لبنان يتنفس ثقافة عوضاً عن الاختناق السياسي

وفرة في النتاجات السينمائية والمسرحية وشيء من الفوضى

مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»
مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»
TT

لبنان يتنفس ثقافة عوضاً عن الاختناق السياسي

مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»
مشهد من مسرحية «ما طلت كوليت»

النبض الثقافي في لبنان يكاد يكون على العكس من الحياة السياسية المتهالكة. وإذا كان الفن، كي ينتعش، يحتاج في العادة اقتصاداً يدعمه، فلربما أن ما يحدث في لبنان هو غير ذلك. فبقدر ما تشحّ المداخيل، يبدو أن الفنانين يعثرون على مصادر للتمويل، ويخفضون في الوقت ذاته من تكاليفهم، ويبسّطون أدواتهم، ويحاولون العثور على وصفات تجتذب الجمهور. هذا على الأقل ما يحدث في المسرح. وإذا نظرنا إلى عدد المسرحيات التي قدمت هذا العام، سنجد أنها تفوق عدداً تلك التي كنا نراها قبل سنوات قلال، وأن الجمهور الذي كان يُستجدى لتبقى المسرحية الواحدة أسبوعاً على الخشبة، بات يحاول حجز مكان أحياناً فلا يجده. هذه السنة كان بمقدورك أن تحصي مسرحيات عدة تعرض في وقت واحد، وأن تختار بينها. صارت المسرحية الواحدة تعرض لأسابيع، وربما لأشهر، ويعاد عرضها، وتجد من يقبل عليها. مسرحيات صغيرة، في غالبية الأحيان، لكنها غير تلك التجريبية الحزينة السوداوية التي كان يصرّ عليها المسرحيون. شيء من النقد، مع فكاهة، ونصّ مسبوك، وممثل أو اثنين، تصحبهما موسيقى، قد تكون حية أحياناً، وسينوغرافيا ذكية، هي خلطة قد يستبدل بأحد عناصرها غيره، لكنها تبقى قريبة من مذاق متفرج يريد أن يذهب إلى المسرح، لا ليعمل التفكير ويغرف فلسفة، بل ليريح ذهنه من تفاصيل النهار الصعبة وظلامها الخانق.
هكذا، لم يتخلَ زياد عيتاني عن روح النكتة في مسرحيته «ما طلت كوليت»، رغم أنها تستلهم تجربته المروعة في السجن، حين اتهم بالتعامل مع إسرائيل، وسجن وشهّر به، ثم أخلى سبيله بعدما تبينت براءته. قصة من المفترض أنها مبكية، لكنه اضطر أن يمزج مرارتها بشيء من السخرية وهو يعرضها في «مترو المدينة».
في الوقت نفسه، كان زميله الذي انفصل عنه بعد تلك الحادثة، يحيى جابر، يقدم مسرحية أخرى، بعنوان «شوو هااا؟»، يمثلها حسين قاووق في «تياترو فردان». ولا بأس أيضاً من استعادة مسرحية كان قد قدمها جابر سابقاً، وهي «مجدرة حمرا»، المونودراما التي تقف فيها منفردة على المسرح «أنجو ريحان». وقبلهما بقليل، كانت مسرحية «لغم أرضي» قد بدأت عروضها على «مسرح المدينة»، للمخرج إيلي كمال، ومن تمثيل ندى أبو فرحات وعمار شلق. وتغلق السنة على مسرحية الموهوبة عايدة صبرا، مخرجة وكاتبة فقط هذه المرة، وهي تدير الممثلين إيلي نجيم ورودريغ سليمان في «طقس بيروت».
وليس هنا مجال لتعداد المسرحيات التي عرضت خلال السنة، إنما يكفي القول إن «المهرجان الوطني للمسرح اللبناني» ولد أخيراً، وشهد دورته الأولى، بفضل دعم إمارة الشارقة، ممثلة بـ«الهيئة العربية للمسرح»، وهذا بحد ذاته إنجاز. وقد عرضت ضمن اختيارات المهرجان مسرحيات سبق للجمهور أن رآها. ومع ذلك، شهدت العروض حضوراً مهماً، مما يعني أن الناس صاروا أكثر ألفة مع هذا الفن.
على أي حال، ما ينطبق على المسرح يصح على السينما. فإضافة إلى المهرجانين الرئيسيين في بيروت، صار للمناطق مهرجاناتها أيضاً، مثل طرابلس والبترون، ولكل موضوع مهرجان. فهناك مهرجان مسكون لأفلام الرعب، وآخر لحقوق الإنسان، وغيره للهجرة، أو للأفلام اللبنانية القصيرة أو الوثائقيات، غير ما تنظمه بعض السفارات الأجنبية من مهرجانات لأفلامها. ويترافق هذا مع تزايد لأعداد الأفلام اللبنانية التي توالى صدورها هذه السنة، وتجد جمهوراً ينتظرها. وإن كان من المتعذر ذكرها جميعها، فمن الإنصاف الحديث عن فيلمين اثنين، هما: فيلم زياد دويري «قضية رقم 23»، الذي صدر نهاية عام 2017، لكن ترشيح وزارة الثقافة له للأوسكار مطلع العام الحالي آثار لغطاً كبيراً نظراً لأن المخرج سبق له أن صور فيلماً في إسرائيل، وأقام هناك لشهور. النقاش كان حامي الوطيس، ولم يحصل الفيلم على الأوسكار، رغم وصوله إلى النهائيات. لكن فيلم نادين لبكي «كفرناحوم» حصد جائزة لجنة التحكيم في «مهرجان كان»، وكانت هذه المرة الثانية لفيلم لبناني منذ حصل على الجائزة نفسها مارون بغدادي عن فيلمه «خارج الحياة» عام 1991. وعلى مبعدة أيام من نهاية السنة، اختير فيلم لبكي على اللائحة القصيرة بين 9 أفلام مرشحة لجائزة أوسكار أفضل فيلم أجنبي. كثير من الأفلام الصغيرة التسلوية، أو التي تمر عابرة، لكن الكثرة التي باتت سمة لكل النتاجات الثقافية، وتخلق نوعاً من الفوضى، يتمخض عنها بعض الثمر النضيج الذي يوصل إلى مراتب مهمة، سواء في الفن التشكيلي أو فن التصميم الذي يبدو أن الاهتمام به يتزايد منذ اكتشف اللبنانيون أن بينهم من المواهب ما يلقى ترحاباً أبعد من المنطقة العربية. وانعقاد «بيروت ديزاين فير» للمرة الثانية، إلى جانب «بيروت آرت فير»، إضافة إلى أنشطة أخرى كثيرة حول هذا الفن، تؤكد أن الدرب تعبد باتجاه الأفضل.
الوفرة قد تصبح نقيض الجودة، فكما أن كثرة المسارح لا تعني أن المسرح يعيش عصره الذهبي، بقدر ما تعطي الأمل بأن فلترة لبعض الأعمال والأسماء والمواهب قد تحفر في الذاكرة، كذلك هي حال الإصدارات الأدبية؛ عشرات الروايات أبصرت النور هذا العام، ومثلها من الدواوين الشعرية، وهو ما ينطبق أيضاً على الدراسات. وأصبح من المحال غربلة هذا الكم من الكتابات، خصوصاً مع غياب صوت صفحات نقدية، وتقهقر وضع الصحف، وإغلاق صحف رئيسية منها. فإذا كان العام الماضي قد انتهى بوداع جريدة «السفير»، فقد انقضى العام الحالي مع انطفاء نجم جريدة أخرى لها تاريخ، هي «الأنوار». وإذ يتراجع النقد، ويكتفي غالبية من تبقى من صحافي المجال الثقافي بالعرض والتعريف، فنحن أمام تراكم أدبي يترك للقراء التعاطي معه كيفما اتفق. وكي لا نقع في فخ ذكر الأسماء، نقول في العموم إن ثمة كتباً، لا يمكن تصنيفها في خانة الأدب الكبير أو المتوسط، هي التي حازت العدد الأكبر من الشراة والقراء، لا بالضرورة من باب المجاملة، إنما لأن المؤلف يشاهد على التلفزيون، أو يضرب على وتر ضعيف عند القراء، أو يكتفي بدغدغة المشاعر. وبالعودة إلى ما حدث في معرض بيروت للكتاب، فإن حفلات التوقيع الكبرى لم تكن من نصيب النصوص الأهم، وإنما الكتّاب الأسهل قراءة، في الغالب. وإذا ما بقينا في مجال الأدب، فقد ودّع لبنان هذا العام الأديبة أملي نصر الله، وبعدها بأشهر تحقق حلمها بأن حول منزلها القديم الذي يعود عمره إلى ما يقارب المائة سنة في قريتها الكفير إلى ما سمي بيت «طيور أيلول»، على اسم روايتها الشهيرة، ليضم في مقبل الأيام مكتبة مفتوحة للزوار، كما صدرت مذكراتها التي كتبتها قبيل وفاتها في كتاب غاية في الأناقة، بتصميم فني بديع يحمل اسم «المكان». ومن الأماكن الجميلة التي افتتحت هذه السنة، ولا يمكن تغافلها، «متحف نابو» على شاطئ «رأس الشقعة»، شمال لبناني. والمبنى من تصميم الفنان العراقي ضياء العزاوي، فيما معروضاته تتنوع بين الأثرية التي تعود إلى ما قبل الميلاد، مروراً بتشكيليين كبار مثل شفيق عبود، وصليبا دويهي، وجبران خليل جبران، وأحمد المعلا، وغيرهم. ومما احتفي به مرور 110 سنوات على ولادة قاموس «المنجد» عن «دار المشرق»، وصدور مجموعة قصصية غير منشورة لنجيب محفوظ، بعنوان «همس النجوم»، عن «دار الآداب»، وهي المرة الثانية التي يصدر فيها كتاب لمحفوظ من لبنان، بعد «أولاد حارتنا»، وكان ذاك اختياره، بعد أن تعذر إصدارها في مصر يومها. كما احتفت «دار الآداب» بصدور «الديوان الكبير» لابن عربي، بعد 800 سنة على وفاته، وأغلقت «دار الجديد» عامها على تواقيع لكتاب «لوجه ما لا يلزم»، للمفكر الإيطالي نوتشيو أوردينه، مترجماً إلى العربية، و«في صحبة العربية»، الذي صنفته الأحسن مبيعاً بين إصدارتها، لأحمد بيضون، مع طبعة جديدة لكتابين شيقين: «قصة أسمهان»، بما يكتنفها من أسرار، كما يرويها فوميل حبيب، وديوان الشاعر غسان الخنيزي «أوهام صغيرة».
لبنان يكبو سياسياً ويتنفس جمالياً، تلك معادلة لا تزال قائمة، وهي المنفذ الوحيد الذي لا يزال يسمح لبصيص أمل أن يلوح في الأفق.



احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)
TT

احتفال خاص للبريد الملكي البريطاني بمسلسل «قسيسة ديبلي»

دفء الشخصيات (رويال ميل)
دفء الشخصيات (رويال ميل)

أصدر البريد الملكي البريطاني (رويال ميل) 12 طابعاً خاصاً للاحتفال بمسلسل «The Vicar of Dibley» (قسيسة ديبلي) الكوميدي الذي عُرض في تسعينات القرن الماضي عبر قنوات «بي بي سي».

وذكرت «الغارديان» أنّ 8 طوابع تُظهر مَشاهد لا تُنسى من المسلسل الكوميدي، بما فيها ظهور خاص من راقصة الباليه السابقة الليدي دارسي بوسيل، بينما تُظهر 4 أخرى اجتماعاً لمجلس أبرشية في ديبلي.

وكان مسلسل «قسيسة ديبلي»، من بطولة ممثلة الكوميديا دون فرينش التي لعبت دور القسيسة جيرالدين غرانغر عاشقة الشوكولاته، قد استمرّ لـ3 مواسم، من الأعوام 1994 إلى 2000، تلتها 4 حلقات خاصة أُذيعت بين 2004 و2007.

في هذا السياق، قال مدير الشؤون الخارجية والسياسات في هيئة البريد الملكي البريطاني، ديفيد غولد، إن «الكتابة الرائعة ودفء الشخصيات وطبيعتها، جعلت المسلسل واحداً من أكثر الأعمال الكوميدية التلفزيونية المحبوبة على مَر العصور. واليوم، نحتفل به بإصدار طوابع جديدة لنستعيد بعض لحظاته الكلاسيكية».

أخرج المسلسل ريتشارد كيرتس، وكُتبت حلقاته بعد قرار الكنيسة الإنجليزية عام 1993 السماح بسيامة النساء؛ وهو يروي قصة شخصية جيرالدين غرانغر (دون فرينش) التي عُيِّنت قسيسة في قرية ديبلي الخيالية بأكسفوردشاير، لتتعلّم كيفية التعايش والعمل مع سكانها المحلّيين المميّزين، بمَن فيهم عضو مجلس الأبرشية جيم تروت (تريفور بيكوك)، وخادمة الكنيسة أليس تنكر (إيما تشامبرز).

ما يعلَقُ في الذاكرة (رويال ميل)

وتتضمَّن مجموعة «رويال ميل» طابعَيْن من الفئة الثانية، أحدهما يُظهر جيرالدين في حفل زفاف فوضوي لهوغو هورتون (جيمس فليت) وأليس، والآخر يُظهر جيرالدين وهي تُجبِر ديفيد هورتون (غاري والدورن) على الابتسام بعد علمها بأنّ أليس وهوغو ينتظران مولوداً.

كما تُظهر طوابع الفئة الأولى لحظة قفز جيرالدين في بركة عميقة، وكذلك مشهد متكرّر لها وهي تحاول إلقاء نكتة أمام أليس في غرفة الملابس خلال احتساء كوب من الشاي.

وتتضمَّن المجموعة أيضاً طوابع بقيمة 1 جنيه إسترليني تُظهر فرانك بيكل (جون بلوثال) وأوين نيويت (روجر لويد باك) خلال أدائهما ضمن عرض عيد الميلاد في ديبلي، بينما يُظهر طابعٌ آخر جيم وهو يكتب ردَّه المميّز: «لا، لا، لا، لا، لا» على ورقة لتجنُّب إيقاظ طفل أليس وهوغو.

وأحد الطوابع بقيمة 2.80 جنيه إسترليني يُظهر أشهر مشهد في المسلسل، حين ترقص جيرالدين والليدي دارسي، بينما يُظهر طابع آخر جيرالدين وهي تتذوّق شطيرة أعدّتها ليتيتيا كرابلي (ليز سميث).

نال «قسيسة ديبلي» جوائز بريطانية للكوميديا، وجائزة «إيمي أوورد»، وعدداً من الترشيحات لجوائز الأكاديمية البريطانية للتلفزيون. وعام 2020، اختير ثالثَ أفضل مسلسل كوميدي بريطاني على الإطلاق في استطلاع أجرته «بي بي سي». وقد ظهرت اسكتشات قصيرة عدّة وحلقات خاصة منذ انتهاء عرضه رسمياً، بما فيها 3 حلقات قصيرة بُثَّت خلال جائحة «كوفيد-19».