مع كثرة الاكتشافات الأثرية التي تعلن عنها وزارة الآثار المصرية باستمرار، ومشروعات بناء المتاحف، والترويج لمناطق مصر الأثرية سياحياً، تتجدد مطالب الأثريين بالاهتمام بما يسمى «كنوز مصر المنسية»، ومدنها الأثرية التاريخية في الدلتا، التي لا تحظى بالاهتمام المناسب، وتتعرض لأشكال متنوعة من التعديات تهدد بقاءها، كما أنها ليست على خريطة الزيارة السياحية، وقد لا يعرف عنها كثير من المصريين. ورغم أن الآثار بدأت مؤخراً الاهتمام ببعض هذه المواقع الأثرية، فإنه ما يزال هناك كثير من المناطق التي تحتاج إلى مشروعات متكاملة للتنقيب والترميم والحماية.
الدكتور محمد عبد المقصود، رئيس قطاع الآثار المصرية السابق بوزارة الآثار، أكد لـ«الشرق الأوسط» أن «الاهتمام بكنوز مصر المنسية لم يبدأ بعد»، مشيراً إلى أن «البدء بتطوير منطقة صان الحجر، التي أعلنت عنها وزارة الآثار أخيراً، أمر جيد، يحتاج إلى وجود خطة ومشروع متكامل لإعادة إحياء المنطقة».
وأخيراً، أعلنت وزارة الآثار الانتهاء من ترميم ورفع مسلتين وعمودين وتمثالين ضخمين للملك رمسيس الثاني في منطقة «صان الحجر» (تانيس الأثرية)، ضمن مشروع تطوير يهدف لتحويلها إلى متحف مفتوح، استجابة لمطالب الأثريين، لتطوير المنطقة التي لم تحظى بالاهتمام رغم أهميتها التاريخية، فهي «طيبة الشمال» أو «أقصر الشمال»، لأنها كانت عاصمة مصر في الدولة القديمة، في عصر الأسرتين 21 و23، ومقر دفن ملوك الأسرتين 21 و22، وهي عبارة عن تل يصل ارتفاعه إلى 30 متراً، ويمتد نحو 3 كم من الشمال إلى الجنوب، ونحو 1.5 كم من الشرق إلى الغرب. وقد شهدت المنطقة مجموعة من الحفائر والاكتشافات الأثرية، بدأت في القرن الثامن عشر، واستمرت حتى القرن التاسع عشر، أهمها حفائر ماريت (في الفترة من 1860 - 1864)، وبترى (1883 - 1884)، والبعثة الأثرية الفرنسية. وتضم المنطقة عدداً كبيراً من المقابر والمعابد، من بينها معبد آمون الكبير، وهو أكبر المعابد في شمال مصر.
وقال عبد المقصود إن «آثار الدلتا في خطر، ولا بد من وجود خطة واضحة لحمايتها، بدلاً من أن ندفن رأسنا في الرمال»، مشيراً إلى أن «60 في المائة من آثار الدلتا اختفى، أو يصعب التنقيب عنه».
ومن أهم المناطق التي ينبغي الاهتمام بها، وفقاً لعبد المقصود، مدينة «بوتو» الأثرية بمحافظة كفر الشيخ، ومنطقة «بهبيت الحجارة» بمحافظة الغربية، مشيراً إلى أن «ترميم المناطق الأثرية في الدلتا أمر صعب، لكثرة التعديات، وازدحام المنطقة بالسكان، لكنها رغم ذلك أماكن مهمة تحتاج إلى حماية».
وتقع «بوتو» بالقرب من مدينة دسوق، في شمال دلتا مصر، ويطلق عليها اسم «تل الفراعين»، وهي العاصمة الأولى لمصر السفلى، في عصر ما قبل الأسرات، وفيها كان يحصل الحاكم على شرعيته، بعد تقديم القرابين للإلهة «واجت»، ربة المدينة ومانحة السلطة.
أما بهبيت الحجارة، فاسمها في الأصل «بر - حبيت»، أي «بيت الأعياد»، وتقع شمال مدينة سمنود بالغربية، وكانت عاصمة مصر خلال الأسرة الثلاثين، وسماها علي مبارك في كتابه «الخطط التوفيقية» باسم «بهبيط»، ورجح أنها كانت معبداً للإلهة إيزيس، وتضم أطلال معبد من أحجار الجرانيت الوردي والرمادي، وأعمدة عليها تيجان للإلهة حتحور، وكتلاً حجرية تحمل اسم الملك نخت نبف الثاني، وبطليموس الثاني والثالث، وتعرضت المنطقة للإهمال.
عالم المصريات بسام الشماع رحب بخطوات وزارة الآثار المصرية الحالية في الاهتمام بـ «مصر التي لا نعرفها»، على حد قوله، وأكد لـ«الشرق الأوسط» أن هناك «كثيراً من المناطق المنسية التي تتطلب مزيداً من الاهتمام، من بينها منطقة كوم الحصن بالبحيرة»، وقال إن «المنطقة تضم بقايا معبد الإلهة حتحور، ربة الحسن والجمال، حتى أنه كان يطلق عليها أحياناً اسم كوم الحسن»، موضحاً أن «أهمية المنطقة ترجع للوحة حجرية، يبلغ طولها متران، عليها كتابات بالهيروغليفية والديموطيقية واليونانية، تفك طلاسم اللغة الهيروغليفية، على غرار حجر رشيد»، مشيراً إلى أن «هذه اللوحة موجودة بإحدى قاعات المتحف المصري بالتحرير، ولا يهتم بها أحد، رغم أنها أكثر أهمية من حجر رشيد، لأنها أقدم منه»، مطالباً وزارة الآثار بعرض اللوحة في مكان بارز، أو إعادتها للبحيرة وعرضها في موقعها، مقترحاً إنشاء نوع جديد من المتاحف، يعرف بمتحف القطعة الواحدة، للتركيز على قطع معينة في أماكنها، وهي «فكرة غير مكلفة، وتضم المنطقة على الخريطة السياحية».
وضرب الشماع مثلاً بمنطقة أخرى تحتاج إلى اهتمام، وهي منطقة في الصحراء الغربية تسمى «نبتا بلايا»، وتقع على بعد 100 كيلو غرب معبد أبي سمبل بأسوان، جنوب مصر، مشيراً إلى أن «أهم اكتشاف بهذه المنطقة هو دائرة حجرية قطرها 4 أمتار، تحدد بداية الصيف، وأول يوم في فصل الأمطار»، مطالباً بـ«إعادة هذه الدائرة إلى موقعها، حيث تم نقلها إلى حديقة متحف النوبة، على أن يتم الترويج للمنطقة سياحياً، والعمل على إنشاء فنادق من الحجارة تتماشى مع البيئة».
ومن أهم المناطق المهملة والمنسية، على حد تعبير الشماع، معبد سرابيط الخادم، جنوب غربي سيناء، الذي كان مركزاً للتعدين ولأحجار الفيروز.
وتقع سرابيط الخادم، جنوب غربي شبه جزيرة سيناء، وبها مناجم التعدين القديمة، ومعبد حتحور. وتضم المنطقة تماثيل تحمل أسماء الملك سنفرو من الأسرة الرابعة، ومنتوحتب الثالث ومنتوحتب الرابع من ملوك الأسرة الحادية عشرة، ونقوش لسنوسرت الأول، ووالده أمنمحات الأول. وعام 1905، تم اكتشاف ما يسمى «النقوش السينائية»، وهي أصل الأبجديات.
والكنوز المنسية لا تتعلق فقط بالآثار الفرعونية، بل أيضاً هناك كثير من الآثار الإسلامية والقبطية التي تحتاج إلى تطوير واهتمام. وفي هذا الإطار، بدأت وزارة الآثار دارسة مشروع تطوير مدينة القصير، بمحافظة البحر الأحمر. ووفقاً للدكتور جمال مصطفى، رئيس قطاع الآثار الإسلامية والقبطية بوزارة الآثار، فإن «الوزارة تعمل على وضع دراسة لترميم وتطوير قلعة القصير الأثرية، وجعلها مركزاً ثقافياً وسياحياً في المدينة».
أثريون يدعون للاهتمام بـ«كنوز مصر المنسية»
مطالب بترميمها ووضعها على الخريطة السياحية
أثريون يدعون للاهتمام بـ«كنوز مصر المنسية»
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة