العقوبات الأميركية تصيب صفقات الأغذية الإيرانية بالشلل

مصرفيون: القواعد الصارمة تدفع البنوك لوقف النشاط التجاري مع طهران

العقوبات الأميركية تصيب صفقات الأغذية الإيرانية بالشلل
TT

العقوبات الأميركية تصيب صفقات الأغذية الإيرانية بالشلل

العقوبات الأميركية تصيب صفقات الأغذية الإيرانية بالشلل

قالت مصادر في قطاع الصناعة والحكومة الإيرانية إن شركتي «كارجيل» و«بنجي»، وغيرهما من التجار العالميين، أوقفوا صفقات إمدادات الأغذية مع إيران لأن العقوبات الأميركية الجديدة أصابت الأنظمة المصرفية اللازمة لتأمين المدفوعات بالشلل.
ونقلت وكالة «رويترز»، عن مصدر أوروبي مطلع على الوضع طلب عدم نشر اسمه: «ليست هناك فرصة حقيقية في الحصول على المال باستخدام الآليات المطبقة حالياً، وكثير من التجار الدوليين عاجزون عن القيام بصفقات جديدة في الوقت الحالي».
وذكرت مصادر تجارية، غربية وإيرانية، أن مجموعتي «كارجيل» و«بنجي» الأميركيتين، و«أولام» السنغافورية، من بين الشركات التي لم تتمكن من إبرام صفقات تصدير جديدة للقمح والذرة والسكر الخام، وغيرها من السلع، لأن البنوك الغربية لا يمكنها تحويل مدفوعات الصفقات مع إيران.
وقال 3 مسؤولين إيرانيين إن مسائل مصرفية هي السبب في وقف تجارة الأغذية وغيرها. وقال مسؤول في قطاع الصناعة والتعدين والتجارة في إيران إن «حفنة من البنوك الأوروبية الصغيرة»، التي ليست لها تعاملات تذكر مع الولايات المتحدة، ما زالت تعمل مع إيران، ولا تتعامل إلا في صفقات على نطاق ضيق، مضيفاً: «نجري محادثات مع الأوروبيين لتوسيع هذه الشبكة من البنوك والمؤسسات المالية»، وتابع: «لكن شركات كثيرة، بينها (كارجيل) و(بنجي)، أبلغتنا في الوقت الحالي بوجود صعوبات (مصرفية) تجبرها على وقف تعاملاتها مع إيران».
وفي ظل جولات العقوبات السابقة، لجأت إيران إلى عدد قليل من البنوك الأجنبية التي ظلت تعمل بمثابة همزة وصل للمدفوعات، في سبيل استمرار واردات الغذاء، وأشكال أخرى من التجارة. لكن كثيراً من هذه القنوات المتمثلة في البنوك الأجنبية أغلقت في ظل هذه الجولة.
والغذاء والأدوية، وغيرها من الإمدادات الإنسانية، معفاة من العقوبات الأميركية التي أعادت واشنطن فرضها هذا العام بعدما أعلن الرئيس الأميركي دونالد ترمب انسحابه من الاتفاق النووي المبرم بين طهران والدول الست الكبرى في 2015.
وتقول واشنطن إن عقوباتها جزء من مسعى لإجبار إيران على كبح برامجها النووية والصاروخية، وأيضاً لإنهاء دعم طهران لقوى في اليمن وسوريا ولبنان، ومناطق أخرى بالشرق الأوسط، فيما تصر إيران على أن برنامجها النووي يقتصر على الأغراض السلمية، وأن صواريخها دفاعية.
لكن العقوبات الأميركية التي تستهدف كل شيء، من مبيعات النفط إلى الشحن والأنشطة المالية، صرفت كثيراً من البنوك الأجنبية عن القيام بأعمال مع إيران، بما في ذلك الصفقات الإنسانية.
ورغم تعاملاتها السابقة مع إيران، في ظل جولات العقوبات السابقة، أوقف كثير من البنوك الصغيرة تعاملاتها معها هذه المرة. وبدأ سريان العقوبات الأميركية بشكل كامل في الخامس من نوفمبر (تشرين الثاني)، غير أن واشنطن أعفت بشكل مؤقت بعض حلفائها الذين يعتمدون على واردات النفط الإيراني.
وتعتمد إيران على واردات السلع الغذائية الأساسية، ولديها سنوات من الخبرة في الالتفاف على العقوبات الأميركية والغربية الأخرى التي أصبحت أكثر صرامة تدريجياً بين عامي 2012 و2015، إلى أن توصلت إيران لاتفاق بشأن برنامجها النووي، وتم رفع عقوبات كثيرة عام 2016، بعد إبرام الاتفاق.
وأعلنت شبكة «سويفت» المالية العالمية وقف التعامل مع البنوك الإيرانية في الثامن من نوفمبر الماضي، بعد ساعات قليلة من دخول العقوبات الأميركية حيز التنفيذ.
وقال مصرفيون إن الأسهل على كثير من البنوك الأجنبية إنهاء أي نشاط إيراني، بدلاً من محاولة الخوض في القواعد الخاصة بالعقوبات الأميركية، والمخاطرة بارتكاب خطأ ومواجهة جزاءات.
وبحسب مصدر أوروبي في القطاع المالي، شارك في السابق في معاملات إيرانية، فإن «هناك حذراً كبيراً الآن»، وأضاف أن القواعد التي تخص الأغذية والتعاملات الإنسانية الأخرى معقدة.
وتابع المصدر قائلاً: «مثلاً، إذا تم شحن البضائع إلى موزع إيراني، يبيعها بدوره، لكن ليس مباشرة لمشترٍ نهائي، فإن البنوك ستعتبر على نحو متزايد أن مثل هذه العملية تجارية، وليست إنسانية».
وقال مسؤولون إيرانيون، الأسبوع الماضي، إن وزير الخارجية الإيراني تلقى وعوداً أوروبية بشأن تفعيل الآلية الأوروبية قبل نهاية العام الحالي، وهو ما أكده مسؤولون أوروبيون.
وقال دبلوماسيون من الاتحاد الأوروبي إن الآلية قد تركز على السلع الإنسانية، وليس تجارة النفط، وهو ما نفاه المتحدث باسم الخارجية الإيرانية، بهرام قاسمي، في مؤتمره الصحافي قبل أيام.
وتعمل سويسرا أيضاً على قناة مدفوعات للأغراض الإنسانية، لكنها لم تحدد إطاراً زمنياً للأمر.
وقال مصدر أوروبي آخر له أنشطة تجارية في إيران: «حتى الصفقات التي تم إبرامها بالفعل في وقت سابق من هذا العام تأثرت، وحتى السفن
التي تنقل بضائع لا تستطيع تفريغ شحناتها لأنه لا يمكن إجراء المعاملات الخاصة بالمدفوعات، أو لأن الأمر يستغرق وقتاً طويلاً».
وأظهرت بيانات من يوم 21 ديسمبر (كانون الأول) على منصة معلومات الشحن «مارين ترافيك» أن 16 سفينة تنتظر لأفراغ حمولتها من السلع الأساسية والبضائع، التي تشمل مواد غذائية، منذ أسبوعين على الأقل، عند ميناءي بندر عباس وبندر معشور، جنوب الأحواز. وتنتظر 4 من هذه السفن منذ أكتوبر (تشرين الأول).



أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
TT

أزمة «تجنيد الحريديم» تحتدم في ساحات القضاء الإسرائيلي

جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)
جنود إسرائيليون يقفون حراساً في مرتفعات الجولان على الحدود مع سوريا ولبنان (وكالة الصحافة الفرنسية)

شهدت جلسة للمحكمة العليا الإسرائيلية، عقدت الأربعاء، لمناقشة التماسات ضد امتناع «الحريديم» (اليهود المتشددين دينياً) عن الخدمة في الجيش، مشادات وشغباً، وسط اتهامات للحكومة بتعمد تقديم «رد متأخر» حول موقفهم، وغضب من أهالي الجنود الذين يقاتلون في قطاع غزة.

ونقلت وسائل إعلام عبرية، أنه خلال مناقشة التماس قدمته منظمات وروابط محلية ضد الحكومة ووزير الدفاع يسرائيل كاتس لأنهم «لا يطبقون واجب التجنيد ضد الحريديم»، اندلعت أعمال شغب بعد أن اقتحمت تمار ليفي، من حركة «أمهات على الجبهة» القاعة، وصرخت قائلة: «إن العلمانيين (في إشارة إلى من يتم تجنيدهم) ليسوا حمير المتشددين».

ونقلت «القناة 12» الإسرائيلية أن ليفي وقفت فوق كرسي وصرخت في قاعة المحكمة «إنكم تفتتون النسيج الاجتماعي لهذا البلد. لا يمكن أن نرسل أولادنا بعمر 18 عاماً إلى غزة ولبنان ولا يتم إرسال آخرين»، ثم يتمكن حارس المحكمة من إخراجها من الجلسة.

80 ألفاً

وناقشت الجلسة رد الحكومة المتأخر، وقال قضاة المحكمة إنهم صدموا عندما عرفوا أن عدد أعضاء المتشددين الذين لم يتم تجنيدهم، بحسب رد الدولة، هو 80 ألفاً.

ووبخ القضاةُ ممثلي الحكومة لأنهم ردوا متأخراً في الصباح الباكر قبل ساعات من الجلسة.

وكان كاتس معنياً، كما نشر، بتأخير الرد الرسمي، الذي أكد أن الجيش الإسرائيلي سيكون قادراً ابتداء من عام 2026 على استيعاب جميع اليهود المتشددين.

«الحريديم» في مظاهرة بالقدس ضد قرار تجنيدهم بالجيش الإسرائيلي 30 يونيو 2024 (أ.ب)

ونقل المستشار القانوني للحكومة، غالي بهراف ميارا، موقف الدولة بشأن تجنيد المتشددين، إلى المحكمة، وأشار إلى أن الجيش سيكون قادراً على استيعاب أرقام محددة من الحريديم هذا العام، وفي عام 2026 لن يكون هناك حد على الإطلاق.

وقالت الحكومة إن «الجيش أرسل أوامر التعبئة إلى نحو 7000 من اليهود المتشددين في سن الخدمة العسكرية».

وكان الجيش الإسرائيلي أعلن الثلاثاء، عن زيادة كبيرة في التجنيد من الطائفة اليهودية المتشددة لفترة التجنيد الثانية لعام 2024.

وفقاً للمتحدث باسم الجيش الإسرائيلي، «انضم 338 مجنداً جديداً من اليهود المتشددين إلى وحدات مختلفة: 211 بوصفهم مقاتلين و127 في مهام دعم».

ويؤكد الجيش الإسرائيلي أن «هذا الدمج يتم مع احترام الظروف وأسلوب الحياة الديني للمجندين، مع تكييف البرامج القائمة».

لكن بحسب وسائل إعلام إسرائيلية، فإن إرسال الجيش الإسرائيلي 7000 أمر تجنيد إضافي لأعضاء المجتمع الحريدي جاء بعد أن فشلت المرحلة الأولى من خطة تجنيد الجنود الحريديم إلى حد كبير.

نزاع شائك

ومن بين 3000 أمر تجنيد صدرت للمتدينين الحريديم خلال الصيف الماضي، استجاب 300 شخص منهم وحضروا إلى مراكز التجنيد.

وجاءت أوامر الجيش بعد حكم تاريخي للمحكمة العليا في يونيو (حزيران) الماضي، وفيه أنه «لم يعد هناك أي إطار قانوني يسمح للدولة بالامتناع عن تجنيد طلاب المدارس الدينية الحريدية في الخدمة العسكرية».

والنزاع حول خدمة المجتمع الحريدي في الجيش هو أحد أبرز النزاعات الشائكة في إسرائيل، حيث لم تنجح محاولات الحكومة والقضاء على مدار عقود من الزمان في التوصل إلى حل مستقر لهذه القضية.

وتقاوم الزعامات الدينية والسياسية الحريدية بشدة أي جهد لتجنيد الشباب الحريديم.

يعارض «الحريديم» الخدمة في الجيش (أرشيفية - أ.ف.ب)

ويقول العديد من اليهود الحريديم إن «الخدمة العسكرية تتعارض مع أسلوب حياتهم، ويخشون أن يصبح المجندون علمانيين».

ولكن الإسرائيليين الذين يخدمون في الجيش يقولون إن هذه «الإعفاءات الجماعية القائمة منذ عقود تثقل كاهلهم بشكل غير عادل، وهذا الشعور تفاقم منذ هجوم السابع من أكتوبر (تشرين الأول) والحرب التالية، التي قتل فيها أكثر من 780 جندياً واستدعي نحو 300 ألف مواطن للخدمة الاحتياطية».

وفي العام الماضي، تم إدراج 63 ألف رجل من الحريديم على أنهم مؤهلون للخدمة العسكرية، وارتفع الرقم إلى 80 ألفاً هذا العام.

وتعمل أحزاب الائتلاف الحريدية على تشريع قانون معروف باسم «قانون التجنيد» من شأنه أن يتضمن زيادة في التجنيد، لكن مع الحفاظ على نطاق واسع من الإعفاء للرجال الحريديم، وهو ما خلف مزيداً من الجدل الصاخب والنقاش في إسرائيل.

وبداية العام الحالي، أعلن وزير الدفاع السابق، عضو الكنيست يوآف غالانت، استقالته من الكنيست، وتطرق إلى موضوع قانون التجنيد الذي كان سبباً في إقالته من منصبه، قائلاً: «في الشهرين الأخيرين منذ إقالتي من منصب وزير الدفاع، سقط أمر ما. الحكومة الإسرائيلية، بقيادة رئيس الوزراء ووزير الدفاع تقوم بتسريع قانون التجنيد (الإعفاء) الذي يتعارض مع احتياجات الجيش الإسرائيلي وأمن دولة إسرائيل. لا أستطيع قبول ذلك ولا أستطيع أن أكون شريكاً في ذلك».