الإرهاب محور قضايا المنطقة وكل مشاكلها تدور حوله

معلقون لـ {الشرق الأوسط}: الخطاب أقام الحجة على الجميع

جانب من تفجير «الوشم» الإرهابي الذي شهدته الرياض في 2004 (تصوير خالد الخميس)
جانب من تفجير «الوشم» الإرهابي الذي شهدته الرياض في 2004 (تصوير خالد الخميس)
TT

الإرهاب محور قضايا المنطقة وكل مشاكلها تدور حوله

جانب من تفجير «الوشم» الإرهابي الذي شهدته الرياض في 2004 (تصوير خالد الخميس)
جانب من تفجير «الوشم» الإرهابي الذي شهدته الرياض في 2004 (تصوير خالد الخميس)

تضمنت كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز التأكيد على ضرورة التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب باعتباره المهدد الأول لاستقرار المنطقة وأمنها وأمن العالم، وأبدى خادم الحرمين خيبة أمل من عدم تفعيل المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي اقترحه خادم الحرمين الشريفين قبل نحو عشر سنوات، وتم اختيار مقره في العاصمة السعودية الرياض.
أمر آخر قرأه معلقون وخبراء تحدثوا مع «الشرق الأوسط» في كلمة الملك عبد الله، وهو أن الإرهاب هو محور قضايا المنطقة وأبرز أسباب معاناتها ومشاكلها، فهو يبدأ من التطرف البعيد عن وسطية الإسلام ثم يتحول إلى جماعات تمارس العنف والإرهاب باسم الإسلام، زورا وبهتانا، وتضر بالدين وتشوه صورة المسلمين، وتتولى كبره في المنطقة إسرائيل التي تمارس بدورها وبكل جبروت إرهاب الدولة ضد الفلسطينيين، فيما أشار المعلقون إلى نقطة مهمة نبه لها خادم الحرمين الشريفين، وهي تبدد جهود الحرب على الإرهاب طالما هناك دول تستفيد من ظاهرة الإرهاب وتغذيه وتدعمه.
كما شدد خبراء ومحللون سياسيون على أن كلمة خادم الحرمين الشريفين تضمنت الدعوة للوقوف بوجه الإرهاب، مؤكدين أن تضمن الإشارة بوضوح إلى الخطاب تضمنت صمت المجتمع الدولي أمام التنظيمات الإرهابية.
ورأى الخبراء في شأن تطورات الأحداث العالمية أن الكلمة أتت لتقيم الحجة على الجميع، محملين العلماء والمفكرين والمثقفين دور مواجهة الإرهاب بالكتابة عن مخاطره والقيام بواجب التحذير من تلك المخاطر.
أمام ذلك يقول الدكتور عبد الله العسكر، رئيس قسم الشؤون السياسية في مجلس الشورى، إن الخطاب الملكي عرج على المنظمات الإرهابية التي بدأت تجد لها مواطئ قدم في بعض الدول المجاورة، التي استغلت عدم الاهتمام الدولي بها مما جعلها تتوسع وربما تتحول إلى دول فاشلة، وإن الملك رأى أن التحول خطير للغاية وأن دول العالم يجب أن تتحمل دورها تجاه الوضع المتردي، وهو ما أشير إليه من أن التأخير لن يكون في صالح الدول، وربما تتحول تلك المشاكل إلى كوارث أكثر.
وأفاد العسكر بأنه يجب على الدول أن تتحمل المسؤولية التامة في عدم التوحد تجاه الإرهاب المنظم، وأيضا صمت المجتمع الدولي، وأن الدول لم تأخذ الإرهاب على محمل الجد ولم تكافحه، مفيدا بأن الخطاب وجه إلى المثقفين ومفكري الأمة لتحمل المسؤولية الكبرى بأن يفككوا مفاصل الخطاب الإرهابي المتطرف، وأن يبينوا للناس عاره، وأيضا أشار إلى أن بعض الدول تستخدم الجماعات الإرهابية لأغراض آنية لمصالح شخصية. وأوضح الدكتور العسكر أن الخطاب تطرق إلى حرب الإبادة على غزة، وأنه أشار إلى أن ما يجري في غزة هو إرهاب دولة، وأن إرهاب الدولة أخطر أنواع الإرهاب، بما أن دولة إسرائيل عضوة في مجلس الأمن، مضيفا: «الخطاب وجه رسالة إلى بعض الدول التي تؤيد الإرهاب، والتي تدعمه بالمال والدعم اللوجيستي، والعسكري، لمنظمات إرهابية، ويصعب عليه معالجة الموقف المستقبلي منه».
من جهة أخرى، قال الدكتور عيسى الغيث، القاضي الشرعي، وعضو مجلس الشورى، إن كلمة خادم الحرمين الشريفين جاءت في وقت حساس يشهد فيه العالم إرهابا كبيرا من دول كإسرائيل وإيران وسوريا والعراق، وإرهابا آخر من منظمات إسلامية مثل «القاعدة» و«داعش» ونحوهما، وكذلك منظمات غير سنية مثل الحوثيين والفصائل الشيعية في العراق ولبنان.
وأضاف: «خطاب خادم الحرمين الشريفين أقام الحجة على الجميع، وبقي علينا نحن العلماء والمفكرين والمثقفين أن نواجه الإرهاب بأقلامنا وألسنتنا ومقالاتنا وتغريداتنا على مواقع التواصل الاجتماعي وفتاوانا وخطبنا ومحاضراتنا وفي جامعاتنا ومساجدنا وبيوتنا، ونعلن النفير العام للبراءة من الإرهاب بكل أشكاله والنفير لمكافحته بالحكمة والعدل، وفي الوقت نفسه بالحزم والحسم، ولا عذر لصامت ولا متفرج».
وأشار إلى أن العالم غير جاد في مكافحة الإرهاب، حيث إن بعض الدول تستفيد منه، مثل أميركا تدعم الإرهاب الإسرائيلي، وإيران تدعم الإرهاب الصفوي وحتى تدعم الإرهاب السني ممثلا في «القاعدة» و«داعش»؛ لأنه يحقق أجندتها بتشويه سمعة السنة وإثارة الفتنة بينهم وبث الفوضى في بلاد العرب لتسهيل تغلغلها وتمددها، وغيرهما من الدول والمنظمات، ولذا تخاذلت كل الدول عن الوقوف مع السعودية في مبادرتها لإقامة المركز العالمي لمكافحة الإرهاب.
من جانب آخر، قال الدكتور صدقة فاضل عضو مجلس الشورى السعودي، إن السعودية من أكثر دول العالم معاناة من ظـــاهرة الإرهاب التي شهدها العالم في الفترة الأخيرة، حيث فقدت السعودية الكثير من أبنائها الأبرياء جراء الأحداث الإرهابية، وفي الوقت ذاته نتيجة لذلك أصبحت السعودية من أكثر الدول امتلاكا لخبرات التعامل مع الإرهاب والجماعات الإرهابية، سواء كان ذلك بالحسنى كالمناقشة الفكرية والمناصحة للمنتمين للفكر المتطرف، أو بالقوة والتعامل الأمني الحازم للمتورطين في الأعمال الإرهابية، مما أكسب الأجهزة الأمنية السعودية خبرات واسعة في إدارة حربها مع الإرهاب بتحقيق ضربات استباقية للجماعات والخلايا الإرهابية، مما مكنها من أبطال كثير من الهجمات التي تستهدف أمن البلد واستقراره واقتصاده.
ويتابع الدكتور صدقة فاضل: «أنتجت الخبرات السعودية في التعاطي مع الإرهاب أن الحرب عليه تجري على مستويين الأول أمني والثاني فكري، وهما متلازمان لا تنجح مكافحة الإرهاب والحرب عليه دون العناية بهما معا».
ولفت الدكتور صدقة فاضل إلى اقتراح خادم الحرمين الشريفين إقامة مركز دولي لمكافحة الإرهاب في الرياض، إلا أن المركز لم يفعل بالشكل المطلوب وتأخر دوره نظرا لعدم تحمس الدول المعنية بمكافحة الإرهاب للدور الذي قد يلعبه المركز في الحرب على الإرهاب، وأضاف: «لا بد من تعاون دولي ولا بد من تكاتف الدول المعنية بالحرب على الإرهاب وتنسيق جهودها من الناحية الأمنية والمعلوماتية لتحجيم خطر الإرهاب».
خادم الحرمين الشريفين شخص في كلمته الوضع الحالي للأمتين العربية والإسلامية، وأسباب ذلك، كما وضع خادم الحرمين الشريفين - والحديث للدكتور فاضل - في الكلمة ظاهرة التطرف المتلازمة مع الإرهاب كأبرز أسباب تردي الوضع الراهن، وأشار فاضل إلى أن هناك مجموعات من أبناء الأمة خرجوا عن وسطية الإسلام وتطرفوا ولجأوا إلى العنف والإرهاب لتحقيق أهدافهم الغامضة وغير المشروعة، وفي سبيل ذلك شوهوا صورة الإسلام ولطخوا صورته الوسطية والمعتدلة التي تحث على الاعتدال والتسامح، وأساءوا إلى الأمة الإسلامية.
من جانبه أكد الدكتور ناصر الشهراني عضو مجلس الشورى السعودي أن خادم الحرمين الشريفين وضع العالم العربي والإسلامي والمجتمع الدولي بأكمله أمام مسؤولية تاريخية في مواجهة التطرف ومكافحة الإرهاب؛ حيث خاطبت كلماته الضمير الإنساني لوضع حد لكل من يتخاذل في مكافحة الإرهاب لتحقيق مصالح وقتية أو مخططات مشبوهة، وتستنهض دعوة خادم الحرمين الشريفين قادة الأمة الإسلامية وعلماءها للقيام بما يجب عليهم في مواجهة الفكر المتطرف والإرهاب الذي يتستر بالدين ظلما وعدوانا.
وقال الدكتور الشهراني إن الأحداث الجارية في العالم العربي، وأنماط التطرف والإرهاب التي تُغذّي وتَتَغذّى مما يجري من صراعات وتفكك وهدم للأمة العربية؛ والقوى التي تقتات سياسيا من هذه الأحداث؛ كل ذلك حمل خادم الحرمين الشريفين على إطلاق هذا النداء للأمة العربية والإسلامية والمجتمع الدولي، والعلماء والمفكرين وعقلاء العالم أجمع؛ للوقوف صفا واحدا لمواجهة تداعيات هذه المرحلة التاريخية التي تشهد انتشار رقعة الإرهاب، وتسلط تجار النزاعات والحروب، وانحسار وحدة الصف العربي، وشماتة أعداء الأمة العربية والإسلامية بما آلت إليه أوضاعها.
وشدد الشهراني على أن مضامين كلمة خادم الحرمين الشريفين تعكس بحق نداءاته المتكررة لوحدة الصف، والحوار بين أتباع الأديان والثقافات، وبث روح التسامح، واضطلاع كل الدول والمجتمعات والقادة والعلماء بمسؤولياتهم تجاه ما يجري. ويجب أن نستذكر هنا خطاب خادم الحرمين الشريفين أمام المؤتمر الدولي لمكافحة الإرهاب الذي عقد في مدينة الرياض في فبراير (شباط) عام 2005 حيث قال: «إن الإرهاب لا ينتمي إلى حضارة ولا ينسب إلى دين ولا يعرف ولاء لنظام، إن الإرهاب شبكة إجرامية عالمية صنعتها عقول شريرة مملوءة بالحقد على الإنسانية ومشحونة بالرغبة العمياء والقتل والتدمير». وقد دعا خادم الحرمين الشريفين حينها لإنشاء مركز دولي لمكافحة الإرهاب؛ لتعزيز العمل الدولي الجماعي في مكافحة الإرهاب. ورحبت دول العالم بهذا المقترح؛ وقدمت المملكة كل الدعم لإنشاء هذا المركز، إلا أنه لم يتحقق من هذا المركز الجهد المأمول في مكافحة الإرهاب على صعيد دولي.
وتابع الدكتور ناصر الشهراني: «لقد عكست كلمات خادم الحرمين الشريفين سياسة السعودية وموقفها الدائم في مجال مكافحة الإرهاب، وتعزيز جهود التعاون والتنسيق، كما أوضحت الكلمة بجلاء أن ما يجري من أحداث في العالم العربي وتنامي خطر الإرهاب، واستغلال الدين؛ يشير بوضوح إلى أن هناك من يعمل للاستفادة من الفوضى، بالمساعدة والتواطؤ تارة، وغض الطرف تارة أخرى، وهو ما ساهم بشكل مباشر في تعزيز سطوة الإرهاب، وانتشار مسرح عملياته».
وأضاف: «لقد استغلت أطراف إقليمية ودولية ما يعرف بالربيع العربي لتمرير أجندة الفوضى مستخدمة الإرهاب أداة لذلك، وكانت السعودية في مثل هذه الظروف رأس الحربة في حماية الأمن القومي العربي ومحاولة جمع كلمة العرب؛ لمواجهة تحديات هي الأخطر في تاريخ العالم العربي. وتسامت مواقف المملكة على بعض التصرفات والأحداث؛ بهدف مواجهة هذه الأزمات من خلال موقف عربي موحد يصطف مع الحق، ويقدم المصالح العليا للعالم العربي، ويستشعر الخطر».
وقال إن تعزيز التعاون في مجال مكافحة الإرهاب ليس اختيارا؛ بل هو ضرورة حتمية تفرضها الشريعة الإسلامية ومواثيق الأمم المتحدة وقرارات مجلس الأمن الدولي، ويجب على المجتمع الدولي أن ينظر إلى ما يحدث في العالم العربي على أنه سيؤثر بالضرورة على كل دول العالم؛ إن لم تتوقف الأجندات العبثية، ويضطلع مجلس الأمن بدوره الأساسي في حفظ الأمن والسلم الدوليين. إن عدم اضطلاع مجلس الأمن الدولي بالدور المطلوب منه هو ما حذرت منه المملكة عندما اعتذرت عن عضوية مجلس الأمن الدولي؛ حيث ظل هذا المجلس انتقائيا في قراراته مراعيا لمصالح الدول دائمة العضوية حتى في مجال بالغ الدقة والحساسية، وهو مجال التعاون في مكافحة الإرهاب، وأضاف أن خادم الحرمين الشريفين يقول بوضوح نحن قمنا بواجبنا ومواقفنا شديدة الوضوح، وهذه هي المخاطر وهؤلاء هم المساهمون في تأجيج نار الفتنة. فماذا أنتم فاعلون؟
بدوره، عد الدكتور زهير الحارثي عضو مجلس الشورى السعودي كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز تشريحا لواقع الأمة الراهن، وقال الحارثي: «استخدم الملك، كما هي عادته، عبارات واضحة وصريحة في طرح الواقع كما هو باستخدام لغة المصارحة والشفافية في تشخيص واقع الأمتين العربية والإسلامية».
وشدد الحارثي على أن كل قضايا المنطقة والقضايا المطروحة في كلمة خادم الحرمين الشريفين لها علاقة بشكل أو بآخر بالإرهاب، حتى الوضع الفلسطيني الذي يعاني إرهاب دولة تمتلك كل أسباب القوة، فإسرائيل دولة إرهابية تمارس أبشع أنواع الإرهاب وأخطره ضد الفلسطينيين العزل. وتابع الحارثي: «السعودية تنادي منذ فترة بضرورة التعاون الدولي في مكافحة الإرهاب، فالإرهاب آفة لا علاقة لها بالدين ولا يمكن محاربتها دون تنسيق دولي وجدي في التعامل مع خطر الإرهاب».
وعدَّ الحارثي النداءات السعودية لضرورة التنسيق في الحرب على الإرهاب ومكافحته، وآخرها كلمة خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز يوم أمس دليل ثابت وقاطع على أن السعودية ضد الإرهاب والجماعات المتطرفة وأنها تقود الحرب على الإرهاب، وقال إن اتهام السعودية بدعم الإرهاب والحركات الإرهابية محض افتراءات لا تثبت أمام جهود السعودية في مكافحة خطر الإرهاب، وإنها في مقدمة الدول التي تعمل على مكافحته وتحجيم خطره على دول المنطقة ودول العالم.
ولفت الدكتور زهير الحارثي إلى خيبة الأمل التي عبر عنها خادم الحرمين الشريفين الملك عبد الله بن عبد العزيز في كلمته بشأن المركز الدولي لمكافحة الإرهاب الذي طرحته السعودية مبادرة في الحرب على الإرهاب في عام 2005، حيث قال الحارثي عبر خادم الحرمين الشريفين عن هذه الخيبة لأن المجتمع الدولي لم يتفاعل مع فكرة إنشاء المركز بالشكل المطلوب.
وأضاف الحارثي: «السعودية كانت تخشى صعود ظاهرة التطرف ووضع الإسلام في مواجهة عدائية مع الغرب، وكانت تحذر من ذلك».
ويضيف: «لم يكن أحد يجزم بأن تتجه البوصلة لما تتجه له الآن من انتشار ظاهرتي التطرف والإرهاب اللتين تهددان المنطقة والعالم، لذلك صارح الملك قادة الأمة وعلماءها بضرورة تحمل مسؤولياتهم التاريخية تجاه شعوبهم وأمتهم ومواجهة هذا التطرف والإرهاب بتنسيق الجهود». وشدد الحارثي على أن هناك مهمة في كلمة خادم الحرمين وهي «الدول الداعمة»، وقال إن هناك تضخيما للحركات والتنظيمات الإرهابية وعلى رأسها «داعش»، التي لا تضم سوى بضعة آلاف، وتابع: «ليست الإشكالية مع هذه الجماعة وغيرها من التنظيمات الإرهابية، إنما الإشكالية أن هناك دولا إقليمية تستغل ظاهرة الإرهاب لتحقيق مصالحها، فتقدم الدعم لهذه الجماعات الإرهابية وتستفيد من وجودها».
ويخلص الحارثي إلى أنه لا يمكن تحجيم الإرهاب ودحره وهناك دول تدعم في الخفاء وتستفيد من ظاهره الإرهاب والجماعات الإرهابية في المنطقة.
وقال الدكتور خليل الخليل، الباحث والأكاديمي، إن دعوة خادم الحرمين الشريفين تأتي للوقوف أمام الإرهاب، وحمل الخطاب إطلاق مصطلح «الإجرام»، ووصف من يقوم بجرائم الإرهاب، مبينا أن بعض الجماعات الإرهابية تعتقد أن ما يقومون به لا يعد جريمة، موضحا أن خطاب الملك استنهض علماء الأمة وأدرك أن أساس الإرهاب فكر، وأن طرق المعالجة تتطلب مجهودا دينيا وفكريا فعالا، وبالأخص على المفكرين وعلماء الأمة، وأن هذا الاستنهاض يلقي بالعبء على العلماء وعلى المؤسسات الدينية، التي رأى أنها فشلت في مواجهة المعتقدات والمرتكزات التي تغلغلت في عقول الناشئة، وأن بعض المؤسسات لم تعلن الحرب على تلك المؤسسات التي تروج للمعتقدات الخاطئة، والتي هي أسقطت الشباب في مراتع الإرهاب، ولم تقم تلك المؤسسات بصناعة جرعات دينية تحمي الشباب. وأشار الكاتب والأكاديمي السعودي إلى أن الإرهاب له شأن دولي وأصبح مصدر تهديد وقوانين، وأن الدولة الوطنية مهددة من قبل ميليشيات دينية، ومهددة عبر بث شعارات.
بينما أكد الدكتور عبد الرحمن بن إبراهيم الحبيب رئيس قسم الصحافة بجامعة الملك عبد العزيز أن الكلمة التي وجهها خادم الحرمين الشريفين حملت مضامين ومرتكزات أساسية تتمثل في نبذ الإرهاب ومحاربته والتحذير من الفتن واستغلال الإسلام لأهداف ومآرب خبيثة هي في حقيقتها أبعد ما تكون عن الإسلام وتشوه صورته، مشيرا إلى أنها تحمل الصفاء والنقاء والعدالة والسلام.
وقال: «إن المملكة، وهي محضن الإسلام ورائدة السلام وإشاعة الحوار بين الحضارات والثقافات والأديان، لم تدخر وسعا في السعي نحو تحقيق هذه الأهداف ومواصلة المسيرة في تعزيز الوسطية ونبذ التطرف ووقف المجازر والإبادة الجماعية من قبل العدو الصهيوني للأشقاء الفلسطينيين الذين لا حول ولا قوة لهم إلا بالله، فما أحوج الأمة العربية والإسلامية إلى التكاتف والترابط ونبذ الانقسام والتمزق وتغليب المصلحة الجماعية على المصالح الفردية». من جهته، أشار سعود بن علي الشيخي مدير عام هيئة الإعلام المرئي والمسموع بمنطقة مكة المكرمة إلى أن كلمة الملك عبد الله بن عبد العزيز تأتي في وقت تلملم فيه جراح الأمة وتدعو لوحدة الصف ونبذ الخلافات والقضاء على الفتن، وأوضح أن الإسلام لم يكن في يوم من الأيام دين عنصرية أو خدمة طائفية على أخرى، ولا يميل للتطرف والكراهية والإرهاب، بل هو دين السماحة والألفة والمحبة، مؤكدا دور المملكة في إشاعة روح الحوار ونبذ الخلاف بصوره وأشكاله كافة، مما جعلها محل احترام وتقدير على مستوى العالم الإسلامي والعربي والعالمي.



اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
TT

اللاجئون الفلسطينيون يعودون إلى مخيم «اليرموك» في سوريا

اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)
اللاجئ الفلسطيني خالد خليفة يدعو لابنه المدفون في مقبرة مخيم اليرموك المدمرة (أ.ف.ب)

كان مخيم اليرموك للاجئين في سوريا، الذي يقع خارج دمشق، يُعدّ عاصمة الشتات الفلسطيني قبل أن تؤدي الحرب إلى تقليصه لمجموعة من المباني المدمرة.

سيطر على المخيم، وفقاً لوكالة «أسوشييتد برس»، مجموعة من الجماعات المسلحة ثم تعرض للقصف من الجو، وأصبح خالياً تقريباً منذ عام 2018، والمباني التي لم تدمرها القنابل هدمت أو نهبها اللصوص.

رويداً رويداً، بدأ سكان المخيم في العودة إليه، وبعد سقوط الرئيس السوري السابق بشار الأسد في 8 ديسمبر (كانون الأول)، يأمل الكثيرون في أن يتمكنوا من العودة.

في الوقت نفسه، لا يزال اللاجئون الفلسطينيون في سوريا، الذين يبلغ عددهم نحو 450 ألف شخص، غير متأكدين من وضعهم في النظام الجديد.

أطفال يلعبون أمام منازل مدمرة بمخيم اليرموك للاجئين في سوريا (أ.ف.ب)

وتساءل السفير الفلسطيني لدى سوريا، سمير الرفاعي: «كيف ستتعامل القيادة السورية الجديدة مع القضية الفلسطينية؟»، وتابع: «ليس لدينا أي فكرة لأننا لم نتواصل مع بعضنا بعضاً حتى الآن».

بعد أيام من انهيار حكومة الأسد، مشت النساء في مجموعات عبر شوارع اليرموك، بينما كان الأطفال يلعبون بين الأنقاض. مرت الدراجات النارية والدراجات الهوائية والسيارات أحياناً بين المباني المدمرة. في إحدى المناطق الأقل تضرراً، كان سوق الفواكه والخضراوات يعمل بكثافة.

عاد بعض الأشخاص لأول مرة منذ سنوات للتحقق من منازلهم. آخرون كانوا قد عادوا سابقاً ولكنهم يفكرون الآن فقط في إعادة البناء والعودة بشكل دائم.

غادر أحمد الحسين المخيم في عام 2011، بعد فترة وجيزة من بداية الانتفاضة ضد الحكومة التي تحولت إلى حرب أهلية، وقبل بضعة أشهر، عاد للإقامة مع أقاربه في جزء غير مدمر من المخيم بسبب ارتفاع الإيجارات في أماكن أخرى، والآن يأمل في إعادة بناء منزله.

هيكل إحدى ألعاب الملاهي في مخيم اليرموك بسوريا (أ.ف.ب)

قال الحسين: «تحت حكم الأسد، لم يكن من السهل الحصول على إذن من الأجهزة الأمنية لدخول المخيم. كان عليك الجلوس على طاولة والإجابة عن أسئلة مثل: مَن هي والدتك؟ مَن هو والدك؟ مَن في عائلتك تم اعتقاله؟ عشرون ألف سؤال للحصول على الموافقة».

وأشار إلى إن الناس الذين كانوا مترددين يرغبون في العودة الآن، ومن بينهم ابنه الذي هرب إلى ألمانيا.

جاءت تغريد حلاوي مع امرأتين أخريين، يوم الخميس، للتحقق من منازلهن. وتحدثن بحسرة عن الأيام التي كانت فيها شوارع المخيم تعج بالحياة حتى الساعة الثالثة أو الرابعة صباحاً.

قالت تغريد: «أشعر بأن فلسطين هنا، حتى لو كنت بعيدة عنها»، مضيفة: «حتى مع كل هذا الدمار، أشعر وكأنها الجنة. آمل أن يعود الجميع، جميع الذين غادروا البلاد أو يعيشون في مناطق أخرى».

بني مخيم اليرموك في عام 1957 للاجئين الفلسطينيين، لكنه تطور ليصبح ضاحية نابضة بالحياة حيث استقر العديد من السوريين من الطبقة العاملة به. قبل الحرب، كان يعيش فيه نحو 1.2 مليون شخص، بما في ذلك 160 ألف فلسطيني، وفقاً لوكالة الأمم المتحدة للاجئين الفلسطينيين (الأونروا). اليوم، يضم المخيم نحو 8 آلاف لاجئ فلسطيني ممن بقوا أو عادوا.

لا يحصل اللاجئون الفلسطينيون في سوريا على الجنسية، للحفاظ على حقهم في العودة إلى مدنهم وقراهم التي أُجبروا على مغادرتها في فلسطين عام 1948.

لكن، على عكس لبنان المجاورة، حيث يُمنع الفلسطينيون من التملك أو العمل في العديد من المهن، كان للفلسطينيين في سوريا تاريخياً جميع حقوق المواطنين باستثناء حق التصويت والترشح للمناصب.

في الوقت نفسه، كانت للفصائل الفلسطينية علاقة معقدة مع السلطات السورية. كان الرئيس السوري الأسبق حافظ الأسد وزعيم «منظمة التحرير الفلسطينية»، ياسر عرفات، خصمين. وسُجن العديد من الفلسطينيين بسبب انتمائهم لحركة «فتح» التابعة لعرفات.

قال محمود دخنوس، معلم متقاعد عاد إلى «اليرموك» للتحقق من منزله، إنه كان يُستدعى كثيراً للاستجواب من قبل أجهزة الاستخبارات السورية.

وأضاف متحدثاً عن عائلة الأسد: «على الرغم من ادعاءاتهم بأنهم مع (المقاومة) الفلسطينية، في الإعلام كانوا كذلك، لكن على الأرض كانت الحقيقة شيئاً آخر».

وبالنسبة لحكام البلاد الجدد، قال: «نحتاج إلى مزيد من الوقت للحكم على موقفهم تجاه الفلسطينيين في سوريا. لكن العلامات حتى الآن خلال هذا الأسبوع، المواقف والمقترحات التي يتم طرحها من قبل الحكومة الجديدة جيدة للشعب والمواطنين».

حاولت الفصائل الفلسطينية في اليرموك البقاء محايدة عندما اندلع الصراع في سوريا، ولكن بحلول أواخر 2012، انجر المخيم إلى الصراع ووقفت فصائل مختلفة على جوانب متعارضة.

عرفات في حديث مع حافظ الأسد خلال احتفالات ذكرى الثورة الليبية في طرابلس عام 1989 (أ.ف.ب)

منذ سقوط الأسد، كانت الفصائل تسعى لتوطيد علاقتها مع الحكومة الجديدة. قالت مجموعة من الفصائل الفلسطينية، في بيان يوم الأربعاء، إنها شكلت هيئة برئاسة السفير الفلسطيني لإدارة العلاقات مع السلطات الجديدة في سوريا.

ولم تعلق القيادة الجديدة، التي ترأسها «هيئة تحرير الشام»، رسمياً على وضع اللاجئين الفلسطينيين.

قدمت الحكومة السورية المؤقتة، الجمعة، شكوى إلى مجلس الأمن التابع للأمم المتحدة تدين دخول القوات الإسرائيلية للأراضي السورية في مرتفعات الجولان وقصفها لعدة مناطق في سوريا.

لكن زعيم «هيئة تحرير الشام»، أحمد الشرع، المعروف سابقاً باسم «أبو محمد الجولاني»، قال إن الإدارة الجديدة لا تسعى إلى صراع مع إسرائيل.

وقال الرفاعي إن قوات الأمن الحكومية الجديدة دخلت مكاتب ثلاث فصائل فلسطينية وأزالت الأسلحة الموجودة هناك، لكن لم يتضح ما إذا كان هناك قرار رسمي لنزع سلاح الجماعات الفلسطينية.