إفلاس منصات «داعش»

إعادة بث مشاهد لعمليات قديمة فضحت هزائمه

«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)
«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)
TT

إفلاس منصات «داعش»

«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)
«داعش» يعيد بثَّ صور لعناصره بالأسلحة... من أحد المواقع الموالية للتنظيم (رويترز)

على ما يبدو، فإن منصات «داعش» الإعلامية التي ظلَّت الذراع الأقوى للتنظيم الإرهابي طوال سنوات، تحولت إلى وسيلة جديدة لفضح هزائمه على الأرض، بعدما أعادت بث مشاهد لعمليات التنظيم القديمة، في دليل على إفلاس التنظيم، وحالة اليأس والإحباط التي يعاني منها.
خبراء أمنيون ومختصون في الحركات الأصولية أكدوا أن إعادة بث الإصدارات القديمة لـ«داعش» تحمل مجموعة من الدلالات الأساسية التي سوف تمثل مستقبل الأذرع الإعلامية للتنظيم، منها ضعف إمكانيات التنظيم المادية في إعداد وإنتاج إصدارات جديدة، وفقدان كثير من الكوادر البشرية التي كانت تعمل على إدارة وإنتاج المحتوى الإلكتروني، وتراجع حجم ونوعية العمليات التي كان ينفذها التنظيم، وسوء الحالة المعنوية للمقاتلين، ومن ثم تزايد حالات الهروب.
وقال الدكتور خالد الزعفراني، المتخصص في شؤون الحركات الأصولية، إن قيام «داعش» بإعادة بثِّ مواد إعلامية قديمة، دلالة على اليأس والإحباط الذي يعاني منه قيادات التنظيم، وعدم وجود عمليات إرهابية مؤثرة تستلزم بثها، ومن الممكن أن يُسهِم تحليل الإصدارات الإعلامية في فضح هزائم التنظيم على الأرض التي يحاول إخفاءها، مضيفاً لـ«الشرق الأوسط» أن انهيار إعلام التنظيم باعتباره ذراعه الأقوى، هو مقدمة لانهيار «داعش» وزواله رويداً.
من جانبه، قال ماهر فرغلي، الباحث في شؤون الحركات الأصولية لـ«الشرق الأوسط» إن الخريطة الإعلامية لتنظيم «داعش» بدأت مرحلة الانهيار بسبب الهزائم المتلاحقة على الأرض، إذ كانت هذه الخريطة حتى وقت قريب تقوم على منظومة متكاملة تديرها اللجنة الإعلامية المركزية التي تقوم بالتنسيق مع لجان فرعية في كل ولاية مزعومة يسيطر عليها التنظيم، وهو أمر تغير في الشهور الأخيرة، حيث بدأ «داعش» في التخلّي عن فكرة الخلافة ومنظومة الولايات، ليتحول إلى سياسة جديدة تقوم على نظام الشبكة الإرهابية، حيث يترك لكل مجموعة فرعية في بلد أو منطقة ما، قدراً أكبر من الحرية في إدارة عملياتها للتغلب على تراجع القدرة على التواصل بين القيادات المركزية والمجموعات الفرعية نتيجة الهزائم العسكرية المتلاحقة.
ويشير فرغلي إلى أن «دراسة إصدارات (داعش) سواء المطبوعة أو الرسائل المرئية والمسموعة يجب أن تحظى بقدر أكبر من الاهتمام، فهي تشكل أحد مفاتيح مواجهة التنظيم... كما أن ربط المحتوى الإعلامي بالعمليات على أرض الواقع من شأنه أن يُسهِم في كشف المغالطات والأكاذيب التي يروِّج لها (داعش) عن نجاحات مزعومة».
يُشار إلى أن تنظيم «داعش» أعاد بث كثير من المواد الإعلامية القديمة خلال الأشهر الماضية، بينها مقاطع مرئية «فيديو» لعمليات قديمة، وتكرار نشر «هاشتاغ» يدعو إلى تجديد البيعة لزعيمه أبو بكر البغدادي، وكثير من المطويات المتعلِّقة بأحكام الخلافة والبيعة... إضافة إلى إعادة بث الإصدارات والرسائل الشهيرة التي تحث مقاتليه على مواصلة «الجهاد»، منها إصدارات «من يتوكل على الله فهو حسبه»، و«حرب الوكالة»، و«إن غداً لناظره قريب»، و«عزم الكماة»، و«صليل الصوارم»، و«رمضان... شهر الفتوحات»، و«القابضون على الجمر»، و«درع الصليب»، و«لهيب الحرب»، وجميعها إصدارات كلاسيكية قديمة معروفة.

إعادة بث المحتوى الإعلامي
في غضون ذلك، أشار مرصد الفتاوى التكفيرية والآراء المتشددة التابع لدار الإفتاء المصرية، إلى أن «منصات تنظيم (داعش) الإرهابي الإلكترونية دأبت منذ عدة أشهر على إعادة بث المحتوى الإعلامي للتنظيم، سواء كان مرئياً أو مسموعاً أو مقروءاً، دون أي إصدارات جديدة تُذكر، في دلالة واضحة على الأزمات الميدانية والبشرية التي يمر بها التنظيم، وحالة الإفلاس وفقدان القدرة على إنتاج مواد إعلامية جديدة، الأمر الذي دفعه إلى إعادة نشر المحتوى القديم».
أكد المرصد في تقرير له أصدره أخيراً أن «تحليل مضمون المواد المعاد نشرها يقدم تصوراً عن الحالة التي بات عليها التنظيم، وطبيعة المشكلات التي يعاني منها، خصوصاً أن غالبية تلك المواد المعادة تستهدف الحث على البيعة والصبر والثبات، مما يؤكد أن التنظيم يعاني غياب بيعات جديدة، وندرة في المقاتلين، بعد هروب كثير من أفراد التنظيم، مما دفعه إلى حث فلوله التي لا تزال تؤمن بفكره المنحرف على الثبات».
وربط التقرير بين قيام «داعش» بإعادة نشر مواد إعلامية قديمة، والخسائر التي يعاني منها التنظيم على الأرض نتيجة الضربات العسكرية المتلاحقة، مؤكداً أن «منصات التنظيم أعادت بث كثير من المقاطع الصوتية للبغدادي تحث على الجهاد والثبات، فتمَّت إعادة بث كلمات من نوعية «ألا فليعلم العالم»، و«بشِّر الصابرين»، وهو ما يعكس الحالة السيئة التي أصابت مقاتلي التنظيم مما دفعهم لفقدان إيمانهم بجدوى القتال تحت لواء التنظيم ودفع كثيراً منهم للهروب، فجاءت كلمات البغدادي محاولةً لاستعادة هؤلاء.
وفي مارس (آذار) الماضي، قام التنظيم ببث مقطع مرئي تحت عنوان «المجابهة الفاشلة» زعم فيه أن «العملية العسكرية الشاملة» التي يشنها الجيش المصري ضد التنظيمات الإرهابية في سيناء منذ فبراير (شباط) الماضي لم تحقق أهدافها، غير أن المقطع تضمن مشاهد لعمليات قديمة يعود تاريخها إلى ما قبل بدء العملية العسكرية المصرية، أبرزها مشاهد هجوم التنظيم على نقطة تفتيش زقدان في وسط سيناء جنوب مدينة بئر العبد، وهو الهجوم الذي يعود تاريخه إلى منتصف أكتوبر (تشرين الأول) عام 2016، إضافة إلى مشاهد من الهجوم على نقطة كمين الغاز في جنوب العريش، التي تعود إلى نوفمبر (تشرين الثاني) عام 2016، وأيضاً مشاهد الهجوم على نقطة كمين المطافي في حي المساعيد غرب العريش، وهي واقعة تعود إلى يناير (كانون الثاني) عام 2017.
ويضيف فرغلي في هذا الصدد أن الأزمة التي يمر بها إعلام «داعش» سوف تؤثر تأثيراً كبيراً خلال الفترة المقبلة على تماسك التنظيم؛ فمنصاته المختلفة لها دور كبير في تجنيد عناصر جديدة، وحث العناصر الموجودة فعلياً على التماسك والاستمرار في القتال، وهو ما يعني أن فقدان تأثير الوسائط الإعلامية المختلفة سيؤثِّر حتماً على تماسك التنظيم وقدرته على الصمود أمام قوات التحالف الدولي، وقوات الدول، من خلال فقدانه أحد أهم أسلحته، وهو الإعلام... وقد شهدت الشهور الأخيرة انشقاق وانسحاب أعداد كبيرة من أعضائه لأسباب متنوعة، أبرزها تراجع قدرة القيادات المركزية على التواصل مع المجموعات المختلفة، موضحاً أن انتقال «داعش» من مفهوم الولايات ودولة «الخلافة المزعومة» إلى شكل الشبكة الإرهابية التقليدية، يُعزز فرضية فقدان القدرة على التواصل مع المجموعات المختلفة، ويؤكد أن كثيراً من أعضائه الذين يشكل إعلام التنظيم وسيلة مهمة لإبقائهم متعلقين بفكرة الولاء، من خلال التركيز على مشاعر الغضب والإحباط وتوجيهها إلى العنف، سوف يكونون عرضة لمراجعة مواقفهم ووضعهم نتيجة التخلص من تأثير الرسالة الإعلامية التي تحثهم دائماً على الصمود، ومن الطبيعي أن يجري كثير من الأعضاء حساباتهم في ظل الخسائر التي يشهدونها وفقدان السيطرة على مناطق كاملة... ويوجد في أي تنظيم أعضاء يكونون دائماً عرضة للتراجع ومراجعة أفكارهم، وهؤلاء هم أول من ينسحبون عندما تتوافر الظروف المناسبة، نتيجة عدم اقتناعهم الكامل بما يُساق لهم من حجج وبراهين.
من جهته، قال اللواء رضا يعقوب خبير مكافحة الإرهاب الدولي لـ«الشرق الأوسط» إن «دراسة الإصدارات الإعلامية لتنظيم (داعش) تفتح آفاقاً جديدة لتطوير استراتيجية مكافحة الإرهاب، وتُسهِم في فضح أكاذيب التنظيم، ويجب على المجتمع الدولي تركيز جهوده لاستثمار التقدم ونجاح المواجهة الذي يتحقق على الأرض من خلال تكثيف حصار التنظيم عسكرياً ومادياً لقطع وسائل تمويله، والقضاء على معسكرات التدريب، لأن قيادات (داعش) تحاول جمع شتات عناصرها الهاربة نتيجة الهزائم المتلاحقة».



تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
TT

تركيا وإحياء «داعش» في ليبيا

قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)
قوات ليبية تهاجم مواقع «داعش» خلال عملية «البنيان المرصوص» في مدينة سرت 2016 (غيتي)

غداة الزيارة المريبة التي قام بها الوالي العثماني المنحول إردوغان إلى تونس، علا صوت الكثير من الأحزاب التونسية والاتحادات العامة للشغل وغيرها من جماعات المجتمع المدني بالرفض لأن تكون تونس ممراً أو مستقراً لنقل «الدواعش» من سوريا إلى ليبيا بواسطة تركيا عبر بلادهم».
المطالب المتقدمة تعني أمراً واحداً، وهو يقين الشرفاء والنبلاء من الشعب التونسي بأن بعض من نوايا إردوغان الحقيقية بالنسبة لليبيا موصول بإعادة إنتاج التنظيم الإرهابي الأشرس في العقود الأخيرة (داعش)، وربما في طبعة جديدة أسوأ مما شهده العالم في العراق وسوريا خلال النصف الثاني من العقد الماضي.
أسئلة كثيرة تطل برأسها من نافذة الأحداث المتسارعة عن أحوال «داعش» وعن الفوضى والارتباك اللذين تتسبب فيهما تركيا في ليبيا، وفي الوسط تسعى لنقل معركتها إلى ساحل البحر الأبيض المتوسط، وإلى العمق الأفريقي لأهداف سنأتي على تفصيلها.
علامة الاستفهام الأولى في هذا الحديث: «ما هو وضع الدواعش في الوقت الحاضر في موطن النشوء الأول ومن حول بلاد الشام التاريخية؟».
الجواب نجده بالتفصيل والأرقام عند هارون ي زيلين، الباحث في معهد واشنطن لسياسات الشرق الأدنى، وعنده أنه في عام 2019 قدر البنتاغون أن ما بين 14 و18 ألف من مقاتلي تنظيم «داعش» لا يزالون في العراق وسوريا، والتساؤل ما الذي يفعلونه هناك؟
بلا شك مواصلة العمل كتنظيم إرهابي متمرد يكرس أعضاؤه جل وقتهم لمحاولة تهريب السجناء، وربما إعادة السيطرة على الأراضي، ومن خلال حرب استنزاف يعتقدون أنهم سيرهقون أعداءهم، كما أنهم يستفيدون من أي مساحات لا تسيطر عليها الحكومة المركزية أو يلعبون على وتر خطوط الصدع السياسية أو العرقية أو الدينية آملين في استغلالها لصالحهم.
> هل لدى التنظيم حتى الساعة مقدرة مالية على إدارة شؤونه بنفسه والإنفاق على عملياته الإرهابية؟
ــــ من الواضح أن الدواعش لا يزالون قابضين على ثروة تقدر بنحو 300 مليون دولار، ووفقاً لتقرير صادر عن الأمم المتحدة في يوليو (تموز) 2019، فإن «داعش» استثمر مجدداً أمواله في أعمال مشروعة، وربما بأسماء وهمية لا علاقة لها بأعضائه الإرهابين، أي من خلال عناصر نائمة، وذلك عبر العقارات، ووكلاء السيارات، ويوجد عدد منها في تركيا وفقاً لوزارة الخزانة الأميركية التي صنفت أفراداً من تنظيم «داعش» وشركات تحويل وصرافة على لائحة الإرهاب.
> ماذا تعني تلك البيانات المتقدمة؟
ــــ باختصار غير مخل، تشير إلى أن التنظيم لا يزال باقياً وفاعلاً، وأن الأيادي التركية السوداء تقف وراءه في أقصى الشرق، وها هي تجد فرصة غير مسبوقة ليعبر المتوسط جهة الغرب ويحل برحاله في ليبيا.
لم ينس إردوغان للحظة واحدة أنه في الشرق من ليبيا، توجد مصر الكنانة التي أسقطت مشروعه في عام 2013؛ فقد خيل له أنه قد أضحى الخليفة الجديدة بعد سنوات الربيع المغشوش؛ ولهذا فإن ملامح وعلامات الانتقام من مصر لا تغيب عن ناظريه، وقد حاول كثيراً استخدام الطابور الخامس من الإخوان المسلمين في مصر في زعزعة استقرار المحروسة وأخفق؛ ولهذا فقد بدا واضحاً أن الرجل المقهور يود نقل معركته إلى الداخل المصري بالاقتراب الكبير والمؤثر والفاعل؛ الأمر الذي لا يغيب عن أعين صقور المؤسسة العسكرية المصرية التي تقف له بالمرصاد.
وجد إردوغان ضالته المنشودة في جماعة الوفاق المنحلة، التي هي مزيج من الإخوان المسلمين والدواعش و«القاعدة» والجماعات الإرهابية كافة الشاردة والواردة، ومن خلال عمليات لوجيستية تتضح ساعة بعد أخرى، يمضي في إحياء التنظيم القاتل وله في ذلك أيضاً مأربان، أحدهما جهة الشمال والآخر ناحية الجنوب...ماذا عن ذلك؟
أما الشمال، فالمقصود به أوروبا، حيث العداء التاريخي المستحكم من تركيا تجاه أوروبا، وإردوغان يشعر بالغدر والخيانة من جراء رفض الاتحاد الأوروبي قبوله تحت سقفه؛ ولهذا أطلق تصريحات ذات طبيعة دوجمائية أكثر من مرة، حاول بها تفعيل مشاعر ديماجوجية في وسط الأتراك ليكتسب شعبية، رغم أن الأمر ارتد عليه مؤخراً بالسلب.
يسعى إردوغان من تأصيل وجود «الدواعش» على الشاطئ المتوسطي المواجه لأوروبا إلى استخدام الإرهاب الأصولي كأحدى أوراق نفوذه ضد ألمانيا، وفرنسا، وإيطاليا، والبرتغال، وقبلهما اليونان وقبرص، وهو أمر ليس بجديد عليه، فقد صرح قبل فترة بأنه قادر على فتح بوابات الوصول إلى أوروبا أمام اللاجئين والدواعش لإغراق أوروبا، وربما إحراقها بنيران الدواعش ومن لفّ لفّهم.
إردوغان أيضاً له مأرب آخر يتصل بعمق القارة الأفريقية، وهو يدرك أن ما فقده من أوهام الخلافة في الشرق الأوسط، ربما يجد له صدى في وسط أفريقيا، حيث يغيب الأمن كثيراً عن بعض الدول من جهة، ولا سيما المفككة اجتماعياً، وحيث تنتشر جماعات الإرهاب المشابهة من «حركة الشباب» و«بوكو حرام» وما شابه، وغالبيتها قد أعلنت ولاءها وانضواءها تحت راية تنظيم «داعش» الإرهابية وليس الإسلامية قبل نحو عامين.
والشاهد، أن إردوغان لا ينشئ فرعاً جديداً لـ«داعش» في ليبيا، وإنما يسعى لإيقاظ المؤتلفة قلوبهم، إن جاز التعبير، أولئك الذين هم دواعش في الباطن وإن أبدوا خلاف ذلك في العلن، والمعروف أن الأرضية الأصولية الإخوانية في ليبيا كانت قد انتهزت فرصة الإطاحة بمعمر القذافي عام 2011، حيث أقام المقاتلون مثل سوريا والعراق حكماً دينياً، غير أنه وفي عام 2016 استطاعت قوات الحكومة ومقاتلون من مصراتة بدعم من القوات الأميركية الخاصة وطائرات «إف 16» إخراج مقاتلي التنظيم من سرت في ديسمبر (كانون الأول) 2016.
في ذلك الهجوم قُتلت أعداد كبيرة من المتشددين، في حين هرب البقية إلى الجنوب بحثاً عن ملاجئ آمنة، وأقاموا معسكرات تدريب استخدموها للسطو على شاحنات النفط، وحصلوا على موارد من خلال التهريب، وهرب بعضهم إلى النيجر، حيث انضموا إلى فرع التنظيم هناك. ورغم عددهم القليل فإنهم استمروا في هجماتهم السريعة.
مؤخراً، وحتى قبل التدخل الإردوغاني المسموم، بدأ القلق يتزايد في سرت مرة أخرى، حيث تم اعتقال عشرة أشخاص يشتبه بتعاطفهم مع التنظيم، منهم مهندسة عثر على جهاز لاسلكي في بيتها، كما قبض على رجل قابل أعضاء في «خلية نائمة»، وأقاموا حاجز تفتيش خارج المدينة لإظهار أنهم لا يزالون فيها.
> هل بدأت مرحلة إحياء «داعش» ليبيا بشكل رسمي الأيام الأخيرة وبدعم علني من تركيا لا يواري ولا يداري أهدافه الآثمة؟
ــــ من الواضح أن ذلك كذلك، ولا سيما في ضوء ما رصده «المرصد السوري لحقوق الإنسان» في سوريا، والذي أشار قبل أيام إلى أن الفصائل السورية الموالية لتركيا قد افتتحت هناك مراكز تسجيل أسماء الأشخاص الراغبين بالذهاب للقتال في ليبيا.
> هل بدأ الحشد «الداعشي» التركي طريقه إلى ليبيا بالفعل؟
ــــ الشاهد، أنه، ومن أسف، قد بدأ عشرات الأشخاص يقصدون تلك المراكز للالتحاق بالمعارك في ليبيا للعمل تحت الحماية التركية هناك، كما نقلت مصادر محلية قولها إن الفصائل الموالية لتركيا تشجع الشباب على الالتحاق بالحرب الليبية، وتقدم مغريات ورواتب مجزية تراوح بين 1800 و2000 دولار أميركي لكل مسلح شهرياً، علاوة عل تقديم خدمات إضافية تتكفل بها الدولة المضيفة.
ولعل الذين تابعوا الأسبوع الماضي تصريحات المتحدث باسم الجيش الوطني الليبي اللواء أحمد المسماري قد وقر لديهم أن عجلة إحياء تنظيم «داعش» في ليبيا قد دارت بالفعل، وذلك من خلال الأصابع المشبوهة للمخابرات التركية التي تقوم بنقل عناصر التنظيم، عطفاً على القادمين والمنتمين الجدد والذين هم في غالبيتهم مرتزقة ومؤدلجون أصوليون، والنوعان معاً، ولا سيما من أعضاء «جبهة النصرة» من سوريا إلى ليبيا عبر مطار جربة في تونس، الأمر الذي يعود بنا إلى الحديث عن تونس مرة جديدة، ويربط بينها وبين ما يجري في ليبيا.
> هل تعرّض التونسيون إلى خدعة كبرى في اختيارهم الأخير؟
ــــ مهما يكن من أمر ساكن القصر الرئاسي، إلا أن المؤكد أن حزب «النهضة التونسي» ليس إلا وجهاً آخر من أوجه الإخوان المسلمين في تونس، وهو أحد فروع التنظيم الدولي لـ«الإخوان» المسلمين المنتشر حول العالم، يأتمر بأمرهم، ويتوجه كيفما يعنّ لبوصلتهم.
هنا يصبح من الحقيقي التسليم بالمعلومات التي رصدها الجيش الليبي من استخدام مطارات تونس لغرض إنشاء «داعش» جديدة على الأراضي الليبية، ومنها مطار جربة، حيث تم إنزال مجموعات إرهابية في تونس، وتم نقلهم إلى ليبيا عن طريق الجبل الغربي، ومطار مصراتة وزواره، ومعتيقة تحديداً التي استقبلت أعداداً كبيرة من «جبهة النصرة» وتنظيم «داعش».
في هذا السياق، يبقى من الطبيعي أن تنهض آمال «الدواعش» في تونس في الفترة المقبلة، أولئك الذين سيصبحون الجسر الواصل بين تونس وليبيا؛ الأمر الذي حذر منه البرلمان التونسي السابق قبل عودة النهضة الكارثية مرة أخرى، لكن في ظل السيطرة الإخوانية التونسية الأخيرة يكاد يكون الأمل سراباً في إعادة ضبط وتموضع «الدواعش» التونسيين.
حين نشير إلى أن دواعش ليبيا قد بدأوا مرحلة مغاير آخذة في التصاعد الإرهابي المؤلم، فإننا لا نرجم بالغيب، بل من خلال أدلة ليس آخرها الفيديو الذي أذاعوه نهار الخامس من ديسمبر 2019، وفيه ذبح لمواطنين ليبيين بينهم موظفون حكوميون سقطوا أسرى في أيدي التنظيم، ومشاهد بشعة لعمليات إعدام جماعية بالرصاص، في منطقة الفقهاء جنوب ليبيا.
الفيديو بثته وكالة «أعماق» التابعة لتنظيم «داعش» حمل اسم «وأخرجوهم من حيث أخرجوكم»، استمر نحو 31 دقيقة وأظهر معاملة مشينة من عناصر التنظيم للأسرى الذين وقع اختطافهم، أو المواطنين الذين تم اعتقالهم خلال عملياته الإرهابية على بلدة الفقهاء، حيث وثقت مقاطع عملية إعدام جماعية لأشخاص مكبلين رمياً بالرصاص على رؤوسهم.
الأسئلة الجوهرية في هذا السياق، هل ستبقى أوروبا مكتوفة الأيدي أمام تركيا وهي تعيد سيرة حروب القرون الوسطى من جديد، وهل ستكتفي بدور المشاهد بعد أن أسقطت نظام القذافي ولم يكن لها خطة لليوم التالي؟
ثم فيما يخص أميركا، لماذا يتسم موقفها بالميوعة السياسية، وهل يخشى إردوغان من التورط في الأزمة الليبية عسكرياً وهو في عام الانتخابات ولديه من الإشكاليات الداخلية ما يكفي؟
ألا تعد خطط إردوغان نوعاً من تهديد السلم العالمي، الأمر الذي يستوجب التنادي إلى البند السابع من ميثاق الأمم المتحدة الخاص بالاتحاد من أجل السلم قبل أن يستفحل الضرر ويتحول المشهد إلى حرب إقليمية؟
ثم ما هو الدور الروسي في ليبيا وهي التي تسعى لاستعادة نفوذها هناك، وهل سيقدر لها قطع الطريق على الآغا العثمانلي بطريق مشابهة لما فعلته مع الدواعش في سوريا؟