يشعر المسؤولون الأفغان بقلق بالغ من أن يبرم المسؤولون الأميركيون اتفاقاً متسرعاً مع متمردي حركة «طالبان» مما يؤدي إلى تعريض أمن البلاد ومكتسباته الديمقراطية للخطر بعد 17 عاماً من الحكم المدني. لكن بحلول صباح الجمعة الماضية، بدت حكومة الرئيس أشرف غني، تترنح إثر تطورات جديدة على أرض الواقع تمثلت في خبر اعتزام الرئيس الأميركي سحب نصف قواته البالغ عددها 14 ألف جندي من أفغانستان. وفي محاولة لإخفاء جزعهم، حاول مساعدو الرئيس غني التعامل مع التغيير الكبير الذي طرأ على السياسية العسكرية الأميركية باعتباره أمراً هيناً على الرغم من المخاوف التي أعرب عنها كثير من المراقبين في أفغانستان وفي غيرها من الدول. وبعد ظهيرة أول من أمس بوقت قصير، صرح هارون شاخونسوري، المتحدث باسم الرئيس غني، لقناة تلفزيونية إخبارية بأن ذلك التراجع لن يكون له تأثير كبير على قدرة أفغانستان عل الدفاع عن نفسها وأن «غالبية القوات التي ستنسحب «كانت تتولى تدريب القوات الأفغانية، وها قد أصبحت القوات الأفغانية قادرة على الدفاع عن نفسها الآن».
وبعد عدة ساعات، أفاد فضل فضلي، مساعد آخر للرئيس غني، في تغريدة بأن رحيل «عدة آلاف من المستشارين العسكريين الأجانب لن يؤثر على الأمن في أفغانستان». وفي تغريدة أخرى قال إنه «منذ عام 2014 عندما رحلت غالبية القوات المقاتلة عن البلاد اتضح خطأ توقعات كل من راهن على انهيار الأمن، ذلك لأن قوات الشرطة والجيش الشجاعة لدينا تولت أمر الدفاع عن البلاد ببسالة».
غير أن تلك التعليقات المتفائلة جاءت على النقيض من ردود الأفعال الجازعة وتحليلات المعلقين والمسؤولين السابقين والرموز السياسية في أفغانستان وفي جارتها باكستان التي صدرت أول من أمس».
في كلتا الدولتين حيث أفاد الكثير من المراقبين بأنهم يخشون من أن يتسبب الانسحاب المفاجئ للقوات الأميركية في بدء عهد جديد من عدم الاستقرار السياسي وأن يعطي ذلك متمردي طالبان صلاحيات إضافية على طاولة المفاوضات أو أن يتسبب ذلك في انهيار مباحثات السلام برمتها، لتصبح أفغانستان بعدها أكثر عرضة للعنف والهجمات الإرهابية.
وقد عقد الكثيرون مقارنة بين الوضع الحالي وبين انسحاب الولايات المتحدة من أفغانستان بعد نهاية الاحتلال السوفياتي عام 1989 مما أدى إلى انهيار الحكومة في كابل واندلاع حرب أهلية طاحنة بين الميليشيات العرقية وخروج اللاجئين بأعداد ضخمة. وبحسب هارون، المحلل السياسي المقيم في العاصمة الأفغانية، فإن «الانسحاب العسكري الأميركي من شأنه أن يعزز وضع طالبان على طاولة المفاوضات وفي ازدياد حدة الفوضى في كابل»، مما يجعل من الانتقال الدستوري للسلطة موضع شك.
ومن المتوقع أن تسعى القوى الإقليمية إلى الهيمنة على أفغانستان مجدداً بحسب تقرير لـ«واشنطن بوست»، ووفق هارون، فإن «أيا من تلك القوى سيتمكن من ملء الفراغ السياسي والاقتصادي الذي ستتركه القوات الأميركية»، مستطرداً بقوله إن «التاريخ سيكرر نفسه في النهاية». ولا تزال القوات الأمنية الأفغانية تعاني الكثير من المشكلات، من ضمنها الفساد المستشري وتدني معدلات التجنيد على الرغم من المساعدات الكبيرة التي يقدمها المستشارون الأميركيون الذين وصلوا البلاد العام الماضي.
وفي سياق متصل، أفاد ناجي فاروقي (24 عاما) خريج كلية الحقوق دون عمل من كابل، بأنه يخشى من أن يتسبب انسحاب القوات الأميركية إلى عودة حكم طالبان وإلى تدهور مستوى الحريات الاجتماعية والصحافية التي استمتعت بها البلاد عقب الإطاحة بنظام طالبان عام 2001. أضاف فاروقي بينما كان يقف برفقة أصدقائه أمام دور عرض سينمائي لمشاهدة فيلم هندي: «ستأتي طالبان حال انسحبت القوات الأميركية. الناس لا تريد عودة طالبان، ويجب على القوات الأميركية البقاء إلى أن تتمكن أفغانستان من الوقوف على قدميها اقتصاديا وعسكريا».
وفي باكستان، عرض مسؤول رفيع بوزارة الخارجية طلب عدم ذكر اسمه، نفس الرؤية تقريبا، مضيفا أن باكستان قد تتحمل عبئا إضافيا حال تسببت حالة عدم الاستقرار السياسي في موجة فرار أفغاني جديدة عبر الحدود، مضيفا أن «أي تقليص في أعداد الجنود قبل إحلال السلام سيكون خطوة متسرعة وغير حكيمة». وأضاف أن «ذلك سيتسبب في انتشار الفوضى وإلى المزيد من الاقتتال وربما إلى نشوب حرب أهلية»، مشيراً إلى أن الولايات المتحدة رحلت عن أفغانستان عام 1989، لكن باكستان هي الأخرى تحملت جانباً من العبء نتيجة للفوضى التي حدثت بعد ذلك، «لا نريد أن يتكرر ذلك».
وفي السياق ذاته، قال مشاهد حسين، رئيس لجنة العلاقات الخارجية بمجلس الشيوخ الباكستاني، إن «انسحاب القوات الأميركية سيكون بمثابة اعتراف الولايات المتحدة بالهزيمة في أطول حرب خاضتها على الإطلاق وسيكون أكبر انتكاسة عسكرية تتعرض لها الولايات المتحدة»، منذ سقوط سايغون عام 1975، وأن ذلك سيزيد من اعتماد الولايات المتحدة على باكستان لإحلال السلام في أفغانستان، مضيفا: «أن هذا الوضع سيتسبب في تأخير الانتخابات الأفغانية، وذلك لتمهيد الطريق أمام حكومة وحدة وطنية تشمل طالبان». وكانت الولايات المتحدة حتى وقت قريب تقول إن باكستان كثيرا ما تشدقت بالكلام عن مباحثات السلام في الوقت الذي تستضيف فيه ميليشيات حركة «طالبان» المناوئة لأفغانستان. لكن في الشهور الأخيرة وفي عهد رئيس وزراء جديد، عملت باكستان على إقناع الولايات المتحدة بأنها تسعى بإخلاص إلى إحلال السلام بعد أن أرسلت ممثليها الأسبوع الماضي لإجراء مشاورات في الإمارات العربية مع مسؤولين أميركيين وسعوديين ووفود طالبان.
وذكر مراقبون في أفغانستان وباكستان أنهم لم يستطيعوا فهم دوافع قرار ترمب المفاجئ بسحب آلاف الجنود في الوقت الذي بدأت فيه المفاوضات تؤتي ثمارها، فطالبان تطالب دوما ومنذ زمن بعيد برحيل كامل للقوات الأميركية، لكن هناك الكثير من الموضوعات الأخرى المطروحة على طاولة المفاوضات، وقد أبدى المتمردون جدية غير معهودة بإرسال وفد رفيع المستوى للمشاركة في المحادثات التي تستضيفها الإمارات.
وأوضح الرئيس السابق لجهاز الاستخبارات الأفغانية، أمر الله صالح، في رسالة بالبريد الإلكتروني أن قرار ترمب تقليص عدد القوات الأميركية أظهر أنه ينظر إلى أفغانستان باعتبارها «عبئا»، لا على أنها حليف استراتيجي ضروري. أضاف: «لم تحقق محادثات السلام تقدماً يذكر، وليس هناك دليل على أن باكستان قد أوقفت دعم طالبان». أفغانستان الآن تواجه تهديد تراجع المساعدات العسكرية الأميركية. «قد تكون هذه هي النهاية بالنسبة لوجود الولايات المتحدة، لكنها بداية مريرة لنا».
كابل تقلل من تأثير الانسحاب الأميركي... لكن الخبراء منزعجون
مخاوف من عودة طالبان وانتشار الفوضى ومزيد من الاقتتال
كابل تقلل من تأثير الانسحاب الأميركي... لكن الخبراء منزعجون
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة