مقتل 15 متشدداً في عملية مشتركة بين فرنسا والنيجر

فرار المئات من قرية شمال شرقي نيجيريا بعد هجوم لـ«داعش»

TT

مقتل 15 متشدداً في عملية مشتركة بين فرنسا والنيجر

أعلن الجيش الفرنسي، أمس، أن قواته وأخرى تابعة للنيجر، قتلت نحو 15 متشدداً في عملية جوية وبرية مشتركة، أول من أمس، بجنوب شرقي النيجر. وقال الجيش الفرنسي، في بيان، إن القوة صادرت خلال العملية 20 دراجة نارية وعثرت على مخبأ أسلحة يحتوي على عدة مدافع رشاشة. ونفذت العملية قرب قرية تونجو تونجو القريبة من الحدود مع مالي والواقعة على بعد نحو 175 كليو متراً شمال نيامي، التي شهدت في أكتوبر (تشرين الأول) من العام الماضي مقتل 4 جنود أميركيين و4 جنود محليين في كمين استهدف دوريتهم المشتركة.
وأكدت قيادة الجيش الفرنسي، كذلك، أنها نفذت ضربات جوية ليل الخميس الماضي أيضاً ضد «متشددين» تجمعوا جنوباً على الحدود على مقربة من تونغو، مشيرة إلى أن قوات من جيش النيجر ومن قوة برخان قامت لاحقاً بإنزال على الأرض، منتشرة في «مواقع مختلفة»، لتمشّط المنطقة كاملة «خلال الساعات الـ48 التي تلت».
كما هنّأت وزيرة الدفاع الفرنسية فلورانس بارلي، في تغريدة، جيشي البلدين بـ«العملية المشتركة الناجحة» في غرب النيجر، وأكدت أن «تعزيز قوة جيوش دول الساحل الخمس مستمر»، في إشارة إلى القوة المشتركة لدول المنطقة (النيجر ومالي وتشاد وبوركينا فاسو وموريتانيا)، المنتشرة بهدف حماية حدودها.
وتعرضت قوة برخان الفرنسية المنتشرة في دول الساحل الأفريقي لأسوأ هجوم إرهابي في 29 يونيو (حزيران) الماضي في مقرها في مالي.
إلى ذلك، نقلت وكالة «رويترز»، أمس، عن شهود، أن «مئات الأشخاص فروا من بلدة في شمال شرقي نيجيريا هاجمها متشددون على صلة بتنظيم داعش، وسعوا للجوء إلى مدينة مايدوجوري عاصمة ولاية بورنو».
وشُوهد مئات المواطنين يصلون إلى مايدوجوري ويتجمعون عند محطة حافلات على مشارف المدينة.
وتبنى «داعش» في غرب أفريقيا، الذي انشق عن جماعة «بوكو حرام» عام 2016، المسؤولية عن الهجوم على قاعدة عسكرية في باجا، وهي بلدة بولاية بورنو الواقعة بشرق البلاد، الذي قال الجيش النيجيري إنها وقع مساء الأربعاء الماضي.
وزعم التنظيم، في بيان نشره على وكالة «أعماق» التابعة له، أن مقاتليه «قتلوا وأصابوا العشرات وأسروا أربعة (مرتدين) وأحرقوا ثكنات عدة واغتنموا أسلحة وذخائر متنوعة».
ويأتي تصعيد الهجمات من جانب الإسلاميين والفوضى الناجمة عنها بالمنطقة وسط استعداد البلاد لانتخابات يسعى خلالها الرئيس النيجيري محمد بخاري للفوز بفترة رئاسية ثانية. وأصبح الأمن قضية رئيسية في الحملة الانتخابية في أعقاب سلسلة من الهجمات.
ودفع القتال الذي استهدف السيطرة على باجا البلدة الاستراتيجية، التي تقع عند نقطة التقاء حدود كل من نيجيريا والنيجر وتشاد والكاميرون، مئات المواطنين للهرب بحثاً عن الأمان في مايدوجوري الواقعة على بعد نحو 200 كيلومتر إلى الجنوب.
ويستهدف تمرد جماعة «بوكو حرام»، التي تعهد بخاري بالقضاء عليها عندما تولى السلطة في عام 2015، لإقامة «دولة إسلامية» في شمال شرقي نيجيريا، حيث قتلت الجماعة نحو 30 ألف شخص وأجبرت نحو 2.7 مليون شخص على الفرار من منازلهم منذ عام 2009.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟