مؤتمر «حوارات أطلسية» يبحث في مراكش مستقبل «الناتو» والهجرة

ربط بين السترات الصفراء والبريكست وترمب... وحذّر من تعرض المواطنين في البلدان النامية للتجاوز والتهميش

جانب من جلسات «حوارات أطلسية» في دورته السابعة بمراكش («الشرق الأوسط»)
جانب من جلسات «حوارات أطلسية» في دورته السابعة بمراكش («الشرق الأوسط»)
TT

مؤتمر «حوارات أطلسية» يبحث في مراكش مستقبل «الناتو» والهجرة

جانب من جلسات «حوارات أطلسية» في دورته السابعة بمراكش («الشرق الأوسط»)
جانب من جلسات «حوارات أطلسية» في دورته السابعة بمراكش («الشرق الأوسط»)

بعناوين بارزة، تراوحت بين طرح أسئلة عريضة، من قبيل «هل يمكن لحلف (الناتو) أن ينجو من تغيرات النظام الجيو - سياسي؟»، و«هل أصبحت الأزمة القادمة قريبة بعد مرور 10 سنوات على الأزمة المالية العالمية؟»، واصل مؤتمر «حوارات أطلسية» أشغاله في مدينة مراكش المغربية، في ثاني أيام دورته السابعة، تحت شعار «ديناميات أطلسية: تجاوز نقاط القطيعة»، بمداخلات ساهم فيها رؤساء دول ووزراء سابقون، ودبلوماسيون ومسؤولون بارزون وخبراء.
وخلال جلسة «هل يمكن لحلف (الناتو) أن ينجو من تغيرات النظام الجيو - سياسي؟»، أجمع المتدخلون على أن العالم ما زال بحاجة إلى (الناتو). لكنهم أوضحوا أنه يتعين على هذا الحلف أن يقوم بإصلاحات، وأنه إذا كان هناك من تهديد لهذا التحالف فهو، في الغالب، داخلي.
وقالت ميشيل ندياي، مديرة برنامج السلام من أجل الأمن في أفريقيا التابع لمعهد دراسات السلام والأمن، إنه «من الواضح أن (الناتو) لا تزال لديه شرعية. لكن سيكون من الضروري التكيُف مع السياق الجديد، وقول الأشياء كما هي، لأنه من الصعب الوثوق، اليوم، بالنظام المتعدد الأطراف، في ضوء انكفاء الأمم على نفسها. فالسلام يبقى مسؤولية عالمية، كما أن التحديات، الآن، عابرة للحدود الوطنية».
من جهته، قال أحمدو ولد عبد الله، الممثل السابق للأمين العام للأمم المتحدة في بوروندي، وغرب أفريقيا والصومال، ووزير خارجية موريتانيا الأسبق، إنه «إذا كان هناك من خطر على (الناتو) فهو يأتي من الولايات المتحدة، التي تهدد بالانسحاب من التحالف لأسباب تتعلق بالميزانية».
ولأنه أنشئ لمواجهة الاتحاد السوفياتي، فإن على (الناتو)، حسب عدد من المتدخلين، التكيف مع التهديدات الجديدة للعالم. وفي هذا الصدد قال جواو فالي ألميدا، السفير رئيس بعثة الاتحاد الأوروبي لدى الأمم المتحدة: «لقد تغيرت التهديدات. نحن نتحدث اليوم عن الجريمة الإلكترونية، وعن الإرهاب الذي يرتبط أيضاً، بعدد من الجرائم. لذلك، يجب على حلف (الناتو) أن يتجدد، ويصلح نفسه ويتكيف مع الظروف الحالية».
من جهته، يعتقد بيتر فام، المبعوث الخاص للولايات المتحدة لمنطقة البحيرات الكبرى في أفريقيا، أن هذا التحالف يحتاج إلى دعم شعبي أكثر من أي وقت مضى، وقال إن حلف (الناتو) «يحتاج للتكيف مع التطورات الأمنية والبيئة السياسية. فالناخبون الأميركيون يطرحون أسئلة حول النفقات المخصصة لهذا التحالف. ولإدامة التحالف، هناك حاجة إلى شرعية شعبية».
وفي جلسة نقاش حول «أبعاد البحر المتوسط وشمال أفريقيا في الديناميات الأطلسية»، تحدث عمرو موسى، الأمين العام السابق للجامعة العربية، عن موقع أفريقيا ضمن مستقبل الخريطة العالمية، حيث قال بنبرة المسؤول الذي راكم ما يكفي من التجارب «أشم رياح حرب باردة تهب في أفريقيا. والسؤال هو كيف يمكن أن نوقف الصين عن خطواتها الواسعة في أفريقيا. أحذركم الآن: لا ترسموا أفريقيا في الحرب الباردة القادمة! هناك كثير من القواعد العسكرية في أفريقيا: ليس، فقط، أفريكوم، ولكن أيضاً اليابان، والصين وتركيا. أرى شيئاً خطيراً يقترب ليورط أفريقيا. وعلينا أن نقلق للغاية بشأن ذلك، في أفريقيا، مع معرفة حدودنا، والأرض المبللة الزلقة التي علينا تجنبها».
من جهته، ربط ميغيل أنجيل موراتينوس، وزير خارجية إسبانيا الأسبق، بين مجال يمتد بين الحوض المتوسطي والحوض الأطلسي، بقوله «على مدى التاريخ، كان الحوض المتوسطي هو مركز العالم، ثم الأطلسي، الذي صار، مع الولايات المتحدة، قادراً على التحكم في الجغرافيا السياسية للبحر الأبيض المتوسط».
وشكلت «جلسة البعد الإنساني للهجرة» فرصة لرصد كل ما يحيط بهذه المظاهرة الشائكة. فبالنسبة لماريا تيريزا فيرنانديز دي لا فيكا، رئيسة مؤسسة النساء من أجل أفريقيا، ونائبة رئيس الحكومة الإسبانية السابقة، فإن السبب الرئيسي للهجرة ليس سوى تزايد منسوب غياب العدالة في العالم، وقالت بهذا الخصوص «10 في المائة من سكان العالم يمتلكون 90 في المائة من ثروات العالم. فكيف لا تكون هناك هجرة؟ الهجرة هي واقع وحقيقة تاريخية، لكنها صارت اليوم غير متحكم فيها».
من جهتها، اعتبرت مونية بوستة، كاتبة الدولة (وزيرة دولة) لدى وزير الخارجية المغربي أن «الهجرة أمر طبيعي، وقد ساهمت في تنمية دول. لكن المشكلة، هي في سوء إدارة الهجرة. الهجرة، في حد ذاتها ليست مشكلة. ويجب أن تكون المقاربة الصحيحة شمولية. المقاربة الأمنية في حد ذاتها لا يمكن أن تحل المشكلة»، مشددة على أن «الأسباب الحقيقية للهجرة تتعلق بقضايا التنمية والحكامة».
أما بالنسبة لبيرام ديوب، رئيس أركان لدى رئيس جمهورية السنغال، فإنه «يجب علينا التواصل مع المهاجرين، وفهم الأسباب الحقيقية التي تدفعهم للهجرة، وصولاً إلى حلول مناسبة. نحن نميل إلى وضع افتراضات. لكننا، ربما نكون مخطئين».
أما في جلسة «تفكيك النظام العالمي الأميركي»، فقد ظهر أن الرئيس الأميركي دونالد ترمب يسبب الحيرة في مجتمع دولي، يبدو عاجزاً عن مواجهة ظاهرة يعمل على فهم ملامحها وعواقبها؛ وظهر كيف أن البعض ينظر إلى تناقضات ترمب باعتبارها ترجمة لتعلم صعب للسلطة.
خلال هذه الجلسة، كان هناك إجماع على أنه لن يتم التشكيك في النظام الدولي الأميركي خلال الثلاثين سنة المقبلة. ومع ذلك، فهناك تنافس عالمي متعدد المستويات بين الولايات المتحدة والصين، سيعيد تشكيل هذا النظام.
وبالنسبة للمتدخلين في هذه الندوة، فإن العالم يحتاج إلى نظام أكثر تعاوناً، يفيد الجميع. لذلك أوصوا أوروبا، وأميركا اللاتينية وأفريقيا، بأن تجتمع من أجل إنشاء مركز قيم ومنصة اتصالات، تمكن من التعامل مع عالم توجد فيه أميركا والصين وروسيا، التي سوف تتحول إلى دول قومية، بالتالي فإن أفضل شيء يمكن الأمل فيه مستقبلا هو القدرة على بناء عالم متعدد الأطراف.
بالنسبة لهوبير فيدرين، وزير خارجية فرنسا الأسبق، فإن «ترمب هو أحد الأعراض، وليس السبب. لم يكن هناك أبدا نظام عالمي متفاوض عليه. كان ذلك اختيار المنتصرين».
من جهته، رأى روبن إي - بريغي، من جامعة واشنطن وسفير الولايات المتحدة السابق لدى الاتحاد الأفريقي، أن «ما يثير القلق ليس صعود الصين. إنه التخلي المطلق عن القيم الأساسية في ممارسة سياستنا الخارجية. بينما تستمر دول العالم في التقدم، فمن سيكون البطل القادم للديمقراطية؟». فيما قال جون ساورز، الرئيس السابق للمخابرات البريطانية: «السترات الصفراء في شوارع باريس، وأولئك الذين صوتوا لترمب هم الأشخاص أنفسهم الذين يدعمون «البريكست». إنهم أناس يشعرون أن مصادر رزقهم مهددة بالعولمة ويتواصلون عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
بالنسبة لجلسة «العصر الرقمي والعقد الاجتماعي الحديث»، كانت الرسائل متعددة، فمن جهة، هناك حاجة إلى عقد اجتماعي جديد مع التكنولوجيات الجديدة، لكنه لن ينجح من دون ثقة بين مختلف أصحاب المصلحة (الدول الشركات والمواطنون). ومن جهة أخرى، يبقى من المرجح أن يتعرض الناس في أفريقيا وفي البلدان النامية بشكل عام، للتجاوز والتهميش بسبب التطورات التكنولوجية غير الشاملة، بعد أن لم يعد الوصول إلى الإنترنت امتيازا بل أصبح حقا أساسيا.
أما في جلسة «بعد مرور 10 سنوات على الأزمة المالية العالمية: هل أصبحت الأزمة المقبلة قريبة؟» كانت هناك رسائل رئيسية، نقلت مخاوف ربطت أساساً بين الولايات المتحدة والصين، من جهة الحديث عن بعض نقاط الضعف التي تهدد الاستقرار الاقتصادي في العالم، من قبيل الديون العامة والخاصة في الولايات المتحدة، والديون الأسرية والنمو القوي، الذي يتبع عادة بالأزمات. لكن مع ذلك يتعين النظر إلى جهة الصين، إذا ما كانت هناك أزمة اقتصادية عالمية أم لا، حيث إن بإمكان الوضع الاقتصادي في هذا البلد أن يحدد الوضع في العالم.



​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
TT

​انخفاض صادرات العسل في اليمن بنسبة 50 %‎

نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)
نحّال يمني بمحافظة تعز حيث تسبب حصار الحوثيين في تراجع إنتاج العسل (أ.ف.ب)

انخفض إنتاج وتصدير العسل في اليمن خلال السنوات الخمس الأخيرة بنسبة تصل إلى 50 في المائة بسبب تغيرات المناخ، وارتفاع درجة الحرارة، إلى جانب آثار الحرب التي أشعلها الحوثيون، وذلك طبقاً لما جاء في دراسة دولية حديثة.

وأظهرت الدراسة التي نُفّذت لصالح اللجنة الدولية للصليب الأحمر أنه خلال السنوات الخمس الماضية، وفي المناطق ذات الطقس الحار، انخفض تعداد مستعمرات النحل بنسبة 10 - 15 في المائة في حين تسبب الصراع أيضاً في انخفاض إنتاج العسل وصادراته بأكثر من 50 في المائة، إذ تركت سنوات من الصراع المسلح والعنف والصعوبات الاقتصادية سكان البلاد يكافحون من أجل التكيف، مما دفع الخدمات الأساسية إلى حافة الانهيار.

100 ألف أسرة يمنية تعتمد في معيشتها على عائدات بيع العسل (إعلام محلي)

ومع تأكيد معدّي الدراسة أن تربية النحل ليست حيوية للأمن الغذائي في اليمن فحسب، بل إنها أيضاً مصدر دخل لنحو 100 ألف أسرة، أوضحوا أن تغير المناخ يؤثر بشدة على تربية النحل، مما يتسبب في زيادة الإجهاد الحراري، وتقليل إنتاج العسل.

وأشارت الدراسة إلى أن هطول الأمطار غير المنتظمة والحرارة الشديدة تؤثران سلباً على مستعمرات النحل، مما يؤدي إلى انخفاض البحث عن الرحيق وتعطيل دورات الإزهار، وأن هذه التغييرات أدت إلى انخفاض إنتاج العسل في المناطق الأكثر حرارة، وأدت إلى إجهاد سبل عيش مربي النحل.

تغيرات المناخ

في حين تتفاقم الأزمة الإنسانية في اليمن، ويعتمد 70 في المائة من السكان على المساعدات، ويعيش أكثر من 80 في المائة تحت خط الفقر، توقعت الدراسة أن يؤدي تغير المناخ إلى ارتفاع درجات الحرارة في هذا البلد بمقدار 1.2 - 3.3 درجة مئوية بحلول عام 2060، وأن تزداد درجات الحرارة القصوى، حيث ستصبح الأيام الأكثر سخونة بحلول نهاية هذا القرن بمقدار 3 - 7 درجات مئوية عما هي عليه اليوم.

شابة يمنية تروج لأحد أنواع العسل في مهرجان بصنعاء (إعلام محلي)

وإذ ينبه معدّو الدراسة إلى أن اليمن سيشهد أحداثاً جوية أكثر شدة، بما في ذلك الفيضانات الشديدة، والجفاف، وزيادة وتيرة العواصف؛ وفق ما ذكر مركز المناخ، ذكروا أنه بالنسبة لمربي النحل في اليمن، أصبحت حالات الجفاف وانخفاض مستويات هطول الأمطار شائعة بشكل زائد. وقد أدى هذا إلى زيادة ندرة المياه، التي يقول مربو النحل إنها التحدي المحلي الرئيس لأي إنتاج زراعي، بما في ذلك تربية النحل.

ووفق بيانات الدراسة، تبع ذلك الوضع اتجاه هبوطي مماثل فيما يتعلق بتوفر الغذاء للنحل، إذ يعتمد مربو النحل على النباتات البرية بصفتها مصدراً للغذاء، والتي أصبحت نادرة بشكل زائد في السنوات العشر الماضية، ولم يعد النحل يجد الكمية نفسها أو الجودة من الرحيق في الأزهار.

وبسبب تدهور مصادر المياه والغذاء المحلية، يساور القلق - بحسب الدراسة - من اضطرار النحل إلى إنفاق مزيد من الطاقة والوقت في البحث عن هذين المصدرين اللذين يدعمان الحياة.

وبحسب هذه النتائج، فإن قيام النحل بمفرده بالبحث عن الماء والطعام والطيران لفترات أطول من الزمن وإلى مسافات أبعد يؤدي إلى قلة الإنتاج.

وذكرت الدراسة أنه من ناحية أخرى، فإن زيادة حجم الأمطار بسبب تغير المناخ تؤدي إلى حدوث فيضانات عنيفة بشكل متكرر. وقد أدى هذا إلى تدمير مستعمرات النحل بأكملها، وترك النحّالين من دون مستعمرة واحدة في بعض المحافظات، مثل حضرموت وشبوة.

برنامج للدعم

لأن تأثيرات تغير المناخ على المجتمعات المتضررة من الصراع في اليمن تشكل تحدياً عاجلاً وحاسماً لعمل اللجنة الدولية للصليب الأحمر الإنساني، أفادت اللجنة بأنها اتخذت منذ عام 2021 خطوات لتوسيع نطاق سبل العيش القائمة على الزراعة للنازحين داخلياً المتضررين من النزاع، والعائدين والأسر المضيفة لمعالجة دعم الدخل، وتنويع سبل العيش، ومن بينها مشروع تربية النحل المتكامل.

الأمطار الغزيرة تؤدي إلى تدمير مستعمرات النحل في اليمن (إعلام محلي)

ويقدم البرنامج فرصة لدمج الأنشطة الخاصة بالمناخ التي تدعم المجتمعات لتكون أكثر قدرة على الصمود في مواجهة تغير المناخ، ومعالجة تأثير الصراع أيضاً. ومن ضمنها معلومات عن تغير المناخ وتأثيراته، وبعض الأمثلة على تدابير التكيف لتربية النحل، مثل استخدام الظل لحماية خلايا النحل من أشعة الشمس، وزيادة وعي النحالين بتغير المناخ مع المساعدة في تحديث مهاراتهم.

واستجابة لارتفاع درجات الحرارة الناجم عن تغير المناخ، وزيادة حالات الجفاف التي أسهمت في إزالة الغابات والتصحر، نفذت اللجنة الدولية للصليب الأحمر أيضاً برنامجاً لتعزيز قدرة المؤسسات المحلية على تحسين شبكة مشاتل أنشطة التشجير في خمس محافظات، لإنتاج وتوزيع أكثر من 600 ألف شتلة لتوفير العلف على مدار العام للنحل.