قبل الحديث عن المسيرة الإعلامية الشخصية، لا بد للمرء أن يعود إلى بداياته التي قد تكون ليست بالاتجاه ذاته الذي وصل إليه الآن، فلربما كانت تطلعاته الشخصية تختلف أو تتقاطع مع ما هو عليه آنذاك من واقع، سواء كان هذا الواقع اجتماعياً أو اقتصادياً أو ما إلى ذلك. ولا بد للإنسان وهو في مقتبل العمر، وقد اتضحت أمامه صورة الواقع الذي يعيشه، من دراسة واستكشاف ذلك الواقع كي يحدد المسار الصحيح الذي يضمن له النجاح والوصول إلى ما يصبو إليه، سواء في مجال الرغبة أو الهواية أو التطلع إلى بناء شخصيته داخل المجتمع، على صعيد الدراسة أو المهنة أو المسؤولية التي يريد.
بداياتي كانت في مدينة العمارة (جنوب العراق)، تلك المدينة التي عانت الإهمال والنقص الحاد في مجالات التعليم والخدمات الأساسية الأخرى، التي كانت سبباً رئيسياً في تطلعات الشباب، حيث كنا نتطلع إلى بلوغ غاياتنا في التعليم، وممارسة مواهبنا.
ورغم كل ذلك، فإن الأوضاع التي كانت تعيشها مدينتي لم تقف حائلاً دون تحقيق طموحي، فسرعان ما وجدت نفسي، وانطلاقاً من إصراري على تجاوز كل الصعوبات، وسط قطاع الصحافة والإعلام، وصرت أبحث عن فرص عمل في هذا المجال، حتى تمكنت من أن أكون مراسلاً في محافظة ميسان لصحف تصدر في العاصمة، وكذلك مراسلاً لإذاعة بغداد، وقد تميز عملي الإعلامي عن بقية الزملاء الذين يعملون في مجال الصحافة والإعلام بالدقة والحرص.
وقد كنت أحرص وأنا أدخل معترك الصحافة الصعب على اتباع القواعد والمبادئ الاحترافية لعملي الصحافي والإعلامي من أجل إظهار المادة الصحافية التي كنت أتناولها في مقالاتي ورسائلي الإعلامية بأسمى صورها.
شيئاً فشيئاً، تعمق لديّ الشعور بعمق الاحترام لهذه المهنة، رغم توجس البعض منها كونها مهنة المتاعب الشاقة.
وإيماناً مني بأن مهنة الصحافة هي مسؤولية أخلاقية واجتماعية ترتقي إلى مستوى رسالة إنسانية كبرى، كان لزاماً عليّ البحث عن مخرجات توصلني إلى النجاح والتميز، ذلك لأن الجهد المهني المتميز الذي كنت أحرص عليه في بدايات عملي يعد مصدر إبداع وتفوق.
بعد أحداث 2003، والتغيير الحاصل في العراق، وجدت لزاماً عليّ، ومن مسؤوليتي المهنية، وتأسيساً للمقدرة والخبرة التي اكتسبتها من عملي الصحافي والإعلامي، أن أحضر إلى بغداد للعمل على إعادة تنظيم البيت الصحافي، ممثلاً بنقابة الصحافيين العراقيين، فتمكنت بعد استنهاض همة عدد من الزملاء من النهوض بعمل النقابة، ولم شمل الأسرة الصحافية التي تعرضت لكثير من محاولات تفتيتها وتهميشها، وتمكنا من تأسيس هيئة تحضيرية للنقابة في شهر أبريل (نيسان) 2003، ومن ثم إجراء الانتخابات لمجلس النقابة، وإعادة تأسيس فروعها في المحافظات. وهكذا، فقد جرى انتخابنا نقيباً للصحافيين العراقيين عام 2008، وقد عملت على إعادة عضوية نقابة الصحافيين العراقيين إلى اتحاد الصحافيين العرب، ومن ثم انتخابنا رئيساً للاتحاد العام للصحافيين العرب، وعضوية المكتب التنفيذي للاتحاد الدولي للصحافيين.
وقد شاركت في كثير من المؤتمرات العربية والدولية التي تخص حماية الصحافيين والتشريعات القانونية وحرية التعبير، إضافة إلى مشاركاتي كخبير أو شخصية إعلامية في منظمة الأمم المتحدة والجامعة العربية ومؤتمرات القمة العربية، فضلاً عن لقاءات كثيرة مع أغلب الزعماء العرب، وعدد من الرؤساء الأجانب.
أما على الصعيد العربي والدولي، فقد ساهمت، وبشكل جدي، في إطلاق سراح عدد كبير من الصحافيين العرب والأجانب المحتجزين في عدة بلدان بعد اعتقالهم، إضافة إلى دفاعنا المتواصل عن جميع الصحافيين حول العالم.
وهنا، لا بد من أن أوجه كلمتي للصحافيين الشباب، فأقول إن مسيرة الألف ميل تبدأ بخطوة، فعليهم أن يضعوا أقدامهم في الموقع الصحيح، من خلال الممارسة الصحافية، واتباع قواعد السلوك المهني في عملهم الإعلامي والصحافي، وعليهم كذلك توخي الدقة والموضوعية والأمانة في تناول موضوعاتهم الإعلامية، فضلاً عن احترام الحريات العامة، والالتزام بالنزاهة، والابتعاد عن خطاب الكراهية، والاستفادة من تجارب الآخرين ممن سبقوهم في العمل الصحافي والإعلامي.
- نقيب الصحافيين العراقيين رئيس الاتحاد العام للصحافيين العرب