بقايا «داعش» في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة

التنظيم شرع في تجديد نشاط خلاياه النائمة

قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)
قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)
TT

بقايا «داعش» في العراق وسوريا... الخطورة مستمرة

قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)
قوات مكافحة الإرهاب العراقية ترفع علم «داعش» مقلوباً أمام مسجد النوري الذي دمره التنظيم في مدينة الموصل (أ.ف.ب)

صادف التاسع من ديسمبر (كانون الأول) ذكرى مرور عام على إعلان رئيس الوزراء العراقي، حيدر العبادي، هزيمة تنظيم داعش في العراق، وتحرير آخر معقل له فيها، إلا أن ذلك لا يعني على أية حال التخلص من وجوده، إذ يحاول التنظيم بلا هوادة لملمة أشلائه. وقد أشارت عدة تقارير مؤخراً إلى أن تنظيم داعش قد شرع في تجديد نشاط خلاياه النائمة وجيوبه في سوريا والعراق، وبالأخص في المناطق الحدودية بينهما، كما حذر عدد من المسؤولين من بقايا «داعش» وتصرفاته وقد خفت وهجه.
أكد رئيس الحزب الديمقراطي الكردستاني، مسعود برزاني، في مؤتمر صحافي، أن «داعش» لم ينتهِ، وأنه قد عاد إلى بعض المناطق بشكلٍ أسوأ من ذي قبل، وأن خطره بات أكثر من السابق، فيما قال قائد العمليات المشتركة للعمليات الخاصة في العراق وسوريا، الجنرال باتريك روبرسون، إن تنظيم داعش ينتهج محاولات مستميتة للقتال بعد أن تم طرد أعضائه من مناطق نفوذهم السابقة، التي كانت تحت اسم «الخلافة المزعومة»، بالأخص بعد أن نفدت مصادرهم التي كانت تعتمد من قبل على الضرائب والنفط.
يذكر أن «قوات سوريا الديمقراطية» سيطرت على بلدة هجين، التي تعد من أهم معاقل تنظيم داعش في منطقة دير الزور في سوريا، والتي اندلعت فيها في الفترة الأخيرة اشتباكات قوية بين التنظيم المتطرف و«قوات سوريا الديمقراطية»، فيما ذكرت هذه القوات أن التنظيم لا يزال يحوي ما يصل إلى 5 آلاف داعشي قرب الحدود مع العراق، الأمر الذي يثير من جديد إشكالية أن التغلب على الخلافة الداعشية أو «تنظيم الدولة» لا يعني التخلص من التطرف، واجتثاث مسبباته، إذ إن ذلك يستلزم استراتيجيات بعيدة المدى، خصوصاً مع تحول استراتيجيات التنظيم إلى ما يشبه «حرب العصابات»، مما يطيل أمد الصراع، ويجعله لا يعتمد على مناطق محدودة، كما في السابق، إذ لم يقر تنظيم داعش بهزيمته، واستمر في معاركه المستميتة، وفي سعيه لاستقطاب وتجنيد المتعاطفين معه، الأمر الذي سهل على التنظيم تفعيل هجماته، لا سيما في ظل انعدام وجود استقرار أمني وسلطة مركزية قوية.
وفي حين أشارت السلطات العراقية إلى شروع التنظيم في إعادة هيكلته، والاعتماد على غير العراقيين كقادة للتنظيم، بعد أن قتل عدد كبير من قادته خلال الغارات الجوية من قبل قوات التحالف، وتهجير وفرار آخرين منهم خارج المناطق التي كانت بحوزتهم من قبل، الأمر الذي دفع «داعش» للتركيز على عمليات القتل واختطاف الرهائن، سواء من المدنيين أو حتى المساجين، واستخدام المتفجرات، وإن واتت التنظيم الفرصة، بث كل ذلك عبر وسائل التواصل الاجتماعي، من أجل إثبات استمراريته، رغم الضغوطات التي تواجهه.

استراتيجيات دقيقة
في تقرير لرئيس الشؤون الاستراتيجية في مركز الدراسات الاستراتيجية والدولية، يذكر أنتوني كوردسمان أن السلطات الأميركية بحاجة لوضع استراتيجيات وقرارات دقيقة في ما يخص مستقبل حروبه في أفغانستان والعراق وسوريا واليمن، إضافة إلى صراعه مع التطرف والإرهاب بصفة عامة، ومع إيران، حيث لا يوجد أي علامات لوجود «انتصار» في هذه المناطق، إلا إن تم التخلص من المخاطر الحالية على الصعيد العسكري، وكذلك من خلال قدرة الدول على إيجاد سياسات تمكنها من إفشاء السلام والاستقرار، والنهوض.
كما ذكر كوردسمان، في التقرير ذاته، أن التخلص من الخلافة الداعشية وحده ليس دليلاً على الفوز في الحرب ضد الإرهاب في كل من سوريا والعراق، إذ إنه من الصعب معرفة عدد أعضاء تنظيم داعش، ممن سيتمكنون من البقاء في سوريا والعراق، أو العدد الذي سوف يتمكن من الاستمرار في الصراع، سواء من خلال هذا التنظيم أو ولادة تنظيم جديد.
وقد أشار تقرير كوردسمان إلى أن العمليات الإرهابية المنفذة من قبل تنظيم داعش تشكل 30 في المائة فقط من العمليات الإرهابية في سوريا، خلال الفترة من 2000 إلى 2017، بينما الحرب الأهلية في سوريا اندلعت خارج المناطق التي استحوذ عليها «داعش»، وتحديداً في المناطق التي استحوذت عليها إيران و«حزب الله»، والقوات الداعمة لنظام بشار الأسد، إضافة إلى وجود عدد من «المتطرفين» ممن يمتلكون جذوراً أو انتماءً سابقاً لتنظيم «القاعدة»، الأمر الذي يعكس مدى تعقيد القدرة على تحقيق الاستقرار في مناطق الصراع، حيث لا يرتبط ذلك فقط بمحاربة تنظيم داعش عسكرياً.

تمكين العراق
وأكد كوردسمان أن تحقيق الاستقرار في العراق يعني أهمية وجود سلام بين الأعراق والمذاهب المختلفة، بما فيها الأكراد «المتطرفين» الذين لديهم روابط في مناطق في سوريا وتركيا، مشيراً إلى أن الهجمات الإرهابية في العراق من قبل تنظيم داعش تشكل 39 في المائة من إجمالي الهجمات لعام 2016، و43 في المائة من إجمالي هجمات عام 2017 فقط، وقد يكون ذلك نتيجة الغارات المكثفة من قبل قوات التحالف على التنظيم، مما أفقده قدرته على الهيمنة في العمليات الإرهابية، إذ مضى يلملم أشلاءه، ويحاول استعادة قوته، الأمر الذي يعني أن العمليات العسكرية لمجابهة تنظيم داعش وحدها لن تكفي لإيقاف التطرف والإرهاب، أو ظهور تنظيمات إرهابية أخرى، إذ لا بد من دعم الحكومة العراقية من أجل تمكينها من مواجهة المخاطر، سواء الآتية من دول أخرى تحاول التسبب في إرباك الأمن، أو ميليشيات تسعى لزعزعة الأمن الداخلي.
وهو أمر يشبه ما حدث مع تنظيم القاعدة في السابق، حيث توقع المحللون والخبراء في مجال مكافحة الإرهاب انتهاء التنظيم في أعقاب الإعلان عن وفاة مؤسسه أسامة بن لادن عام 2011، لا سيما أن تنظيم القاعدة كان في ذلك الوقت أكثر مركزية، وهو ما يختلف عن تنظيم داعش الذي تعمد عدم إبراز قادته في وسائل الإعلام، واستقطاب المتعاطفين، والتركيز على «الشعبوية»، أو استقبال الجنسيات والتوجهات المختلفة من البشر، مما أدى إلى تعدد جنسياته، لتضم حتى الأوروبيين منهم، وذلك يختلف عن تنظيم القاعدة الذي اتصف بتقنين أعضائه إلى عرب وأفغان، وعدم استقبال المتعاطفين مع التنظيم من الجنسيات الأخرى، وهو ما دأب على النجاح فيه.

دعم الذئاب
نجح تنظيم داعش منذ نشاطه الذي تبلور في عام 2014 في استغلال العالم الإلكتروني في بث عملياته، واستقطاب المتعاطفين من جنسيات مختلفة، وبأعداد كبيرة، الذين انضموا للتنظيم نتيجة افتتانهم بفكرة «الخلافة الداعشية»، ووجود رقعة جغرافية في سوريا والعراق تعد أشبه بملاذ لجميع «المتطرفين»، أو في ما بعد حين تمكن من استقطاب وتجنيد «الذئاب المنفردة» في كثير من الدول، دون الحاجة لإرسالهم إلى معسكرات تدريبية، أو التورط بتفشي أماكن وجودهم، حتى تغلب في قدراته التقنية على تنظيم القاعدة الذي ولد منه، واستمر في دعمه لفكرة «الذئاب المنفردة» خارج مناطق الصراع، حيث لا يستلزم ذلك بذل مجهود كبير، وإنما الاكتفاء بالدعم المعنوي، ومن ثم نسب عمليات إرهابية شعواء أشبه بالإجرامية لأشخاص مختلين عقلياً يقومون بطعن المارة أو دهسهم، والتسبب في بلبلة وإقلاق للمدنيين، وسيظل اسم التنظيم الداعشي مؤرخاً في قدرته على تجنيد أعداد كبيرة من المنضمين إليهم، وجعله دول العالم تتحالف من أجل التخلص من هذا التنظيم الذي تفشى حتى وصل إلى أجزاء بعيدة من العالم.
إلا أن استهداف قوات التحالف لتنظيم داعش قد تتيح الفرصة لنهوض تنظيمات أخرى، أبرزها تنظيم القاعدة. وقد طرح مركز راند للدراسات الاستراتيجية من جهته وجود سيناريو محتمل، يتمحور حول استغلال تنظيم القاعدة ما حدث مؤخراً من محاربة تنظيم داعش من أجل تقوية قدراته ولملمة صفوفه، ومن ثم استقطاب المزيد من المتعاطفين معه، لا سيما أنه يبدو التنظيم الأقل شراسة، إذا ما قورن بـ«داعش»، الأمر الذي قد يمكنه من الظهور بقالب أكثر عقلانية وخيار أفضل للمتعاطفين.

داعش والقاعدة
حرص تنظيم القاعدة منذ بداية عهده على استخدام سياسة «كسب القلوب والأفئدة» في تعامله مع المدنيين، بل وسعى لإعادة البناء في عدة مناطق كان يستحوذ عليها، مثل ما حدث في السابق في العراق، قبل أن يسيطر تنظيم داعش على تلك المناطق، الأمر الذي قد يقنع البعض، خصوصاً أن «القاعدة» كان حريصاً منذ البداية على أن يوضح أن حربه هي على الغرب فقط، فيما قام «داعش» بشن هجمات شرسة على كل من يخالفه، بما في ذلك المدنيين المسلمين الذين قام بتكفيرهم، وتطبيق العقوبات عليهم وإبادتهم، وقد تفشى في عهد التنظيم الداعشي ما هو أشبه بظاهرة المجازر الجماعية، وستقوم منظمة الأمم المتحدة بإجراء تحقيقات في مطلع 2019 حول الانتهاكات التي ارتكبها «داعش» في العراق، حيث تم الكشف عن ما يزيد على 200 مقبرة جماعية، تضم أكثر من 12 ألف جثة، حيث تبنى مجلس الأمن في عام 2017 قراراً بالإجماع من أجل التمهيد لتحقيق يهدف إلى محاكمة عناصر تنظيم داعش عن الجرائم التي تم ارتكابها.
كل ذلك يؤكد ضرورة وضع آليات لما بعد تفكيك الجماعات المتطرفة، وتسوية أوضاع ما تبقى منها، بالأخص مع وجود نساء وأطفال لأعضاء التنظيمات، الأمر الذي يتطلب إعادة تأهيل «المتطرفين» من أجل دمجهم في المجتمعات القادمين منها، سواء كانوا ينتمون لمناطق الصراع أو أجانب ينتمون لدول أخرى، فيما تظل الإشكالية الأهم هي ضرورة إعادة بناء المناطق التي تدمرت نتيجة الحرب على الإرهاب، وتمكين الدول التي تعاني من التطرف من إيجاد سياسات تؤهلها لأن تواجه هذه المخاطر ذاتياً.



تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
TT

تساؤلات حول قيادة «داعش»

فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)
فيديو يُظهر {داعشي} يطلق النار خلال اشتباكات مع «قوات سوريا الديمقراطية» في بلدة الباغوز مارس الماضي (أ.ب)

من يقود تنظيم داعش الإرهابي الآن؟ وما سر عدم ظهور إبراهيم الهاشمي القرشي، زعيم «داعش» الجديد، حتى اللحظة؟ ولماذا تعمد التنظيم إخفاء هوية «القرشي» منذ تنصيبه قبل شهرين؟ وهل هناك تغير في شكل التنظيم خلال الفترة المقبلة، عبر استراتيجية إخفاء هوية قادته، خوفاً عليهم من الرصد الأمني بعد مقتل أبو بكر البغدادي؟ تساؤلات كثيرة تشغل الخبراء والمختصين، بعدما خيم الغموض على شخصية زعيم «داعش» الجديد طوال الفترة الماضية. خبراء في الحركات الأصولية أكدوا لـ«الشرق الأوسط» أن «التنظيم يعاني الآن من غياب المركزية في صناعة القرار».
ويرجح خبراء التنظيمات المتطرفة أن «يكون (داعش) قد قرر إخفاء هوية (القرشي) تماماً، في محاولة لحمايته، وأن إعلان (القرشي) زعيماً من قبل كان شكلاً من أشكال التمويه فقط، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم». كما شكك الخبراء في «وجود شخصية (القرشي) من الأساس».
وأعلن «داعش»، في تسجيل صوتي بثه موقع «الفرقان»، الذراع الإعلامية للتنظيم، في نهاية أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، تنصيب «القرشي» خلفاً للبغدادي الذي قتل في أعقاب غارة أميركية، وتعيين أبو حمزة القرشي متحدثاً باسم التنظيم، خلفاً لأبو الحسن المهاجر الذي قتل مع البغدادي. وكان الرئيس الأميركي دونالد ترمب قد أعلن «مقتل البغدادي في عملية عسكرية أميركية شمال غربي سوريا».
ورغم أن مراقبين أكدوا أن «(القرشي) هو القاضي الأول في التنظيم، وكان يرأس اللجنة الشرعية»، فإن مصادر أميركية ذكرت في وقت سابق أن «(القرشي) عُرف بلقب الحاج عبد الله، وعُرف أيضاً باسم محمد سعيد عبد الرحمن المولى، وكان أحد قادة تنظيم القاعدة في العراق، وقاتل ضد الأميركيين». لكن عمرو عبد المنعم، الباحث في شؤون الحركات الأصولية بمصر «شكك في وجود (القرشي) من الأساس»، قائلاً: إن «(القرشي) شخصية غير حقيقية، وهناك أكثر من إدارة تدير (داعش) الآن».
وأكد أحمد بان، الخبير في شؤون الحركات الأصولية بمصر، أنه «بطبيعة الحال، لا يمكن أن نحدد من يقود (داعش) الآن، حتى هذا الإعلان (أي تنصيب القرشي) قد يكون شكلاً من أشكال التمويه، لإخفاء حقيقة الخلاف الدائر داخل التنظيم»، مضيفاً: «نحن أمام عدد من الاحتمالات: الاحتمال الأول هو أن تكون شخصية (القرشي) حقيقية لكن يتم إخفاءها، وعدم ظهوره إلى الآن هو من أجل تأمين حياته، وعدم مطاردته من قبل أجهزة الدول. والاحتمال الثاني أننا أمام شخصية (وهمية)، والتنظيم لا يزال منقسماً حول فكرة اختيار خليفة للبغدادي. أما الاحتمال الثالث فأننا أمام صراع حقيقي داخل التنظيم حول خلافة (البغدادي)».
وتحدث المراقبون عن سبب آخر لإخفاء «داعش» هوية «القرشي»، وهو «الخوف من الانشقاقات التي تضرب التنظيم من قبل مقتل البغدادي، بسبب الهزائم التي مُني بها في سوريا والعراق، خاصة أن نهج إخفاء المعلومات والتفاصيل التي تتعلق بقادة (داعش) استخدمه التنظيم من قبل، حين تم تعيين أبو حمزة المهاجر وزيراً للحرب (على حد تعبير التنظيم) في عهد البغدادي، وتم الكشف عن اسمه في وقت لاحق».
وكان البغدادي قد استغل فرصة الاضطرابات التي حدثت في سوريا، وأسس فرعاً لتنظيمه هناك، كما استغل بعض الأحداث السياسية في العراق، وقدم نفسه وتنظيمه على أنهم المدافعون عن الإسلام (على حد زعمه)، فاكتسب في البداية بيئة حاضنة ساعدته على احتلال المزيد من الأراضي العراقية التي أسس عليها «دولته المزعومة». وفي عام 2014، أعلن البغدادي نفسه «خليفة مزعوماً» من على منبر مسجد النوري الكبير، في مدينة الموصل، ثم اختفى بعدها لمدة 5 سنوات، ولم يظهر إلا في أبريل (نيسان) الماضي، في مقطع فيديو مصور مدته 18 دقيقة، ليعلن «انتهاء السيطرة المكانية لـ(دولته المزعومة)، وسقوط آخر معاقلها في الباغوز السورية». وقال المراقبون إنه «رغم أن ظهور البغدادي كان قليلاً في السنوات الأخيرة قبل مقتله، فإن أخباره كانت دائمة الانتشار، كما عمد مع بداية الإعلان عن (دولته المزعومة) إلى الظهور المتكرر، وهو ما لم يفعله (القرشي)».
وأكد عبد المنعم أن «هوية (القرشي) كانت لا بد أن تختفي تماماً لحمايته»، مدللاً على ذلك بأنه «في ثمانينات القرن الماضي، كانت التنظيمات الإرهابية تعلن عن أكثر من اسم للقيادة، حتى تحميه من التتبع الأمني»، موضحاً: «يبدو أن هوية (القرشي) الحقيقة بالنسبة لعناصر التنظيم ليست بالأهمية ذاتها، لأن ما يهمهم هو وجود الزعيم على هرم التنظيم، ضمن إطار وإرث ديني... وهذا أهم بكثير للعناصر من الإعلان عن هوية الرجل (أي القرشي)»، مدللاً على ذلك بأنه «في الأيام التي أعقبت إعلان تعيين (القرشي)، تساءلت مجموعة صغيرة من عناصر التنظيم على موقع التواصل (تليغرام) عن هوية الزعيم الجديد. وبعد أيام من تساؤلاتهم، وعندما طلب منهم مبايعة (القرشي)، قلت التساؤلات. ولهذا، من الواضح أن هوية الرجل بدت غير مهمة لهم، بل المهم هو أنه زعيم (داعش)، ويحتاج إلى دعمهم».
وحث أبو حمزة القرشي، متحدث «داعش» الجديد، أتباعه في رسالته الصوتية الأخيرة على «الالتزام بما أصدره البغدادي في رسالته في سبتمبر (أيلول) الماضي، التي طالب فيها بتحرير أنصار التنظيم من السجون، وتجنيد أتباع جدد لاستكمال المهمة، وتأكيد مواصلة التنظيم تمدده في الشرق الأوسط وخارجه».
ومن جهته، أضاف عبد المنعم أن «التنظيم دشن قبل أيام كتيبة أطلق عليها (الثأر للبغدادي والمهاجر)، بهدف الانتقام لمقتل البغدادي والمهاجر، كما جرى سجن عدد من قيادات التنظيم، مُرجح أنها تورطت في تسريب معلومات بطريقة غير مباشرة لعناصر في تنظيم (حراس الدين)»، موضحاً أن «المركز الإعلامي للتنظيم يعاني حالياً من عدم وجود اتصال مع باقي المراكز التابعة للتنظيم، ويعاني من حالة ارتباك شديدة».
وهدد المتحدث باسم التنظيم الجديد الولايات المتحدة، قائلاً: «لا تفرحوا بمقتل الشيخ البغدادي». وقال عبد المنعم: «يبدو أن (داعش) قرر عدم التعامل بالشكل التقليدي في التسجيلات والظهور المباشر لـ(القرشي)، مثلما كان يحدث مع البغدادي»، لافتاً إلى أن «عمليات (داعش) منذ تولي (القرشي) لم تشهد أي حراك، على عكس شهري أبريل وسبتمبر الماضيين، اللذين شهدا حراكاً، عقب بث تسجيلين: واحد مصور والآخر صوتي للبغدادي».
وكان أبو بكر البغدادي قد ذكر في سبتمبر (أيلول) الماضي أن «تنظيمه لا يزال موجوداً، رغم توسعه في البداية، ومن ثم الانكماش»، وأن ذلك يعد (اختباراً من الله)»، على حد زعمه.
وقال عمرو عبد المنعم إن «قنوات (داعش) واصلت بث أخبارها كالمعتاد، وأبرز ما نقلته هذه القنوات أخيراً إصدار مرئي جديد على شاكلة (صليل الصوارم)، بعنوان (لن يضروكم إلا أذى)، مدته 11 دقيقة، وفيه متحدث رئيسي مُقنع يتوعد بالثأر من عملية (التراب الأسود) التي أطلقتها القوات العراقية ضد (داعش) في سبتمبر (أيلول) الماضي. وفي نهاية الإصدار، ظهر مقاتلون ملثمون يبايعون الخليفة الجديد».
وبايع فرع «داعش» في الصومال «القرشي» في نوفمبر (تشرين الثاني) الماضي، حيث نشر فرع التنظيم صوراً على موقع التواصل الاجتماعي «إنستغرام» لنحو 12 عنصراً يقفون بين الأشجار، وعليها تعليق يقول: «إنهم يعلنون مبايعة (القرشي)». كما بايع «ولاية سيناء»، الموالي لـ«داعش» في مصر، «القرشي»، ونشر في إصدار مرئي صوراً لمجموعة قال إنهم من العناصر التي بايعت «القرشي». ويشار إلى أنه ما زالت بعض أفرع تنظيم داعش حول العالم لم تعلن مبايعتها لـ«القرشي» حتى الآن، وفي مقدمتها «ولاية خراسان» في أفغانستان، و«ولاية غرب أفريقيا» (بوكو حرام سابقاً) في نيجيريا.
وحول وجود تغير في استراتيجية «داعش» في الفترة المقبلة، بالاعتماد على إخفاء شخصيات قادته، أكد الخبير الأصولي أحمد بان أن «هذه المرحلة ليست مرحلة الإمساك بالأرض من جديد، والسيطرة عليها، أو ما يسمى (الخلافة)، لكن مرحلة ترميم مجموعات التنظيم، وإعادة التموضع في ساحات جديدة، ومحاولة كسب ولاءات جماعات أخرى، قبل أن نصل إلى عنوان جديد، ربما يعكس ظهور تنظيم جديد، قد يكون أخطر من تنظيم (داعش). لكن في كل الأحوال، هيكلية (داعش) تغيرت، من مرحلة الدولة (المزعومة) إلى مرحلة (حروب النكاية) إلى مرحلة إعادة التنظيم والتموضع؛ وكل مرحلة تطرح الشكل المناسب لها. وفي هذه المرحلة (أي الآن)، أتصور أن التنظيم قد تشظى إلى مجموعات صغيرة، وأن هناك محاولة لكسب ولاء مجموعات جديدة في دول متعددة».
أما عمرو عبد المنعم، فقد لفت إلى أن «(داعش) فقد مركزية صناعة القرار الآن، وهناك عملية (انشطار) في المرحلة المقبلة للتنظيم، ولن يكرر التنظيم فكرة القيادة المركزية من جديد، لذلك لم يظهر (القرشي) على الإطلاق حتى الآن، لو كان له وجود حقيقي، وهذا على عكس ما كان يظهر به البغدادي، ويحث العناصر دائماً على الثبات والصبر»، محذراً في الوقت ذاته من «خطوة (حرب العصابات) التي قد يشنها التنظيم، وقتال الشوارع واستنزاف القوى الكبرى، وهي الاستراتيجية القديمة نفسها للتنظيم، مع زيادة العنصر (الانفرادي) الذي يعرف بـ(الذئاب المنفردة)».
وقال المراقبون إن «التنظيم تحول منذ سقوط بلدة الباغوز في مارس (آذار) الماضي، ونهاية (الخلافة المزعومة) بعد عدة سنوات من إرسائها، نحو اعتماد (نهج العصابات). وقاد البغدادي (داعش) بعد استيلائه على مناطق شاسعة في العراق وسوريا، قبل أن يتهاوى التنظيم خلال الأشهر الماضية نتيجة خسائره، وفرار عدد كبير من عناصره».