تغيرات على صناعة الإعلام في 2018... ومحاولات للمواكبة

الضغوط تتزايد على «غوغل» و«فيسبوك» من أجل مزيد من الشفافية

الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون
الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون
TT

تغيرات على صناعة الإعلام في 2018... ومحاولات للمواكبة

الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون
الجيل الجديد يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له وليس الذي تحدده محطات التلفزيون

لم يتغير المشهد الإعلامي كثيراً في عام 2018 عما كان عليه في عام 2017، من حيث تزايد الضغوط السوقية على الإعلام الورقي، مع تحول المزيد من المعلنين إلى المجال الإلكتروني، وتراجع إذاعي وتلفزيوني في بث الأخبار لصالح مواقع التواصل الاجتماعي التي أضحت تبث الأخبار حية من مواقعها، وقت حدوثها، بواسطة الهواتف الذكية. وبدلاً من توجه كاميرات الإعلام المحترف إلى موقع الأحداث لنقلها مباشرة، تلفزيونياً أو إذاعياً، أصبحت القنوات تنتظر مؤشرات هذه الأخبار من المواقع الإلكترونية.
ولكن ربما كان الحدث الأكثر تأثيراً في توجهات الإعلام العالمي هو صعوبة تعريف شركات التقنية الكبرى، خصوصاً «غوغل» و«فيسبوك»، بين كونها منصات تواصل اجتماعي أو شركات نشر إعلامي، فهي تجمع بين الصفتين، ولكنها ما زالت تتهرب من القيود والقواعد التي تحكم شركات الإعلام التقليدية.
في عام 2018، زادت الضغوط على الشركتين على أكثر من صعيد من أجل تعريف نشاطها، والالتزام بمسؤولياتها، وأيضاً العمل بشفافية، خصوصاً في ما يتعلق بالمعلومات الخاصة بالمستخدمين لمواقعها.
وخلال عام 2018، توجهت نسبة تقدر بنحو 90 في المائة من ميزانيات الإعلان الأميركية الجديدة إلى شركتي «غوغل» و«فيسبوك». وفي حين تعرف الشركات المعلنة جميع المعلومات عن مستخدمي مواقع التواصل الاجتماعي، من حيث هواياتهم وأسلوب حياتهم، بل ومواقع العطلات التي قاموا بها مؤخراً، ونشروا صورها على مواقعهم، فإن هؤلاء لا يعرفون كيفية استخدام المواقع للمعلومات الخاصة بهم، ولا لمن تبيع هذه المعلومات.
من ناحية أخرى، زادت التحديات أمام محطات التلفزيون التقليدية مع دخول المنافسة لنطاق عالمي في مجال البث المباشر إلى المستهلك من شركات هائلة الحجم مثل «نتفليكس» و«أمازون» و«ديزني» و«سكاي» و«آبل» وغيرها. واجتذبت هذه الشركات القسم الأكبر من ميزانيات الإعلام، بينما توجهت الشركات الصغيرة والمتوسطة إلى استخدام التلفزيون العادي الذي يبث الأخبار وبعض البرامج الترفيهية. هذا التوجه استمر خلال 2018، ومتوقع له الاستمرار في العام الجديد، إلى أن تتغير توجهات المستهلك إلى مجالات أخرى.
وخلال العام، ظهرت بوادر توجه آخر في الإعلام المرئي، وهو انقسام المشاهدة بين الأجيال. فكبار السن يشاهدون التلفزيون التقليدي، ويلتزمون بالمواعيد الثابتة للبرامج والمسلسلات. أما الجيل الجديد، فهو يشاهد البرامج المفضلة لديه في الوقت المتاح له، وليس الذي تحدده محطات التلفزيون.
وتواجه محطات التلفزيون المجانية أزمة تمويل قد تؤدي إلى فقدان برامجها، أو خروجها من المنافسة بالمرة. ويفضل الجيل الجديد تطبيقات تفتح له الكاميرا مباشرة كوسيلة تواصل، مثل «سناب شات»، بدلاً من سيل الأخبار والإعلانات، وتعليقات الغير في منافذ «فيسبوك». ومن يبحث عن التواصل مع سوق الصغار إعلانياً بدأ يتخلى عن مواقع تقليدية مثل «فيسبوك»، ويتوجه إلى «سناب شات» وغيرها من المواقع التي يستخدمها الصغار. وبدأت المطبوعات البريطانية التقليدية، مثل «التلغراف» و«الإيكونوميست»، تستخدم «سناب شات» من أجل التواصل مع الشباب.
وفي عام 2018، انتشرت ظاهرة الأخبار الكاذبة، خصوصاً في الإعلام الأميركي، وظهور اتهامات بعلاقة الروس بنتائج الانتخابات الأميركية الرئاسية الأخيرة. وعلى الرغم من أن مصادر معظم الأخبار الكاذبة كان من مواقع إلكترونية من الصعب الوصول إلى منشئها أو القائمين عليها، فإن الظاهرة طالت الصحف الرسمية أيضاً، أحياناً لأغراض سياسية.
الإعلام البريطاني الورقي استمر بلا خسائر كبيرة في التوزيع، أو فقدان صحف، خلال عام 2018، ولكن القضايا التي أضحت تشغل بال المراقبين هي تركيز ملكية 70 في المائة من الصحف البريطانية في 3 شركات فقط، وزيادة النفوذ الأجنبي في الإعلام البريطاني. وحتى صحيفة «ذا صن» الشعبية خسرت 24 مليون إسترليني (31 مليون دولار) في العام الماضي، بسبب تراجع الإعلانات، وغرامات في قضية التلصص على المشاهير. وكانت هذه الخسائر، علاوة على خسائر متراكمة من العام السابق، قد بلغ حجمها 62.8 مليون إسترليني (81.6 مليون دولار).
وتحاول الصحافة الورقية، من صحف ومجلات، مقاومة تيار التراجع في المبيعات والإعلانات، بالوجود أيضاً على الإنترنت. ورغم استمرار تيار التراجع، فإن قطاع المجلات استطاع رفع الإنفاق الإعلاني الرقمي بنسبة 0.2 في المائة في العام الأخير. وتم تطبيق نظام جديد لقياس عدد القراء سوف يساهم في إعادة نظر المعلنين للعودة إلى الصحافة المكتوبة التي توفر لهم أكثر من منصة إعلامية. ويأخذ النظام الجديد في الاعتبار ليس فقط التوزيع الورقي، وإنما الوجود على الهواتف الجوالة والأجهزة اللوحية وأجهزة الكومبيوتر بأنواعها من متابعين مختلفين.
ويعتبر ناشرو الصحف والمجلات أن هذه الخطوة هي ما كانت تنتظره الصناعة منذ فترة طويلة، وهم يأملون في إقناع المعلنين بالعودة إلى الإعلام متعدد المنصات، بدلاً من الاكتفاء بالإعلام الرقمي فقط.
من ناحية أخرى، بدأت شركات التلفزيون في تقديم خدمات إعلانية جديدة تحاكي بها مرونة ما تقدمه مواقع الإنترنت. وبدلاً من إعلان واحد لجميع المشاهدين، يمكن في الوقت نفسه تقديم مجموعة من الإعلانات لمناطق أو مشاهدين مختلفين، وفقاً لمطالب الشركة المعلنة. ويقول جيمي وست، نائب المدير التنفيذي لشركة «سكاي ميديا»، إن هذا التحول سيضيف إلى مرونة خدمات التلفزيون للمعلنين، وسيفتح الباب أيضاً للشركات المتوسطة والصغيرة لاستخدام التلفزيون الذي ظل حكراً على الشركات الكبيرة.
وفي تطور آخر خلال العام الأخير، توجهت شركات التسويق إلى ما يسمى «حملات خارج البيت»، وهي مصممة لرصد المستهلك عبر هاتفه الجوال، وفقاً لهواياته وموقعه الجغرافية والنشاطات التي يقوم بها. وتتيح هذه الخدمة للمعلنين مجالاً إضافياً للوصول إلى المستهلك مباشرة. ويمكن للشركات المعلنة أن ترصد مستهلكين في مدن معينة، وفي أوقات مناسبة لهم، وفق الفئة العمرية.
وترى شركة الإعلان «بي دبليو سي»، في دليل عام 2018 لمستقبل الإعلان والتسويق، أن الإنفاق الإعلاني الدولي سوف يرتفع من 666.9 مليار دولار حالياً إلى 792.3 مليار دولار في عام 2022. وتشير الشركة إلى ضرورة مراجعة استراتيجيات التسويق في الشركات، واستخدام التقنيات ووسائل الإعلام المناسبة للوصول إلى المستهلك. وترصد الشركة 5 توجهات في المستقبل، هي:
تلاقي وسائل الإعلام في السنوات الخمس المقبلة: ترى شركة «بي دبليو سي» أن شركات البث المباشر وقنوات التلفزيون والراديو ومنصات التواصل الاجتماعي سوف تتلاقى لتوفير المحتوى للمستهلك، وبناء علاقات مباشرة معه. ويغطي هذا التعاون مجالات الأخبار والبث الرياضي والبث المباشر.
دخول خدمات التواصل بتقنية «5 جي»، التي يمكن عن طريقها بث التلفزيون والفيديو مباشرة عبر الإنترنت. وتتيح هذه التقنية لشركات الاتصال بث التلفزيون عبر الهاتف، وبث الأفلام عالية النوعية بكفاءة عالية على شاشات الأدوات المحمولة. وتدخل هذه الخدمة ضمن باقات بعض شركات الاتصال قريباً، وتتيح خدمات لا حصر لها لتقنيات الذكاء الاصطناعي والمحاكاة خلال السنوات الخمس المقبلة.
الاندماج والاستحواذ: سوف يشهد المستقبل القريب كثيراً من حالات الاستحواذ والاندماج، مثل صفقة اندماج شركتي «إيه تي آند تي» و«وارنر»، التي بلغ حجمها 85.4 مليار دولار. كما تسعى شركة «ديزني» للاستحواذ على أصول شركة «فوكس القرن 21». وهذه الصفقات هي مقدمة لصفقات أكبر سوف تعقد قريباً، ضمن محاولات الشركات المحافظة على حصصها في السوق ضد شركات جدد، مثل «نتفليكس» و«أمازون برايم» و«غوغل».
استهلاك المعلومات: تتوقع شركة «بي دبليو سي» أن يزيد استهلاك المعلومات في السنوات الخمس المقبلة بنسبة 22.4 في المائة، لكي يصل إلى 397.8 تريليون ميغابايت في عام 2022. وسوف يكون العامل الأكبر وراء هذا النمو هو استهلاك الفيديو الذي يصل إلى نسبة 85 في المائة من كل محتوى المعلومات. وسوف تساهم تقنية «5 جي» في هذا النمو.
نمو فئة المؤثرين في الميديا الاجتماعية (Influencers). وينقسم هؤلاء إلى المشاهير الذين يزيد عدد متابعيهم عن مائة ألف شخص، وفئة دونها تسمى مؤثرين مايكرو، بمتابعين ما بين ألف و90 ألف شخص. وتعتقد شركات التسويق أن المؤثر الاجتماعي يمكنه أن يغير من رأي متابعيه لأنه يتمتع بمصداقية، ويعكس الثقة في منتجات الشركة. ويعتبر هؤلاء أنفسهم أدوات توصيل بين الشركات والمستهلكين، ومن المتوقع أن ينمو تأثيرهم مع زيادة الاعتماد على الإعلام الإلكتروني.


مقالات ذات صلة

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

أوروبا مراسلات يتحدثن أمام الكاميرات خلال تغطية صحافية في البرازيل (رويترز)

ثلثهم على أيدي الجيش الإسرائيلي... مقتل 54 صحافياً في عام 2024

قُتل 54 صحافياً حول العالم أثناء قيامهم بعملهم أو بسبب مهنتهم في عام 2024، ثلثهم على أيدي القوات الإسرائيلية، وفق ما أظهر تقرير سنوي.

«الشرق الأوسط» (باريس)
يوميات الشرق الصحافي سامح اللبودي والزميلة بيسان الشيخ من «الشرق الأوسط»

«الشرق الأوسط» تفوز ببرونزية «أريج» للصحافة الاستقصائية

فازت «الشرق الأوسط» بالجائزة البرونزية للصحافة الاستقصائية العربية التي تمنحها مؤسسة «أريج»، عن تحقيق: قصة الإبحار الأخير لـ«مركب ملح» سيئ السمعة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق صورة تذكارية لعدد من أعضاء مجلس الإدارة (الشركة المتحدة)

​مصر: هيكلة جديدة لـ«المتحدة للخدمات الإعلامية»

تسود حالة من الترقب في الأوساط الإعلامية بمصر بعد إعلان «الشركة المتحدة للخدمات الإعلامية» إعادة تشكيل مجلس إدارتها بالتزامن مع قرارات دمج جديدة للكيان.

«الشرق الأوسط» (القاهرة )
إعلام الدوسري أكد أهمية توظيف العمل الإعلامي لدعم القضية الفلسطينية (واس)

السعودية تؤكد ضرورة تكاتف الإعلام العربي لدعم فلسطين

أكّد سلمان الدوسري وزير الإعلام السعودي أهمية توظيف العمل الإعلامي العربي لدعم قضية فلسطين، والتكاتف لإبراز مخرجات «القمة العربية والإسلامية» في الرياض.

«الشرق الأوسط» (أبوظبي)
المشرق العربي الهواتف الجوالة مصدر معلومات بعيداً عن الرقابة الرسمية (تعبيرية - أ.ف.ب)

شاشة الجوال مصدر حصول السوريين على أخبار المعارك الجارية؟

شكلت مواقع «السوشيال ميديا» والقنوات الفضائية العربية والأجنبية، مصدراً سريعاً لسكان مناطق نفوذ الحكومة السورية لمعرفة تطورات الأحداث.

«الشرق الأوسط» (دمشق)

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
TT

كيف يؤطّر الإعلام المعارك ويتلاعب بسردياتها؟

دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)
دخان يتصاعد خلال عملية عسكرية إسرائيلية على مخيم «نور شمس» للاجئين قرب مدينة طولكرم في الضفة الغربية (إ ب أ)

سواء في الحرب الروسية - الأوكرانية، أو الحروب المشتعلة في الشرق الأوسط راهناً، لعب الإعلام دوراً مثيراً للجدل، وسط اتهامات بتأطير مخاتل للصراعات، وصناعة سرديات وهمية.

هذا الدور ليس بجديد على الإعلام، حيث وثَّقته ورصدته دراسات دولية عدة، «فلطالما كانت لوسائل الإعلام علاقة خاصة بالحروب والصراعات، ويرجع ذلك إلى ما تكتسبه تلك الحروب من قيمة إخبارية بسبب آثارها الأمنية على الجمهور»، حسب دراسة نشرتها جامعة كولومبيا الأميركية عام 2000.

الدراسة أوضحت أن «الصراع بمثابة الأدرينالين في وسائل الإعلام. ويتم تدريب الصحافيين على البحث عن الخلافات والعثور على الحرب التي لا تقاوم. وإذا صادفت وكانت الحرب مرتبطة بهم، يزداد الحماس لتغطيتها».

لكنَّ الأمر لا يتعلق فقط بدور وسائل الإعلام في نقل ما يدور من أحداث على الأرض، بل بترويج وسائل الإعلام لروايات بعضها مضلِّل، مما «قد يؤثر في مجريات الحروب والصراعات ويربك صانع القرار والمقاتلين والجمهور والمراقبين»، حسب خبراء وإعلاميين تحدثوا مع «الشرق الأوسط»، وأشاروا إلى أن «الإعلام في زمن الحروب يتخندق لصالح جهات معينة، ويحاول صناعة رموز والترويج لانتصارات وهمية».

يوشنا إكو

حقاً «تلعب وسائل الإعلام دوراً في الصراعات والحروب»، وفق الباحث الإعلامي الأميركي، رئيس ومؤسس «مركز الإعلام ومبادرات السلام» في نيويورك، يوشنا إكو، الذي قال إن «القلم أقوى من السيف، مما يعني أن السرد حول الحروب يمكن أن يحدد النتيجة».

وأشار إلى أن قوة الإعلام هي الدافع وراء الاستثمار في حرب المعلومات والدعاية»، ضارباً المثل بـ«الغزو الأميركي للعراق الذي استطاعت إدارة الرئيس الأسبق جورج بوش تسويقه للرأي العام الأميركي باستخدام وسائل الإعلام».

وأضاف إكو أن «وسائل الإعلام عادةً ما تُستخدم للتلاعب بسرديات الحروب والصراعات للتأثير في الرأي العام ودفعه لتبني آراء وتوجهات معينة»، مشيراً في هذا الصدد إلى «استخدام الرئيس الروسي فلاديمير بوتين وسائل الإعلام لتأطير الحرب ضد أوكرانيا، وتصويرها على أنها عملية عسكرية وليست حرباً».

لكنَّ «الصورة ليست قاتمة تماماً، ففي أحيان أخرى تلعب وسائل الإعلام دوراً مناقضاً»، حسب إكو، الذي يشير هنا إلى دور الإعلام «في تشويه سمعة الحرب الأميركية في فيتنام مما أجبر إدارة الرئيس الأسبق ريتشارد نيكسون على الاعتراف بالخسارة ووقف الحرب».

وبداية نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، عُقدت الحلقة الدراسية الإعلامية الدولية الثلاثية للأمم المتحدة حول السلام في الشرق الأوسط بجنيف، لبحث التحديات في متابعة «حرب غزة». وأشارت المناقشات إلى «تأطير الإعلام إسرائيل على أنها بطل للرواية، حيث تكون إسرائيل هي الأخيار وفلسطين وحماس الأشرار»، ولفتت المناقشات إلى أزمة مماثلة خلال تغطية الحرب الروسية - الأوكرانية. وقالت: «من شأن العناوين الرئيسية في التغطية الإعلامية أن تترك المرء مرتبكاً بشأن الوضع الحقيقي على الأرض، فلا سياق للأحداث».

ستيفن يونغبلود

وهنا، يشير مدير ومؤسس «مركز صحافة السلام العالمية» وأستاذ الإعلام ودراسات السلام في جامعة بارك، ستيفن يونغبلود، إلى أن «الصحافيين يُدفعون في أوقات الحروب إلى أقصى حدودهم المهنية والأخلاقية». وقال: «في هذه الأوقات، من المفيد أن يتراجع الصحافي قليلاً ويأخذ نفساً عميقاً ويتمعن في كيفية تغطية الأحداث، والعواقب المترتبة على ذلك»، لافتاً في هذا الصدد إلى «صحافة السلام بوصفها وسيلة قيمة للتأمل الذاتي». وأضاف أن «الإعلام يلعب دوراً في تأطير الحروب عبر اعتماد مصطلحات معينة لوصف الأحداث وإغفال أخرى، واستخدام صور وعناوين معينة تخدم في العادة أحد طرفي الصراع».

وتحدث يونغبلود عن «التباين الصارخ في التغطية بين وسائل الإعلام الغربية والروسية بشأن الحرب في أوكرانيا»، وقال إن «هذا التباين وحرص موسكو على نشر سرديتها على الأقل في الداخل هو ما يبرر تأييد نحو 58 في المائة من الروس للحرب».

أما على صعيد «حرب غزة»، فيشير يونغبلود إلى أن «أحد الأسئلة التي كانت مطروحة للنقاش الإعلامي في وقت من الأوقات كانت تتعلق بتسمية الصراع هل هو (حرب إسرائيل وغزة) أم (حرب إسرائيل وحماس)؟». وقال: «أعتقد أن الخيار الأخير أفضل وأكثر دقة».

ويعود جزء من السرديات التي تروجها وسائل الإعلام في زمن الحروب إلى ما تفرضه السلطات عليها من قيود. وهو ما رصدته مؤسسة «مراسلون بلا حدود»، في تقرير نشرته أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، أشارت فيه إلى «ممارسة إسرائيل تعتيماً إعلامياً على قطاع غزة، عبر استهداف الصحافيين وتدمير غرف الأخبار، وقطع الإنترنت والكهرباء، وحظر الصحافة الأجنبية».

خالد القضاة

الصحافي وعضو مجلس نقابة الصحافيين الأردنيين، خالد القضاة، يرى أن «الدول والمنظمات التي تسعى لفرض الإرادة بقوة السلاح، عادةً ما تبدأ حروبها بالإعلام». وأوضح أن «الإعلام يُستخدم لتبرير الخطوات المقبلة عبر تقديم سرديات إما مشوَّهة وإما مجتزَأة لمنح الشرعية للحرب».

وقال: «في كثير من الأحيان تُستخدم وسائل الإعلام للتلاعب بالحقائق والشخوص وشيطنة الطرف الآخر وإبعاده عن حاضنته الشعبية»، وأشار إلى أن ذلك «يكون من خلال تبني سرديات معينة والعبث بالمصطلحات باستخدام كلمة عنف بدلاً من مقاومة، وأرض متنازع عليها بدلاً من محتلة».

وأضاف القضاة أن «تأطير الأحداث يجري أيضاً من خلال إسباغ سمات من قبيل: إرهابي، وعدو الإنسانية، على أحد طرفَي الصراع، ووسم الآخر بـ: الإصلاحي، والمدافع عن الحرية، كل ذلك يترافق مع استخدام صور وعناوين معينة تُسهم في مزيد من التأطير»، موضحاً أن «هذا التلاعب والعبث بسرديات الحروب والصراعات من شأنه إرباك الجمهور والرأي العام وربما التأثير في قرارات المعارك ونتائجها».

ولفت إلى أنه «قياساً على الحرب في غزة، يبدو واضحاً أن هذا التأطير لتغليب السردية الإسرائيلية على نظيرتها في الإعلام الغربي». في الوقت نفسه أشار القضاة إلى «إقدام الإعلام على صناعة رموز والحديث عن انتصارات وهمية وزائفة في بعض الأحيان لخدمة سردية طرف معين، وبث روح الهزيمة في الطرف الآخر».

منازل ومبانٍ مدمَّرة في مخيم المغازي للاجئين خلال العملية العسكرية الإسرائيلية على قطاع غزة (إ.ب.أ)

كان «مركز الدراسات الدولية والاستراتيجية» قد أشار في تقرير نشره في ديسمبر (كانون الأول) 2023، إلى أن «اللغة التحريضية لتغطية وسائل الإعلام الأميركية للصراع الفلسطيني- الإسرائيلي تؤثر في تصور المجتمعات المختلفة بعضها لبعض ويمكن أن تكون سبباً لأعمال الكراهية». وأضاف: «هناك تحيز في وسائل الإعلام ومنصات التواصل الاجتماعي بهدف إثارة رد فعل عاطفي، بدلاً من تقديم رؤية حقيقية للأحداث».

حسن عماد مكاوي

عميد كلية الإعلام الأسبق بجامعة القاهرة، الدكتور حسن عماد مكاوي، يرى أن «توظيف الدول وأجهزة الاستخبارات لوسائل الإعلام أمر طبيعي ومتعارف عليه، لا سيما في زمن الحروب والصراعات». وقال إن «أحد أدوار الإعلام هو نقل المعلومات التي تؤثر في اتجاهات الجماهير لخدمة أهداف الأمن القومي والسياسة العليا». وأضاف أن «وسائل الإعلام تلعب هذا الدور بأشكال مختلفة في كل دول العالم، بغضّ النظر عن ملكيتها، وانضمت إليها حديثاً وسائل التواصل الاجتماعي، حيث يجري توظيف شخصيات تبدو مستقلة للعب نفس الدور ونقل رسائل الدولة أو الحكومة».

وأشار مكاوي إلى أن «هذه العملية لا تخلو من ترويج الشائعات ونشر أخبار مضللة، والتركيز على أمور وصرف النظر عن أخرى وفق أهداف محددة مخططة بالأساس». وضرب مثلاً بـ«حرب غزة» التي «تشهد تعتيماً إعلامياً من جانب إسرائيل لنقل رسائل رسمية فقط تستهدف تأطير الأحداث في سياق معين».