«داعش» يتمدد في جنوب ليبيا

تربة صالحة لاستقطاب المتطرفين من جماعات الإرهاب المختلفة

أعلن {داعش} الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف مبنى وزارة الخارجية الليبية بطرابلس الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة 5 آخرين (أ.ب)
أعلن {داعش} الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف مبنى وزارة الخارجية الليبية بطرابلس الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة 5 آخرين (أ.ب)
TT

«داعش» يتمدد في جنوب ليبيا

أعلن {داعش} الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف مبنى وزارة الخارجية الليبية بطرابلس الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة 5 آخرين (أ.ب)
أعلن {داعش} الإرهابي مسؤوليته عن الهجوم الانتحاري الذي استهدف مبنى وزارة الخارجية الليبية بطرابلس الأسبوع الماضي وأسفر عن مقتل 4 أشخاص على الأقل وإصابة 5 آخرين (أ.ب)

هل أضحى جنوب ليبيا مرتعاً جديداً لتنظيم «داعش» ومنه ينطلق إلى قلب القارة الأفريقية؟ تساؤل ارتفع في الأفق في الأشهر الأخيرة لا سيما في ظل الضربات الإرهابية التي وجهها التنظيم إلى عدد من المدن والقرى في الجنوب الغني بالثورات والفقير بالخطط اللازمة لإدارته، ما يجعل منه حاضنة متميزة للغاية لمثل تلك الجماعات الظلامية.
في أواخر شهر نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي كثف التنظيم الإرهابي من هجماته على جنوب ليبيا، ذاك الذي يعاني من حالة انفلات أمني غير مسبوق، عطفاً على التهميش السياسي والصراعات القبلية على النفوذ والمصالح، وقد كانت بلدة «تازربو» شمالي الكفرة موضوع الهجوم الأخير الذي أسفر عن قتل وإصابة نحو ثلاثين فرداً، وقد سيطروا على نقطة شرطة البلدة، قبل أن يتمكن السكان من طردهم لاحقاً.
ولعل الهجوم الأخير يطرح عدداً من الأسئلة المهمة عن الجنوب الليبي وما يجري فيه، وهل الأمر مقصور على ليبيا فقط أم أن هناك خططاً إرهابية أوسع وأعمق تتصل باختراق «داعش» للقارة الأفريقية، وبناء هياكل تنظيمية له على الأرض في عدد من الدول المعروفة بضعف بنيتها الأمنية والاجتماعية؟
في بدايات العام الماضي كان الحديث عن انتشار الدواعش في شمال ليبيا، لا سيما في مدينة سرت الليبية، غير أنه مع الانكسار الذي حدث لهم هناك والقضاء على عناصرهم عام 2016 بدا كأن «داعش» يبحث عن أماكن أخرى في ليبيا تتوافر فيها عوامل البقاء، وأهمها أن تكون مناطق ذات كثافة سكانية ضعيفة، وأن تكون طرقها وعرة مما يصعب الوصول إليها، عطفاً على الانفلات الأمني فيها وضعف سيطرة الدولة عليها.
في هذا الإطار يمكن القول إن الجنوب الليبي هو أفضل الأماكن المتاحة للجماعات المتشددة بسبب الوضع الأمني الهش، وقربه من حدود الدول الأخرى، ما يسمح له بالمناورة والتحرك ووصول الإمدادات البرية والتمويل.
يشكل الجنوب الليبي جزءاً أساسياً في مسيرة «الدواعش»، خصوصاً أن تنظيم الدولة الإسلامية أعلن عن تأسيس «ولاية فزان»، وإن كان لم يتمكن من التوطين وحيازة نطاق جغرافي بعينه كما حدث في سرت، وهو ما يُرجعه البعض إلى صعوبة تقبل العامل القبلي للتوطين جغرافياً، وإن سمح له باختبار عناصره.
المؤكد أنه ليس «داعش» فقط الذي بدأ يحط رحاله في الجنوب الليبي، فهناك عصابات أجنبية عديدة تقوم بعمليات الخطف والتهريب والحرابة والسطو والتعدي على الممتلكات الخاصة في هذه المنطقة، التي تعرف عدم استقرار أمني وانتشار الفوضى فيها.
يستفيد «الدواعش» من حالة الانقسام السياسي القائمة في الداخل الليبي، وبالتبعية اختلال الأوضاع الأمنية، ولهذا يقيمون معسكرات لتدريب مقاتليهم في جبال «الهروج» البعيدة، مع الأخذ بعين الاعتبار أن رقعة الجنوب واسعة والاختلافات فيه متكاثرة، لذا فإن حجم التحديات أكبر من قدرة الجيش الذي يعاني من النقص في الإمكانيات والتسليح. في هذا السياق يمكننا أن نشير إلى ما صرح به المهدي بركة الضابط بقوات الجيش ضمن كتيبة «خالد بن الوليد»، من أن حكومة الوفاق قد «تخلت عن الجنوب، ولا تزال تراوغ في دعم الجيش بسبب خلافات سياسية، بينما يعاني الجنوب الإهمال الكامل».
كيف يعمل «داعش» في جنوب ليبيا؟ بلا شك يعتمد مقاتلو التنظيم على استراتيجيات جديدة أبرزها التخفي والسرية، وتنفيذ عمليات مفاجئة، الأمر الذي يعتبره البعض دليلاً على ضعفه، غير أن السؤال المستقبلي المثير: ماذا عن جنوب ليبيا وبقية العمق الأفريقي، ودول الجوار التي يُرشَّح مدها بإرهابيين يدعمون خطط الدواعش لا سيما من ناحيتي تشاد والسودان؟

جنوب ليبيا مناخ جاذب
لا يمكن تقديم جواب عن السؤال المتقدم من دون التطلع إلى الأسباب الحقيقية التي جعلت من جنوب ليبيا تربة صالحة لاستقطاب الإرهابيين، دواعش كانوا أو غيرهم من جماعات الإرهاب المنتشرة هناك.
لم ينل الجنوب الليبي أهمية كافية من قبل، حتى في أيام القذافي، ومع الأخذ في الاعتبار أن إقليم فزان في الجنوب، وهو أحد الأقاليم الثلاثة الليبية الكبرى، والذي تبلغ مساحته نحو 550 ألف كم مربع، لا يقطنه سوى أقل من نصف مليون نسمة، على الرغم من أنه يضم معظم حقول النفط في ليبيا، وتنتج فزان قرابة نصف مليون برميل يومياً، كما يزود النهر الصناعي الذي ينبع من الجنوب الليبي مدن الساحل بقرابة نصف مليون برميل ماء يومياً... فإن التهميش والتجاهل من قبل السلطات الليبية لمطالب أهل الجنوب، سمح للميليشيات بملء الفراغ، وممارسة أنشطة غير شرعية مثل الاتجار بالبشر، وتهريبهم من أقصى الجنوب الليبي إلى سواحل أوروبا، عبر مدن شمالي ليبيا. والثابت أن الإهمال الحكومي الجسيم لجنوب ليبيا لا يتصل فقط بالأوضاع الأمنية، ولكنه ينسحب كذلك على الأوضاع الاقتصادية، وهي بلا شك مدخل جيد للإرهابيين الذين يجدون قنوات تمويل واضحة في الحل والترحال لا سيما من قبل قطر وتركيا بنوع خاص.
وتبدو العلاقة الليبية مع القارة الأفريقية من اتجاهين تستورد منها وتصدر إليها... كيف ذلك؟ قبل فترة نقلت صحيفة «التليغراف» البريطانية عن مصادر استخبارية أن «داعش» يسعى لتأسيس ما يطلق عليه «جيش الفقراء»، ويتكون هذا الجيش بالدرجة الأولى من مقاتلين يتحدرون من دول فقيرة قريبة من ليبيا مثل تشاد ومالي والسودان ونيجيريا، وأنه بحكم وقوع ليبيا على طريق المهاجرين غير الشرعيين الحالمين بـ«الفردوس الأوروبي»، يستغل فرع «داعش» ظروف فقراء قَدِموا إلى هذا البلد لعبور البحر، ويعرض عليهم مئات الدولارات للقتال في صفوفه... هل من إحصائيات رسمية حول الأعداد التي استقطبها الدواعش في جنوب ليبيا؟
ما تقدم هو الاتجاه الأول، أما الثاني فيتمثل في كون جنوب ليبيا هو المعبر الرئيسي إلى العمق الأفريقي، إذ تشير قراءات عديدة قدمتها الاستخبارات الأميركية إلى صناع القرار السياسي، إلى وجود نيات معمقة من قبل القائمين على «داعش» لاكتشاف حواضن بشرية جديدة تفيد على صعيدين، الأول كمورد للعناصر الإنسانية والمقاتلين الجدد، وهناك في عمق أفريقيا عشرات الآلاف الذين يمكن أن يضحوا رافداً خطيراً لـ«داعش»، والصعيد الثاني التمتع بملاجئ آمنة جغرافياً، سيما أن تضاريس العديد من دول أفريقيا الصحراوية تعد البيئة الأكثر ملاءمة لانطلاقة جديدة للدواعش، بعد أن تقطعت بهم السبل في العراق وسوريا، ووجدوا من الدعم الاستخباراتي القطري والتركي بنوع خاص، ما يسّر لهم الانتقال إلى ليبيا ومنها إلى عمق أعماق أفريقيا.
ولعل ما يساعد «الدواعش» وبقية الجماعات المتطرفة في تحقيق أهدافهم هناك.

الطريق إلى صومال جديدة
قبل بضعة أيام تساءل الباحث الإيطالي أرتورو فارفيلي رئيس مركز أفريقيا والشرق الأوسط في المعهد الإيطالي للدراسات الدولية، عن جنوب ليبيا بنوع خاص، وهل هي منطقة في طريقها للتحول إلى صومال ثانية؟
من المعروف للجميع أن الصومال قد عاشت ولا تزال عقوداً طويلة من الانفلات الأمني والسيولة غير المسبوقة، الأمر الذي جعلها مرتعاً جديداً لحركات أصولية من نوعية «حركة الشباب» أو «حزب الشباب»، وهي حركة قتالية تتبع فكرياً تنظيم «القاعدة»، لكنها أيضاً على صلة بدرجة أو بأخرى بـ«داعش»، سيما وأن الانقسامات في تلك الجماعات سهلة الحدوث في أي وقت. يقول فارفيلي إن الدواعش وبعد الغارات الأميركية في 2016 فرّوا إلى الجنوب، وإن «داعش» قد دخل مرحلة جديدة في ليبيا، حيث انتقل من التوسع الميداني إلى حرب العصابات، مشيراً إلى أن تنظيم «داعش» بصدد إعادة تنظيم نفسه، بقدرته على الضرب في أي مكان من البلاد، بما في ذلك العاصمة طرابلس.
ومع الإمكانية الكبرى للتواصل بين المتطرفين في جنوب ليبيا ونظرائهم في الصومال وغيرها من دول أفريقيا المعروفة بوجود جماعات متشددة على أراضيها، فإن ليبيا مهددة بشكل كبير بأن تتحول إلى صومال ثانية، حسب تعبيره. منوهاً إلى أنه من دون تقديم دعم للمجموعات المحلية التي يمكنها فعلياً مواجهة «داعش»، فإنه لن يكون للضربات الموجّهة ضد قيادات التنظيم أي تأثير على المدى البعيد.
وفي كل الأحوال يمكن القطع بأن الجنوب الليبي وفي ظل صراع القوى السياسية الليبية في الشمال، قد بات منطقة توسع طبيعية باتجاه أفريقيا جنوب الصحراء لتنظيم «داعش»، وهو في طريقه إلى تحويله كذلك إلى منطقة انكفاء في حال حصول تدخل دولي مكثف ضد حضوره في الشمال وعلى الساحل، والموقع والموضع يمكّنان تنظيم «داعش» من الاقتراب من شبكات أصولية وإرهابية في السودان، وتشاد، والنيجر، ومصر، بل وإقامة علاقة تنافسية مع تنظيم القاعدة في بلاد المغرب الإسلامي، من دون أن نهمل القرب الجغرافي لجنوب ليبيا من منطقة دارفور، التي تمثل برميل البارود، والذي تخلت عنه الأسرة الدولية، ولهذا يبقى من الطبيعي أن تملأه قوى أخرى، حتى وإن كانت إرهابية.
ولم يكن الحديث المتقدم عن «الدواعش» في جنوب ليبيا تنظيراً فكرياً، بل بات حقيقة واقعة أكدها الاعتداء الذي حصل في بلدة «الفقهاء» التابعة لبلدية الجفرة في النصف الأول من شهر ديسمبر (كانون الأول)، حيث أدى إلى مقتل أربعة مدنيين، واختطاف عشرة آخرين من سكان البلدة، بالإضافة إلى شرطيين، ما يعني أن «داعش» قد نجح ولو بشكل جزئي في إعادة ترتيب صفوفه وأوراقه في الجنوب الليبي.
إلى ذلك تؤكد مصادر في الجيش والاستخبارات الليبية أن عناصر «داعش» قد تمكنت من التمركز في مناطق نائية في صحراء البلاد، ما يشير إلى إنهاء الخلافات التي كانت تدب بين قادة التنظيم، وأكدت المصادر عينها أن تمركزات التنظيم بدت أكثر قوة في مناطق محيطة بجبال الهروج والسوداء، جنوب ووسط جنوب البلاد، وهي مناطق محصنة طبيعياً وتتصل بالحدود الجنوبية المفتوحة، بالإضافة إلى ارتباطها بشبكة صحراوية تصل إلى أودية جنوب شرقي بني وليد جنوب شرقي طرابلس.
والتساؤل يفرض نفسه: هل تلعب العناصر المتطرفة في تشاد دوراً بعينه في أزمة جنوب ليبيا؟ يبدو أن ذلك كذلك بالفعل، إذ تتواصل تحركات العناصر الأجنبية في الجنوب الليبي، وعلى رأسها قوات المعارضة التشادية، التي تتخذ من أراضي الجنوب مسرحاً لتنفيذ أنشطتها داخل ليبيا وخارجها، وتتهم ليبيا العناصر التشادية بالمشاركة في عمليات خطف وابتزاز المواطنين والأجانب، وبتهريب الأسلحة إلى العناصر المقاتلة وفي المقدمة منها «داعش» ومقاتلوها، والذين تتعدد أسماء جماعاتهم، وبعضهم لم يكن من الدواعش في الأصل وإن أعلنوا لاحقاً التبعية الآيديولوجية مثل جماعة «مجلس شورى شباب الإسلام» الذي يعد من أبرز التنظيمات التي أعلنت انتماءها لتنظيم «داعش»، عبر إنشاء محكمة إسلامية وشرطة إسلامية، والتي قادت عمليات إعدام وجلد علنية، كما واصلت ارتكاب جرائم قتل جرت غالبيتها في بنغاري ودرنة.
وتبقى الإشارة إلى أن الجنوب الليبي يضحى نقطة ارتكاز مالية لـ«داعش» الذي فقد غالبية مصادره في العراق وسوريا، وذلك من خلال تهريب البشر، عبر الحدود، وكذا تهريب الأسلحة والسلع والبضائع، وأنواع الدخان المختلفة، وحتى المشتقات الطبية والمخدرات، لكي يتمكن من الإنفاق على نشاطه الإرهابي، وقطع الطريق على مناصري «القاعدة» من جهة ثانية.
الطريق إلى المواجهة
ويبقى التساؤل مطروحاً: كيف السبيل إلى مواجهة خلايا «داعش» في جنوب ليبيا، سيما وأن إمكانيات الجيش الليبي ضعيفة، وهناك حصار مضروب عليه من قوى خارجية، تمنعه من استيراد الأسلحة اللازمة، رغم تشدق تلك الأبواق الأممية بحتمية محاربة الإرهاب، في حين يقوم رجالاته بمقاتلة الإرهاب بالنيابة عن دول الجوار والمجتمع الدولي كله، الذي ينظر إليه ولا يدعمه، وتالياً يتهمه بالقصور؟
المؤكد أن الجواب يمضي في اتجاهين متشابكين، فهناك دور واجب على الليبيين أنفسهم في الداخل، وهناك كذلك واجب ملقًى على كاهل المجتمع الدولي انطلاقاً من أن مجابهة الإرهاب ليست شأناً مناطقياً، بل مهمة أممية، وبخاصة أن الجميع بات يكتوي بنيران الإرهاب في قارات الأرض الست.
بالقطع يبقى تردي الأوضاع الأمنية رجع صدى للأوضاع والأحوال المعيشية، ولهذا سيبقى الاستقرار في الجنوب بعيد المنال، في ظل استمرار غياب الأمن، وعدم إعادة الاعتبار للجنوب، الذي لم يشهد اهتماماً أو نهضة عمرانية تنموية ملموسة مستمرة عبر حقب متلاحقة.
هذا من جانب، أما الجانب الآخر داخلياً فهو توحيد الجهود الأمنية من خلال مؤسسة عسكرية واحدة، وخطط مواجهة موحدة، تمكِّنها من القضاء على الحضور الإرهابي على الأراضي الليبية. لكن يبقى هناك دور دولي خارجي لا بد منه، القسم الأول منه يتصل بدول الجوار الكبرى لا سيما مصر والجزائر، وكلتاهما قد عانت من نيران الإرهاب المدمر ولا تزال، ومعروف أنهما تبذلان جهوداً كبيرة معلنة وخفية في مساعدة ليبيا من أجل مواجهة جميع التيارات الأصولية على أراضيها. أما القسم الثاني فيثير كثيراً من التساؤلات وهو المتصل بأوروبا وبالولايات المتحدة الأميركية، اللتين تمنعان وصول الأسلحة المطلوبة للجيش الليبي لمطاردة فلول «داعش»، وهناك كثير جداً من علامات الاستفهام على قيادة «أفريكوم» في مناطق قريبة من ليبيا، ما يطرح تساؤلات عن جدية مطاردة الأميركيين تحديداً للإرهاب في أفريقيا عموماً. وفي كل الأحوال يبقى الرهان على الداخل الليبي، وعلى أن وحدة كلمة الليبيين هي الحل الأفضل، فلا أفضل من ظفرك لحك جلدك.



«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
TT

«داعش» يسعى بقوة إلى {إثبات وجوده} في 2020

تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)
تدريبات للقوات النيجيرية تحت إشراف القوات الخاصة البريطانية خلال مناورة مكافحة الإرهاب السنوية في السنغال فبراير الماضي (أ.ب)

ارت طموحات تنظيم «داعش» الإرهابي للتمدد مجدداً تساؤلات كثيرة تتعلق بطبيعة «مساعيه» في الدول خلال العام الجاري. واعتبر مراقبون أن «(أزمة كورونا) جددت طموحات التنظيم للقيام بعمليات إرهابية، واستقطاب (إرهابيين) عقب هزائم السنوات الماضية ومقتل زعيمه السابق أبو بكر البغدادي». ووفق خبراء ومتخصصين في الشأن الأصولي بمصر، فإن «التنظيم يبحث عن أي فرصة لإثبات الوجود»، مشيرين إلى «مساعي التنظيم في أفريقيا عبر (الذئاب المنفردة)، ومحاولاته لعودة نشاطه السابق في العراق وسوريا عبر تبني عمليات القتل»، موضحين أن «المخاوف من العناصر (الانفرادية) التي تنتشر في أوروبا وأميركا تتزايد، خاصة وأنها تتحرك بانسيابية شديدة داخل محيطهم الجغرافي».
وقال أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية، إن «(داعش) مثل تنظيمات الإرهاب تبحث عن فرصة مُناسبة للوجود، ومن الفُرص المُناسبة، وجود أي شكل من أشكال الفوضى أو الارتباك، وعندما تكون جهود الدول موجهة لمحاربة (كورونا المستجد)، فيبقى من الطبيعي أن يسعى التنظيم للحركة من جديد، وانتظار فرصة مناسبة لتنفيذ أهدافه، خاصة أن (داعش) في تعامله مع الفيروس روج لفكرة (أن كورونا عقاب إلهي لأعدائه، على حد زعم التنظيم)، خصوصاً أن (كورونا) كبد أوروبا خسائر كبيرة، وأوروبا في الدعايا الداعشية (هذا الغرب الذي يحارب الإسلام، على حد تصور الداعشيين)، لذا فـ(داعش) يستغل هذا، في مواجهة بعض الارتكازات الأمنية، أو الأكمنة، أو الاستهدافات بالشوارع، لإثارة فازعات، ومن الوارد تنفيذ بعض العمليات الإرهابية».
وأكد عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) استغل (أزمة الفيروس) بالادعاء في بيان له مارس (آذار) الماضي، بأن الفيروس (عذاب مؤلم من الله للغرب، خاصة للدول المشاركة في العمليات العسكرية ضده، على حد زعمه)، ويحاول التنظيم نشر الخوف من الوباء، والبحث عن إيجاد مصارف لتمويل العمليات الإرهابية».
ووفق تقرير سابق لمجموعة «الأزمات الدولية» في نهاية مارس الماضي، أشار إلى أن «التنظيم أبدى مع ظهور الفيروس (نبرة شماتة)، وأخبر عناصره عبر افتتاحية جريدة (النبأ) التابعة له في نهاية مارس الماضي، بضرورة استمرار حربهم عبر أرجاء العالم حتى مع تفشي الوباء... وادعى أن الأنظمة الأمنية والدولية التي تسهم في كبح جماح التنظيم على وشك الغرق، على حد قول التنظيم».
ويشير عبد المنعم في هذا الصدد، إلى أنه «بالعودة لزاوية (حصاد الأجناد) في عدد (النبأ) الأخير، زعم التنظيم أنه شن 86 هجمة إرهابية في شهر واحد، هو مارس الماضي، وهو أعلى رقم منذ نهاية نوفمبر (تشرين ثاني) الماضي، الذي سجل 109 هجمات، فيما عُرف بـ(غزوة الثأر) للبغدادي وأبو الحسن المهاجر اللذين قُتلا في أكتوبر (تشرين أول) الماضي في غارة جوية».
ووفق تقارير إخبارية محلية ودولية فإن «(داعش) يسعى لاستعادة سيطرته على عدد من المناطق في سوريا والعراق من جديد، وأنه يحتفظ بنحو من 20 إلى 30 ألف عضو نشط، ولا ينقصه سوى توفر المال والسلاح». وأشارت التقارير ذاتها إلى أن «التنظيم يحاول استغلال انشغال سوريا والعراق بمكافحة الفيروس، لاستعادة سيطرته على مناطق من الصحراء السورية في الغرب، إلى وادي نهر الفرات شرقاً، مروراً بمحافظة دير الزور والمناطق ذات الأغلبية السنية في العراق، والتي لا يزال يوجد فيها بعض عناصره».
ويشار أنه في أبريل (نيسان) الماضي، هاجم التنظيم بلدة السخنة في صحراء حمص، وأسفر عن مقتل 18. وفي دير الزور أعلن التنظيم مقتل اثنين... وفي العراق، قتل ضابط شرطة عند نقطة تفتيش في الحويجة غرب كركوك على يد التنظيم، كما قتل اثنان من مقاتلي البيشمركة الكردية في هجوم للتنظيم أبريل الماضي، كما أسفر هجوم للتنظيم على مطار الصادق العسكري عن مقتل اثنين.
وفي هذا الصدد، قال عمرو عبد المنعم، إن «أكثر هجمات (داعش) كانت في العراق أخيراً، وشهد التنظيم نشاطاً مكثفاً هناك»، مضيفاً: «في نفس السياق دعت فتوى نشرها التنظيم على (تلغرام) للهروب من السجون السورية، وهذا ما حدث، فقد هرب 4 نهاية مارس الماضي، من سجن تديره قوات سوريا الديمقراطية، وفقاً لتقارير إخبارية».
وسبق أن طالب أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» في سبتمبر (أيلول) الماضي، «بتحرير أنصار التنظيم من السجون ...»، وسبقه البغدادي «وقد حرض بشكل مُباشر على مهاجمة السجون في سوريا والعراق».
وبحسب المراقبين «حاول (داعش) أخيراً زيادة حضوره الإعلامي على منصات التواصل الاجتماعي مجدداً، بعد انهيار إعلامه العام الماضي». ورصدت دراسة أخيرة لمرصد الأزهر لمكافحة التطرف في القاهرة «تداول التنظيم تعليمات لعناصره عبر شبكات التواصل الاجتماعي، بالادعاء بأن الفيروس يمثل (عقاباً من الله، ويحتم اتخاذ خطوات لتكفير الذنوب)، وجعل التنظيم الإرهابي - على حد زعمه - السبيل الوحيد للخلاص من الفيروس، والقضاء عليه، هو (تنفيذ العمليات الإرهابية)، ولو بأبسط الوسائل المتاحة». اتسق الكلام السابق مع تقارير محلية ودولية أكدت «تنامي أعداد حسابات أعضاء التنظيم وأنصاره على مواقع التواصل خصوصاً (فيسبوك)، حيث تمكن التنظيم مجدداً من تصوير وإخراج مقاطع فيديو صغيرة الحجم حتى يسهل تحميلها، كما كثف من نشر أخباره الخاصة باستهداف المناطق التي طرد منها في العراق وسوريا، وتضمين رسائل بأبعاد عالمية، بما يتوافق مع أهداف وأفكار التنظيم».
ووفق عبد المنعم فإن «(داعش) يستغل التطبيقات الإلكترونية التي تم تطويرها في الفترة الأخيرة في المجتمع الأوروبي، والتي قدمتها شركات التكنولوجيا والذكاء الصناعي في أوروبا مثل تطبيق Corona-tracker لجمع البيانات عن المصابين، وتوجيه بعض الأسئلة لتحديد نسبة الخطورة، وفرض التنظيم على الأطباء والممرضين في الرقة الحضور اليومي الإجباري، ومن خالف تعرض لعقوبات شديدة».
وعن الواجهة التي يسعى «داعش» التمدد فيها خلال الفترة المقبلة. أكد الخبير أحمد بان، أن «أفريقيا هي الواجهة المفضلة لتنظيمي (داعش) و(القاعدة)، والفترة الأخيرة شهدت تصاعدا لعمليات في الغرب الأفريقي وداخل الساحل، وعمليات داخل موزمبيق، فـ(داعش) في حالة سباق لتصدر المشهد هناك، مع توفر آليات تساعده على ذلك من بينها، تهريب السلاح، وحركة العصابات». فيما أبدى عمرو عبد المنعم، تصوراً يتعلق بـ«زيادة العمليات الإرهابية في نيجيريا، وأنه طبقاً لبيانات صدرت أخيراً عما يُعرف باسم (ولاية غرب أفريقيا) أفادت بوجود أكثر من مائة مقاتل هاجروا لنيجيريا من سوريا والعراق».
وتجدد الحديث في فبراير (شباط) الماضي، عن مساعي «داعش» للوجود في شرق أفريقيا أيضاً، بعدما أظهرت صوراً نشرها التنظيم عبر إحدى منصاته تتعلق بتدريبات على أسلحة تلقاها عناصره في مرتفعات «غل غلا» الوعرة بولاية بونتلاند الواقعة شمال شرقي الصومال.
تعليقاً، على ذلك أكد أحمد زغلول، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، أن «(داعش) يهدف إلى السعي لمناطق بالقارة السمراء، بعيداً عن سوريا والعراق، لـ(تفريغ قدرات عناصره القتالية)، فضلاً عن تأكيد عبارة (أنه ما زال باقياً)».
تقديرات سابقة لمراكز بحثية غربية أشارت أيضاً إلى أن «عدد الذين انضموا لـ(داعش) من أفريقيا منذ عام 2014 في سوريا والعراق يزيد على 6 آلاف مقاتل». وقال المراقبون إن «عودة هؤلاء أو ما تبقى منهم إلى أفريقيا، ما زالت إشكالية كبيرة على أمن القارة، خصوصاً أن كثيراً منهم شباب صغير السن، وأغلبهم تم استقطابه عبر مواقع التواصل الاجتماعي».
فيما قال خالد الزعفراني، الباحث في شؤون الحركات الأصولية، إن «مساعي التنظيم للتمدد داخل أفريقيا سوف تتواصل عبر (الذئاب المنفردة)»، مضيفاً أن «ما يقوم به التنظيم في أفريقيا، والعراق وسوريا أخيراً، لإثبات أن لديه قدرة على تحقيق إنجازات، وأنه (عابر للحدود)، وأنه غير مُتأثر بهزائم سوريا والعراق».
وكان أبو محمد العدناني، الناطق الأسبق باسم «داعش» قد دعا في تسجيل صوتي عام 2014 المتعاطفين مع التنظيم، إلى القتل باستخدام أي سلاح متاح، حتى سكين المطبخ من دون العودة إلى قيادة «داعش»... ومن بعده دعا البغدادي إلى «استهداف المواطنين». وتوعد التنظيم عبر مؤسسة الإعلامية «دابق» بحرب تحت عنوان «الذئاب المنفردة».
في ذات السياق، لفت أحمد بان، إلى أن «التنظيم يسعى لاكتشاف أي ثغرة لإثبات الوجود أو تجنيد عناصر جُدد، خاصة وأن هناك عناصر (متشوقة للإرهاب)، وعندما يُنفذ (داعش) أي عمليات إرهابية، تبحث هذه العناصر عن التنظيم، نتيجة الانبهار».
من جانبه، قال الخبير الأمني اللواء فاروق المقرحي، مساعد وزير الداخلية المصري الأسبق، إن «تنظيمات الإرهاب خاصة (داعش) و(القاعدة) لن تتوانى عن سياسة التجنيد، ومن هنا تنبع فكرة الاعتماد على (الذئاب المنفردة) أو (العائدين) بشكل كبير».
وبينما رجح زغلول «حدوث بعض التغيرات داخل (داعش) عام 2020». قال اللواء المقرحي: «لا أظن عودة (داعش) بفائق قوته في 2020 والتي كان عليها خلال عامي 2014 و2015 نتيجة للحصار المتناهي؛ لكن الخوف من (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، لاستنزاف القوى الكبرى»، لافتاً إلى أن «كثيرا من العناصر (الانفرادية) تتحرك في أوروبا وأميركا بانسيابية داخل الدول، وهذا هو الخطر».