باريس «مصدومة» من قرار ترمب وتقرر إبقاء قواتها شرق سوريا

TT

باريس «مصدومة» من قرار ترمب وتقرر إبقاء قواتها شرق سوريا

صدمة في باريس من قرار الرئيس الأميركي دونالد سحب قواته من سوريا بمقدار تعويلها الكبير السابق على بقاء القوات الأميركية في المعادلة السورية.
وحسب المصادر الفرنسية فإن ما كان منتظراً من هذا البقاء، لو استمر، أربعة أمور أساسية: أولها، بالطبع، القضاء على «داعش»، وثانيها إيجاد «توازن استراتيجي» مع الوجود الروسي - الإيراني - التركي، وثالثها الإفادة من هذه الورقة للتأثير على رسم صورة سوريا المستقبلية والدفع باتجاه حل سياسي لا يكون مائة% لصالح النظام ووفق تصورات روسيا وإيران، ورابعها «احتواء» سياسة طهران الإقليمية بدءاً من سوريا. وتضيف هذه المصادر أن «توقيت» قرار واشنطن «سيء للغاية» لأنه يأتي فجائيا فيما المفاوضات لتشكيل اللجنة الدستورية اقتربت من نهاياتها وبالتالي فإن انسحاب واشنطن سيكون له بالغ التأثير على مجرياتها.
هذا باختصار ثبت لما كانت تتمناه باريس. وبما أن رغبة الرئيس ترمب الذي اتصل به الرئيس الفرنسي إيمانويل ماكرون قبل 24 ساعة من إعلان الانسحاب، ذهبت بعكس ما كانت تتمناه باريس والعديد من العواصم الغربية والإقليمية، فإن الأضرار التي ترصدها مصادر فرنسية «عديدة وبالغة» وتطيح بالأهداف التي كانت منتظرة من الحضور العسكري الأميركي في سوريا.
بيد أن التصريحات الرسمية الفرنسية تعليقاً على قرار ترمب انحصرت في نقطة واحدة هي الحرب على «داعش». وبعكس ما أكده ترمب، فإن وزيرة الدفاع فلورانس بارلي، اعتبرت، أمس، أن «داعش»، «لم يلغَ من الخريطة ولم تُجتث جذوره، ويتعين دحره بشكل قاطع و(استعادة) الجيوب الأخيرة من هذا التنظيم الإرهابي». وأشارت بارلي إلى أن «داعش» اختار بعد الهزائم التي لحقت به وخسارته 90% من الأراضي التي كان يسيطر عليها، العمل «الخفي» وهو ما زال موجوداً. وقبل يوم واحد، أكد وزير الخارجية جان إيف لو دريان، أمام مجموعة كبيرة من السفراء في مدينة بياريتز أن استعادة هذه الجيوب تمثل «أولوية مطلقة» يتعين استكمالها بـ«تعزيز استقرار المناطق المحررة» من «داعش».
السؤال المطروح على باريس يتناول مستقبل الحضور الفرنسي في شمال شرقي سوريا، إلى جانب قوات سوريا الديمقراطية، بعد أن تنسحب القوات الأميركية. ورغم أن وزارة الدفاع الفرنسية ترفض قطعاً الحديث عن تحركات قوات الكوماندوز الخاصة، فإن المتداول أن عدة مئات منها موجودة إلى جانب «قوات سوريا الديمقراطية»، إضافةً إلى مشاركة وحدات مدفعية في المعارك انطلاقاً من وراء الحدود العراقية - السورية. يضاف إلى ذلك استمرار عدد قليل من طائرات الرافال الفرنسية المنضوية في إطار التحالف الدولي في طلعاتها الجوية واستهداف مواقع «داعش» شرق الفرات. وأكثر من مرة، لعبت الوحدات الفرنسية، إلى جانب القوات الأميركية، دوراً مهماً في «ردع» تركيا من خلال تعزيز قواتها على الحدود المشتركة بين سوريا وتركيا.
الموقف الأول الخاص بمصير الحضور الفرنسي العسكري في سوريا عبّر عنه مصدران: الأول عسكري والثاني دبلوماسي. فقد أعلن الكولونيل باتريك ستايغر، الناطق باسم القوات الفرنسية، أمس، أن «الحملة العسكرية على «داعش» مستمرة» وأن ما صدر عن الرئيس الأميركي «لا يؤثر، حتى الآن، على استمرار مشاركة فرنسا في الحملة العسكرية ضد (داعش) في إطار التحالف» الدولي الذي تقوده الولايات المتحدة. وذهبت وزيرة الشؤون الأوروبية ناتالي لوازو، في الاتجاه عينه بتأكيدها، أمس، أن القوات الفرنسية «حتى الآن، باقية في سوريا» لأن «الحرب على الإرهاب لم تنته». ودللت على قولها بالإشارة إلى العملية الإرهابية الأخيرة التي حصلت في مدينة ستراسبورغ والتي أوقعت خمسة قتلى و129 جريحاً بعضهم في حالة الخطر الشديد. وخلاصة الوزيرة الفرنسية التي تتناول نادراً المسائل الخارجة عن اختصاصها، جاءت في نقطتين، الأولى أن «الحرب ما زالت قائمة ضد (داعش) ونحن ما زلنا مستمرين بخوضها»، والأخرى أن قرار الانسحاب الأميركي «يدفعنا إلى التفكير ملياً بحاجة أوروبا إلى استقلالية استراتيجية» ولأن «الأولويات الأوروبية يمكن أن تكون مختلفة» عن أولويات الولايات المتحدة. وبذلك تستعيد الوزيرة الفرنسية طرح الرئيس ماكرون الذي يدعو لقيام «جيش أوروبي حقيقي»، الأمر الذي أثار حفيظة ترمب ووتّر العلاقات بين الطرفين.
حقيقة الأمر أن موقف فرنسا «وكذلك بريطانيا وإيطاليا، أي الدول التي لديها قوات في شمال شرقي سوريا» ليس سهلاً، إذ إنه سيتعين عليها أن تتخذ قراراً إما بالبقاء وإما بالرحيل بعد خروج الأميركيين. من هنا، الحذر في التصريحات الفرنسية التي تتحدث عن قرار البقاء «حتى الآن» يعني أنه قد يتغير في المستقبل. من هنا، فإن الدوائر العسكرية والدبلوماسية تنصبّ على استكشاف الخيارات المتاحة أمام الرئاسة الفرنسية. وإذا صدقت التوقعات الأميركية القائلة إن الانسحاب سيحتاج إلى ما بين شهرين وثلاثة أشهر، فإن هذه الفترة ستكون كافية لتراقب فرنسا تطور الأوضاع الميدانية ولتوفر رداً عليها لن يكون بالضرورة فرنسياً وإنما أوروبي.
في الربيع الماضي، عندما أعلن ترمب أنه عازم على الانسحاب سريعاً من سوريا، «تدخل» الرئيس ماكرون لحثه على البقاء وقيل وقتها إنه لعب دوراً في إقناعه بتغيير مقاربته. وخلال الشهور المنصرمة، عوّلت باريس على «تطمينات» وزارة الدفاع الأميركية وعلى تصريحات مستشار الأمن القومي جون بولتون، والمبعوث الأميركي جيمس جيفري، والتي كانت تصب كلها في التركيز على الحاجة إلى بقاء القوات لتحقيق الأهداف الأميركية التي كانت في الوقت نفسه أهدافاً أوروبية وإقليمية.



واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
TT

واشنطن تضرب منشأتين حوثيتين لتخزين الأسلحة تحت الأرض

واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)
واشنطن شنت نحو 950 غارة ضد الحوثيين خلال عام (الجيش الأميركي)

بعد يوم من تبني الحوثيين المدعومين من إيران مهاجمة أهداف عسكرية إسرائيلية وحاملة طائرات أميركية شمال البحر الأحمر، أعلن الجيش الأميركي، الأربعاء، استهداف منشأتين لتخزين الأسلحة تابعتين للجماعة في ريف صنعاء الجنوبي وفي محافظة عمران المجاورة شمالاً.

وإذ أقرت وسائل الإعلام الحوثية بتلقي 6 غارات في صنعاء وعمران، فإن الجماعة تشن منذ أكثر من 14 شهراً هجمات ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن، وهجمات أخرى باتجاه إسرائيل، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة، فيما تشن واشنطن ضربات مقابلة للحد من قدرات الجماعة.

وأوضحت «القيادة العسكرية المركزية الأميركية»، في بيان، الأربعاء، أن قواتها نفذت ضربات دقيقة متعددة ضد منشأتين تحت الأرض لتخزين الأسلحة التقليدية المتقدمة تابعتين للحوثيين المدعومين من إيران.

ووفق البيان، فقد استخدم الحوثيون هذه المنشآت لشن هجمات ضد سفن تجارية وسفن حربية تابعة للبحرية الأميركية في جنوب البحر الأحمر وخليج عدن. ولم تقع إصابات أو أضرار في صفوف القوات الأميركية أو معداتها.

وتأتي هذه الضربات، وفقاً للبيان الأميركي، في إطار جهود «القيادة المركزية» الرامية إلى تقليص محاولات الحوثيين المدعومين من إيران تهديد الشركاء الإقليميين والسفن العسكرية والتجارية في المنطقة.

في غضون ذلك، اعترفت الجماعة الحوثية، عبر وسائل إعلامها، بتلقي غارتين استهدفتا منطقة جربان بمديرية سنحان في الضاحية الجنوبية لصنعاء، وبتلقي 4 غارات ضربت مديرية حرف سفيان شمال محافظة عمران، وكلا الموقعين يضم معسكرات ومخازن أسلحة محصنة منذ ما قبل انقلاب الحوثيين.

وفي حين لم تشر الجماعة الحوثية إلى آثار هذه الضربات على الفور، فإنها تعدّ الثانية منذ مطلع السنة الجديدة، بعد ضربات كانت استهدفت السبت الماضي موقعاً شرق صعدة حيث المعقل الرئيسي للجماعة.

5 عمليات

كانت الجماعة الحوثية تبنت، مساء الاثنين الماضي، تنفيذ 5 عمليات عسكرية وصفتها بـ«النوعية» تجاه إسرائيل وحاملة طائرات أميركية، باستخدام صواريخ مجنّحة وطائرات مسيّرة، وذلك بعد ساعات من وصول المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى صنعاء حيث العاصمة اليمنية الخاضعة للجماعة.

وفي حين لم يورد الجيشان الأميركي والإسرائيلي أي تفاصيل بخصوص هذه الهجمات المزعومة، فإن يحيى سريع، المتحدث العسكري باسم الحوثيين، قال إن قوات جماعته نفذت «5 عمليات عسكرية نوعية» استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» وتل أبيب وعسقلان.

الحوثيون زعموا مهاجمة حاملة الطائرات الأميركية «هاري ترومان» بالصواريخ والمسيّرات (الجيش الأميركي)

وادعى المتحدث الحوثي أن جماعته استهدفت حاملة الطائرات الأميركية «يو إس إس هاري ترومان» بصاروخين مجنّحين و4 طائرات مسيّرة شمال البحرِ الأحمر، زاعماً أن الهجوم استبق تحضير الجيش الأميركي لشن هجوم على مناطق سيطرة الجماعة.

إلى ذلك، زعم القيادي الحوثي سريع أن جماعته قصفت هدفين عسكريين إسرائيليين في تل أبيب؛ في المرة الأولى بطائرتين مسيّرتين وفي المرة الثانية بطائرة واحدة، كما قصفت هدفاً حيوياً في عسقلانَ بطائرة مسيّرة رابعة.

تصعيد متواصل

وكانت الجماعة الحوثية تبنت، الأحد الماضي، إطلاق صاروخ باليستي فرط صوتي، زعمت أنها استهدفت به محطة كهرباء إسرائيلية، الأحد، وذلك بعد ساعات من تلقيها 3 غارات وصفتها بالأميركية والبريطانية على موقع شرق مدينة صعدة؛ حيث معقلها الرئيسي شمال اليمن.

ويشن الحوثيون هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن وباتجاه إسرائيل، ابتداء من 19 نوفمبر (تشرين الثاني) 2023، تحت مزاعم مناصرة الفلسطينيين في غزة.

مقاتلة أميركية تقلع من على متن حاملة الطائرات «هاري رومان»... (الجيش الأميركي)

وأقر زعيمهم عبد الملك الحوثي في آخِر خُطبه الأسبوعية، الخميس الماضي، باستقبال 931 غارة جوية وقصفاً بحرياً، خلال عام من التدخل الأميركي، وقال إن ذلك أدى إلى مقتل 106 أشخاص، وإصابة 314 آخرين.

كما ردت إسرائيل على مئات الهجمات الحوثية بـ4 موجات من الضربات الانتقامية حتى الآن، وهدد قادتها السياسيون والعسكريون الجماعة بمصير مُشابه لحركة «حماس» و«حزب الله» اللبناني، مع الوعيد باستهداف البنية التحتية في مناطق سيطرة الجماعة.

ومع توقع أن تُواصل الجماعة الحوثية هجماتها، لا يستبعد المراقبون أن تُوسِّع إسرائيل ردها الانتقامي، على الرغم من أن الهجمات ضدها لم يكن لها أي تأثير هجومي ملموس، باستثناء مُسيَّرة قتلت شخصاً بعد انفجارها بشقة في تل أبيب يوم 19 يوليو (تموز) الماضي.