جورجيا... حيث مدن العشق والألف وردة جورية

«مهد السياحة العالمية» حسب الأساطير والميثولوجيا

منظر بانورامي لباتومي
منظر بانورامي لباتومي
TT

جورجيا... حيث مدن العشق والألف وردة جورية

منظر بانورامي لباتومي
منظر بانورامي لباتومي

تقول الحكاية إن مناطق غرب جورجيا كانت محطة انطلاق لأول جولة سياحية في تاريخ البشرية، وذلك حين وصل جايسون، البطل الأسطوري في الميثولوجيا الإغريقية، برفقة عدد من الأبطال والمغامرين ومنهم هرقل، والشاعر أورفيوس، إلى مدينة كولخيس للحصول على الصوف الذهبي. وكولخيس لمن لم يسمع بها، مدينة تقع في الجزء الغربي من جورجيا. اسمها باللغة المحلية «كولخيدا»، نشأت فيها واحدة من أقدم ممالك شعوب جورجيا، كما ساهمت في العصور الوسطى في ظهور الدولة الجورجية. ويتعامل الجورجيون مع رحلة جايسون على أنها كانت أول رحلة «سياحة ثقافية» في التاريخ، وهو ما يجعل منطقتهم مهد السياحة عالمياً.
عند الحديث عن الوجه السياحي لجمهورية جورجيا (السوفياتية سابقاً) يتوه المرء في عالم تغمره طبيعة ساحرة، تمتد ما بين ساحل غني بالمنتجعات السياحية، تحنو عليها سفوح جبال القوقاز بطبيعتها الخضراء التي تتخللها ألون الزهور الطبيعية... ألوان أثرت على المعمار، أو بالأحرى ألوان المنازل التي تروي تفاصيلها تفرد وخصوصية فن العمارة الجورجي منذ القدم وحتى يومنا هذا. وبين البحر والجبل تنتشر مدن جورجيا، التي إما تنتمي إلى قائمة المدن التاريخية القديمة، أو أنها مليئة بالمعالم الأثرية، التي لا تزال تقف شاهداً على مراحل ولادة الدولة وعلى أحداث أخرى من سيرة التاريخ العالمي لإمبراطوريات كبرى، تعاقبت عليها. ولعل أهم ما يميز «جورجيا» التي تبدو مثل لوحة سياحية مرسومة بعناية، شوارعها وأزقتها التي تغطي معظمها الأحجار القديمة بدلاً من الأسفلت. وعلى جانبي تلك الطرقات مبان يبدو أنها تأثرت تارة بفن العمارة في روما، وتارة أخرى بعمارة عصر النهضة في أوروبا.
- تبيليسي
عاصمة «دافئة» لجورجيا منذ 1500 عام... حالها حال كثير من مدن جورجيا، ظهرت هي الأخرى في حكاية من الخيال التاريخي، ولا يبدو أنها خرجت من تلك الحكاية. يقول الجورجيون إن القيصر فاختانغ الأول، الذي حكم عام 458 للميلاد، خرج في رحلة صيد، وأصاب غزالا بالقرب من نهر «كور» الذي تقف تيبليسي الحديثة على ضفافه. لم يمت الغزال؛ بل ركض جريحا باتجاه نبع مياه كبريتية، ما إن قفز فيه حتى اختفى جرحه واستعاد عافيته. لما رأى القيصر هذا المشهد بأم عينيه، قرر إقامة مدينة عند ذلك النبع، أطلق عليها اسم تيبليسي، والكلمة تعني «الدافئة». وما زال نبع المياه الكبريتية موجودا حتى يومنا هذا، بل أضيفت إليه حمامات عامة. اليوم، تشكل منطقة «أبانابوتو باني» أو منطقة مجمع حمامات «أبانابوتو» الكبريتية واحداً من أهم المعالم في الحي التاريخي القديم من مدينة تيبليسي... فيه تنتشر قباب مبنية من القرميد الأحمر والبني الفاتح، منخفضة بحيث تكاد تكون على سطح الأرض، وتحتها توجد مسابح مياه كبريتية تتمتع بمزايا علاجية كثيرة. وتقول بعض المصادر إن تاريخ بناء تلك الحمامات يعود إلى القرن السادس عشر، بينما تؤكد مصادر أخرى أنها تعود إلى بدايات ولادة المدينة، وعمرها يزيد على ألف عام. وكان الشاعر الروسي العظيم ألكسندر بوشكين من رواد تلك الحمامات.
وليس ببعيد عن تلك الحمامات، في تبيليسي القديمة أيضاً، يتجه السياح عادة لزيارة المنطقة التي أقام القيصر فاختانغ، باني تبيليسي، قصره عليها؛ على ضفة نهر «كور». كان كمن وضع بذلك حجر الأساس لبناء العاصمة الجورجية. وتُعرف تلك المنطقة باسم «ميتيخي»، وهي كلمة جورجية تعني «في محيط القصر». وليس ببعيد عن القصر، ينتشر كثير من المعالم الأثرية، أهمها «حصن ناريكالا» التاريخي، وهو معلم سياحي من بين مئات المعالم التاريخية في المنطقة القديمة من تبيليسي. يطلق عليه سكان المدينة لقب «روح وقلب تيبليسي»، ويقف الحصن على جبل ماتساتمنيدا منذ القرن الرابع الميلادي، وتم تشييده حينها للدفاع عن المدينة والتصدي للغزاة. وتعاقبت عليه أكثر من دولة، ففي القرن السابع سيطر عليه الفاتحون العرب، وفي القرن الحادي عشر سيطر عليه المغول، ثم تسببت هزة أرضية عام 1827 بدمار البنى الرئيسية في الحصن، ولم يبق منه سوى الأجزاء التي يمكن رؤيتها في أيامنا هذه.
ومع وجود عدد كبير جدا من المعالم الأثرية والتاريخية في المدينة، فإن مجرد التجوال في شوارعها وأزقتها الضيقة، المرصوفة بالحجر الأسود، يشكل متعة قائمة بذاتها. فهي تتيح للسائح إمكانية التعرف، عن كثب، على تبيليسي وبيئتها الاجتماعية وثقافتها وكل الجوانب الأخرى الجميلة فيها.
- باتومي العاصمة السياحية لجورجيا
تُعرف مدينة باتومي الجورجية منذ الحقبة السوفياتية، وحتى منذ عهد القياصرة، بأنها أجمل منتجع على البحر الأسود... فيها يلتقي سحر المدن الجنوبية مع المناطق الاستوائية. في أرجائها تنتشر أشجار النخيل والسرو إلى جانب أشجار البامبو والغار والليمون والبرتقال والمنغوليا. وهي بالطبع شهيرة بشواطئها الجميلة للاستجمام. فضلا عن ذلك تشكل باتومي تحفة عمرانية؛ إذ تجمع بين فني العمارة الأوروبي والآسيوي، إلى جانب عناصر من فن العمارة الجورجي. وزادت أهمية باتومي سياحيا بعد استقلال جورجيا عن الاتحاد السوفياتي، وتحويل الأجزاء الجميلة التي كانت منطقة عسكرية مغلقة، إلى منتجعات سياحية تستقطب سنويا عشرات آلاف السياح. وتنتشر في المدنية فنادق من كل الفئات، بينها فنادق دولية من فئة «خمسة نجوم»، فضلا عن المطاعم والمقاهي الكثيرة التي تناسب أي ميزانية وتلبي جميع الأذواق.
- جنة كاخيتيا... مدينة العشق وألف جورية حمراء
إن كنت من أصحاب الذوق الرفيع، وتحب الجمع في رحلتك بين جمال الطبيعة وعبق التاريخ، فستجد مبتغاك في مقاطعة كاخيتيا الواقعة شرق جورجيا. حتى عام 2011 لم تكن معروفة بشكل واسع في عالم السياحة. كانت جنة لا يستمتع بجمالها وخيراتها سوى سكانها وقلة ممن قادتهم جولاتهم السياحية الفردية نحوها. بيد أن كل شيء تغير في السنوات الأخيرة بعد ظهور بنى تحتية تخدم السياحية تتمثل في الفنادق الحديثة والمطاعم والمقاهي.
وتضم مقاطعة كاخيتيا مجموعة من المدن والقرى، لا يتجاوز عدد سكانها كلها مجتمعة 318 ألف نسمة. فمدنها صغيرة جدا مثل سيغناخي، التي تُعرف أيضاً باسم «مدينة الحب» أو «مدينة العشق». وكما هي حال معظم المدن والقرى الجورجية، هناك أكثر من حكاية خلف هذه التسمية. يقول البعض إن سيغناخي حصلت على اسم «مدينة الحب» بعد تشييد «قصر الحب» فيها، وهو عبارة عن مؤسسة لتسجيل الزواج، لكن دون تعقيدات ودون الحاجة إلى وثائق. لكن آخرين يقولون إن التسمية ترتبط بحكاية فنان محلي وقع في غرام فتاة، وقام ذات يوم بتغطية كل الطريق المؤدية إلى منزلها بالورد الجوري. وسواء كان الأمر هذا أو ذاك، فإن مدينة سيغناخي معلم سياحي لا بد من زيارته، لا سيما أنها تقع داخل حصن قديم، ما زالت جدرانه قائمة، تحتضن الأحياء السكنية من جميع الجهات. ويمكن للسائح أن يراقب جمال الحياة فيها من 26 برجاً على طول جدار الحصن، والذي يمكن اجتياز أي من بواباته الست لدخول عالم الرومانسية في سيغناخي. وتبدو المدينة أكثر رومانسية في ساعات المساء والليل بفضل الإضاءة.
بالإضافة إلى جمالها وروعة طبيعتها، تتميز أيضا بموقع فريد يطل على وادي الزانسكي الشهير، والذي تغطي كروم العنب الجورجي الشهير أجزاء كبيرة منه.


مقالات ذات صلة

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

سفر وسياحة أسواق العيد في ميونخ (الشرق الاوسط)

جولة على أجمل أسواق العيد في ألمانيا

الأسواق المفتوحة تجسد روح موسم الأعياد في ألمانيا؛ حيث تشكل الساحات التي تعود إلى العصور الوسطى والشوارع المرصوفة بالحصى

«الشرق الأوسط» (لندن)
الاقتصاد جانب من المنتدى التاسع لمنظمة الأمم المتحدة لسياحة فن الطهي المقام في البحرين (الشرق الأوسط) play-circle 03:01

لجنة تنسيقية لترويج المعارض السياحية البحرينية السعودية

كشفت الرئيسة التنفيذية لهيئة البحرين للسياحة والمعارض سارة أحمد بوحجي عن وجود لجنة معنية بالتنسيق فيما يخص المعارض والمؤتمرات السياحية بين المنامة والرياض.

بندر مسلم (المنامة)
يوميات الشرق طائرة تُقلع ضمن رحلة تجريبية في سياتل بواشنطن (رويترز)

الشرطة تُخرج مسنة من طائرة بريطانية بعد خلاف حول شطيرة تونة

أخرجت الشرطة امرأة تبلغ من العمر 79 عاماً من طائرة تابعة لشركة Jet2 البريطانية بعد شجار حول لفافة تونة مجمدة.

«الشرق الأوسط» (لندن)
يوميات الشرق أشخاص يسيرون أمام بوابة توري في ضريح ميجي بطوكيو (أ.ف.ب)

اليابان: اعتقال سائح أميركي بتهمة تشويه أحد أشهر الأضرحة في طوكيو

أعلنت الشرطة اليابانية، أمس (الخميس)، أنها اعتقلت سائحاً أميركياً بتهمة تشويه بوابة خشبية تقليدية في ضريح شهير بطوكيو من خلال نقش حروف عليها.

«الشرق الأوسط» (طوكيو)
يوميات الشرق سياح يصطفون للدخول إلى معرض أوفيزي في فلورنسا (أ.ب)

على غرار مدن أخرى... فلورنسا الإيطالية تتخذ تدابير لمكافحة السياحة المفرطة

تتخذ مدينة فلورنسا الإيطالية التاريخية خطوات للحد من السياحة المفرطة، حيث قدمت تدابير بما في ذلك حظر استخدام صناديق المفاتيح الخاصة بالمستأجرين لفترات قصيرة.

«الشرق الأوسط» (روما)

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
TT

مساعٍ سعودية لتحويل 8 مدن واعدة إلى وجهات عالمية

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)
التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

وسط مسعى السعودية لتنمية مدنها والارتقاء بمعايير جودة الحياة العصرية وتوسيع نطاق العروض السياحية، أبرم عدد من الجهات في القطاعين الخاص والحكومي اتفاقيات بارزة مؤخّراً في هذا الإطار، وشهد معرض «سيتي سكيب» العالمي في الرياض توقيع عدد من هذه الاتفاقيات.

وبهدف تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية، أعلنت «أسفار»، الشركة السعودية للاستثمار السياحي، إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي، عن توقيع مذكرة تفاهم مع «وزارة البلديات والإسكان»، ووفقاً للمسؤولين، سيوفّر هذا التعاون الاستراتيجي فرصاً ترفيهية وثقافية ورياضية جديدة في الأماكن العامة غير المستغلة، ما يسهم في نمو قطاع السياحة في البلاد.

تعزيز الثقافة المحلية والجمال الطبيعي للمناطق

وفي حديث خاص لـ«الشرق الأوسط»، قال الدكتور فهد بن مشيط، الرئيس التنفيذي لشركة أسفار: «نسعى إلى تحويل المدن الواعدة في السعودية إلى وجهات عالمية من خلال استثمارات استراتيجية تعزز الثقافة المحلية، وتبرز الجمال الطبيعي الفريد لكل منطقة». وأضاف أن هذه المبادرات «تمثِّل خطوة مهمة في رحلتنا المستمرة نحو بناء شراكات قوية وتوحيد الجهود بين القطاعين العام والخاص لدفع عجلة السياحة في السعودية».

جانب من التوقيع بين «وزارة البلديات والإسكان» و«أسفار» إحدى شركات صندوق الاستثمارات العامة السعودي. (الشرق الأوسط)

وبحسب ابن مشيط، تتطلّع «أسفار» إلى تعزيز علاقتها مع البلديات وهيئات تطوير المناطق التي تستثمر فيها لتحقيق مهمتها، كاشفاً عن التزام بـ«ترسيخ مكانة السعودية على خريطة السياحة العالمية، وأن نكون جسراً نحو نمو مستدام يحقق قيمة طويلة الأمد للمجتمعات السعودية عبر كافة مناطق السعودية وإثراء تجارب الزوار».

تحويل المساحات إلى وجهات حيوية

وعلمت «الشرق الأوسط» أن التعاون الاستراتيجي يستهدف أيضاً تحويل المساحات غير المستغلة إلى وجهات مجتمعية حيوية، ما يساعد في تحسين جودة الحياة في عدد من المدن الواعدة في السعودية عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر، وذلك تماشياً مع مشروع «بهجة» المبادرة الوطنية للوزارة، بهدف تنمية المدن وتعزيز رفاهية سكانها وتجربة زوارها نحو تحقيق مفهوم جودة الحياة، كما يتناغم مع ما تلتزم به «أسفار» من تحويل المدن الواعدة إلى وجهات سياحية بارزة، تحقيقاً لمستهدفات «رؤية السعودية 2030».

التعاون يستهدف تحسين جودة الحياة عبر تجديد الحدائق والمرافق البلدية بشكل مبتكر (واس)

8 مدن واعدة

ووفقاً لمصادر «الشرق الأوسط»، جاءت الـ8 مدن الواعدة، التي ستعمل «أسفار» على تحويلها إلى وجهات سياحية بارزة كالتالي: الأحساء، الباحة، الجوف، حائل، الخبر، ينبع، الطائف، الدمام.

وفي الإطار ذاته، أُبرمت الاثنين اتفاقية ثلاثية، جمعت أمانة المنطقة الشرقية، وهيئة تطوير المنطقة الشرقية، وشركة «أسفار»، بحضور خالد البكر الرئيس التنفيذي لبرنامج جودة الحياة في السعودية، وهدفت الاتفاقية إلى تعزيز الاستثمار السياحي في مدينة الخبر، ودعم أهداف برنامج جودة الحياة في السعودية، وتضمّنت الاتفاقية إلى جانب تعزيز الوجهات السياحية والترفيهية في المنطقة الشرقية، وتحديداً مدينة الخُبر، تطوير موقع «الكورنيش الجنوبي» ليصبح وجهة سياحية متكاملة ورائدة في القطاع السياحي للمواطنين، المقيمين والزوار على حد سواء.