إيران... دعوات بالتصدي لـ«تشخيص مصلحة النظام» بعد رفض مشروع حكومي

نائب رئيس البرلمان اتهم المجلس بالانحياز لـ«صيانة الدستور» ضد الحكومة والبرلمان

جنتي يتوسط سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ورئيس البرلمان علي لاريجاني أول من أمس (تسنيم)
جنتي يتوسط سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ورئيس البرلمان علي لاريجاني أول من أمس (تسنيم)
TT

إيران... دعوات بالتصدي لـ«تشخيص مصلحة النظام» بعد رفض مشروع حكومي

جنتي يتوسط سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ورئيس البرلمان علي لاريجاني أول من أمس (تسنيم)
جنتي يتوسط سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام محسن رضائي ورئيس البرلمان علي لاريجاني أول من أمس (تسنيم)

دعا نائب رئيس البرلمان الإيراني علي مطهري، أمس، نواب البرلمان إلى التصدي لـ«بدع» مجلس تشخيص مصلحة النظام، غداة قرار المجلس إعادة لائحة غسل الأموال إلى البرلمان بداعي عدم تلبية شروط مجلس صيانة الدستور.
وتعد لائحة مكافحة غسل الأموال واحدة من أصل 4 لوائح، تقدمت بها الحكومة الإيرانية إلى البرلمان، منذ مارس (آذار) الماضي، في إطار مشروعها للانضمام إلى اتفاقية مراقبة مجموعة العمل المالي (فاتف)، في وقت تتزايد فيه الانتقادات الدولية بسبب تأخر طهران عن تنفيذ تعهدات أخذتها على عاتقها منذ سنوات.
ووافق البرلمان الإيراني على بعض الإجراءات الجديدة لمواجهة تمويل الإرهاب في أكتوبر (تشرين الأول) الماضي تحت ضغط لتبني المعايير الدولية، لكن مشروع الحكومة واجه معارضة مجلس صيانة الدستور الذي يشرف على تشريعات البرلمان، قبل أن يتدخل مجلس تشخيص مصلحة النظام الذي يفصل في الخلافات بين البرلمان ومجلس صيانة الدستور.
وكان سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام والقيادي في «الحرس الثوري» محسن رضائي، اعتبر لائحتي مكافحة غسل الأموال ومنع تمويل الإرهاب معارضة للسياسات العامة للنظام الإيراني.
وقال مطهري إن إعادة لائحة مكافحة غسل الأموال تتجاوز صلاحيات مجلس تشخيص مصلحة النظام، مطالباً نواب البرلمان بالتصدي لما اعتبره «البدع» من جانب المجلس، بحسب ما نقلت عنه وكالة «إيسنا».
وكان نواب البرلمان أخفقوا في التوصل إلى إجماع، في بداية ديسمبر (كانون الأول) الماضي؛ لرفع إشكالات مطروحة من مجلس صيانة الدستور حول لائحة منع غسل الأموال، وهو تطلب تدخلاً من مجلس تشخيص مصلحة النظام.
وتتسع الخلافات الداخلية حول انضمام إيران إلى اتفاقية مجموعة العمل المالي (فاتف) على بعد أقل من شهرين من انتهاء مهلة حددتها المجموعة الدولية لتشريع قوانين إيرانية تبدد المخاوف من خطورة النشاط المالي الإيراني.
وفي وقت تنفي الحكومة الإيرانية الانتقادات الداخلية بشأن تأثير اللوائح الأربع على نشاط «الحرس الثوري» خارج الحدود الإيرانية، ولا سيما ذراعه الخارجية «فيلق القدس» والجماعات التي يرعاها في الشرق الأوسط، يحذر كثيرون من تحول الخلافات إلى مأزق داخلي يؤرق الأطراف السياسية المتصارعة على الصلاحيات في تركيبة إيران السياسية.
وكانت مجموعة فاتف أمهلت إيران في نهاية أكتوبر الماضي حتى فبراير (شباط) لتكمل إصلاحات تجعلها ملتزمة بالأعراف الدولية، وإلا ستواجه عواقب.
وأعربت المجموعة حينها عن خيبة أملها إزاء عدم تحرك طهران بشأن 9 من بين 10 من قواعدها الإرشادية، على الرغم من تعهدها ببلوغ المستوى المطلوب. وتقول «فاتف»، التي تراقب غسل الأموال في أنحاء العالم، إنه يمكنها فقط أن تأخذ بعين الاعتبار التشريعات السارية بشكل كامل.
وستكون طهران في مواجهة إجراءات مضادة، يمكن أن تصل إلى تقييد حتى حظر التعاملات مع الدولة، في حال لم تتجاوب طهران مع المعايير الدولية لمكافحة تمويل الإرهاب، ما سيدفع المستثمرين والبنوك الأجانب للعزوف عن التعامل معها.
وترهن بريطانيا وفرنسا وألمانيا والاتحاد الأوروبي تفعيل الآلية المالية، المقترحة على إيران بعد انسحاب الولايات المتحدة من الاتفاق النووي، بخروج طهران من القائمة السوداء لـ«فاتف».
وأبلغ وزير الخارجية الإيراني في 23 أكتوبر نواب البرلمان بأن روسيا والصين رهنتا التعاون مع طهران للالتفاف على العقوبات الأميركية.
وترى أوساط تدعم توجهات حكومة روحاني أن مصير لوائح «فاتف» سيؤثر على مستقبل النظام السياسي خلال العامين المقبلين.
وتتضاءل آمال ائتلاف الرئيس الإيراني حسن روحاني ورئيس البرلمان علي لاريجاني يوماً بعد يوم، باستمرار الاتفاق النووي دون الولايات المتحدة، بسبب تصلب الأوساط المقربة من المرشد الإيراني، وتحديداً «الحرس الثوري»، في انضمام إيران إلى الاتفاقية. ما يعني دخول طهران على خط المواجهة مع المجتمع الدولي، بحسب تحذيرات صحف مقربة من إدارة روحاني.
واتهم مطهري مجلس تشخيص مصلحة النظام بالانحياز لمجلس صيانة الدستور على حساب البرلمان، بدلاً من حل الخلاف بينهما، مشيراً إلى أنه يعارض صلاحيات المجلس التي تنص عليها المادة 112 من الدستور.
وأثارت تصريحات وزير الخارجية الإيراني محمد جواد ظريف حول جهات رابحة مليارات من غسل الأموال، وتعارض مشروع الحكومة بالانضمام إلى «فاتف»، ردوداً غاضبة بين المسؤولين.
وشبّه رئيس القضاء صادق لاريجاني تصريحات ظريف بـ«خنجر في قلب النظام»، منتقداً المسؤولين على الأداء بتصريحات متناقضة.
ودعا نواب مقربون من «الحرس الثوري» والتيار المتشدد إلى طرح الثقة بوزير الخارجية. وأفادت وكالة «إرنا» الرسمية أمس، بأن أعضاء لجنة الأمن القومي والسياسة الخارجية الإيرانية عارضوا أمس تقديم شكوى قضائية ضد وزير الخارجية.
ونقلت الوكالة عن علي نجفي خوشرودي، أن أعضاء اللجنة رفضوا طلباً من بعض النواب لتقديم شكوى ضد ظريف.
في غضون ذلك، أثار ترؤس أحمد جنتي رئاسة اجتماع مجلس تشخيص مصلحة النظام، أول من أمس، ردود أفعال واسعة في إيران.
ويعد جنتي (92 عاماً) الأكثر نفوذاً بين رجال الدين الإيرانيين، بسبب ترؤسه مجلس صيانة الدستور (المشرف على أداء البرلمان)، ومجلس خبراء القيادة (المسؤول عن تسمية خليفة المرشد).
وترأّس جنتي مجلس تشخيص مصلحة النظام، في اجتماع خصص للبتّ في خلافات مجلس صيانة الدستور (يرؤسه جنتي أيضاً) والبرلمان، منح الأفضلية للأطراف المعارضة لتطلعات الحكومة.
ولم يوضح سكرتير مجلس تشخيص مصلحة النظام أسباب ترؤس جنتي، لكن أغلب الردود حمّلت المرشد الإيراني ضمناً مسؤولية اختياره.
واعتُبر غیاب الرئيس حسن روحاني من اجتماع المجلس رسالة احتجاج؛ لترؤس أحد أبرز خصومه، منذ وصوله إلى منصب الرئاسة في 2013.



«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
TT

«هدنة غزة»: مساعٍ للوسطاء لإنجاز اتفاق في ظل «ضغوط وعراقيل»

فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)
فلسطينيون يتفقّدون مدرسة تؤوي النازحين بعد أن تعرضت لضربة إسرائيلية في النصيرات وسط قطاع غزة (رويترز)

مساعٍ تتوالى للوسطاء بشأن إبرام هدنة في قطاع غزة، كان أحدثها في القاهرة، وهو ما يفتح تكهنات عديدة بشأن مستقبل الاتفاق المنتظر منذ نحو عام عبر جولات سابقة عادة «ما تعثرت في محطاتها الأخيرة».

«حماس» بالمقابل تتحدث عن سعيها لـ«اتفاق حقيقي»، عقب تأكيد أميركي رسمي عن «مؤشرات مشجعة»، وسط ما يتردد «عن ضغوط وعراقيل»، وهي أحاديث ينقسم إزاءها خبراء تحدثوا لـ«الشرق الأوسط» بشأن مستقبل الاتفاق بغزة، بين من يرى أن «الصفقة باتت وشيكة لأسباب عديدة، بينها الموقف الأميركي، حيث دعا الرئيس المنتخب دونالد ترمب للإفراج عن الرهائن في 20 يناير (كانون أول) المقبل»، وآخرين يتحدثون بحذر عن إمكانية التوصل للهدنة في «ظل شروط إسرائيلية بشأن الأسرى الفلسطينيين، وعدم الانسحاب من القطاع، قد تعرقل الاتفاق لفترة».

وفي ثالث محطة بعد إسرائيل، الخميس، وقطر، الجمعة، بحث مستشار الأمن القومي الأميركي، جيك سوليفان، السبت، في القاهرة، مع الرئيس عبد الفتاح السيسي، «جهود الجانبين للتوصل إلى اتفاق لوقف لإطلاق النار وتبادل المحتجزين في غزة»، وسط تأكيد مصري على «أهمية التحرك العاجل لإنفاذ المساعدات الإنسانية إلى القطاع، و(حل الدولتين) باعتباره الضمان الأساسي لتحقيق السلام والاستقرار في الشرق الأوسط»، وفق بيان صحافي للرئاسة المصرية.

سوليفان، بحث الجمعة، في قطر، مع رئيس الوزراء القطري، الشيخ محمد بن عبد الرحمن آل ثاني، مستجدات الأوضاع في غزة، حسب بيان صحافي لـ«الخارجية القطرية»، عقب زيارته إسرائيل، وتأكيده في تصريحات، الخميس، أنه «يزور مصر وقطر؛ لضمان سد ثغرات نهائية قبل التوصل إلى صفقة تبادل»، لافتاً إلى أن «وقف إطلاق النار واتفاق الرهائن من شأنهما أن يؤديا إلى تحرير المحتجزين وزيادة المساعدات المقدمة إلى غزة كثيراً».

عبد الفتاح السيسي خلال استقبال جيك سوليفان في القاهرة (الرئاسة المصرية)

وبالتزامن أجرى وزير الخارجية الأميركي، أنتوني بلينكن، الجمعة، محادثات في أنقرة مع الرئيس التركي، رجب طيب إردوغان، ونظيره هاكان فيدان، وأكد وجود «مؤشرات مشجعة»، وطالب بـ«ضرورة أن توافق (حماس) على اتفاق ممكن لوقف إطلاق النار»، مطالباً أنقرة باستخدام «نفوذها» عليها للموافقة.

الخبير في الشؤون الإسرائيلية بـ«مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية»، الدكتور سعيد عكاشة، يرى أن «المساعي لا بد أن تكون موجودةً عادة باعتبار أنها تحول بين حدوث انفجار أو تحتويه، وليس بالضرورة يعني هذا الحراك الدبلوماسي التوصل لشيء؛ إلا في ضوء شروط معينة تلزم الطرفين بتقديم تنازلات».

ووفق عكاشة، فإن هناك طرفاً إسرائيلياً يشعر حالياً وسط المفاوضات بأنه يتحدث من مركز قوة بعد تدمير نحو 90 في المائة من قدرات «حماس»، ويتمسك بشروط «مستحيل أن تقبلها الحركة»، منها عدم خروج أسماء كبيرة في المفرج عنهم في الأسرى الفلسطينيين، ويضع مطالب بشأن الانسحاب من القطاع.

بالمقابل يرى المحلل السياسي الفلسطيني، عبد المهدي مطاوع، أن ثمة اختلافاً تشهده المحادثات الحالية، خصوصاً في ظل مساعٍ مكثفة من الوسطاء وإصرار الإدارة الأميركية حالياً على بذل جهود كبيرة للضغط على «حماس» وإسرائيل ليسجل أن الصفقة أبرمت في عهد الرئيس جو بايدن، فضلاً عن وجود مهلة من ترمب لإتمام الهدنة.

ويعتقد أن نتنياهو قد يناور خلال الأسبوعين الحاليين من أجل تحصيل مكاسب أكبر، وقد يزيد من الضربات بالقطاع، ويمد المفاوضات إلى بداية العام المقبل لتدخل المرحلة الأولى من الهدنة قبل موعد تنصيب ترمب، كما اشترط سابقاً.

إخلاء سكان مخيمي النصيرات والبريج للاجئين خلال العمليات العسكرية الإسرائيلية في قطاع غزة (إ.ب.أ)

وأفادت «القناة الـ13» الإسرائيلية، الجمعة، بأن الحكومة كشفت عدم حدوث أي اختراق جدي في مسألة إبرام صفقة تبادل أسرى مع «حماس»، مؤكدة وجود كثير من الخلافات، لافتة إلى أنه تم إبلاغ وزراء المجلس الوزاري المصغر (الكابينت) قبل أيام بأن الحركة معنية بالوقت الحالي بإبرام صفقة، وأن هناك تغييراً في موقفها.

أما «حماس»، فأصدرت بياناً، السبت، في ذكرى تأسيسها الـ37، يتحدث عن استمرار «حرب إبادة جماعية متكاملة الأركان، وتطهير عرقي وتهجير قسري وتجويع وتعطيش، لم يشهد لها التاريخ الحديث مثيلاً»، مؤكدة انفتاحها على «أيّ مبادرات جادة وحقيقية لوقف العدوان وجرائم الاحتلال، مع تمسّكها الرَّاسخ بحقوق شعبنا وثوابته وتطلعاته، والتمسك بعودة النازحين وانسحاب الاحتلال وإغاثة شعبنا وإعمار ما دمَّره الاحتلال وإنجاز صفقة جادة لتبادل الأسرى».

رد فعل امرأة فلسطينية على مقتل أحد أقاربها في غارة إسرائيلية بدير البلح بوسط قطاع غزة (رويترز)

وباعتقاد مطاوع، فإن «مجزرة النصيرات وغيرها من المجازر التي قد تزيد كلما اقتربنا من اتفاق تستخدم ورقة ضغط إسرائيلية على (حماس)، ليعزز نتنياهو مكاسبه بتلك العراقيل والضغوط»، فيما يرى عكاشة أن الحركة في ظل «عراقيل إسرائيل» لن تغامر بالمتبقي من شعبيتها وتقدم تنازلات دون أي مقابل حقيقي.

ولا يحمل الأفق «احتمال إبرام اتفاق قريب إذا استمرت تلك الشروط أو العراقيل الإسرائيلية، ولو ضغطت واشنطن»، وفق تقدير عكاشة، لافتاً إلى أن «بايدن تحدث أكثر من مرة سابقاً عن اقترب الاتفاق من الإنجاز ولم يحدث شيء».

وبرأي عكاشة، فإنه يجب أن يكون لدينا حذر من الحديث عن أن المساعي الحالية قد توصلنا لاتفاق قريب، ولا يجب أن يكون لدينا تفاؤل حذر أيضاً، لكن علينا أن ننتظر ونرى مدى جدية إسرائيل في إبرام الاتفاق المطروح حالياً أم لا كعادتها.

غير أن مطاوع يرى أن المؤشرات والتسريبات الإعلامية كبيرة وكثيرة عن قرب التوصل لاتفاق، وهناك عوامل كثيرة تقول إنها باتت قريبة، موضحاً: «لكن لن تحدث الأسبوع المقبل، خصوصاً مع مناورة نتنياهو، فقد نصل للعام الجديد ونرى اتفاقاً جزئياً قبل تنصيب ترمب».