معرض «بين السماء والأرض»... تحية أرمنية بلوحات رسم

تضمن أعمال آرام هاغوبيان و20 فناناً تشكيلياً

معرض «رؤيا ما وراء الحدود» يستمر حتى 2 يناير المقبل في فندق «لوغراي» وسط بيروت
معرض «رؤيا ما وراء الحدود» يستمر حتى 2 يناير المقبل في فندق «لوغراي» وسط بيروت
TT

معرض «بين السماء والأرض»... تحية أرمنية بلوحات رسم

معرض «رؤيا ما وراء الحدود» يستمر حتى 2 يناير المقبل في فندق «لوغراي» وسط بيروت
معرض «رؤيا ما وراء الحدود» يستمر حتى 2 يناير المقبل في فندق «لوغراي» وسط بيروت

في سوق الصاغة وسط بيروت، وبالتحديد في غاليري «آراميه» للفنون، ينطلق معرض رسم بعنوان «بين السماء والأرض».
ويتضمن هذا المعرض، الذي يقام للسنة الحادية عشرة على التوالي، نحو 40 لوحة للروسي الأرمني الأصل آرام هاغوبيان، إضافة إلى أخرى من توقيع 20 فناناً أرمنياً آخر. حمل هؤلاء الفنانون أعمالهم إلى لبنان لتكون بمثابة تحية فنية تعبق بجذورهم الأرمنية يتوجهون بها إلى لبنان وأهله، الذي يعد لكثيرين من مواطنيهم بلدهم الثاني.
وبين لوحات زيتية صممت بألوان زاهية يخيم عليها مشاهد من طبيعة أرمينيا الجبلية لآرام هاغوبيان، وأخرى تروي في طياتها قصص حب وفلسفة حياة وذكريات طفولية، وما إلى هنالك من موضوعات خزنها الرسامون الباقون من بلدهم الأم، نتعرف إلى فنانين أرمن معاصرين، أمثال دارون موراديان، وتيغران ماتوليان، وآرمن جيفورجيان، ومارات مارغاريان، وغيرهم. ومنذ اللحظة الأولى لدخولك هذا المعرض تتلمس في لوحاته تقنية حديثة وفسيفساء من الألوان ورموزاً إنسانية تستمتع بفكّ أسرارها طيلة جولتك فيه.
ويعد الفنان آرام هاغوبيان الذي يخصص له في المعرض المساحة الأكبر لأعماله، أحد أبرز الفنانين الأرمن المعاصرين، والمعروف بريشته التي تنثر الطاقة الإيجابية على مشاهدها. فهو، ومن خلال لوحاته التجريدية حيناً والمشبعة برسوم هندسية حيناً آخر، ينقل إلينا أحلامه المزنرة بالهدوء والطمأنينة وراحة البال. «أحاول دائماً الركون إلى الطبيعة والألوان الزاهية؛ لأن الإنسان في حاجة دائمة إلى الانزواء في أحضانها، فيجد الراحة النفسية والجسدية ويكتشف ذاته». يقول آرام في حديث لـ«الشرق الأوسط». وعما إذا يمكننا أن نخبئ أحزاننا وراء الألوان كما في ريشة لوحاته، يرد: «أرواحنا مليئة بالفرح، وعندما تطغى الأفكار السوداء على الإنسان فهناك دائماً مفتاح أمل علينا إيجاده للخروج إلى عالم البهجة. والألوان في لوحاتي هي بمثابة طاقة إيجابية كنور الشمس تنعكس راحة على مشاهدها».
«زهور للفائزين»، و«صباح مشرق»، و«الجنة على الأرض»، و«العودة إلى الوطن»، وغيرها، تشكل بعض عناوين لوحات آرام هاغوبيان. وهي تتميز بعناصرها المطبوعة بتلال وجبال وأشجار أرمينيا وبيوتها الصغيرة ونسائها الأنيقات. فتؤلف مجتمعة نزهة مشبعة بالسلام والحب الذي يتمسك الفنان الأرمني بتجسيدها في أعماله.
وفي الطابق الثاني من المعرض تطالعك لوحات موزعة على جدرانه كافة لـ20 فناناً أرمنياً تغب من كل منها دروساً في الحياة والإنسانية والطاقة.
«إنهم في غالبيتهم يندرجون على لائحة الفنانين التشكيليين العالميين الذين تحضر أعمالهم في أهم المتاحف في العالم وفي سفارات أرمينيا ووزاراتها». تقول المشرفة على المعرض سيلفي بوشاكجيان، التي تشير في سياق حديثها لـ«الشرق الأوسط» بأن لوحات بعضهم تدرس في الجامعات الأرمنية. فآرمن غيفورجيان الذي يعلم رؤوس شخصياته بالشكل البيضاوي، ويرسمها بتقنية ثلاثية الأبعاد يرغب في الإشارة من خلالها إلى الخصوبة بكل أنواعها. كما تتألف لوحاته دائماً من شريكين يتواجهان بشكل أو بآخر، وبغض النظر عما إذا كانا يمثلان الخير والشر، فنراهما من ضمن مجموعة أو من خلال شرائح مجتمع.
سامبيل ساباتيليان، الذي عاش فترة من حياته في أميركا يزين لوحاته بنصوص أدبية معبرة، فتكمل معنى أعماله الزيتية والمتمثلة في صور نساء عاشقات رسمها على خلفية سوداء تطبع مجمل أعماله. أما غابو الذي تقاعد اليوم عن مهنة الرسم وبات بالكاد يمسك بريشته مرة في السنة، فينقلنا إلى عالم الطفولة من خلال شخصيات خيالية ملونة بالأصفر والأحمر، هو الذي يردد دائماً بأن هناك طفلاً صغيراً يعيش في داخله.
معظم الأعمال في معرض «بين السماء والأرض» تتواجد أيضاً في المتحف الأرمني الوطني، ومن أصل نحو 2000 فنان معاصر انتقت غاليري «آراميه» (لها فروع أخرى في أرمينيا وأبوظبي، وغيرهما) نحو 26 بينهم ليطلوا في هذا الحدث الثقافي. «إننا نقوم بتنظيم معارض مماثلة لهم في مختلف أنحاء العالم، فهم يعتبرون سفراء فخريين لأرمينيا نعتز بهم». توضح سيلفي بوشاكجيان.
أما تيغران ماتوليان، فيقدم في لوحاته المرأة من وجهة نظره وخياله الواسع. فهي منمنمة ترتدي أزياء ملونة وتعبث الزينة بشعرها، التي تدل على تأثره ببلاد الهند التي عاش فيها لفترة. ونكتشف مع دارون موراديان أهمية الخلفية القماشية التي يشتغل عليها فهو يستغرق وقتاً طويلاً لتحضير «الكانفاس» أكثر من الرسمة بحد ذاتها. ومع روبن أبوفيان، الذي يصور شخصيات متشابهة في نظرنا ومختلفة من وجهة نظره، تطل علينا صور مجازية من عالم الطفولة والعائلة الواحدة والموسيقى وغيرها لتبدو وكأنها ستخرج من اللوحة لتلقي التحية عليك.
«غالبية الشعب الأرمني يتمتع بموهبة موسيقية؛ ولذلك نلحظ آلة البيانو والبوق وغيرهما متواجدة في رسومهم». تعلق سيلفي بوشاكجيان في سياق حديثها.
ومع مارات مارغاريان تغوص في عالم طبيعة الجنة التي يحددها بإطار ألوان تدريجية تنعكس على مشاهدها رونقاً وجمالاً فتشدك من النظرة الأولى. ومع ألوان قرقمازية تميل إلى الزهرية، وأخرى تصور أطفالاً يقطفون الورد في حديقة غناء، وثالثة تصور مغيب الشمس ونساءً ترق العجين وتخبزه، يدخلك في عالمه المرتكز على تقنية دقيقة في الرسم يعرف بها.



مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
TT

مخزون الصور العائلية يُلهم فناناً سودانياً في معرضه القاهري الجديد

صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)
صور تعكس الترابط الأسري (الشرق الأوسط)

«زهوري اليانعة في داخل خميلة»... كلمات للشاعر الجاغريو، وهي نفسها الكلمات التي اختارها الفنان التشكيلي السوداني صلاح المر، لوصف السنوات التي قضاها في مصر، والأعمال الإبداعية التي قدّمها خلالها، وضمنها في البيان الخاص بأحدث معارضه بالقاهرة «احتفالية القرد والحمار».

تنقل المر خلال 15 عاماً قضاها في مصر ما بين حواري الحسين، ومقاهي وسط البلد، وحارات السبتية، ودروب الأحياء العتيقة، متأثراً بناسها وفنانيها، ومبدعي الحِرف اليدوية، وراقصي المولوية، وبائعي التحف، ونجوم السينما والمسرح؛ لتأتي لوحاته التي تضمنها المعرض سرداً بصرياً يعبّر عن ولعه بالبلد الذي احتضنه منذ توجهه إليه.

لوحة لرجل مصري مستلهمة من صورة فوتوغرافية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول المر لـ«الشرق الأوسط»: «أعمال هذا المعرض هي تعبير صادق عن امتناني وشكري البالغين لمصر، ويوضح: «جاءت فكرة المعرض عندما وقعت عقد تعاون مع إحدى الغاليريهات المعروفة في الولايات المتحدة، وبموجب هذا العقد لن أتمكن من إقامة أي معارض في أي دول أخرى، ومنها مصر التي عشت فيها أجمل السنوات، أردت قبل بدء الموعد الرسمي لتفعيل هذا الاتفاق أن أقول لها شكراً وأعبّر عن تقديري لأصحاب صالات العرض الذين فتحوا أبوابهم لأعمالي، والنقاد الذين كتبوا عني، والمبدعين الذين تأثرت بهم وما زلت، وحتى للأشخاص العاديين الذين التقيت بهم مصادفة».

اللوحات تقدم مشاهد مصرية (الشرق الأوسط)

استلهم الفنان 25 لوحة بخامة ألوان الأكريلك والأعمال الورقية من مجموعة كبيرة من الصور الفوتوغرافية والـ«بوستال كارد» المصرية القديمة، التي تعكس بدورها روعة الحياة المصرية اليومية، ودفء المشاعر والترابط المجتمعي فيها وفق المر: «لدي نحو 5 آلاف صورة مصرية، جمعتها من (الاستوديوهات) وتجار الروبابكيا، ومتاجر الأنتيكات، ومنا استلهمت لوحاتي».

ويضيف: «مصر غنية جداً باستوديوهات التصوير منذ عشرات السنين، ولديها قدراً ضخماً من الصور النادرة المُلهمة، التي تحكي الكثير عن تاريخها الاجتماعي».

الفنان صلاح المر (الشرق الأوسط)

يستطيع زائر المعرض أن يتعرف على الصور الأصلية التي ألهمت الفنان في أعماله؛ حيث حرص المر على أن يضع بجوار اللوحات داخل القاعة الصور المرتبطة بها، ولكن لن يعثر المتلقي على التفاصيل نفسها، يقول: «لا أقدم نسخة منها ولا أحاكيها، إنما أرسم الحالة التي تضعني فيها الصورة، مجسداً انفعالي بها، وتأثري بها، عبر أسلوبي الخاص».

لوحة مأخوذة عن صورة لطفل مصري مع لعبة الحصان (الشرق الأوسط)

تأتي هذه الأعمال كجزء من مشروع فني كبير بدأه الفنان منذ سنوات طويلة، وهو المزج ما بين التجريد التصويري والموضوعات ذات الطابع العائلي، مع الاحتفاء بالجماليات الهندسية، والرموز التراثية، والاستلهام من الصور، ويعكس ذلك ولعه بهذا الفن، تأثراً بوالده الذي عشق الفوتوغرافيا في شبابه.

يقول: «بدأ تعلقي بالفوتوغرافيا حين عثرت ذات يوم على كنز من الصور في مجموعة صناديق كانت تحتفظ به الأسرة في مخزن داخل المنزل بالسودان، وكانت هذه الصور بعدسة والدي الذي انضم إلى جماعة التصوير بكلية الهندسة جامعة الخرطوم أثناء دراسته بها».

لوحة مستلهمة من صورة قديمة لعروسين (الشرق الأوسط)

هذا «الكنز» الذي عثر عليه المر شكّل جزءاً مهماً من ذاكرته البصرية ومؤثراً وملهماً حقيقياً في أعماله، والمدهش أنه قرر أن يبوح للمتلقي لأول مرة بذكرياته العزيزة في طفولته بالسودان، وأن يبرز دور والده في مشواره الفني عبر هذا المعرض؛ حيث يحتضن جدران الغاليري مجسماً ضخماً لـ«استوديو كمال»؛ وهو اسم محل التصوير الذي افتتحه والده في الستينات من القرن الماضي.

لوحة تعكس تفاصيل مصرية قديمة (الشرق الأوسط)

يقول: «أقنع والدي جدي، بإنشاء استوديو تصوير بمحل الحلاقة الخاص به في (سوق السجانة) بالخرطوم، وتم تجهيز الاستوديو مع غرفة مظلمة من الخشب للتحميض، وذلك في الجزء الخلفي من الدكان».

وجوه مصرية (الشرق الأوسط)

وداخل المجسم تدفع المقتنيات الخاصة المتلقي للتفاعل مع ذكريات المر، والمؤثر الفني الذي شكل أعماله؛ ما يجعله أكثر تواصلاً، وتأثراً بلوحات المعرض؛ فالمتلقي هنا يستكشف تفاصيل تجربة الوالد في التصوير، بل يمكنه التقاط صور لنفسه داخل محله القديم!

وأثناء ذلك أيضاً يتعرف على جانب من تاريخ الفوتوغرافيا، حيث المعدات، وهي عبارة عن الكاميرا YASHIKA التي تستخدم أفلام مقاس 621 وEnlarger والستارة التي تعمل كخلفية وأدوات أخرى للتحميض والطباعة، وتجفيف الفيلم والصور بواسطة مروحة طاولة، وقص الصور بمقص يدوي: «استمر العمل لمدة سنة تقريباً، وأغلق الاستوديو قبل أن أولد، لكن امتد تأثير هذه التجربة داخلي حتى اللحظة الراهنة».

مجسم لاستوديو والد الفنان في الغاليري (الشرق الأوسط)

«احتفالية القرد والحمار» هو اسم «بوستال كارد» عثر عليه الفنان لدى تاجر روبابكيا، ويجسد مشهداً كان موجوداً في الشارع المصري قديماً؛ حيث يقدم أحد الفنانين البسطاء عرضاً احتفالياً بطلاه هما القرد والحمار، ومنه استلهم الفنان إحدى لوحات معرضه، ويقول: «تأثرت للغاية بهذا الملصق؛ وجعلت اسمه عنواناً لمعرضي؛ لأنه يجمع ما بين ملامح الجمال الخفي في مصر ما بين الفن الفطري، والسعادة لأكثر الأسباب بساطة، وصخب المدن التي لا تنام».