فتاوى بتحريم احتفالات أعياد الميلاد تفجر غضباً في العراق

رئيس ديوان الوقف السني: تعيدنا إلى خطاب الكراهية والتحريض والفتنة ورفض الآخر

امرأة تلتقط صورة لابنها مع شابين ارتديا لباس «بابا نويل» وسط خراب الموصل القديمة الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صورة لابنها مع شابين ارتديا لباس «بابا نويل» وسط خراب الموصل القديمة الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
TT

فتاوى بتحريم احتفالات أعياد الميلاد تفجر غضباً في العراق

امرأة تلتقط صورة لابنها مع شابين ارتديا لباس «بابا نويل» وسط خراب الموصل القديمة الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)
امرأة تلتقط صورة لابنها مع شابين ارتديا لباس «بابا نويل» وسط خراب الموصل القديمة الأربعاء الماضي (أ.ف.ب)

فجرت فتوى دينية أصدرها رجل الدين السني العراقي الشيخ مهدي الصميدعي الذي يحمل صفة مفتي أهل السنة والجماعة بشأن حرمة احتفال المسلمين بأعياد الميلاد غضبا عارما في الأوساط الدينية المسيحية وحتى العديد من الأوساط الإسلامية بما فيها ديوان الوقف السني.
وكان الصميدعي شن هجوما عنيفا خلال خطبة صلاة الجمعة أول من أمس على الطريقة التي بات المسلمون يشاركون المسيحيين احتفالاتهم، عادا هذه المشاركة بمثابة «انتصار لليهود والنصارى» على حد قوله في تلك الخطبة، قائلا إنه «لا يجوز الاحتفال برأس السنة ولا التهنئة لها ولا المشاركة فيها».
وفي وقت عبر العديد من رجال الدين والفعاليات المسيحية والإسلامية عن الشجب والاستنكار لمثل هذه التصريحات التي عدوها بمثابة استدعاء لخطاب الكراهية، أعاد مدونون على مواقع التواصل الاجتماعي تصريحات قديمة مماثلة لرئيس ديوان الوقف الشيعي علاء الموسوي قبل توليه منصبه جاءت بمثابة تأييد كامل لتصريحات الصميدعي الأمر الذي أدى إلى تفاقم الغضب في أوساط المسيحيين لجهة كون الخطاب الديني التقليدي في العراق بنسختيه السنية والشيعية واحدا حيال الموقف من أصحاب الديانات الأخرى لا سيما المسيحيين.
وفي أبرز ردود الفعل على فتوى الصميدعي استنكر رئيس البطركية الكلدانية في العراق والعالم، الكاردينال لويس رافائيل ساكو الفتوى قائلا في بيان له إن «من يتبنى كذا خطاب هو شخصية غير مكتملة». وأضاف ساكو: «المعروف عن رجل الدين من أي دين كان أن يدعو إلى الأخوة والتسامح والمحبة وليس إلى الفرقة والفتنة». وطالب ساكو الحكومة العراقية بـ«متابعة كذا خطابات ومقاضاة مروّجيها خصوصاً عندما تصدر من منابر رسمية».
بدوره، قال الأمين العام لحركة «بابليون» المسيحية ريان الكلداني، في معرض رأيه عن ردود الفعل الصادرة عن النخب الفكرية والثقافية والمدنية العراقية بالضد من تصريحات الصميدعي والموسوي، في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إن «الموقف الصادر عن النخب الفكرية والمثقفين الإيجابي ليس مفاجئا بالنسبة لنا»، مبينا أن «هذا الموقف النبيل والغاضب من هذه التصريحات التي تستدعي بلا مناسبة خطاب الكراهية هو سبب ثقتنا ببلادنا ومجتمعنا». وأضاف الكلداني: «لو لم يكن هناك وعي عراقي يلفظ التطرف والكراهية، لما استطاع العراق أن يتغلب على المراحل السوداء الماضية». وأشار إلى أن «المسيحيين يتوجهون بالشكر والامتنان لمن أخذوا على عاتقهم الرد والشجب والدفاع عن الحق بمواجهة خطاب الكراهية»، مؤكدا في الوقت نفسه «الحق في اتخاذ الإجراء القانوني بحق هؤلاء الذين يزرعون التفرقة في البلاد».
ويعد منصب مفتي أهل السنة والجماعة في العراق مختلفا عليه بين علماء السنة خصوصا المجمع الفقهي العراقي وديوان الوقف السني خصوصا بعد إلغاء منصب مفتي الديار العراقية بعد عام 2003.
يذكر أن قائد فيلق القدس الإيراني قاسم سليماني زار قبل نحو شهر جامع أم الطبول الذي يتخذه الصميدعي مقرا له والتقى به في زيارة معلنة هي الأولى من نوعها يقوم بها سليماني لأي شخصية سواء كانت دينية أم سياسية.
إلى ذلك أكد رئيس ديوان الوقف السني الشيخ عبد اللطيف الهميم في تصريح لـ«الشرق الأوسط» أن هذه التصريحات «خارجة عن المعقول والمقبول والمألوف والمعروف ولا تمثل ديوان الوقف السني بجميع منابره وأفكاره وتوجهاته في ترسيخ الوحدة الوطنية، التي كان للإخوة المسيحيين السبق في وجودهم التاريخي على أرض الرافدين من خلال آبائهم الكلدان والآشوريين». وأضاف الهميم: «مثل هذه التصريحات الهوجاء غير الموزونة ولا المقفاة ولا المنضبطة تعيدنا إلى خطاب الكراهية والتحريض والفتنة ورفض الآخر، ولا تمثل التعايش المشترك بين العراقيين بجميع شرائعهم قومياتهم وأطيافهم وطوائفهم ومذاهبهم، عربهم وكردهم وتركمانهم، شعب واحد تقاسم السرّاء والضرّاء منذ أن تشكلت هوية العراقي من الدم المنساب من ألوان الطيف كلها، يوم شقّت الأرض في العراق نخلة، فصارت حزمة الطيف أمتن من حزم العصيّ».
وبين الهميم أنه «لا يستغرب هذه التصريحات التي تصدر عن هؤلاء الأشخاص، فمثلما هم يُحرّمون علينا الاحتفال بمولد فخر الكائنات وسيّدها نبيّنا الأكرم محمد بن عبد الله صلى الله عليه وسلم نجدهم اليوم يُحرّمون الاحتفال بعيد السيد المسيح عليه السلام».
من جانبها، أكدت جماعة علماء العراق جواز الاحتفال بأعياد رأس السنة ومشاركة المسيحيين أفراحهم. وقال رئيس الجماعة الشيخ خالد الملا في تصريح إن «مشاركة المسيحيين في أفراحهم وأعيادهم يوطد العلاقة بيننا ويعزز من أواصر الوحدة الوطنية التي نحن بأمس الحاجة إليها»، مشيرا إلى أن «الجماعة أصدرت فتوى بهذا الخصوص». وأضاف الملا، أن «ولادة النبي عيسى هو يوم من أيام الله وهو أمان وسلام وفرح وولادته بحد ذاتها هي معجزة».



«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
TT

«هدنة غزة» تقترب وسط جولات مكوكية وحديث عن «تنازلات»

دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)
دخان القصف الإسرائيلي فوق بيت ياحون بقطاع غزة الخميس (رويترز)

وسط حديث عن «تنازلات» وجولات مكوكية للمسؤولين، يبدو أن إسرائيل وحركة «حماس» قد اقتربتا من إنجاز «هدنة مؤقتة» في قطاع غزة، يتم بموجبها إطلاق سراح عدد من المحتجزين في الجانبين، لا سيما مع تداول إعلام أميركي أنباء عن مواقفة حركة «حماس» على بقاء إسرائيل في غزة «بصورة مؤقتة»، في المراحل الأولى من تنفيذ الاتفاق.

وتباينت آراء خبراء تحدثت إليهم «الشرق الأوسط»، بين من أبدى «تفاؤلاً بإمكانية إنجاز الاتفاق في وقت قريب»، ومن رأى أن هناك عقبات قد تعيد المفاوضات إلى المربع صفر.

ونقلت صحيفة «وول ستريت جورنال» الأميركية، عن وسطاء عرب، قولهم إن «حركة (حماس) رضخت لشرط رئيسي لإسرائيل، وأبلغت الوسطاء لأول مرة أنها ستوافق على اتفاق يسمح للقوات الإسرائيلية بالبقاء في غزة مؤقتاً عندما يتوقف القتال».

وسلمت «حماس» أخيراً قائمة بأسماء المحتجزين، ومن بينهم مواطنون أميركيون، الذين ستفرج عنهم بموجب الصفقة.

وتأتي هذه الأنباء في وقت يجري فيه جيك سوليفان، مستشار الأمن القومي للرئيس الأميركي، محادثات في تل أبيب مع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو، الخميس، قبل أن يتوجه إلى مصر وقطر.

ونقلت «رويترز» عن دبلوماسي غربي قوله إن «الاتفاق يتشكل، لكنه على الأرجح سيكون محدود النطاق، ويشمل إطلاق سراح عدد قليل من الرهائن ووقف قصير للأعمال القتالية».

فلسطينيون بين أنقاض المباني المنهارة في مدينة غزة (أ.ف.ب)

في حين أشار القيادي في «حماس» باسم نعيم إلى أن «أي حراك لأي مسؤول أميركي يجب أن يكون هدفه وقف العدوان والوصول إلى صفقة لوقف دائم لإطلاق النار، وهذا يفترض ممارسة ضغط حقيقي على نتنياهو وحكومته للموافقة على ما تم الاتفاق عليه برعاية الوسطاء وبوساطة أميركية».

ومساء الأربعاء، التقى رئيس جهاز المخابرات الإسرائيلي، ديفيد برنياع، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، في الدوحة؛ لبحث الاتفاق. بينما قال مكتب وزير الدفاع الإسرائيلي، يسرائيل كاتس، في بيان، إنه «أبلغ وزير الدفاع الأميركي لويد أوستن في اتصال هاتفي، الأربعاء، بأن هناك فرصة للتوصل إلى اتفاق جديد يسمح بعودة جميع الرهائن، بمن فيهم المواطنون الأميركيون».

وحال تم إنجاز الاتفاق ستكون هذه هي المرة الثانية التي تتم فيها هدنة في قطاع غزة منذ بداية الحرب في 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023. وتلعب مصر وقطر والولايات المتحدة دور الوساطة في مفاوضات ماراثونية مستمرة منذ نحو العام، لم تسفر عن اتفاق حتى الآن.

وأبدى خبير الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» الدكتور سعيد عكاشة «تفاؤلاً حذراً» بشأن الأنباء المتداولة عن قرب عقد الاتفاق. وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «التقارير تشير إلى تنازلات قدمتها حركة (حماس) بشأن الاتفاق، لكنها لا توضح نطاق وجود إسرائيل في غزة خلال المراحل الأولى من تنفيذه، حال إقراره».

وأضاف: «هناك الكثير من العقبات التي قد تعترض أي اتفاق، وتعيد المفاوضات إلى المربع صفر».

على الجانب الآخر، بدا أستاذ العلوم السياسية بجامعة القدس السياسي الفلسطيني، الدكتور أيمن الرقب، «متفائلاً بقرب إنجاز الاتفاق». وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «هناك حراكاً أميركياً لإتمام الصفقة، كما أن التقارير الإسرائيلية تتحدث عن أن الاتفاق ينتظر الضوء الأخضر من جانب تل أبيب و(حماس) لتنفيذه».

وأضاف: «تم إنضاج الاتفاق، ومن المتوقع إقرار هدنة لمدة 60 يوماً يتم خلالها الإفراج عن 30 محتجزاً لدى (حماس)»، مشيراً إلى أنه «رغم ذلك لا تزال هناك نقطة خلاف رئيسية بشأن إصرار إسرائيل على البقاء في محور فيلادلفيا، الأمر الذي ترفضه مصر».

وأشار الرقب إلى أن «النسخة التي يجري التفاوض بشأنها حالياً تعتمد على المقترح المصري، حيث لعبت القاهرة دوراً كبيراً في صياغة مقترح يبدو أنه لاقى قبولاً لدى (حماس) وإسرائيل»، وقال: «عملت مصر على مدار شهور لصياغة رؤية بشأن وقف إطلاق النار مؤقتاً في غزة، والمصالحة الفلسطينية وسيناريوهات اليوم التالي».

ويدفع الرئيس الأميركي جو بايدن والرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب، من أجل «هدنة في غزة»، وكان ترمب طالب حركة «حماس»، في وقت سابق، بإطلاق سراح المحتجزين في غزة قبل توليه منصبه خلفاً لبايدن في 20 يناير (كانون الثاني) المقبل، وإلا فـ«الثمن سيكون باهظاً».