تعويض ضحايا الاستبداد يثير خلافات عميقة وسط الأحزاب التونسية

«نداء تونس» يرفض تخصيص موازنة في «صندوق الكرامة»... و«النهضة» تشدد على «جبر الضرر»

TT

تعويض ضحايا الاستبداد يثير خلافات عميقة وسط الأحزاب التونسية

أشرفت «هيئة الحقيقة والكرامة» في تونس على الانتهاء، رسمياً، من مهمة التقصي عن انتهاكات الماضي، بعد أربع سنوات من العمل، وذلك عبر إصدار مقررها النهائي قبل نهاية العام الحالي. لكن رغم ذلك لا يزال الجدل قائماً بين الأحزاب بشأن التعويض المالي الذي يجب أن يُخصص لضحايا الاستبداد.
فقد اعترض حزب حركة «نداء تونس» على فكرة تخصيص موازنة في «صندوق الكرامة»، الذي تم تأسيسه بقانون لجمع أموال التعويض، واقترح بدلاً من ذلك وضع صندوق يُوجّه للعائلات الفقيرة والمحتاجة، وهو مقترح تم إسقاطه في البرلمان.
وكانت «هيئة الحقيقة والكرامة» قد وضعت مقرراً إطارياً يحدد المعايير، التي تم اعتمادها لجبر الضرر المادي والمعنوي لضحايا الاستبداد، مشيرة إلى أن الدولة ستودع موازنة بقيمة 10 مليون دينار (3.35 مليون دولار) في صندوق الكرامة، بينما ستأتي أغلب مداخيله من الهبات الدولية.
لكنّ «نداء تونس»، وأحزاباً أخرى قريبة منه، أعربت عن مخاوفها من أن يتم استنزاف المزيد من الأموال من خزينة الدولة لتعويض آلاف الضحايا. علاوة على أن أغلب المستفيدين سيكونون، حسب رأيه، من قواعد حزب حركة «النهضة» الإسلامية. وفي هذا السياق، قال المنجي الحرباوي، النائب عن «نداء تونس»، إن «حركة (النهضة) مستميتة في الدفاع عن صندوق الكرامة، لأنه يُعنى بالتعويضات لفئة معينة، وقع تحديدها في إطار العدالة الانتقالية، وجاءت نتيجة فرز سياسي لصالح حزب سياسي واحد، هو حركة (النهضة)».
في المقابل، تعتبر حركة «النهضة»، الحزب الرئيسي المعارض لنظام الرئيس السابق زين العابدين بن علي، إلى جانب معارضين من اليسار والتيار القومي، أن «صندوق الكرامة» يتجاوز مفهوم التعويض المالي إلى مسألة رد الاعتبار للضحايا، وجبر الضرر.
وفي هذا الصدد، قال أسامة الصغير النائب عن حزب حركة «النهضة»، لوكالة الأنباء الألمانية: «لقد تم افتعال مشكلة التعويض المالي. لكن هذا لم ينجح. فصندوق الكرامة لا يزال موجوداً ودعم الحكومة له قائم، وهو مفتوح لتبرعات المؤسسات الدولية المهتمة بالعدالة الانتقالية»، مبرزاً أنه «ليس هناك تعويض على النضال، بل هو جبر الضرر عن آثار التعذيب والقتل. هناك مغالطة متعمدة من أحزاب ترفض طي صفحة الماضي، وهم لديهم مشكلة مع إجرام نظام بن علي ومع الديمقراطية... وإذا لم نطوِ صفحة الماضي فسيعود الناس إلى الانتقام، وهو ما لم نختره في تونس، ولا نريد الذهاب إليه، لأنه سيفتح صفحات مظلمة ودموية، وهذا مستحيل أن يحصل في تونس، ولهذا من المهم أن يتم جبر الضرر لمنظومة التعذيب لنظام بن علي».
ورغم الاختلاف في المواقف، هناك حد أدنى من التوافق العام بين غالبية الأحزاب بشأن جبر الأضرار للضحايا، غير أن ثمة اعتراضات ضد صرف تعويضات مالية قد تكون مشطة لموازنة الدولة، خصوصاً في وضع اقتصادي دقيق تمر به البلاد، وفي ظل تفشي البطالة في صفوف الشباب، وتعثر مشاريع التنمية في الجهات الداخلية.
يقول شفيق عيادي، النائب عن كتلة الجبهة الشعبية المعارضة في البرلمان: «كان يفترض أن تكون هناك مصارحة تنتهي بمصالحة وطنية بين التونسيين. لكن ملف العدالة الانتقالية سيطرت عليه تجاذبات سياسية، وحصرته في صندوق الكرامة»، معتبراً أن إصدار الرئيس لقانون المصالحة الإدارية، الذي مهَّد للعفو عن آلاف الموظفين الذين اتهموا بفساد مالي واقتصادي في ظل النظام السابق، قد شوش على مسار العدالة الانتقالية.
وقال بهذا الخصوص إن «القانون لعب دوراً في تخريب العدالة الانتقالية، كونه جنب عدداً كبيراً ممن تسببوا في فساد مالي واقتصادي من المكاشفة، وكأن القانون يريد أن يقول للضحايا: «لم يبقَ لكم سوى التعويض المالي لتطالبوا به».
ويضيف العيادي الذي أودع بدوره ملفاً لدى «هيئة الحقيقة والكرامة»، يخص انتهاكات تعرض لها في نظام بن علي: «لا أبحث عن التعويض المالي، يكفيني أن تونس استردَّت حقها. نحن نتحدث اليوم من دون خوف وبوجه مكشوف. لكن رغم هذا لا يمكنني أن أمنع غيري عن المطالبة بالتعويض. هذا حق».
وبدل الاستمرار في الجدال، يقدم العيادي مقترح الجبهة الشعبية، المتمثل في تأجيل التعويضات المالية لحين تجاوز الأزمة الاقتصادية التي تعيشها البلاد. ويرى أنه «من المهم أن يعرف الشعب التونسي الآليات التي استخدمت في حقبة الاستبداد، حتى نحمي الجيل القادم من أي تعسف جديد. هنا تكمن العدالة الانتقالية... نحن لا نبحث عن الانتقام».
وكانت «هيئة الحقيقة والكرامة» قد نظرت في أكثر من 60 ألف ملف، أودعها ضحايا تعرضوا لانتهاكات ضد حقوق الإنسان، وترتبط أيضاً بفساد مالي في الفترة الممتدة بين عامي 1955 و2013. وقد أحالت الهيئة عدداً من القضايا إلى دوائر قضائية متخصصة في العدالة الانتقالية لكشف الحقائق حول الانتهاكات، ومحاسبة الجناة الذين وقفوا وراءها.
يقول خالد الكريشي، عضو «هيئة الحقيقة والكرامة»، إن جبر الضرر سيكون شاملاً، وليس مادياً فقط، إذ سيكون هناك جبر للضرر المعنوي، واسترداد حقوق وإعادة إدماج للضحايا، نافياً أن يكون الضحايا المنتفعين من الصندوق من لون سياسي واحد فقط.



«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
TT

«الوفد» المصري يدخل أزمة جديدة بعد فصل أحد قادته

رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)
رئيس «الوفد» الحالي عبد السند يمامة وإلى جواره رئيسه الأسبق السيد البدوي خلال أحد أنشطة الحزب (حزب الوفد)

دخل حزب «الوفد» المصري العريق في أزمة جديدة، على خلفية قرار رئيسه عبد السند يمامة، فصل أحد قادة الحزب ورئيسه الأسبق الدكتور السيد البدوي، على خلفية انتقادات وجَّهها الأخير إلى الإدارة الحالية، وسط مطالبات باجتماع عاجل للهيئة العليا لاحتواء الأزمة، فيما حذَّر خبراء من «موجة انشقاقات» تضرب الحزب.

وانتقد البدوي في حديث تلفزيوني، دور حزب الوفد الراهن، في سياق حديثه عمّا عدَّه «ضعفاً للحياة الحزبية» في مصر. وأعرب البدوي عن استيائه من «تراجع أداء الحزب»، الذي وصفه بأنه «لا يمثل أغلبية ولا معارضة» ويعد «بلا شكل».

وذكر البدوي، أن «انعدام وجوده (الوفد) أفقد المعارضة قيمتها، حيث كان له دور بارز في المعارضة».

و«الوفد» من الأحزاب السياسية العريقة في مصر، وهو الثالث من حيث عدد المقاعد داخل البرلمان، بواقع 39 نائباً. في حين خاض رئيسه عبد السند يمامة، انتخابات الرئاسة الأخيرة، أمام الرئيس عبد الفتاح السيسي، وحصل على المركز الرابع والأخير.

المقر الرئيسي لحزب «الوفد» في القاهرة (حزب الوفد)

وأثارت تصريحات البدوي استياء يمامة، الذي أصدر مساء الأحد، قراراً بفصل البدوي من الحزب وجميع تشكيلاته.

القرار ووجه بانتقادات واسعة داخل الحزب الليبرالي، الذي يعود تأسيسه إلى عام 1919 على يد الزعيم التاريخي سعد زغلول، حيث اتهم عدد من قادة الحزب يمامة بمخالفة لائحة الحزب، داعين إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا.

ووصف عضو الهيئة العليا للحزب فؤاد بدراوي قرار فصل البدوي بـ«الباطل»، موضحاً لـ«الشرق الأوسط» أن «لائحة الحزب تنظم قرارات فصل أي قيادي بالحزب أو عضو بالهيئة العليا، حيث يتم تشكيل لجنة تضم 5 من قيادات الحزب للتحقيق معه، ثم تُرفع نتيجة التحقيق إلى (الهيئة العليا) لتتخذ قرارها».

وأكد بدراوي أن عدداً من قيادات الحزب «دعوا إلى اجتماع طارئ للهيئة العليا قد يُعقد خلال الساعات القادمة لبحث الأزمة واتخاذ قرار»، معتبراً أن «البدوي لم يخطئ، فقد أبدى رأياً سياسياً، وهو أمر جيد للحزب والحياة الحزبية».

ويتخوف مراقبون من أن تتسبب الأزمة في تعميق الخلافات الداخلية بالحزب، مما يؤدي إلى «موجة انشقاقات»، وقال أستاذ العلوم السياسية بجامعة القاهرة الدكتور طارق فهمي لـ«الشرق الأوسط» إن «مشكلة فصل البدوي قد تؤدي إلى موجة انشقاقات داخل الحزب، وهي ظاهرة مرشحة للتفاقم في الحياة السياسية المصرية خلال الفترة القادمة، فمشكلة (الوفد) مثل باقي الأحزاب... لا توجد قناعة بتعدد الآراء والاستماع لجميع وجهات النظر».

وأكد فهمي أن «اجتماع الهيئة العليا لحزب (الوفد) لن يحل الأزمة، والحل السياسي هو التوصل إلى تفاهم، للحيلولة دون حدوث انشقاقات، فمشكلة (الوفد) أنه يضم تيارات وقيادات كبيرة تحمل رؤى مختلفة دون وجود مبدأ استيعاب الآراء كافة، وهو ما يؤدي إلى تكرار أزمات الحزب».

وواجه الحزب أزمات داخلية متكررة خلال السنوات الأخيرة، كان أبرزها إعلان عدد من قياداته في مايو (أيار) 2015 إطلاق حملة توقيعات لسحب الثقة من رئيسه حينها السيد البدوي، على خلفية انقسامات تفاقمت بين قياداته، مما أدى إلى تدخل الرئيس عبد الفتاح السيسي في الأزمة، حيث اجتمع مع قادة «الوفد» داعياً جميع الأطراف إلى «إعلاء المصلحة الوطنية، ونبذ الخلافات والانقسامات، وتوحيد الصف، وتكاتف الجهود في مواجهة مختلف التحديات»، وفق بيان للرئاسة المصرية حينها.

وأبدى فهمي تخوفه من أن «عدم التوصل إلى توافق سياسي في الأزمة الحالية قد يؤدي إلى مواجهة سياسية بين قيادات (الوفد)، ومزيد من قرارات الفصل، وهو ما سيؤثر سلباً على مكانة الحزب».

في حين رأى نائب مدير «مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية» في مصر الدكتور عمرو هاشم ربيع، أن «(الوفد) سيتجاوز هذه الأزمة كما تجاوز مثلها»، وقال لـ«الشرق الأوسط» إن «الأزمة ستمر مثل كثير من الأزمات، لكنها لن تمر بسهولة، وستحدث عاصفة داخل الحزب».

واستنكر ربيع فصل أحد قيادات حزب ليبرالي بسبب رأيه، قائلاً: «من الغريب أن يقوم رئيس حزب ليبرالي ينادي بحرية التعبير بفصل أحد قياداته بسبب رأيه».

كان البدوي قد أعرب عن «صدمته» من قرار فصله، وقال في مداخلة تلفزيونية، مساء الأحد، إن القرار «غير قانوني وغير متوافق مع لائحة الحزب»، مؤكداً أنه «لا يحق لرئيس الحزب اتخاذ قرار الفصل بمفرده».

وأثار القرار ما وصفها مراقبون بـ«عاصفة حزبية»، وأبدى عدد كبير من أعضاء الهيئة العليا رفضهم القرار، وقال القيادي البارز بحزب «الوفد» منير فخري عبد النور، في مداخلة تلفزيونية، إن «القرار يأتي ضمن سلسلة قرارات مخالفة للائحة الحزب، ولا بد أن تجتمع الهيئة العليا لمناقشة القرار».

ورأى عضو الهيئة العليا لحزب «الوفد» عضو مجلس النواب محمد عبد العليم داوود، أن قرار فصل البدوي «خطير»، وقال في مداخلة تلفزيونية إن «القرار لا سند له ولا مرجعية».

وفي يوليو (تموز) الماضي، شهد الحزب أزمة كبرى أيضاً بسبب مقطع فيديو جرى تداوله على نطاق واسع، على منصات التواصل الاجتماعي، يتعلق بحديث لعدد من الأشخاص، قيل إنهم قيادات بحزب «الوفد»، عن بيع قطع أثرية؛ مما أثار اتهامات لهم بـ«الاتجار غير المشروع في الآثار».