، الذي كان حليفاً للحوثيين.

وبحسب هذه المصادر، تم إطلاق سراح محمد الكثيري، وهو أول المعتقلين في محافظة إب، ومعه الناشط الحوثي سابقاً رداد الحذيفي، كما أُطلق سراح المراهق أمجد مرعي، والكاتب سعيد الحيمي، والطيار الحربي مقبل الكوكباني، مع مجموعة من المعتقلين الذين تم نقلهم إلى السجون السرية لمخابرات الحوثيين في صنعاء.

وتوقعت المصادر أن يقوم الحوثيون خلال الأيام المقبلة بإطلاق دفعة من قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» الذين اعتقلوا للأسباب ذاتها.

امتصاص النقمة

كان الحوثيون، وفقاً للمصادر السياسية، يرفضون حتى وقت قريب إطلاق سراح المعتقلين الذين يُقدر عددهم بالمئات، وأغلبهم من محافظة إب، ومن بينهم قيادات في جناح حزب «المؤتمر الشعبي»، أمضوا أكثر من ثلاثة أشهر في المعتقل واتُهموا بالتخطيط لإشاعة الفوضى في مناطق حكم الجماعة من خلال دعوة السكان للاحتفال بذكرى الإطاحة بنظام حكم الإمامة.

تعنت حوثي بشأن إطلاق سراح قيادات حزب «المؤتمر الشعبي» (إعلام محلي)

وبيّنت المصادر أن الجهود التي بذلتها قيادة جناح حزب «المؤتمر» المتحالف شكليّاً مع الحوثيين، وكذلك الناشطون والمثقفون والشخصيات الاجتماعية، وصلت إلى طريق مسدود بسبب رفض مخابرات الحوثيين الاستجابة لطلب إطلاق سراح هؤلاء المعتقلين، على الرغم أنه لا يوجد نص قانوني يجرم الاحتفال بذكرى الثورة (26 سبتمبر 1962) أو رفع العلم الوطني، فضلاً عن أن الجماعة فشلت في إثبات أي تهمة على المعتقلين عدا منشورات على مواقع التواصل الاجتماعي تدعو للاحتفال بالمناسبة ورفع الأعلام.

وتذكر المصادر أنه عقب الإطاحة بنظام الرئيس السوري بشار الأسد وانكشاف حجم الانتهاكات والجرائم التي كانت تُمارس في سجونه، ووسط دعوات من أنصار الحكومة المعترف بها دولياً لإسقاط حكم الحوثيين على غرار ما حدث في سوريا وتفكك المحور الإيراني في المنطقة، سارعت الجماعة إلى ترتيب إطلاق الدفعات الجديدة من المعتقلين من خلال تكليف محافظي المحافظات باستلامهم والالتزام نيابة عنهم بعدم الاحتفال بذكرى الإطاحة بالإمامة أو رفع العلم الوطني، في مسعى لامتصاص النقمة الشعبية وتحسين صورتها أمام الرأي العام.

مراهق أمضى 3 أشهر في المعتقل الحوثي بسبب رفع العلم اليمني (إعلام محلي)

ورغم انقسام اليمنيين بشأن التوجهات الدينية للحكام الجدد في سوريا، أجمعت النخب اليمنية على المطالبة بتكرار سيناريو سقوط دمشق في بلادهم، وانتزاع العاصمة المختطفة صنعاء من يد الحوثيين، بوصفهم أحد مكونات المحور التابع لإيران.

وخلافاً لحالة التوجس التي يعيشها الحوثيون ومخاوفهم من أن يكونوا الهدف المقبل، أظهر قطاع عريض من اليمنيين، سواء في الشوارع أو على مواقع التواصل الاجتماعي، ارتياحاً للإطاحة بنظام الحكم في سوريا، ورأوا أن ذلك يزيد من الآمال بقرب إنهاء سيطرة الحوثيين على أجزاء من شمال البلاد، ودعوا الحكومة إلى استغلال هذا المناخ والتفاعل الشعبي للهجوم على مناطق سيطرة الحوثيين.