السعوديون يرسمون ملامح مشروع لتحقيق تراث بلادهم استفادةً من التجارب العالمية

ندوة تؤكد أن التراث العربي المسروق يمكن استعادته بالقانون الفرنسي

مقتنيات المتحف الشعبي في لايدن بهولندا
مقتنيات المتحف الشعبي في لايدن بهولندا
TT

السعوديون يرسمون ملامح مشروع لتحقيق تراث بلادهم استفادةً من التجارب العالمية

مقتنيات المتحف الشعبي في لايدن بهولندا
مقتنيات المتحف الشعبي في لايدن بهولندا

رسمت ندوة عن السعودية وإحياء التراث المادي وغير المادي عُقدت في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات بالرياض، أمس (الأربعاء)، ملامح مشروع علمي ثقافي يحقق جمع هذا التراث وحفظه وتدوينه بصورة ممنهجة وأرشفته بعد جمعه وفهرسته وفق أحدث المناهج، استفادةً من التجارب العالمية الناجحة لحفظ هذا النوع من التراث في جانبه غير المادي. ولمحت الندوة إلى أن ملايين المخطوطات العربية المنتشرة في جميع قارات العالم تتطلب إعادتها إلى مواطنها الأصلية وتحقيقها، والمطالبة بالاستفادة من القانون الفرنسي الذي يساعد على استرجاع هذه المخطوطات إلى بلدانها. وحذّرت الندوة محققي المخطوطات من التصرف بها بالحذف أو الطمس، وتغييب أي معلومات تحملها المخطوطات بحجة وجود أخطاء أو محاذير فيها، مشددين على أن المحقق ينبغي له أن يقدم ما يكتبه المؤلف ولا ينبغي له التدخل في النص الذي رسمه المؤلف إلا من خلال التعليق في الهوامش.
واستعرضت الندوة التي أُقيمت في قاعة الملك عبد العزيز للمحاضرات بمركز الملك عبد العزيز التاريخي الذي يحتضن تاريخ وتراث السعودية، الجهود والمحاولات الفردية والرسمية التي بُذلت لتحويل التراث الشفهي إلى مكتوب، بمشاركة ثلاثة من أساتذة التاريخ والأدب والنقد والمهتمين بشؤون التراث، وأدار الندوة الأستاذ سلطان البازعي، عضو مجلس إدارة الجمعية السعودية للمحافظة على التراث الذي قدَّم تعريفاً بالمشاركين والجهود التي بذلوها في مجال موضوع الندوة، كما حفلت الندوة بمداخلات وتساؤلات مهمة شارك فيها مختصون وعلماء من داخل السعودية وخارجها، أثرت موضوع الندوة التي أقيمت ضمن فعاليات البرنامج الثقافي للمهرجان الوطني للتراث والثقافة «الجنادرية» في دورته الـ33.
واستعرض الدكتور مهند السماري المستشار في الديوان الملكي السعودي والأمين العام لدارة الملك عبد العزيز، في ورقة العمل التي قدمها في الندوة جهود بلاده في المحافظة على التراث من خلال إنجاز مشاريع ستة: مسح المصادر التاريخية الوطنية، وتوثيق الحياة الاجتماعية، ومقتنيات المتحف الشعبي في لايدن بهولندا، والتوثيق الشفوي لشركة «أرامكو»، وتبنت هذه المشاريع الأربعة دارة الملك عبد العزيز، والأدب الشفهي والطب الشعبي في منطقة الباحة (جنوب غربي السعودية)، وقد تبنت هذا المشروع جمعية الثقافة والفنون بالباحة، وتوثيق التراث الشعبي، وتبنته الرئاسة العامة لرعاية الشباب (هيئة الرياضة حالياً)، ومشروع موسوعة الثقافة التقليدية، وأنجزته «شركة الدائرة للإعلام».
ولمح السماري إلى أنه تم إنجاز تسجيلات شفوية بلغت 5252 مقابلة ضمن مشروع مسح المصادر التاريخية الوطنية في مختلف مناطق السعودية، كما تم توثيق كل ما له علاقة بالجوانب الاجتماعية والثقافية والشعبية والاقتصادية في حياة المجتمع السعودي، وشملت أنساق التوثيق: النسق الديني، والعائلي، والاقتصادي، والثقافي، والتربوي، والضبط الاجتماعي، والنسق السياسي، والصحي، والأمني، والقضائي، والترويجي، والقرابي.
وقدَّم السماري ضمن حديثه عن مشروع توثيق الحياة الاجتماعية، نماذج من جوانب التوثيق في هذا المشروع من خلال: ظاهرة بناء المنازل بأنواعها وأقسامها والعاملين في البناء، والمواد المستخدمة، والوضع الاجتماعي للعاملين، وأبرز المهن الموجودة في المجتمع السعودي وارتباطها بالبيئة الطبيعية والاجتماعية، والثقافية والاقتصادية، إضافةً إلى نموذج الملابس التقليدية للرجال والنساء ودلالاتها الثقافية والاجتماعية وعلاقتها بالبيئة الجغرافية، والزينة والحلي للنساء والرجال وعلاقتها بالبيئة الثقافية والاجتماعية، وارتباطها بالحياة الاجتماعية.
كما ألمحت ورقة العمل التي قدمها السماري للندوة عن مشروع توثيق الحياة الاجتماعية في السعودية، إلى رصد 3300 تسجيل، وجميع ما نُشر عن الحياة الاجتماعية في السعودية، كقاعدة معلومات عن هذا المشروع. وكشف السماري عن وجود أكثر من 400 قطعة عينية قام بجمعها المستشرق الهولندي سنوك هورخروتيه، وتم إيداعها المتحف الشعبي بمدينة «إيدة»، وقد وقّعت الدارة اتفاقية مع المتحف ومكتبة جامعة لايدن لدراسة هذه القطع وتصنيفها ونشرها.
واعتبر الدكتور حمد بن ناصر الدخيل أستاذ الأدب والنقد بجامعة الإمام محمد بن سعود الإسلامية، أن المخطوط العربي جزء من تاريخ الأمة، ووصفه بالتراث المفقود، ملمحاً إلى أن رحلة المخطوط العربي ممتدة إلى أكثر من ألف عام، وقد استقر في الغرب، بسبب أحداث أبرزها الاحتلال والرحلات، مشدداً على أن المخطوط العربي كان له تأثير على النهضة في أوروبا، وأن دول العالم تملك في مكتباتها ومتاحفها مئات الآلاف من المخطوطات العربية خصوصاً في إيطاليا وفرنسا وبريطانيا، ذاكراً في هذا الصدد وجود مليون مخطوط خارج الوطن العربي لم يُحقق منه سوى 155 ألفاً.
وأكد الدكتور عمر السيف أستاذ النقد والأدب في جامعة الملك سعود رئيس مجلس الجمعية السعودية للثقافة والفنون، في ورقته التي تناولت حفظ التراث غير المادي أهمية أن يكون جامعو التراث من الخبراء في الشأن التراثي، العالمين بالأحداث، والحكايات والأمثال، واللهجة، وأنساق التفكير في الثقافة المعنيّة، وأن يتمتعوا بقدرة منهجية عالية تمكّنهم من جرح الرواة وتعديلهم بموضوعية، مشدداً على أهمية تبني مشروع شامل لجمع التراث الشفهي في بلاده بشكل مؤسّسي.



«مجتمع ورث» يحيي التراث السعودي برؤية عالمية

«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)
«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)
TT

«مجتمع ورث» يحيي التراث السعودي برؤية عالمية

«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)
«مجتمع ورث» منصة لإحياء وتطوير الحرف اليدوية وربطها بالتصميمات الحديثة (الشرق الأوسط)

في إطار الاهتمام المتزايد بإحياء التراث السعودي وتعزيز الهوية الثقافية الوطنية، أطلق المعهد الملكي للفنون التقليدية «وِرث» مبادرته المتميزة «مجتمع وِرث»، في يوم 4 يناير 2025، وذلك في مقره الرئيسي بمدينة الرياض. يأتي ذلك بالتزامن مع إعلان عام 2025 عاماً للحِرف اليدوية، ما يُجسد رؤية المملكة في دعم الفنون التقليدية وصونها وتطويرها لتكون جزءاً من الثقافة الحية التي تجمع بين الأصالة والحداثة.

ويهدف «مجتمع وِرث» إلى أن يكون المنصة الرائدة لإحياء وتطوير الحِرف اليدوية السعودية وربطها بالتصميم والتقنيات الحديثة. كما يسعى إلى تعزيز مشاركة المؤسسات والمجتمع المحلي في إبراز أهمية الفنون التقليدية في دعم الهوية الثقافية، إلى جانب تمكين الأفراد من استكشاف الإمكانات الكامنة في توظيف تلك الفنون عبر تقنيات معاصرة تشمل لقاءات وورش عمل تفاعلية مع نخبة من الخبراء والمختصين في مجالات الحِرف اليدوية والفنون التقليدية، مما يتيح فرصة استثنائية لتبادل الخبرات وإثراء المعارف وتطوير المهارات.

أنشطة تعليمية وحرفية يقدمها «مجتمع ورث» (الشرق الأوسط)

هذه الخطوة تمثل رؤية طموحًا تجمع بين الحفاظ على التراث وإعادة تقديمه بأساليب مبتكرة، فهي تعمل على دمج الحِرف اليدوية مع أدوات التكنولوجيا الحديثة مثل النمذجة ثلاثية الأبعاد، والطباعة الرقمية، والتصنيع الذكي، مما يسهم في تحويل المنتجات التراثية إلى أعمال عصرية تلبي متطلبات السوق المحلية والعالمية، مع الحفاظ على جذورها الأصيلة.

وتشمل فعاليات «مجتمع وِرث» مجموعة واسعة من الأنشطة التعليمية والحرفية والريادية التي تستهدف جميع المهتمين بالفنون التقليدية. ومن أبرز ورش العمل المقدمة، التدريب على تصميم المنتجات التراثية باستخدام البرامج الحديثة، وتطوير المهارات التسويقية للحرفيين عبر القنوات الرقمية، إلى جانب استراتيجيات دمج التصميم المعاصر مع الحرف اليدوية، كما يقدم المجتمع جلسات حوارية تضم خبراء ومتخصصين، وتركز على استكشاف تطورات هذا المجال وإيجاد حلول مبتكرة تحفز الإبداع والابتكار.

ويُعد المعهد الملكي للفنون التقليدية «وِرث» مؤسسة رائدة تسعى إلى الحفاظ على التراث الوطني السعودي وتعزيزه، من خلال تبنّي مشروعات وبرامج تُبرز الفنون التقليدية محلياً وعالمياً. ويسعى المعهد إلى دعم المتميزين في هذا المجال، سواء أكانوا من الحرفيين أم الممارسين أم المهتمين، من خلال توفير بيئة تعليمية وداعمة تحفز المواهب وتعمل على تطويرها. إلى جانب ذلك، يُولي المعهد اهتماماً خاصاً بتقدير الكنوز الحية التي تمثل رموزاً للإبداع الحرفي، وتشجيع الأجيال القادمة على تعلم وإتقان الحِرف التقليدية السعودية وتطويرها بما يتماشى مع روح العصر.

ويشكل إطلاق «مجتمع وِرث» جزءاً من رؤية استراتيجية تسعى لتحقيق أهداف «رؤية المملكة 2030» في مجال الثقافة والفنون، وذلك من خلال الجمع بين التراث والابتكار، حيث يسعى «المجتمع» إلى بناء جسور تربط الماضي بالحاضر والمستقبل، مما يضمن استمرار الحِرف اليدوية بوصفها عنصراً حيوياً في الهوية الثقافية السعودية يسهم في تعزيز مكانتها عالمياً.