فرنسا للبريطانيين: النظام الجزائري سيسقط... استعدوا لحكومة الإسلاميين

وثائق سرية كشفت عنها لندن قدّمت صورة قاتمة للصراع مع الجماعات المسلحة عام 1994

صورة أرشيفية لأعضاء في جبهة للأنقاذ الإسلامية أثناء أحد تجمعاتها في الجزائر (غيتي)
صورة أرشيفية لأعضاء في جبهة للأنقاذ الإسلامية أثناء أحد تجمعاتها في الجزائر (غيتي)
TT

فرنسا للبريطانيين: النظام الجزائري سيسقط... استعدوا لحكومة الإسلاميين

صورة أرشيفية لأعضاء في جبهة للأنقاذ الإسلامية أثناء أحد تجمعاتها في الجزائر (غيتي)
صورة أرشيفية لأعضاء في جبهة للأنقاذ الإسلامية أثناء أحد تجمعاتها في الجزائر (غيتي)

هل كان الحكم الجزائري فعلاً على وشك السقوط عام 1994؟ هذا ما تُظهره وثائق سرية تتضمن معلومات منسوبة إلى وزراء ومسؤولين فرنسيين كانوا معنيين بالأزمة الدامية التي كانت تشهدها الجزائر آنذاك. النظام سيسقط. الإسلاميون سيسيطرون على السلطة. مئات آلاف اللاجئين سيتدفقون من الجزائر إلى جنوب فرنسا. أحجار «الدومينو» ستبدأ في التساقط، واحدة تلو الأخرى. إذا سقطت الجزائر في أيدي الجماعات المسلحة فإن تونس ستكون مهددة أيضاً. وكذلك المغرب. حتى مصر نفسها لن تنجو من تداعيات الجزائر.
لكن هذه الصورة السوداوية سيتبيّن أنها كانت خاطئة. النظام الجزائري لم يسقط. الجماعات الإسلامية المسلحة مُنيت بهزيمة منكرة. لم يتدفق اللاجئون إلى فرنسا، ولم تتساقط أحجار «الدومينو».
هذه قصة التقديرات الفرنسية الخاطئة للأوضاع في الجزائر في تسعينات القرن الماضي...
رسمت تقارير بريطانية سرية، نقلاً عن مسؤولين فرنسيين كبار، صورة قاتمة جداً للأوضاع في الجزائر خلال العام 1994؛ حيث كانت تدور مواجهات واسعة بين قوات الأمن وخليط من الجماعات الإسلامية المسلحة. وكشفت هذه التقارير التي تُرفع عنها السرية في الأرشيف الوطني البريطاني، اليوم (الجمعة)، 28 ديسمبر (كانون الأول)، أن الفرنسيين أبلغوا البريطانيين بأنهم يتوقعون انهيار الحكم الجزائري ووصول الإسلاميين إلى السلطة، وأنهم يعدون خططاً لاستقبال 500 ألف لاجئ جزائري يُتوقع أن يفروا من بلادهم عقب تغيير النظام.
وهذه المرة الأولى، كما يُعتقد، التي يُنقل فيها عن مسؤولين فرنسيين كلام بمثل هذا التشاؤم إزاء الأوضاع في الجزائر ومآلات القتال الذي كان يدور آنذاك بين القوات الحكومية والجماعات المسلحة. وقال المسؤولون الفرنسيون، وفق الوثائق الحكومية البريطانية، إن تقديرهم هو أن حكومة الرئيس اليمين زروال لن تستطيع الصمود طويلاً في مواجهة الإسلاميين المسلحين، وستحل محلها في سدة الحكم «الجبهة الإسلامية للإنقاذ». وكانت هذه الجبهة قد فازت في الدورة الأولى للانتخابات التشريعية في ديسمبر لعام 1991، لكن الجيش الجزائري ألغى نتائجها في مطلع 1992 وحل «الإنقاذ»، ما أدخل البلاد في صراع دموي استمر سنوات وأوقع عشرات آلاف الضحايا. وكان مبرر تحرك الجيش أن «الإنقاذ» التي كان عدد من قادتها يكفر علناً بالديمقراطية، تستغل الانتخابات للوصول إلى السلطة ولن تتخلى عنها إذا وصلت إليها، وهي اتهامات نفتها الجبهة آنذاك. وبعد وقف المسار الانتخابي وسجن القيادة السياسية لـ«الإنقاذ»، انخرط الآلاف من مناصريها في جماعات مسلحة مختلفة.
وتتحدث الوثائق البريطانية، في هذا الإطار، عن شكوى الفرنسيين من نشاط الإسلاميين الجزائريين على الأراضي البريطانية. في إشارة إلى ما اعتبره الفرنسيون تساهلاً من جيرانهم في التعامل مع الظاهرة التي باتت لاحقاً تُعرف بـ«لندنستان». وقاد الشكوى آنذاك وزير الداخلية الفرنسي شارل باسكوا الذي عُرف بموقفه المتشدد إزاء التعامل مع التهديد الأمني المرتبط بالإسلاميين الجزائريين، علما بأنه كان وزيراً في حكومة يمينية بقيادة إدوار بالادور (التجمع من أجل الجمهورية)، في حين كان رئيس الجمهورية فرنسوا ميتران اشتراكياً يسارياً. وتشرح الوثائق البريطانية أن أخذ موقف صارم في التعامل مع التهديد الإرهابي يُكسب صاحبه شعبية في فرنسا التي كانت تستعد لانتخابات رئاسية في العام المقبل، وهي انتخابات أسفرت فعلاً عن وصول اليمين إلى السلطة، لكن عبر جاك شيراك، وليس باسكوا أو بالادور.
وكُتبت التقارير البريطانية في وقت كانت فرنسا تعيش حالة غليان بسبب تهديدات وجهتها «الجماعة الإسلامية المسلحة»، أكثر جماعات العنف تطرفاً في الجزائر، والتي كانت قد قتلت 5 فرنسيين، بينهم اثنان من موظفي القنصلية، في هجوم على ضاحية عين الله غرب العاصمة الجزائرية.
وتنقل الوثائق البريطانية أيضاً عن الفرنسيين، أن الرئيس اليمين زروال لم يلبِّ دعوة ميتران لحضور احتفالات في ذكرى إنزال الحلفاء في جنوب فرنسا خلال الحرب العالمية الثانية، بسبب خشيته من حصول انقلاب عسكري ضده خلال غيابه عن الجزائر. ويبدو أن الوثائق تشير، في هذا الإطار، إلى مزاعم عن وجود صراع داخل نظام الحكم الجزائري في شأن طريقة التعامل مع ظاهرة العنف المسلح. ففي حين كان زروال يقود تياراً يدعو إلى الحوار مع الإسلاميين بما في ذلك قادة «الإنقاذ» الذين أفرج عن بعضهم، ونقل آخرين إلى الإقامة الجبرية، كان هناك تيار آخر يوصف بأنه «استئصالي» يرفض أي مساومة مع الجماعات المسلحة.
في أي حال، أثبت الحكم الجزائري، في النهاية، خطأ تقديرات الفرنسيين. فقد نجحت قواته الأمنية في إلحاق هزيمة ماحقة بالجماعات المسلحة، بحلول العام 1997. لكن خوف الفرنسيين من أعمال إرهابية تستهدفهم سرعان ما تحقق، إذ خطف مسلحون تابعون لـ«الجماعة المسلحة» طائرة لـ«إير فرانس» في مطار هواري بومدين بالعاصمة الجزائرية يوم 24 ديسمبر 1994، وأرادوا الطيران بها إلى باريس لتدميرها في برج إيفل، كما زُعم آنذاك، لكن عمليتهم فشلت، وقتلهم فريق كوماندوز فرنسي خلال توقف طائرتهم في مرسيليا للتزود بالوقود. ولا تغطي الوثائق البريطانية هذه الحادثة.

تفاصيل الوثائق
كتب كريستوفر مالابي، السفير البريطاني في باريس، تقريراً إلى وزارة الخارجية في لندن بتاريخ أغسطس (آب) 1994، جاء فيه...

ملخص
1 - باسكوا راضٍ عن التعاون البريطاني - الفرنسي في شأن الجزائريين في لندن. السياسيون (الفرنسيون) تتملكهم الكآبة، يتوقعون نظاماً لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في الجزائر، وهو أمر سيثير مشكلات في النظام العام في فرنسا.

التفاصيل
2 - واجهتُ وزير الداخلية باسكوا خلال إحدى المناسبات في جنوب فرنسا لإحياء ذكرى 50 سنة على إنزال الحلفاء هناك. قلت له إنني لاحظت تعليقاته بخصوص موقف حكومة صاحبة الجلالة من الجزائريين في بريطانيا. أعربت عن أملي أن يكون على معرفة بأن هناك اتصالات وثيقة بين الخبراء الفرنسيين وجهاز الأمن لدينا (المخابرات الداخلية). إننا مستعدون للمساعدة، وفق الحدود التي يسمح بها القانون البريطاني. (قلت له) إنني أعتقد أن الأجهزة الفرنسية راضية عن مستوى التعاون.
3 - قال باسكوا إنه أيضاً راضٍ. كان سلوكه ودوداً ومنشرحاً. أعتقد أنه أدلى بتعليقاته المهينة من أجل حرف الانتقاد عن السلطات الفرنسية بعد قتل مسؤولين فرنسيين في الجزائر (عملية عين الله). كنا قد لفتنا انتباه حكومته إلى التعاون الموجود بيننا بعدما أدلى للمرة الأولى بتعليقاته، وآمل أنه الآن في الصورة بشكل صحيح.
4 - قدّم لي عدد من الوزراء الفرنسيين إيجازاً بشأن المناقشة عن الجزائر خلال لقاء وزاري استدعاه ميتران، على ارتجال، على ظهر حاملة طائرات خلال احتفالات 14 أغسطس. الخلاصة (التي انتهى لها الاجتماع) أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ستسيطر على الوضع، ربما خلال شهور. الحكومة الحالية ليست قادرة على مواجهة التحدي ولن تتمكن من البقاء. رئيس الجمعية الوطنية (فيليب) سيغان (حزب التجمع من أجل الجمهورية) قال لي إن نظام «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» سيستخدم الجالية الجزائرية في فرنسا من أجل الإخلال بالنظام العام، مثلاً من خلال إثارة أعمال عنف، في ضواحي المدن الكبرى حيث النظام العام هش أصلاً؛ نتيجة البطالة والتوتر العرقي المستفحلين. هذا الأمر سيسبب ردة فعل من «الفرنسيين» البيض، ويمكن أن تواجه فرنسا فترة غير سعيدة إطلاقاً. هذا الأمر قد يحصل فعلاً حتى قبل الانتخابات الرئاسية في الربيع المقبل. علّق سيغان بالقول إن اليمين يسجّل نقاطاً في العادة على حساب اليسار بخصوص التعامل مع مشكلات النظام العام والهجرة.

تعليق
5 - هناك شعور بالعجز اليائس بخصوص آفاق «الوضع» في الجزائر، وتداعيات ذلك على فرنسا. باسكوا، بوصفه وزيراً للداخلية، صارم ومحارب، وسيكون شخصاً قوياً، وبالتالي صاحب شعبية، في محاولته التعامل مع تدفق اللاجئين ومشكلات النظام العام. طبيعة بالادور معتدلة وبراغماتية ويمكن أن يتقدم عليه شيراك في هذا الموضوع.
التوقيع... مالابي
وفي تقرير آخر من مالابي، بتاريخ أغسطس 1994، تحت عنوان «الجزائر... وجهات النظر الفرنسية»، جاء ما يأتي...

مختصر
1 - يتوقع الفرنسيون «صراعاً» يستمر على المدى الطويل، لكنهم يزدادون اقتناعاً بأن الإسلاميين سيسيطرون «على السلطة». الوزراء يعيدون تقييم خطهم بخصوص الدعم للنظام الحالي.

تفاصيل
2 - الاغتيال الأخير لـ5 فرنسيين في العاصمة الجزائرية، ورد الفعل الفرنسي الشديد، والتهديدات اللاحقة ضد فرنسا من جماعات إسلامية، كل ذلك، ضمن بقاء الجزائر في قلب اهتمام الحكومة الفرنسية، الإعلام والرأي العام. لقد ناقشنا التحليلات والسياسة الفرنسية بالتفصيل مع الوزراء الأساسيين والوكالات المعنية في الأيام الأخيرة. فيما يلي نتيجة الجمع بين الآراء الفرنسية المختلفة (الطرح ونقيضه)، وهي آراء متناسقة في شكل معقول.

الوضع الجزائري الداخلي
3 - قلة هنا توقعوا النجاح لحملة القمع التي شنّتها أجهزة الأمن الجزائرية في وقت سابق هذه السنة. وهي لم تكن ناجحة، ومستوى عمليات القتل عاد مجدداً للارتفاع كثيراً (التقديرات تتراوح بين 200 و400 قتيل أسبوعياً). الخاسرون الأساسيون هم الإسلاميون المعتدلون، الذين تم إسكاتهم أو صاروا متشددين. والمسار السياسي؛ «عرض» زروال الأخير للمعارضة يتم النظر إليه بكثير من التشكيك. يُنظر إليه (زروال) على نطاق واسع بوصفه دمية لا أكثر في أيدي العسكريين المتشددين. الفرنسيون الذين لدينا اتصال بهم يخبروننا أنه امتنع عن قبول دعوة ميتران إلى حضور احتفالات الذكرى الخمسين لإنزال الحلفاء في إقليم بروفانس في 14 و15 أغسطس، لأنه كان يخشى حصول انقلاب في غيابه.
4 - في ظل هذه الظروف، هناك إجماع واسع على أن النظام الحالي (في الجزائر) محكوم عليه بالسقوط. على رغم جهوده الشجاعة في مجال الإصلاح الاقتصادي، فإن العنف الذي تستخدمه قوات الأمن يجعل النظام غير شعبي في شكل متزايد. لكن قلة فقط تتوقع أن تنهار الأوضاع فوراً. القوات المسلحة ما زال يُنظر إليها على أنها متماسكة نسبياً وقادرة على مواصلة الكفاح لشهور. لكن هناك بعض الانشقاقات المنذرة بالشؤم بدأت في الظهور؛ حالات الفرار من الخدمة العسكرية يُعتقد أنها تتزايد، بما في ذلك بعض طياري سلاح الجو الذين ينقلبون على رفاقهم (طائرة «ميغ» واحدة، وطائرة مروحية هجومية). بلغ القلق من الانشقاق، كما يقال، حد إلغاء السفر الروتيني للخارج للمسؤولين الجزائريين.
5 - الرابحون هم الراديكاليون الإسلاميون الذين ينتعشون على أساليب النظام وغياب الدعم الشعبي عنه. الـ«كي» (الكي دورسيه - وزارة الخارجية الفرنسية) ترى تسارعاً ملحوظاً في هذا الأمر منذ الشهر الماضي (أي منذ محادثات غرين وبوشار في 8 يوليو (تموز) – راجع تقريرنا الرقم 783). نظام إسلامي في السلطة يُنظر إليه (هنا) على أنه يصير حتمياً في شكل متزايد. هناك ورقة يتم تحضيرها حالياً من قبل رئيس الوزراء، ترى حكومة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» (في سدة الحكم) في غضون سنة أو سنتين. كما تم الاقتباس لنا من ورقة أعدها السفير الفرنسي في الجزائر (رجاء حماية هذا المصدر) الذي يعتقد أن «الجبهة الإسلامية للإنقاذ» ستصل إلى سدة الحكم في غضون 18 شهراً، حداً أقصى.
6 - هناك القليل من الوضوح بشأن كيف سيترجم الإسلاميون نجاحهم إلى قوة سياسية، أو كيف سيتم إعادة دمج القيادة السياسية لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» في إطار الحركة، علماً بأن الراديكاليين سيحتاجون إليها في مرحلة من المراحل. الجماعات الإرهابية المختلفة لـ«الجبهة الإسلامية للإنقاذ» لا يُعتقد أنها تعمل بتنسيق فيما بينها. باستثناء الاتفاق على إسقاط النظام الحالي والاستحواذ على السلطة، يتم النظر إليها على أنها لا تملك أي خطة عمل مستقبلية (كوربوريت بلان)، على رغم أن خطف الدبلوماسيين أخيراً يتم النظر إليه على أنه إشارة إلى وجود نوع من الشبكة المنظمة التي يتم تطويرها بين بعض الجماعات المتشددة. الهجوم على محمية عين الله حيث تم قتل 5 فرنسيين تُعتبر بالتأكيد إشارة إلى تطور لافت في شكل متزايد وجرأة أكبر من جانب أبرز الجماعات (المسلحة).
7 - يتوقع الفرنسيون أن يروا تصعيداً في مستوى ومنسوب الأعمال الإرهابية التي يقوم بها الإسلاميون في الجزائر في الشهور المقبلة. الأدلة على إمدادات بالسلاح من الخارج، على رغم أنها ضئيلة (بما في ذلك العثور على بعض الشحنات هنا في فرنسا)، توحي للفرنسيين بأن الإسلاميين ربما يبنون ترسانة وأكثر. لا يمكن سوى أن يحسّنوا من قوتهم النارية أكثر، في حين أن قوات الأمن لا يمكن لها سوى أن تتراجع. مسار «تهريب السلاح» عبر ألمانيا وإيطاليا يُعتبر الآن هنا أنه طريق النقل الأكثر تفضيلاً. السلاح الجديد يمكن أن يستخدمه في شكل جيد «الأفغان» (الجزائريون) الذين تعلموا كثيراً في أفغانستان، والذين لم تسنح لهم حتى الآن سوى فرصة لخوض إرهاب على نطاق ضيق في الجزائر.

التداعيات الإقليمية
8 - الآراء منقسمة بشأن التداعيات على تونس، والمغرب، حتى مصر في حالة وصول نظام إسلامي إلى سدة الحكم في الجزائر. الجميع يتفق على أن جيران الجزائر سيواجهون تدفقاً للاجئين، إما فراراً من النظام الجديد وإما بسبب الحرب الأهلية التي ربما ستلي وصوله إلى سدة السلطة. هناك اتفاق على أن المغرب وتونس مجهزان في شكل أفضل من الجزائر للتعامل مع التهديد الأصولي، لكن البعض؛ خصوصاً في أوساط أجهزة الاستخبارات، يرى على رغم ذلك مجالاً لحصول ظاهرة تساقط أحجار الدومينو في شكل جامح. هناك لمسة من إثارة الذعر «عمداً» بخصوص هذا الأمر.

فرنسا - الجزائر
9 - أعدّ الفرنسيون منذ فترة خطط طوارئ استعداداً لاستقبال اللاجئين من الجزائر، في حال أخذ الإسلاميون السلطة. أولئك الذين لديهم حق قانوني للإقامة في فرنسا سيتم استقبالهم في مخيمات وسيتم توفير حاجاتهم في الجنوب حيث سيصلون في الغالب. ولكن ما زال هناك عدم اتفاق بشأن مستوى الهجرة الجماعية. من اللافت أن جهاز «دي جي إس إي» (المساوي لجهاز «أم آي 6»، أي الاستخبارات الخارجية) يقدّر العدد المحتمل للمواطنين الجزائريين الذين سيحاولون الوصول إلى فرنسا بنصف مليون. «الكي دورسيه» (وزارة الخارجية) أكثر تشككاً في صحة هذا التقدير.
10 - مثل هذا الدفق من الهجرة الجماعية سيسبب مشكلات أمنية على الأراضي الفرنسية، حتى لو كان ذلك بين الجزائريين أنفسهم. حتى هذه اللحظة، كما أشار باسكوا نفسه، ليس هناك تهديد إرهابي ملموس. حملة باسكوا الترهيبية ضد المتشددين الإسلاميين الجزائريين، بما في ذلك عمليات فحص الأوراق الثبوتية في شكل عشوائي وواسع النطاق، والعمليات ضد أهداف تحوم حولها شبهات غير واضحة، والتوقيفات تحت طائلة التهديد بالترحيل، التي طالت 24 من القيادات الإسلامية المتشددة، كانت كلها مثيرة للجدل. رأى سياسيون معارضون ووسائل إعلام في ذلك استفزازاً وأمراً يأتي بنتائج عكسية. كثيرون اعتبروها حركة سياسية في إطار الانتخابات الرئاسية «المقبلة». لكن باسكوا تلقى دعماً من «ألفيغارو» المنتمية إلى اليمين، وأيضاً وهذا الأهم أقرّ (آلان) جوبيه وبالادور علناً بالحاجة إلى توجيه «إشارة سياسية» لأي شخص مؤيد للأعمال الإرهابية ضد المصالح الفرنسية في الجزائر أو أي مكان آخر.
11 - قتْل الفرنسيين الخمسة في عين الله، وردّ فعل باسكوا على ذلك، الذي أدّى بكلّ من الإسلاميين والمعلقين إلى وصف السياسة الفرنسية بأنها عبارة عن دعم غير مشروط للنظام الجزائري، أرغم الوزراء الفرنسيين على أن يكونوا أكثر تحديداً في شأن سياستهم بخصوص الجزائر، مميزين «مدى» دعمهم لحكومة زروال. باشر جوبيه هذا الخطّ بمقابلة تلفزيونية في 11 أغسطس، وقد تكرر صداها بمقابلة إذاعية لبلادور في 14 أغسطس؛ أولوية الأولويات لفرنسا هي حماية مواطنيها في الجزائر (1500 يحملون الجنسية الفرنسية فقط). وفي فرنسا؛ الوضع الداخلي في الجزائر أمر يحله الجزائريون أنفسهم؛ فرنسا لا تقدم دعماً غير مشروط للنظام. ليس هناك حل أمني لمشكلات الجزائر. هناك حاجة إلى حل سياسي، بما في ذلك تنظيم انتخابات، عندما تسنح الظروف، (وقال جوبيه هذا الأمر لزروال عندما كان في العاصمة الجزائرية في نهاية يوليو)؛ واحترام حقوق الإنسان.

تعليق
12 – التمييز بخصوص الدعم الفرنسي للنظام، الذي في الواقع بدأ في الظهور للمرة الأولى خلال زيارة (رئيس الحكومة الجزائرية مقداد) سيفي لباريس (انظر التقرير 755. وهو غير موجه للجميع)، يندرج في إطار الاعتقاد القوي المتزايد هنا بأن النظام سيسقط. الفرنسيون عليهم أن يأخذوا في الاعتبار الآن تهديداً إرهابياً أكثر تعقيداً، يُبنى على بئر الامتعاض العميق الموجود في الجزائر ضد فرنسا.
التوقيع... مالابي

رضا مالك يغادر رئاسة الحكومة لمعارضته الحوار مع الإسلاميين
> في تقرير موجّه من السكرتير الخاص لوزير الخارجية البريطاني إلى فيليبا ليزلي - جونز في مقر رئاسة الحكومة في 10 داونينغ ستريت، بتاريخ 15 أبريل (نيسان) 1994، جاء أن رئيس الحكومة الجزائرية قد تم تغييره. وجاء في التقرير: «تم تعيين رئيس جديد للحكومة في الجزائر، السيد مقداد سيفي، بتاريخ 11 أبريل، بعد استقالة السيد رضا مالك. شغل السيد سيفي سابقاً منصب وزير العمل.
تعيين السيد مالك في منصبه قبل 8 شهور، تم كما يُعتقد بسبب خطّه المتقبل نسبياً لمطالب صندوق النقد الدولي في المسائل الاقتصادية. استقالته، التي جاءت مباشرة بعد توقيع الجزائريين على مذكرة نيات مع صندوق النقد الدولي، ربما تكون نتيجة معارضته الحوار مع الأصوليين الإسلاميين. استغل الرئيس (زروال) الفرصة لجلب رئيس للحكومة يكون أكثر تعاطفاً مع جهود السعي إلى حل متفاوض عليه؛ لإنهاء النزاع المسلح الخطير مع الأصوليين الإسلاميين.
رئيس الحكومة الجديد شغل عدداً من المناصب الرفيعة في الحكومة، ولا سيما في قطاعات الصناعة، الطاقة والاقتصاد.
سيكون من الصواب أن يكتب رئيس الوزراء (جون ميجور) رسالة تهنئة إلى السيد سيفي. ربما سيود أيضاً أن يرسل رسالة إلى السيد مالك (الذي كتب له رئيس الوزراء في 31 ديسمبر لتشجيعه على الاتفاق مع صندوق النقد الدولي). أرسل مرفقاً مسودتي رسالتين (إذا قرر رئيس الوزراء إرسالهما)».
وكان رئيس الوزراء البريطاني قد وجّه في 31 ديسمبر 1993 رسالة إلى رضا مالك رداً على رسالة وجّهها الأخير، بتاريخ 28 نوفمبر (تشرين الثاني). وجاء في رسالة ميجور...
«تواجه الجزائر أزمة صعبة. نعرف أنكم تسعون إلى فتح حوار سياسي مع الجماعات السياسية غير العنيفة في الجزائر. ندعمكم في هذا الجهد.
إنني سعيد بالاطلاع على التقدم المهم الذي حققتموه في تطبيق الإصلاحات الاقتصادية، والخبرة التي اكتسبتموها من التعاون مع صندوق النقد الدولي.
أرحب بقراركم فتح حوار مع صندوق النقد بخصوص برنامج متكامل للصندوق. أتمنى لكم التوفيق في هذا المسعى. عندما يتم التوصل إلى اتفاق على برنامج ويتم تقديمه إلى المجلس التنفيذي، سننظر فيه، كعادتنا، بطريقة بناءة وحيادية. يمكنكم أن تطمئنوا بالحصول على دعمنا لبرنامج سليم لصندوق النقد دعماً لهيكلة الاقتصاد، مع الأخذ في الاعتبار انعكاسات ذلك اجتماعياً.
لقد سعدت بالسماع عن الزيارة الناجحة لتيم إيغار، وزير الطاقة، في نوفمبر. وعلى رغم أن الزيارة كانت قصيرة، أفهم أنه تم بحث كثير من المسائل ومناقشة عدد من الفرص التجارية. كما أنني متشجع أكثر برؤية (بي بي) أيضا في مفاوضات متقدمة مع (سوناطراك) من أجل التطوير المشترك لاحتياط كبير من الغاز في جنوب غربي الجزائر. إذا ما تم نجاح (المفاوضات) فسيضمن هذا المشروع دوراً بريطانيا كبيراً في تطوير مصادر جديدة (للطاقة) مهمة استراتيجياً».



السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
TT

السلطة الفلسطينية... تكون أو لا تكون

حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)
حاجز قلنديا خارج مدينة رام الله بالضفة الغربية (رويترز)

حين أعلن الرئيس الفلسطيني محمود عباس أنه سيتوّجه إلى غزة في خضّم الحرب المسعورة التي تشنها إسرائيل، كان يعرف أكثر من غيره أنها خطوة شبه مستحيلة، لكنه أراد إطلاق رسائله الخاصة، وأهمها على الإطلاق أن السلطة الفلسطينية «موجودة»، وهي «صاحبة الولاية» على الأراضي الفلسطينية،

سواء في غزة التي تئن تحت وطأة حرب مدمّرة، وتضع لها إسرائيل خططاً شتى لما تسميه «اليوم التالي»، من غير أن تأخذ السلطة بالحسبان، أو الضفة الغربية التي ترزح تحت وطأة حرب أخرى، تستهدف من بين ما تستهدف تفكيك السلطة.

وبعد عام على الحرب الأكثر مفصلية في تاريخ القضية الفلسطينية، تخوض السلطة أصعب معركة عرفتها يوماً، وهي معركة «البقاء».

ولم تقتصر رسائل عباس على إسرائيل وحدها، بل شملت أولاً الولايات المتحدة التي انخرطت في نقاشات واسعة مع إسرائيل حول احتمالات انهيار السلطة، وراحت تتحدث عن سلطة متجددة، وثانياً، دولاً إقليمية وعربية تناقش مستقبل السلطة وشكل الهيئة التي يفترض أن تحكم قطاع غزة بعد الحرب، وأخيراً الفصائل الفلسطينية التي تهاجم و«تزايد» على السلطة، وترى أنها غير جديرة بحكم غزة، وتدفع باتجاه حلها.

الأيام الأصعب منذ 30 عاماً

تعيش السلطة الفلسطينية، اليوم، واحدة من أسوأ مراحلها على الإطلاق منذ تأسست قبل 30 عاماً.

فبعدما تقلصت المساحات التي تسيطر عليها في الأراضي الفلسطينية، وفيما هي تكابد بلا انتخابات رئاسية، وبلا مجلس تشريعي، أو أفق سياسي واقتصادي، وبالتزامن مع أزمة مالية خانقة، وأخرى أمنية، ومشاكل داخلية لا تحصى، وجدت هذه السلطة نفسها في مواجهة «طوفان» جديد؛ طوفان تغذيه أكثر حكومة يمينية تشن هجوماً منظماً وممنهجاً ضدها، وضد شعبها، وفيه كثير من المس بهيبتها وبرنامجها السياسي ووظيفتها، إلى الحد الذي يرتفع فيه السؤال حول إمكانية نجاتها أصلاً في الضفة، قبل أن تعود لتحكم غزة ثانية.

الرئيس الفلسطيني محمود عباس خلال كلمته في الأمم المتحدة بنيويورك (إ.ب.أ)

وبين الفينة والأخرى يتردد سؤال معقد بعض الشيء، ويبدو منطقياً أحياناً، وغير بريء أحياناً أخرى، وهو: لماذا لا تحل السلطة نفسها؟

هذا سؤال يبرز اليوم مجدداً، مع توسيع إسرائيل حربها ضد الفلسطينيين في الضفة وغزة، وإن كان في صيغة مختلفة كالقول: لماذا لا تسلم السلطة المفاتيح لإسرائيل، وتزيد عليها الضغوط؟

الأكيد أن السلطة لا تُخطط لحل نفسها، وهذا ينطلق من «قناعة وطنية» بأنها وجدت لنقل الفلسطينيين من المرحلة الانتقالية إلى إقامة الدولة، وأنها لا تعمل وكيلاً لدى لاحتلال.

ويعرف المسؤولون الفلسطينيون أنه لطالما أرادت إسرائيل أن تجعل السلطة وكيلاً أمنياً لها، لكنهم يقولون في العلن والسر، إنهم ليسوا قوات «لحد» اللبنانية، وإنما هم في مواجهة مفتوحة لإنهاء الاحتلال، وهذا سبب الحرب التي تشنّها تل أبيب على السلطة سياسياً وأمنياً ومالياً.

وفي حديث مع «الشرق الأوسط»، قال توفيق الطيراوي، عضو اللجنة المركزية لحركة فتح ومسؤول جهاز المخابرات السابق: «إن السلطة لا تنهار لأنها نتاج طبيعي لنضال طويل للثورة الفلسطينية، وستبقى حتى إقامة الدولة».

هل هو قرار فلسطيني وحسب؟

ربما يرتبط ذلك أكثر بما ستؤول إليه الحرب الحالية الآخذة في الاتساع، وهي حرب يتضح أنها غيّرت في عقلية الإسرائيليين قبل الفلسطينيين، وفي نهج وسلوك وتطلعات الطرفين، وماضية نحو تغيير وجه الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أن رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو يمتنع حتى الآن عن وضع خطة واضحة لما بعد الحرب، لا في الضفة ولا في غزة، يجاهر أركان حكومته وحلفاؤه بما سيأتي، وهي خطة على الأقل واضحة جداً في الضفة الغربية، وتقوم على تغيير الواقع والتخلُّص من السلطة وإجهاض فكرة إقامة الدولة.

وقد بدأ الانقلاب على السلطة بوضوح بعد شهرين فقط من بدء الحرب على القطاع، نهاية العام الماضي، عندما خرج نتنياهو ليقول إن جيشه يستعد لقتال محتمل مع السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية، وهي تصريحات فهمتها الرئاسة الفلسطينية فوراً، قائلة إنها تعبر عن نياته المبيتة لاستكمال الحرب على الفلسطينيين من خلال السلطة بعد «حماس»، وفي الضفة بعد غزة.

تصريحات نتنياهو التي جاءت في جلسة للجنة الخارجية والأمن في الكنيست، أعقبها توضيح بالغ الأهمية من نتنياهو ومفاده أن «الفارق بين السلطة و(حماس) هو أن الأخيرة تريد إبادتنا حالاً، أما السلطة فتخطط لتنفيذ ذلك على مراحل».

فلسطينيون في وقفة احتجاجية في مدينة رام الله بالضفة الغربية الثلاثاء طالبوا بالإفراج عن جثامين أسراهم في سجون إسرائيل (أ.ف.ب)

ويفسر هذا الفهم لماذا عَدّ نتنياهو أن اتفاق «أوسلو» كان خطأ إسرائيل الكبير، موضحاً أن «السلطة الفلسطينية في الضفة الغربية و(حماس) في غزة يريدان تدمير إسرائيل... طرف يقول ذلك صراحة، والآخر يفعل ذلك من خلال التعليم والمحكمة الجنائية الدولية».

وهجوم نتنياهو على السلطة ليس جديداً، لكنه الأوضح الذي يكشف جزءاً من خطته القائمة على تقويض السلطة. ومنذ السابع من أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تتعامل إسرائيل مع السلطة كأنها غير موجودة.

الضفة مثل غزة ولبنان

وصعّدت إسرائيل في الضفة الغربية منذ بدء الحرب في قطاع غزة في السابع من أكتوبر الماضي، وقتلت أكثر من 720 فلسطينياً، في هجمات متفرقة، تميّزت بإعادة استخدام الطائرات في عمليات اغتيال، وتنفيذ عمليات واسعة.

وكان لافتاً أن التصعيد في الضفة كان مبادرة إسرائيلية، إذ هاجم الجيش مدناً ومخيمات وبلدات، وراح يقتل الفلسطينيين قصفاً بالطائرات ويعتقلهم، كما يدمر البنى التحتية، مستثيراً الجبهة الضفَّاوية، بحجة ردع جبهة ثالثة محتملة.

اليوم لا تكتفي إسرائيل بالمبادرة، بل تريد أن تجعل الضفة أحد أهداف الحرب، مثل غزة ولبنان. ولم يتردد وزير الأمن القومي الإسرائيلي المتطرف إيتمار بن غفير، بالقول إن الحرب التي تخوضها إسرائيل «ليست فقط ضد غزة وضد (حزب الله) اللبناني، بل هي أيضاً في الضفة»، مؤكداً أنه طلب من رئيس الوزراء أن يدرج ضمن أهداف الحرب تحقيق النصر في الضفة أيضاً.

لكن لماذا تخشى إسرائيل الضفة إلى هذه الدرجة؟ يقول مسؤول فلسطيني -فضّل عدم الكشف عن اسمه- لـ«الشرق الأوسط»: «إنهم يستهدفون الضفة لضرب المشروع الوطني الفلسطيني، ويسعون إلى تقويض السلطة».

وأضاف: «يصعّدون هنا حتى يثبتوا للفلسطينيين أن السلطة ضعيفة وواهنة ولا تحميهم، ويجب أن ترحل، لأنها غير جديرة بهم».

قوات إسرائيلية خلال عملية اقتحام لمخيم فلسطيني قرب رام الله بالضفة مارس الماضي (أ.ف.ب)

وخلال الأسابيع القليلة الماضية فقط، حذّرت الأجهزة الأمنية الإسرائيلية من أن الوضع الأمني في الضفة قد يتطور إلى انتفاضة؛ ولذلك دفع الجيش بـ3 كتائب احتياط إلى الضفة، لأهداف «تشغيلية ودفاعية» على ما قال، وللقيام بمهام «عملياتية».

وجاء القرار الذي تحدّث عن تعزيز الدفاع، وسط تصاعد الصراع في المنطقة وقبيل ذكرى السابع من أكتوبر، لكن إذا كانت هذه خطة الحكومة الإسرائيلية، فيبقى من السابق لأوانه معرفة إن كانت نجحت في مهمتها أم لا.

يكفي لجولة صغيرة على مواقع التواصل الاجتماعي أن تشير إلى أن السلطة في وضع لا تحسد عليه. فهي عاجزة عن خلق أفق سياسي وأفق اقتصادي وتوفير الأمن، وأساسيات أخرى من بينها رواتب الموظفين للعام الثاني على التوالي.

واليوم، الجميع على المحك في مواجهة حرب ممنهجة، تسعى إلى تغيير الواقع مرة وإلى الأبد.

خطة قديمة جديدة

كان الوزير الإسرائيلي المتطرف بتسلئيل سموترتيش، واضحاً عندما قال إنه لا يفعل شيئاً سرياً، وهو يعمل ضد السلطة في الضفة، ويسعى لمنع إقامة دولة.

وتعهد سموتريتش نهاية الشهر الماضي، بأن تكون «مهمة حياته» إحباط قيام دولة فلسطينية، وكتب في منشور على منصة «إكس»: «أخذت على عاتقي، إضافة إلى منصب وزير المالية، مسؤولية القضايا المدنية في يهودا والسامرة (الضفة)».

وأضاف: «سأواصل العمل بكل قوتي حتى يتمتع نصف مليون مستوطن موجودين في الضفة بحقوق كل مواطن في إسرائيل وإثبات الحقائق على الأرض، التي تمنع قيام دولة إرهابية فلسطينية يمكن أن تكون قاعدة إيرانية أمامية للمجزرة المقبلة».

فلسطينيون يحتفلون فوق صاروخ إيراني صقط في رام الله (أ.ف.ب)

وكان تسجيل مسرب لسموتريتش قبل شهرين فضح خطة حكومية رسمية لفرض السيطرة الإسرائيلية المدنية على الضفة الغربية، قال خلاله الوزير المسؤول عن الإدارة المدنية الإسرائيلية، إن الحكومة منخرطة في جهود سرية لتغيير الطريقة التي تحكم فيها إسرائيل الضفة الغربية.

وخطة سموترتيش الماضية، ستعني حتماً تفكيك السلطة، لكن المحلل السياسي محمد هواش يرى أن العالم لن يسمح بذلك.

وقال هواش لـ«الشرق الأوسط»: «إن السلطة مرتبطة بالمشروع القائم على إنهاء الاحتلال وإقامة دولة فلسطينية، وهذا جزء من تسوية دولية. مشروع دولي بالأساس، وهناك حتى الآن رعاية دولية له، ومن الصعب التراجع عنه».

وأضاف هواش: «التراجع يعني إعادة الاحتلال، وهذا غير مقبول فلسطينياً ودولياً، وإسرائيل لن تقبل، لأنها ستذهب إلى دولة واحدة ونظام (أبرتهايد)».

وتابع هواش: «لا توجد مصلحة لإسرائيل بإنهاء السلطة بالكامل، بل في إضعافها حتى تتوقف مطالبها بإنهاء الاحتلال، وتغير العلاقة مع إسرائيل». وحذر من أن «إسرائيل ستتحمل العبء الأكبر من غياب عنوان سياسي للشعب الفلسطيني».

الثابت الوحيد اليوم أنه لا أحد يملك وصفة سحرية، سواء أذهبت السلطة أم بقيت، قويت «حماس» أم ضعفت، امتدت الحرب أم انتهت، تطرفت إسرائيل أكثر أم تعقّلت، سيظل يوم السابع من أكتوبر شاهداً على أن الطريق الأقصر للأمن والاستقرار هو بصنع السلام، وليس بطائرات حربية ومدافع ورشاشات.