العالم في 2019: تركيا تدخل العام الجديد في ظل «أزمات شائكة»

تحديات أبرزها العلاقات مع أميركا وأوروبا والتدهور الاقتصادي

لوحة شركة صرافة في اسطنبول تظهر انهيار الليرة التركية أمام العملات الأجنبية (غيتي)
لوحة شركة صرافة في اسطنبول تظهر انهيار الليرة التركية أمام العملات الأجنبية (غيتي)
TT

العالم في 2019: تركيا تدخل العام الجديد في ظل «أزمات شائكة»

لوحة شركة صرافة في اسطنبول تظهر انهيار الليرة التركية أمام العملات الأجنبية (غيتي)
لوحة شركة صرافة في اسطنبول تظهر انهيار الليرة التركية أمام العملات الأجنبية (غيتي)

تواجه تركيا خلال عام 2019 سلسلة تحديات سياسية واقتصادية؛ بعضها يشكل امتداداً لما شهدته خلال عام 2018 الذي مرت فيه بأكثر من أزمة أثرت بشكل حاد على الوضع الاقتصادي؛ تحديداً، الذي يلقي بثقل كبير على إيقاع الحياة اليومية للمواطنين في ظل أزمة لا يتوقع أن تنتهي قبل عامين على الأقل.
انتقلت تركيا في يونيو (حزيران) الماضي، رسمياً، إلى نظام حكمها الجديد؛ النظام الرئاسي، الذي يتمتع فيه رئيس الجمهورية بصلاحيات شبه مطلقة، بعد الفوز في الانتخابات الرئاسية المبكرة التي أجريت في 24 من الشهر ذاته، وحافظ حزبه من خلال التحالف مع حزب الحركة القومية على الأغلبية بالبرلمان في الانتخابات التشريعية التي أجريت في اليوم نفسه.
وفاز إردوغان في الانتخابات بولاية رئاسية ثانية مدتها 5 سنوات، وانفتحت الطريق أمامه للبقاء في السلطة حتى الذكرى المئوية لتأسيس الجمهورية التركية في 2023 وما بعدها.
وأصدر إردوغان بموجب تعديلات دستورية أقرت في 2017 عددا من المراسيم التشريعية التي تهدف إلى تعزيز سلطته في البلاد؛ كان أبرزها إلغاء منصب رئيس الوزراء ونقل صلاحياته إلى رئيس الجمهورية، وأعلن في 10 يوليو (تموز) تشكيل حكومة جديدة برئاسته، ضمت فؤاد أوكطاي نائبا للرئيس إلى جانب 16 وزيرا.
ألقى النظام الجديد بتبعات على الوضع الاقتصادي مع تصاعد مخاوف المستثمرين من تعزيز إردوغان قبضته على القرار الاقتصادي، مما تسبب في هبوط حاد لليرة التركية التي فقدت أكثر من 40 في المائة من قيمتها لهذا السبب، ونتيجة للتوتر الذي شاب العلاقات التركية - الأميركية على خلفية محاكمة القس آندرو برانسون في تركيا بتهمة دعم الإرهاب، قبل أن يفرج عنه ويسمح له بمغادرة البلاد في 12 أكتوبر (تشرين الأول) الماضي.

العلاقات التركية ـ الأميركية
جاء الإفراج عن برانسون، الذي شكلت قضيته محورا لسجال ساخن بين أنقرة وواشنطن لأشهر عدة، ليهدئ إلى حد ما التوتر في العلاقات التي تأزمت مع لجوء واشنطن إلى سلاح العقوبات التجارية ضد أنقرة.
ولم يخف مراقبون أن إنهاء قضية برانسون، على نحو جرى التمهيد له بواسطة كتاب مقربين من الرئيس التركي رجب طيب إردوغان، الذي أظهر تشددا دام لأشهر تجاه مسألة الإفراج عن القس الذي اتهم بدعم «حركة الخدمة» التابعة للداعية فتح الله غولن التي تتهمها السلطات التركية بتدبير محاولة الانقلاب العسكري الفاشلة في منتصف يوليو (تموز) 2016، وحزب العمال الكردستاني وامتداده السوري «وحدات حماية الشعب» الكردية، وجميعها تصنفها أنقرة تنظيمات إرهابية، تم بموجب صفقة بين الجانبين التركي والأميركي سعت أنقرة من خلالها إلى تلافي عقوبات مرتقبة على نظامها المصرفي في قضية «بنك خلق» الحكومي، المتهم بالتلاعب والتحايل للالتفاف على العقوبات الأميركية على إيران في الفترة ما بين عامي 2012 و2015، حيث حكم على نائب مدير البنك السابق محمد هاكان أتيلا بالحبس لمدة تتجاوز 3 سنوات في هذه القضية، إلا إن الادعاء العام الذي عدّ أن العقوبة لم تكن موازية للجرم، تراجع عن تقديم طعن على الحكم كان مقررا في 6 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، في الوقت الذي تتواصل فيه التدقيقات المالية الأميركية في حسابات «بنك خلق» وإن كانت مؤشرات صدرت عن أنقرة تشير إلى نجاة البنك من عقوبات ضخمة كانت ستنال من النظام المصرفي والوضع المالي للبلاد.
وبدا قبل نهاية العام بأيام أن العلاقات بين أنقرة وواشنطن تتجه إلى مزيد من التطبيع عبر إبلاغ وزارة الخارجية الأميركية الكونغرس موافقتها على بيع منظومات صواريخ «باتريوت» لتركيا مقابل 3.5 مليار دولار، ثم إعلان ترمب سحب القوات الأميركية من سوريا في خطوة تشكل دعما لتركيا في مواجهة ميليشيات «الوحدات» الكردية في سوريا، الذين نفذت تركيا خلال الربع الأول من عام 2018 عملية عسكرية تستهدفهم هي عملية «غصن الزيتون» في عفرين.
ومع ذلك، يعتقد مراقبون أن «الصفقة التركية - الأميركية» لم تنجح في تحقيق جميع أهدافها، التي تمثلت في تسليم الداعية فتح الله غولن، ووقف واشنطن دعمها «وحدات حماية الشعب» الكردية في سوريا؛ إذ بدا أن واشنطن لن تغير موقفها بشأن تسليم غولن.
ورأت الكاتبة المختصة في الشؤون الدولية بصحيفة «حرييت»، نوراي مارت، أن أنقرة وواشنطن توصلتا إلى صيغة لتبريد ملفات التوتر في العلاقات دون الوصول إلى حلول كاملة لنقاط التوتر، لا سيما فيما يتعلق بقضية غولن، والعلاقة بين واشنطن والمسلحين الأكراد في سوريا.
وتنبأت مارت، في تعليق لـ«الشرق الأوسط»، بأن واشنطن لن تتخلى عن الطرفين معا؛ تركيا وأكراد سوريا، وستسعى خلال الفترة المقبلة إلى إحداث نوع من التوازن، ولعب دور «الضامن» غير الرسمي للأكراد الذين تعول على دورهم في سوريا وتدعم استمرارهم في هذا الدور.

التدخل في سوريا
ولفتت مارت إلى التباين بين موقفي واشنطن وموسكو في هذا الصدد، عادّةً أن موقف موسكو أكثر وضوحا من الموقف الأميركي لجهة عدم معارضة إقامة كيان يتمتع بالحكم الذاتي للأكراد في شمال سوريا.
وعدّت أن تركيا تحاول الاستفادة من كلا الجانبين؛ الأميركي والروسي، في تحقيق أهدافها في سوريا دون أن تتخلى عن مواقفها المبدئية فيما يتعلق بالأزمة السورية.
ورغم أن تركيا باتت، بإرادتها أو رغماً عنها، طرفاً مباشراً في الصراع شديد التعقيد متعدد الأطراف في سوريا والعراق، فإنها تجنبت تحمل خسائر كبيرة من تدخلها في البلدين؛ بل حققت، في حالات قليلة، مكاسب ملموسة، مثل تأسيس علاقة وثيقة مع رئيس إقليم كردستان العراق السابق مسعود بارزاني وحكومة إقليم كردستان في شمال العراق، وفرض وجود عسكري تركي في عمق أراضي سوريا على حدودها الجنوبية، بوصفه أمراً واقعاً، ومن دون توفر غطاء قانوني دولي تسعى إلى توسيعه عبر عملية جديدة تخطط لها في شرق الفرات.
ومع ذلك؛ يرى وزير الخارجية التركي الأسبق يشار ياكيش أن انخراط تركيا في الأزمة السورية إلى الحد الذي جعلها جزءاً من التطورات على الأرض، يشكل خطأً استراتيجياً، وأنه كان على تركيا أن تلتزم بعدم التدخل في شؤون الدول المجاورة ومحاولة إسقاط أنظمة الحكم فيها.

الطريق إلى أوروبا
ويعتقد محللون، ومنهم بارتشين يناتش، أن عام 2019 سيشهد إعادة أنقرة ترتيب أوراقها وضبط توجهاتها، والتركيز على العودة إلى مسار مفاوضاتها مع الاتحاد الأوروبي، وهو الملمح الذي بدأ الاهتمام به بعد الانتخابات الرئاسية والبرلمانية المبكرة في تركيا في 24 يونيو الماضي بتخفيف إردوغان لهجته الحادة ضد أوروبا، وزيارة عدد من دولها في مقدمتها ألمانيا، وإعادة العلاقات الدبلوماسية مع هولندا، ثم استئناف الاجتماعات الفنية للجان العمل المشتركة التركية - الأوروبية في مسعى لإنهاء التوتر وحالة الجمود المسيطرة على ملف العلاقات مع الاتحاد ومفاوضات انضمام تركيا إلى عضويته.
وكانت علاقات تركيا بالاتحاد الأوروبي أخذت في التدهور السريع مباشرة بعد توقيع اتفاقية اللاجئين في مارس (آذار) 2016، التي نصَّت على فرض قيود تركية صارمة على حركة اللاجئين السوريين إلى أوروبا، مقابل تقديم الاتحاد الأوروبي 6 مليارات يورو للمساعدة في رعايتهم، ووصل التوتر في علاقات الجانبين ذروته خلال الحملة الانتخابية التي سبقت استفتاء التعديلات الدستورية في أبريل (نيسان) 2017، التي هاجمها مسؤولون أوروبيون بصورة حادة، ومنعت دول أوروبية مسؤولين أتراكاً من اللقاء بمواطنيهم في هولندا وألمانيا لشرح مدلولات التعديلات.
ورأت يناتش أنه رغم الجهود التي تبذلها أنقرة لتحسين صورتها لدى الاتحاد الأوروبي، بسبب ملفات حقوق الإنسان وحرية الصحافة وسيادة القانون التي تثير انتقادات متواصلة من الاتحاد لتركيا، فإنه يبدو أن الاتحاد ليس لديه توجه جدي لكسر الجمود في المفاوضات مع تركيا، رغم مرور أكثر من 15 عاماً على بدئها.
ويسود الاعتقاد بأن استمرار التدهور في العلاقات مع الاتحاد الأوروبي قد يشكل تهديداً لأمن تركيا ولوضعها الاقتصادي والمالي، في ظل توقعات المؤسسات المالية الدولية بأن يكون عام 2019 عاما قاسيا بالنسبة لاقتصاد تركيا الذي تفصح مؤشراته عن استمرار الأزمة التي شهدها في 2018 من حيث استمرار التراجع الحاد في النمو، والتقلبات في سعر صرف الليرة، ومواصلة معدل التضخم بمستوى أعلى من 20 في المائة، مع تفاقم مشكلة البطالة، وهروب الاستثمارات. ورأى أستاذ الاقتصاد بجامعة بيلكنت في أنقرة رفعت جركناك أن تركيا ستستمر في دفع ثمن سياستها السابقة لتعزيز ميزان الطلب من أجل تحقيق نمو يفوق إمكانات الاقتصاد.

روسيا وإيران
على صعيد آخر، يعد إردوغان أن عام 2018 كان من أنجح أعوام السياسة الخارجية لبلاده بسبب الاختراق الذي حدث في العلاقات مع واشنطن رغم مواصلة تركيا السير في طريق تعزيز علاقاتها مع روسيا سواء على الصعيد الاقتصادي، أو فيما يتعلق بالملف السوري، أو على صعيد التعاون العسكري والمضي في تنفيذ صفقة صواريخ الدفاع الجوي «إس400» التي لا تزال تثير اعتراضات من جانب الولايات المتحدة. كما واصلت تركيا أيضا تعزيز علاقاتها مع إيران والتعاون معها بشأن الملف السوري رغم التباين في المواقف بشأن نظام بشار الأسد، وهو تباين قائم مع روسيا أيضا، وإن كانت أنقرة أصدرت تلميحات إلى القبول باستمرار الأسد حال انتخابه ديمقراطيا بإشراف أممي.
ورغم إعادة ترمب فرض العقوبات على إيران بعد الانسحاب، أحادي الجانب، من الاتفاق النووي، فإن تركيا أعلنت رفضها العقوبات، ونجحت في الحصول على إعفاء مؤقت ضمن 8 دول من الحزمة الثانية للعقوبات على إيران التي بدأ سريانها في 5 نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي في مجال الطاقة.



2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
TT

2025... عام ملء الفراغات؟

الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)
الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب (أرشيفية - رويترز)

لا يوجد فراغ مسموح به في الطبيعة. فالطبيعة لا تغيّر طبيعتها، لأنها تكره الفراغ. في الفراغ لا حياة، لا صراع ولا تاريخ. فالتاريخ يتنقّل بين الفوضى والنظام. يُفرض النظام بالإكراه، فتوضع القوانين لتُفرض بالقوّة والإكراه أيضاً. هكذا كتب ألبير كامو، الفيلسوف الفرنسي في كتابه «الإنسان المتمرّد»، (The Rebel): «في النظام، كما في الفوضى، هناك شيء من العبوديّة». تستهدف الثورة النظام القائم، فتخلق الفوضى. لكنها مُلزمة بإعادة تكوين نظام جديد. وبين الفوضى والنظام، يدفع الإنسان العاديّ الأثمان.

يقول السياسيّ الراحل هنري كيسنجر ما معناه: إن الفراغ يجلب الحرب والهجوم. فهل سيكون عام 2025 عام ملء الفراغات، أو خلق بعضها؟

دخان يتصاعد من شمال قطاع غزة خلال قصف الجيش الإسرائيلي (أرشيفية - أ.ف.ب)

بعد عملية 7 أكتوبر (تشرين الأول) 2023، تغيّرت موازين القوى في المنطقة. سقطت «حماس». سقط «حزب الله». سقط النظام في سوريا... وبذلك انهارت وحدة الساحات، أو ما يُسمّى محور المقاومة. وبسبب ذلك، سقطت منظومات كانت قائمة. وتظهّرت الفراغات القاتلة. ها هي إسرائيل تدمّر قطاع غزّة، لتخلق فراغاً لا توجد فيه حركة «حماس»، ولتؤسّس لحالة معيّنة قد يُطلَق عليها «الاحتلال التغييريّ»، (Transformative). بكلام آخر، فُرض الاحتلال أمراً واقعاً خارج القانون الدوليّ، لكنه طويل، ومُكلف للمُحتلّ، الأمر الذي قد يخلق ثقافة جديدة، ومختلفة عما كانت قبلها، حتى ولو تطلّب الأمر جيلاً من الزمن.

دخلت إسرائيل لبنان خلال الحرب الأخيرة، فخلقت منطقة عازلة. وها هي اليوم تُحصّنها استباقاً للسيناريو السيّئ. خلقت إسرائيل هذا الفراغ على الحدود اللبنانيّة، كما في داخل قطاع غزّة بالقوّة العسكريّة المُفرطة. لكن البقاء في لبنان واحتلال المنطقة العازلة، هو أمر مختلف تماماً عن احتلال قطاع غزّة.

بعد سقوط النظام في سوريا، سارعت إسرائيل إلى احتلال مزيد من الأراضي السوريّة وتوسيع المنطقة العازلة. لكنه احتلال من دون استعمال للقوّة، حتى ولو دمّر الطيران الإسرائيليّ قدرات الجيش السوريّ المستقبليّ. إنه احتلال مؤقّت-طويل. لكن المفارقة هي إعلان إسرائيل أن الجولان لن يعود إلى سوريا، وهو احتلال كأمر واقع (De Facto). ولتحرير الجولان، لا بد من حرب أو تفاوض، وهذان أمران متعذّرَان حالياً لأسباب كثيرة. وعليه قد يمكن حالياً إعلان وفاة مقولة كسينجر: «لا حرب في الشرق الأوسط من دون مصر، ولا سلام من دون سوريا».

صورة نشرها الجيش الإسرائيلي وقال إنها لجولة رئيس الأركان هرتسي هاليفي الميدانية في جنوب لبنان (أرشيفية)

حال العالم

في أوكرانيا يستعين الرئيس بوتين في حربه بالتكنولوجيا الغربيّة لتصميم صواريخه، آخرها الصاروخ الفرط صوتيّ «أوريشنيك». كما يستعين بالمُسيّرات الإيرانيّة، والعسكر الكوري الشمالي لتحرير الأرض الروسية في كورسك. يريد بوتين الاحتلال التغييري للشرق الأوكرانيّ.

في منطقة نفوذ الصين، يسعى التنين إلى استرداد جزيرة تايوان على أنها جزء تاريخيّ من الصين الكبرى. فهي تحضّر البحريّة الصينيّة، كون الحرب، وفي حال حصولها، سيكون أغلبها في البحر. ورداً على ذلك، بدأ تشكُّل كثير من التحالفات ردّاً على السلوك الصينيّ.

وفي مكان آخر من العالم، يُحضّر الرئيس الأميركي المنتخب دونالد ترمب مأسسة الصراع مع التنين الصينيّ. فهو يريد استعادة السيطرة على قناة بنما، نظراً إلى أهمية هذه القناة على الأمن القومي الأميركيّ. فهي الشريان الحيويّ الذي يربط الشرق الأميركي بالغرب. وهي التي أوصى بها المفكّر الاستراتيجيّ الأميركي البحريّ ألفريد ماهان. وهي التي أشرفت على بنائها الولايات المتحدة الأميركيّة، وذلك بعد انفصال بنما عن كولومبيا وبمساعدة البحريّة الأميركيّة آنذاك، خلال فترة حكم الرئيس الأميركي الراحل تيودور روزفلت. وبذلك، تكون القناة قد مرّت بثلاث مراحل هي: 1906 البناء مع الرئيس روزفلت، و1977 مع الرئيس جيمي كارتر الذي أعادها إلى بنما، واليوم مع الرئيس ترمب الذي يريد استردادها.

صور الرئيس الأسبق حافظ الأسد ممزقة للمرة الأولى في تاريخ سوريا (الشرق الأوسط)

يرى البعض أن تصريحات الرئيس ترمب مجرّد كلام عاديّ بسبب شخصيّته الفريدة. لكن الأكيد أن تصريحاته تنمّ عن عمق جيوسياسيّ بعيد المدى. فما معنى طرحه موضوع شراء جزيرة غرينلاند من الدنمارك؟ ما أهميّة هذه الجزيرة؟

إن ثقافة دبلوماسيّة الدولار (Dollar Diplomacy) في التاريخ الأميركي ليست جديدة. فهي قد اشترت لويزيانا من فرنسا عام 1803 بـ15 مليون دولار. كما اشترت من روسيا ولاية ألاسكا الحاليّة بـ7.2 مليون دولار.

شكّلت لويزيانا الربط بين الشرق والغرب الأميركيّ، كما سيطرت على أهمّ مرفأ أميركيّ يطلّ على خليج المكسيك. وبالحدّ الأدنى أخرجت دولة أوروبيّة من الأرض الأميركيّة. أما شراء ألاسكا، فقد أعطى أميركا إطلالة على مضيق بيرينغ الذي يطلّ بدوره على الأرض الروسيّة.

التحّولات الجيوسياسيّة الحاليّ

مع صعود الصين، تبدّلت موازين القوى العالميّة عمَّا كانت عليه خلال الحرب الباردة. فللصين قدرات كونيّة وفي كل الأبعاد، خصوصاً الاقتصاديّة والعسكريّة، وهذه أبعاد افتقر إليها الاتحاد السوفياتيّ. تسعى الصين إلى التموضع في القارة الأميركيّة. يُضاف إلى هذا التحوّل، الكارثة البيئيّة والاحتباس الحراري، الأمر الذي قد يفتح طرقاً بحريّة جديدة، حول الشمال الأميركيّ. خصوصاً أن ذوبان المحيط المتجّمد الشمالي سوف يُغيّر جغرافيّة الصراع الجيوسياسيّ بالكامل. ونتيجة لذلك، ستصبح الولايات المتحدة الأميركيّة تطلّ على ثلاثة محيطات بعد أن كانت تطلّ على محيطين.

وحدة مدفعية أوكرانية في منطقة زابوريجيا تطلق النار باتجاه القوات الروسية على خط المواجهة (أرشيفية - رويترز)

تتميّز غرينلاند بمساحتها الكبيرة، نحو مليوني كيلومتر مربع، مع عديد لا يتجاوز 56 ألف نسمة، وثروات مهمّة قد تجعل أميركا تستغني عن استيراد كثير من الثروات الطبيعيّة من الصين. خلال الحرب الباردة حاول الرئيس هاري ترومان شراء الجزيرة، وهي لا تزال تضمّ قاعدة عسكريّة جويّة أميركيّة.

في الختام، إذا استطاع الرئيس ترمب استعادة السيطرة على قناة بنما، وسيطر بشكل ما على غرينلاند، سيتكوّن مثلثّ جيوسياسيّ دفاعيّ حول الولايات المتحدة الأميركيّة يرتكز على: غرينلاند، وألاسكا، وقناة بنما. كل ذلك، بانتظار الرئيس ترمب في البيت الأبيض، وكيف سيتعامل مع العالم خصوصاً الصين. فهل سيكون انعزاليّاً أم انخراطيّاً أم مزيجاً من المقاربتين؟