فلوبير... العُصاب الجنوني والإبداع العبقري

غيّر مجرى مسيرة الرواية الفرنسية

فلوبير  -  تمثال فلوبير في مدينته
فلوبير - تمثال فلوبير في مدينته
TT

فلوبير... العُصاب الجنوني والإبداع العبقري

فلوبير  -  تمثال فلوبير في مدينته
فلوبير - تمثال فلوبير في مدينته

أولا: من هو فلوبير؟ من هو هذا الشخص الذي غير مجرى مسيرة الرواية الفرنسية فانتقل بها من الرومانطيقية إلى الواقعية القحة باعتراف معظم النقاد؟ وهو على أي حال أكبر روائي فرنسي في القرن التاسع عشر بعد بلزاك إذا ما استثنينا ستندال بالطبع. هؤلاء هم الثلاثة الكبار: ستندال، بلزاك، فلوبير. ولكن هناك شخصيات أخرى حفل بها ذلك القرن العظيم، ليس أقلها إميل زولا وغي دوموباسان وآخرون كثيرون. من المعلوم أن فلوبير كان يردد دائما هذه العبارة: لا أحب أن يهتم القارئ بشخصي المتواضع الذي لا أهمية له. الشيء المهم فقط هو أعمالي الأدبية وكفى. هذا ما قاله في رسالة إلى الكاتب الروسي الكبير تورغنييف. والواقع أن فلوبير كان يعتقد أن على الكاتب أن يختفي كليا وراء مؤلفاته. فهو عابر وزائل كشخص ولكن أعماله هي وحدها التي تبقى بعد رحيله. وهذا يعني أن فلوبير كان يقسم نفسه إلى شخصين: الشخص الواقعي الحقيقي كما هو معروف في الحياة اليومية من قبل الناس وأقرب المقربين منه، والشخص الحميمي الداخلي الذي لا يتوهج إلا عندما يختلي بنفسه في غرفته الصغيرة لمصارعة الإبداع الخلاق.
هل يعني ذلك أنه كان منفصم الشخصية؟ حتما، ككل أديب كبير. فحقيقة الأديب لا تتجلى فعلا إلا في إنتاجه: أي عندما ينقطع عن الناس ويتفرغ للإبداع. عندئذ يصبح شخصا آخر لا علاقة له بالشخص الواقعي المحسوس الذي نعرفه. ولكن هل يمكن الفصل الكامل بين الشخص الذي يعيش والشخص الذي يكتب ويبدع؟ بالطبع لا. في الواقع أن المسألة أكثر تعقيدا مما نظن. على أي حال فالشيء المؤكد هو أن فلوبير كشخص مات ولكن «مدام بوفاري» لا تموت. فلا تزال تقرأ حتى اليوم بل وتدرس في أرقى الجامعات العالمية. بل سنذهب إلى أبعد من ذلك ونقول: ألسنا نقرأ الإلياذة والأوديسة حتى الآن على الرغم أن هوميروس قد مات قبل نحو ثلاثة آلاف سنة؟ ألا تسحرنا مسرحيات شكسبير حتى بعد مرور أربعة قرون على وفاته؟ أليست خالدة أبد الدهر؟ من يستطيع أن يقتل شكسبير؟ والكوميديا الإلهية لدانتي أليست مقروءة الآن حتى بعد مرور سبعة قرون على كتابتها أو أكثر؟ وماذا عن شعر المتنبي؟ أو رسالة الغفران للمعري؟ الخ...الروائع الأدبية لا تموت...
لكن لنعد إلى نقطة البداية ولنطرح هذا السؤال: من هو صاحب مدام بوفاري؟ لقد ولد غوستاف فلوبير في مدينة «روان» الفرنسية عام 1821، أي في نفس العام الذي ولد فيه بودلير ومات فيه نابليون! وهو نفس العام الذي نشر فيه هيغل كتابه الشهير: قواعد فلسفة القانون. وقد أسس فيه للقانون الوضعي الحديث قاطعا بذلك مع القانون اللاهوتي أو الكنسي القديم. وقد زرت المدينة بعد وصولي إلى فرنسا بفترة قصيرة. ويقع بيت فلوبير في ضواحي المدينة، ومعلوم أنه تحول إلى متحف الآن. وهو مطل على نهر السين من فوق هضبة ومحاط بالطبيعة والأشجار والغابات. ومن نافذته كان فلوبير يستمتع برؤية القوارب الشراعية والسفن وهي تتهادى تحت البيت على سطح الماء. منظر ولا أروع! لكأني أراه الآن بعد كل تلك السنوات.
الشيء الذي لفت انتباهي في بيت فلوبير هو منظر مخطوطاته المعروضة من وراء الزجاج. يا إلهي كم هي مليئة بالتشطيبات والتصحيحات التي تجعل الصفحة عصية على الفهم تقريبا! ومعلوم أنه كان من عبيد الكتابة أو من «عبيد الشعر» كما تقول العرب. وكان ينتظر أحيانا عدة أيام لكي يصل إلى العبارة أو حتى الكلمة المناسبة وهو يئن ويتوجع. وعندما يصل إليها كان يصرخ بأعلى صوته: وجدتها! وجدتها! ولهذا السبب فلم يكتب كثيرا. في عام 1869 نشر فلوبير روايته الكبرى: التربية العاطفية. وهي رواية تصور حياة فرنسا السياسية والاجتماعية والأخلاقية في منتصف القرن التاسع عشر وقبل ثورة 1948 وما بعدها. إنها تصور الحياة الفرنسية من خلال شخصية البطل فريديريك مورو الذي يشعر بأنه محبط وعاجز عن فعل أي شيء. إنه إنسان مليء بالتناقضات والترددات أمام المصير والمجهول. ولذلك فإنه يترك الأحداث تتقاذفه من كل جانب وتفعل به ما تشاء. أنه كالقارب السكران الذي تحدث عنه رامبو في قصيدته العصماء... وهو الذي يجسد شخصية فلوبير كل التجسيد وليس مدام بوفاري على عكس ما يظن الناس وعلى عكس ما قال هو شخصيا: مدام بوفاري هي أنا! ولكن مدام بوفاري امرأة وليست رجلا لكي تمثله. كان ينبغي أن يقول: فريدريك مورو هو أنا! فهي روايته الوحيدة التي تشبه السيرة الذاتية المقنعة. والواقع أنه أمضى حياته كلها تقريبا في كتابتها. هل نعلم بأن تدبيجها استغرق منه ثلاثين سنة متواصلة مع بعض الانقطاعات؟ لكي نفهم السبب ينبغي العلم بأن فلوبير وقع وهو في الخامسة عشرة في حب امرأة بورجوازية متزوجة تجاوزت الثلاثين. وكان ذلك على شواطئ مدينة دوفيل أو تروفيل الساحرة. وهي أكبر قصة حب في حياته رغم أنه لم يلمسها. إنه حب أفلاطوني عذري على طريقة مجنون ليلى أو جميل بثينة أو ذي الرمة ومعبودته مي. وقد أسقط كل عواطفه المتأججة على بطل الرواية فريديرك مورو وجعله يقع أيضا في حب امرأة بورجوازية متزوجة بتاجر غني. بمعنى آخر فقد صفى حساباته على ظهر هذا الشخص، بطل روايته. والأدب كما تعلمون هو عبارة عن تصفية حسابات تاريخية مع نفسك أو مع العالم. في عام 1838 دبج فلوبير أول نص له بعنوان: مذكرات مجنون. وقد صفى فيها حساباته مع حبه المغدور أو المستحيل لتلك المرأة المتزوجة التي رآها على الشاطئ يوما ما وأصبحت حبه الأول والأخير إلى الأبد... وهي تحتوي على بذور روايته الكبرى التي لن تصدر إلا بعد ثلاثين سنة. وقد كتبها ثلاث أو أربع مرات قبل أن تنضج أخيرا ويرضى عنها. هذا هو الأدب: إنه تعب وجهد وصبر ومشقة. وفي النهاية قد يعطيك شيئا أو لا يعطيك. الأمور ليست مضمونة سلفا إلا للموهوبين العباقرة من أمثال فلوبير. ولكن حتى هو، فإنه لم يكن يخرج من كتابة روايته إلا منهكا، مستنزفا، مريضا! هل يعني ذلك أن النجاح في الأدب ناتج عن 90 في المائة جهد وتعب، و10 في المائة فقط موهبة وعبقرية؟
لقد عكست كتابات فلوبير روح العصر بكل قلقه وآماله ومخاوفه. ومن يريد أن يفهم الحياة الفرنسية في القرن التاسع عشر فما عليه إلا أن يعود إلى رواياته. وبهذا الصدد يرى النقاد أن رواية «التربية العاطفية» أهم من رواية «مدام بوفاري» رغم أن الشهرة العارمة كانت لهذه الأخيرة. ويرى عالم الاجتماع الشهير بيير بورديو أن رواية فلوبير تقدم لنا مادة ثمينة للتحليل السوسيولوجي أو الاجتماعي لتلك الفترة من تاريخ فرنسا. لكن لنعد إلى سيرته الذاتية. في نهايات عام 1849، أي وهو ما دون الثلاثين، قام فلوبير بأكبر سفرة له إلى الشرق لكي يتعرف عليه ويستلهمه في أعماله الأدبية المقبلة. وكان برفقة صديقه مكسيم دوكامب. وهناك تعرف على القاهرة والحياة المصرية في عهد المماليك. ثم غادر مصر في شهر يوليو (تموز) من عام 1850 إلى فلسطين أولا قبل أن ينتقل إلى سوريا، فلبنان، فتركيا، ثم أخيرا أثينا عاصمة اليونان. وهكذا دامت رحلته سنة كاملة أو أكثر قليلا. وبعدئذ عاد إلى فرنسا من اليونان عبر إيطاليا. وفور عودته تقريبا ابتدأ كتابة روايته الخالدة: مدام بوفاري. وقد أنهاها عام1857: أي إنها استغرقت منه سبع سنوات بالتمام والكمال.
وهذه هي الكتابة الحقيقية: أي الكتابة التي تستغرق وقتها الكافي ولا تستعجل الأمور أو تحرق الطبخة قبل أن تنضج. ولهذا السبب فإن فلوبير لم يكتب إلا خمس أو ست روايات طيلة حياته كلها. ولكن كل رواية كانت تشكل حدثا في تاريخ الأدب الفرنسي، كانت تشكل عالما بأسره. ولا يزال النقاد منشغلين بدراستها وتحليلها حتى الآن. وبالتالي فالعبرة ليست بالكمّية وإنما بالنوعية. وما ينطبق على الرواية ينطبق على الشعر أيضا. ولكن هناك استثناء واحدا هو: بلزاك. فقد كتب أكثر من ثمانين رواية معظمها من الروائع الأدبية. ولكن بلزاك هو بلزاك ولا يتكرر كل قرن ولا حتى كل عشرة قرون. بلزاك هو «وحش» الرواية الفرنسية، وربما العالمية!
أخيرا دعونا نقُل كلمة عن رأي جان بول سارتر بفلوبير. فسارتر لم يكن فيلسوفا فقط وإنما كان أيضا ناقدا أدبيا من أعلى طراز. والدليل على ذلك كتابه عن بودلير الصادر عام 1947، وكتابه ما هو الأدب؟ الصادر عام 1948، ثم كتابه الضخم عن جان جنيه: قديس وشهيد، الصادر عام 1952، ولكن كتابه عن فلوبير تجاوز كل ما سبق من حيث الأهمية والضخامة. فقد صدر في ثلاثة أجزاء تقارب الثلاثة آلاف صفحة! وأكل من عمر سارتر عشر سنوات بالتمام والكمال، ومع ذلك فلم يستطع إكماله... وقد انطلق في كتابه من الفضيحة المتمثلة بالسؤال التالي: كيف استطاع شخص أبله أن يتحول إلى عبقري؟ ففي رأيه أن فلوبير كان أغبى شخص في عائلته في البداية ولكن العُصاب النفسي الذي أصيب به هو الذي جعل منه عبقريا. ولذلك يدعى الكتاب: «أبله العائلة». وهذا يعني أن سارتر اتبع في تحليله نظريات علم النفس ولكن مطعمة بفلسفته الشخصية الوجودية. ومعلوم أنه دشن تيارا في النقد الأدبي الفرنسي يدعى بالتحليل النفسي الوجودي. وطبق هذه المنهجية على فلوبير لكي يكتشف سر عبقريته الأدبية أو كيف تحول من شخص عادي إلى شخص عبقري. وهذا يعني أنه لا إبداع من دون عُصاب نفسي. وكلما كان العصاب قويا كان الإبداع جارفا. ولا ننسى النواقص والعيوب: المعري كان أعمى وكذلك طه حسين. وبيتهوفين كان أطرش... كل ذي عاهة جبار! أما الأشخاص الطبيعيون السعداء المتصالحون مع أنفسهم ومجتمعهم وحياتهم فليسوا بحاجة لأن يصبحوا مبدعين أو عباقرة. وبالتالي فشكرا للعقد الشخصية، شكرا للعذابات النفسية، شكرا للدهاليز الداخلية! فلولاها لحرمنا من شخصيات كبرى ليس أقلها: بودلير، ودوستيوفسكي، ونيتشه، وهولدرلين، وجيرار دونيرفال، وعشرات الآخرين.



مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
TT

مصر لتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» وفق مواصفات عالمية

جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)
جانب من حديقة الحيوان بالجيزة (فيسبوك)

تواصل مصر خطتها لإحياء وتطوير حديقتي «الحيوان» و«الأورمان» بمحافظة الجيزة (غرب القاهرة)، وفق أحدث المعايير العالمية والدولية، مع العمل على وصلهما ببعضهما البعض وافتتاحهما قريباً بإدارة من القطاع الخاص.

وأكد رئيس الوزراء المصري، مصطفى مدبولي، أن الحكومة تتابع باهتمام تنفيذ مشروع تطوير الحديقتين، انطلاقاً من أهميته في ظل الطابع التاريخي المميز لهما، وتتطلع لإعادة إحيائهما، والانتهاء من عملية التطوير وفق الخطة الزمنية المقررة، وإدارتهما وتشغيلهما على النحو الأمثل.

وقال مدبولي في بيان عقب اجتماع، الأحد، مع عدد من الوزراء والمسؤولين المعنيين بالمشروع: «هذا المشروع بمثابة حلم للحكومة نعمل جميعاً على تحقيقه، وهدفنا أن يرى النور قريباً، بإدارة محترفة من القطاع الخاص، تحافظ على ما يتم ضخه من استثمارات».

وشهد الاجتماع استعراض مراحل مشروع إحياء وتطوير حديقتي الحيوان والأورمان، حيث تمت الإشارة إلى اعتماد التصميمات وأعمال الترميم والتطوير من جانب المنظمات العالمية المُتخصصة، ونيل شهادات ثقة عالمية من جانبها، مع التعامل مع البيئة النباتية بأسلوب معالجة علمي، إلى جانب تدريب الكوادر العاملة بالحديقتين وفق أعلى المعايير العالمية، بما يواكب رؤية التطوير، ويضمن توافق التشغيل مع المعايير الدولية»، وفق تصريحات المتحدث باسم رئاسة مجلس الوزراء، المستشار محمد الحمصاني.

ويتضمن مشروع تطوير «حديقة الحيوان بالجيزة» مساحة إجمالية تبلغ 86.43 فدان، ويبلغ إجمالي مساحة مشروع «حديقة الأورمان» 26.7 فدان، بمساحة إجمالية للحديقتين تصل إلى 112 فداناً، واستعرض الاجتماع عناصر ربط المشروعين معاً عبر إنشاء نفق يربط الحديقتين ضمن المنطقة الثالثة، بما يعزز سهولة الحركة، ويوفر تجربة زيارة متكاملة، وفق البيان.

وتضمنت مراحل التطوير فتح المجال لبدء أعمال تطوير السافانا الأفريقية والمنطقة الآسيوية، إلى جانب الانتهاء من أعمال ترميم الأماكن الأثرية والقيام بتجربة تشغيلية ليلية للمناطق الأثرية بعد تطويرها بواقع 8 أماكن أثرية.

التشغيل التجريبي للمناطق الأثرية ليلاً بعد تطويرها (حديقة الحيوان بالجيزة)

وأشار البيان إلى أن مستشاري مشروع الإحياء والتطوير؛ وممثلي الشركة المُشغلة للحديقتين، عرضوا خلال الاجتماع مقترحاً للعودة للتسمية الأصلية لتكونا «جنينة الحيوان»، و«جنينة الأورمان»؛ حرصاً على التمسك بهويتهما لدى جموع المواطنين من روادهما منذ عقود، كما أكدوا أن إدارة الحديقتين وتشغيلهما سيكون وفق خطة تضمن اتباع أحدث النظم والأساليب المُطبقة في ضوء المعايير العالمية.

وتم تأكيد ارتفاع نسب الإنجاز في الجوانب التراثية والهندسية والفنية بمشروع تطوير الحديقتين، حيث شملت أعمال الترميم عدداً من المنشآت التاريخية، أبرزها القصر الملكي والبوابة القديمة والكشك الياباني.

وحقق المشروع تقدماً في الاعتمادات الدولية من جهات مثل الاتحاد الأوروبي لحدائق الحيوان (EAZA) والاتحاد العالمي (WAZA) والاتحاد الأفريقي (PAAZA)، وفق بيان مجلس الوزراء المصري.

وترى الدكتور فاتن صلاح سليمان المتخصصة في التراث والعمارة أن «حديقة الحيوان بالجيزة من أكبر حدائق الحيوان في الشرق الأوسط وأعرق حدائق الحيوان على مستوى العالم، حيث تأسست في عهد الخديو إسماعيل، وافتُتحت في عصر الخديو محمد توفيق، وكان بها في بداية افتتاحها أكثر من 175 نوعاً من الحيوانات النادرة من بيئات مختلفة حول العالم، كما كان تصميمها من أجمل التصميمات في العالم وقتها، وكانت متصلة بحديقة الأورمان وقت إنشائها».

وأضافت لـ«الشرق الأوسط» أن «حديقة الأورمان من أهم الحدائق النباتية في العالم، وكانت جزءاً من القصر الخاص بالخديو إسماعيل، وكانت مخصصة لمد القصر بالفواكه والخضراوات، وصممها مهندسون فرنسيون»، وأشارت إلى أن كلمة أورمان بالأساس هي كلمة تركية تعني الغابة أو الأحراش، وعدت مشروع تطوير الحديقتين «من أهم المشروعات القائمة حالياً والتي من شأنها أن تعيد لهما طابعهما التراثي القديم، وهو من المشروعات الواعدة التي من شأنها أن تغير كثيراً في شكل الحدائق المصرية» وأشادت بفكرة العودة إلى الاسمين القديمين للحديقتين وهما «جنينة الحيوان» و«جنينة الأورمان»، لافتة إلى تغيير الصورة الاستثمارية للحديقتين بعد التطوير لوجود مناطق ترفيهية وكافيهات ومناطق لأنشطة متنوعة.


نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
TT

نادين لبكي: السينما هاجس داخلي… وأفلامي تولد من أسئلة لا تهدأ

نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)
نادين لبكي تتحدث عن مشوارها الفني في «البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

قالت المخرجة والممثلة اللبنانية نادين لبكي إن العمل الفني لا يولد مصادفة، بل يأتي من تلك الرجفة الداخلية التي يخلّفها هاجس ما، أو من أسئلة لا تتوقف عن الإلحاح حتى تتحوّل إلى قصة.

وبدت نادين في جلستها الحوارية بمهرجان البحر الأحمر السينمائي، الأحد، التي أدارها أنطوان خليفة، مدير البرنامج العربي والكلاسيكي بالمهرجان، كأنها تفتح كتاباً شخصياً، تقلب صفحاته بهدوء وثقة، وتعيد ترتيب ذكرياتها وتجاربها لتشرح كيف تُصنع الأفلام. فمنذ اللحظة الأولى لحديثها، شددت على أن الصدق هو ما يميّز الفيلم؛ ليس صدق رؤيتها وحدها، بل صدق كل مَن يقف خلف الكاميرا وأمامها.

وأكدت أن الشغف والهوس هما ما يسبقان الولادة الفعلية لأي فكرة؛ فقبل أن تصوغ أولى كلمات السيناريو، تكون قد أمضت زمناً في مواجهة فكرة لا تريد مغادرة ذهنها. شيئاً فشيئاً يبدأ هذا الهاجس بالتشكّل والتحول إلى موضوع محدد يصبح البوصلة التي تضبط كل التفاصيل الأخرى. قد تتغير القصة، وقد يتبدّل مسار الفيلم، لكن الفكرة الجوهرية، ذلك السؤال الملحّ، تبقى العنصر الثابت الذي يجب بلوغه في النهاية.

وتسترجع نادين لحظة ولادة فيلم «هلّأ لوين؟»، فتعود إلى حرب 2008، حين كانت مع طفلها في شوارع بدت كأنها على وشك الانزلاق إلى حرب أهلية جديدة. وتروي كيف تسلّل إليها الخوف عندما تخيّلت ابنها شاباً يحمل السلاح، وكيف تحوّلت تلك اللحظة إلى بذرة فيلم كامل.

نادين لبكي خلال «مهرجان البحر الأحمر» (إدارة المهرجان)

وفي «كفرناحوم» حدث شيء مشابه، إذ تقول إنها كانت ترى الأطفال في الشوارع، وتنصت إلى قصصهم، وتراقب نظرتهم إلى العالم وإلى الناس الذين يمرّون أمامهم كأنهم عابرون بلا أثر. من هنا بدأت الفكرة، ثم امتدّ المشروع إلى 5 سنوات من البحث الميداني، أمضت خلالها ساعات طويلة في محاولة فهم القوانين، والحياة اليومية، والدوافع الإنسانية التي تحكم هذه البقع المهمَّشة.

وتؤكد نادين أن مرحلة الكتابة ليست مجرد صياغة نص، بل لحظة مشاركة وتجربة مشتركة، فالعلاقة بين فريق الكتابة بالنسبة إليها أساسية. وتشير إلى أنها تحب العمل مع أشخاص يتقاسمون معها الرؤية والمبادئ نفسها. أحياناً يكتبون أسبوعين متواصلين، ثم يتوقفون شهوراً قبل أن يعودوا للعمل من جديد، بلا مواعيد نهائية صارمة، لأن القصة، كما تقول، هي التي تحدد إيقاعها وزمنها، لا العكس.

وعندما تنتقل إلى الحديث عن اختيار الممثلين، تكشف أن العملية تستغرق وقتاً طويلاً، لأن أغلب أبطال أفلامها ليسوا محترفين. ففي «كفرناحوم» مثلاً، كان من المستحيل بالنسبة إليها أن تطلب من ممثل محترف أن ينقل ذلك القدر من الألم الحقيقي، لذلك اتجهت إلى أشخاص عاشوا التجارب نفسها أو عايشوا مَن مرّ بها. وتؤكد أنها مفتونة بالطبيعة الإنسانية، وأن فهم الناس ودوافعهم هو بوابة الإبداع لديها؛ فهي لا تفكر في النتيجة في أثناء التصوير، بل في التجربة نفسها، وفي اللحظة التي يُصنع فيها المشهد.

نادين لبكي عقب الجلسة الحوارية (مهرجان البحر الأحمر)

وتتوقف نادين أيضاً عند تجربتها التمثيلية في فيلم «وحشتيني»، كاشفة أنه من أكثر الأعمال التي أثّرت فيها على مستوى شخصي، وأنها سعدت بالعمل مع النجمة الفرنسية فاني أردان. وترى أن التمثيل هذه المرة جعلها تعيش السينما من زاوية مختلفة، فهي تؤمن ـ كما تقول ـ بنُبل السينما وقدرتها على تغيير الإنسان وطريقة تفكيره ونظرته إلى الأشياء، وهو ما يشجعها على الاستمرار في خوض تجارب سينمائية تركّز على السلوك الإنساني، مع سعي دائم لفهم الدوافع غير المتوقعة للأفراد أحياناً.

وتشير إلى أن المدرسة الإيرانية في إدارة الممثلين كانت ذات تأثير كبير في تكوينها الفني. ورغم غياب صناعة سينمائية حقيقية في لبنان عندما بدأت مسيرتها الإخراجية، فإنها تعلّمت عبر الإعلانات والفيديو كليبات، وصنعت طريقها بنفسها من عمل إلى آخر، لعدم وجود فرصة الوقوف إلى جانب مخرجين كبار. وقد عدت ذلك واحداً من أصعب التحديات التي واجهتها.

وأكدت أن فيلمها الجديد، الذي تعمل عليه حالياً، مرتبط بفكرة مركزية، وسيُصوَّر في أكثر من بلد، ويأتي ضمن هاجسها الأكبر، قصة المرأة وتجاربها. ولأن أفكارها تولد غالباً من معايشة ممتدة لقضايا تحيط بها يومياً، تقول: «نعيش زمناً تختلط فيه المفاهيم بين الصواب والخطأ، ولا نجد مرجعاً سوى مبادئنا الشخصية»، مؤكدة أنها تستند في اختياراتها الفنية إلى ما تؤمن به فقط.

وفي ختام حديثها، تتوقف عند شراكتها مع زوجها الموسيقي خالد مزنَّر، وتصفها بأنها واحدة من أهم ركائز تجربتها، موضحة أن رحلتهما في العمل على الموسيقى تبدأ منذ لحظة ولادة الفكرة. وأحياناً يختلفان بشدة، ويتجادلان حول الموسيقى أو الإيقاع أو الإحساس المطلوب، لكنهما يصلان في النهاية إلى صيغة فنية تجمع رؤيتهما، وترى نفسها محظوظة بأنها ترافق شخصاً موهوباً فنياً وإنسانياً.


تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
TT

تسرب مياه في متحف اللوفر يتلف كتباً بقسم الآثار المصرية

سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)
سائحون يلتقطون صوراً بساحة متحف اللوفر في باريس 6 يوليو 2024 (رويترز)

أدّى تسرب مياه الشهر الماضي إلى إتلاف مئات الكتب في قسم الآثار المصرية بمتحف اللوفر، ما يسلط الضوء على الحالة المتدهورة للمتحف الأكثر زيارة في العالم، بعد أسابيع فقط من عملية سطو جريئة لسرقة مجوهرات كشفت عن ثغرات أمنية.

وذكر موقع «لا تريبين دو لار» المتخصص في الفن التاريخي والتراث الغربي أن نحو 400 من الكتب النادرة لحقت بها أضرار ملقياً باللوم على سوء حالة الأنابيب. وأضاف أن الإدارة سعت منذ فترة طويلة للحصول على تمويل لحماية المجموعة من مثل هذه المخاطر، لكن دون جدوى.

وقال نائب مدير متحف اللوفر، فرانسيس شتاينبوك، لقناة «بي إف إم» التلفزيونية، اليوم (الأحد)، إن تسرب أنابيب المياه يتعلق بإحدى الغرف الثلاث في مكتبة قسم الآثار المصرية.

وأضاف، وفقاً لوكالة «رويترز»: «حددنا ما بين 300 و400 عمل، والحصر مستمر»، وتابع أن الكتب المفقودة هي «تلك التي اطلع عليها علماء المصريات، لكن ليست الكتب القيمة».

وأقرّ بأن المشكلة معروفة منذ سنوات، وقال إن الإصلاحات كان من المزمع إجراؤها في سبتمبر (أيلول) 2026.

وسرق 4 لصوص في وضح النهار مجوهرات بقيمة 102 مليون دولار في 19 أكتوبر (تشرين الأول)، ما كشف عن ثغرات أمنية واسعة في المتحف.

وأدّت الثغرات الهيكلية في نوفمبر (تشرين الثاني) إلى إغلاق جزئي لقاعة عرض، تضم مزهريات يونانية ومكاتب.