يبرع الفنان التشكيلي المصري مصطفي ربيع في بناء مشاهد تتمازج فيها صور الواقع والخيال، طارحاً قيماً إنسانية معاصرة ومشاعر عميقة من الحنين في الوقت ذاته. وتعد لوحاته فضاء لمشاهد من التلاحم الإنساني والسعادة والدفء الأسري، فتبدو لنا كما لو كانت مشاهد من عمل درامي طويل، أو أرضاً لـ«مدينة الأحلام» التي يتوق الجميع إليها. وفي معرضه الثاني «فرح في مرح» الذي يفتح أبوابه أمام الجمهورين المصري والأجنبي حالياً، ويستمر حتى يوم 6 يناير (كانون الثاني) 2019 في «قاعة الزمالك للفن»، يواصل الفنان مصطفى ربيع تقديم السعادة، تلك الفكرة الأساسية التي تشغله دائماً، وهو يراها قريبة وسهلة، فالأمر لا يعدو سوى العودة إلى الفطرة والبساطة، والاحتماء داخل حضن العائلة.
ويقوم بالبطولة في لوحاته شخوص يقضون أوقاتهم في مرح وسعادة، ما بين العزف الموسيقي وتناول الطعام، وتبادل الأحاديث في جلسات عائلية، والطقوس الاحتفالية في المناسبات المختلفة، وألعاب الأطفال المليئة بالفرح والتفاعل، وهكذا تبدو الشخوص في أعماله ككائنات نقية يجمع بينها اللطف والطرافة والدفء الإنساني، كما تبدو شخوصه وكأنهم محترفون في صناعة البهجة وإدخالها على قلوبهم وقلوب الآخرين. يرسم ربيع انطلاقاً من ذاكرته الطفولية الموشومة بالصدق والحب، وحول ذلك يقول لـ«الشرق الأوسط»: «أستلهم عالمي من مشاهدة الحياة اليومية، ونظرتي الخاصة لواقع مرئي عشت وما زلت أعيش فيه». ويضيف: «أجد متعة حقيقية في العودة إلى الماضي، حيث دفء الأسرة وبراءة الطفولة المبكرة، و(الونس) في بيت العائلة الدافئ المتسع الذي عشت فيه مع ناس طيبين بمشاعر صادقة، حمل جوانب من الحب والحنان في عطاء إنساني مستمر».
ويقول لـ«الشرق الأوسط»: «ذلك كله أوحى لي بشخوص لا يكفون عن الحكي في اللوحات، وفي كل يوم حكايات جديدة لهم، فهذه أخت وتلك خالة وذلك عم، إنهم أقرباء وربما جيران أو أصدقاء، أناس بسطاء يطوفون هائمين في ود وسلام فوق أسطح اللوحات، يأنسون بوجودهم مع بعضهم بعضاً، يتبادلون الحكايات اليومية المتجددة فيما بينهم ومع المتلقي».
ويواصل سرده لذكرياته الحميمة «أما الحواديت والقصص والأساطير الشعبية التي أسمعها من جدتي في المنيا بشكل دائم فهي منبع إلهامي الأول». لذلك حين تطلب منه أن يختار عنواناً لمدينته التي يقدمها لنا عبر لوحاته فإنه يروق له أن يسميها مدينة الأحلام لأنها على حد تعبيره «تمثل الطفولة والبراءة وما يرتبط بهما من أحلام مشروعة». لذا فقد جاءت مدينته التي شكلها بصرياً بتفاصيلها تحمل جانباً كبيراً من العفوية والتلقائية المتحررة من القواعد الفنية التقليدية «أرسم بروح الطفل، والطفل دائماً ما يكسر القواعد المتعارف عليها».
وعن سر احتفائه بالمرأة في لوحاته، يقول: «تحمل المرأة في البيئة البسيطة والريفية قدراً كبيراً من الجمال الطبيعي غير المصطنع، وهي أيضاً تتمتع بالقدر نفسه من تحمل المسؤولية، فهي معطاءة وتمثل عصب الأسرة، بإيجاز هي الحياة». ولعل ذلك يفسر أيضاً سر تمسك ربيع في تعبيره عن المرأة بإبرازها في الفساتين المزركشة بنقوش وزخارف وورود، حيث اعتادت المرأة المصرية في الريف والمناطق الشعبية ارتداء هذه الملابس ذات الطابع التراثي الذي قد يعود إلى آلاف السنين.
إلى ذلك، تبدو لوحات الفنان مصطفي ربيع وكأنها نص سردي جمالي يحمل مجموعة من الرموز والعناصر المتناثرة في اللوحات، ومنها الأرجوحة والآلات الموسيقية. وحول ذلك يقول: «الأرجوحة بالنسبة لي هي رمز للسعادة، لأن الإنسان يطير من الأرض في اتجاه السماء، وكذلك الآلات الموسيقية، أعدها من أهم وسائل السعادة، والتحفيز على العمل، ولذلك لا أكتفي بالاستماع إليها، إنما أهتم بمراقبة انفعالات وجوه عازفيها لأنها تلهمني». ويفضّل ربيع الرسم على المساحات الكبيرة، فهي تمنحه الفرصة الكافية لسرد مجموعة من الحواديت بشكل أكثر وضوحاً، فهي بالنسبة له «كل الحرية»، لذلك يعتمد على سبيل المثال في اختياره للألوان والخامات على الحس، فما بين أقلام الحبر والألوان المائية والأكولين، وألوان الأكريلك، يوفر لخاماته طلاقة التعبير التي تناسب رؤيته، يقول: «أترك لنفسي العنان في الرسم والألوان، إن الجرأة تخلق حالة من العفوية تساهم في التأسيس لمدينة الأحلام الزاخرة بالبهجة على مسطح لوحاتي».
يذكر أن هذا المعرض سبقه معرض فردي بالقاهرة للفنان ربيع العام الماضي، بالإضافة إلى كثير من المعارض الجماعية في مصر والسعودية والكويت وتونس ودبي، وروما وكندا ونيجيريا.
تشكيلي مصري يستلهم «أرض الأحلام» من الأساطير الشعبية
معرض «فرح في مرح» يدعو للبهجة
تشكيلي مصري يستلهم «أرض الأحلام» من الأساطير الشعبية
لم تشترك بعد
انشئ حساباً خاصاً بك لتحصل على أخبار مخصصة لك ولتتمتع بخاصية حفظ المقالات وتتلقى نشراتنا البريدية المتنوعة