لبنان لن يستفيد من عائدات القطاع النفطي قبل 10 سنوات

TT

لبنان لن يستفيد من عائدات القطاع النفطي قبل 10 سنوات

يعتبر «المركز اللبناني للدراسات» أن لبنان يختبر مفاعيل «لعنة ما قبل الموارد»، في إشارة إلى أزمته الاقتصادية والمالية المتفاقمة قبل أعوام من انطلاق عملية استخراج النفط والغاز. ومصطلح «لعنة ما قبل الموارد» ورد في تقرير للبنك الدولي تحدث عن أنّ «اللعنة» التي تلحق بالدول التي تكتشف البترول وتستخرجه يمكن أن تحل قبل أن تبلغ الإيرادات خزائن الدولة. ويعتبر تقرير البنك الدولي أنّه عند اكتشاف الموارد، أي قبل بدء توليد الإيرادات في معظم الأحيان، يميل السياسيون إلى زيادة الإنفاق من خلال الاستدانة التي تعرّض استقرار الاقتصاد الكلّي للخطر وتحدّ من النموّ. وينسحب ذلك على الأخصّ على البلدان ذات المؤسّسات الواهنة حيث تفلت أعمال السياسيين من أي تدقيق.
وهذا ما يحصل في لبنان، حيث لم ينتظر السياسيون حتى بدء عملية استكشاف النفط ليزيدوا من الإنفاق من خلال الاستدانة وتقاسم الغنائم، وهو ما أشار إليه سامي عطاالله، المدير التنفيذي للمركز اللبناني للدراسات، لافتا في أحدث دراساته إلى أن هذه السياسة لخصت تقويض الانضباط المالي على نحو ممنهج، من خلال زيادة الإنفاق على رواتب القطاع العام، نتيجة إفراط السياسيين في توظيف عملائهم ضمن المنظومة البيروقراطيّة، وقلّة الشفافية والمساءلة في عمليّة التعاقد على المشاريع الحكوميّة من خلال تلافي المناقصات العامة إلى حد كبير، وإصدار سندات خزينة لردم الفجوة بين الدخل والإنفاق بمعدّلات فائدة أعلى من اللازم في غالب الأحيان، وهو ما أدى لوصول نسبة الدين إلى إجمالي الناتج المحلّي إلى نحو 160 في المائة، وهي من الأعلى في العالم.
وأقر المجلس النيابي اللبناني في سبتمبر (أيلول) الماضي قانون «دعم الشفافية في قطاع البترول» الذي يتضمن مواد هدفها تسهيل الحصول على المعلومات المتعلقة بقطاع النفط والغاز، عبر إلزام المعنيين بوجوب النشر في الجريدة الرسمية وعلى الموقع الإلكتروني لهيئة إدارة قطاع البترول وبأي وسيلة ممكنة لإعلام العموم وذلك تأميناً للشفافية في القطاع. كما أولى القانون اهتماما لدعم الشفافية ومكافحة حالات الفساد واستثمار النفوذ في المراحل التي تمرّ بها الأنشطة البترولية. إلا أن هذا القانون ليس كافيا لطمأنة الخبراء إلى مصير إيرادات النفط والغاز، إذ يعتبر «المركز اللبناني للدراسات» أن النخبة السياسية التي قسّمت السلطة على المجموعات الطائفيّة المختلفة، غير قادرة على تنظيم نفسها وتفادي الانجرار إلى إنفاق إيرادات النفط أو الاستدانة على أساس العائدات المتوقّعة، ويرجح أن يكون جاذب الطفرة النفطيّة أقوى بالنسبة إلى هذه النخب، ما سيتيح لها الإمعان في ترسيخ مصالحها في المنظومة، وتأجيل أي إصلاح جدّي حتّى أجل غير مسمّى.
ويعتبر الخبير النفطي ربيع ياغي أنه يتم تسطيح وتبسيط الأمور بالتصوير وكأن عائدات النفط هي التي ستسد الدين العام لافتا إلى أن لبنان أصلا لن يتمكن من الاستفادة من أي عائدات من هذا القطاع قبل نحو 10 سنوات وبعد استرداد الائتلاف الأوروبي كلفة عملية التنقيب، مضيفا: «كما أن جزءا أساسيا من العائدات سيخصص لتطوير وإنماء البنى التحتية لتتمكن من مجاراة الصناعة النفطية باعتبار أن بلدنا ليس لديه تاريخ أو خبرة نفطية، ليصب القسم الأكبر من العائدات في الصندوق السيادي الذي سيتم إنشاؤه على أن يتم استثمارها في الخارج وليس في السوق المحلي على غرار تجربة النرويج».
ويرجح ياغي في حديث لـ«الشرق الأوسط» أن تغطي عائدات هذا القطاع جزءا من الدين العام وليس الدين بالكامل، لافتا إلى أننا حاليا في مرحلة التحضير اللوجيستي والإداري لبدء الاستكشاف وحفر الآبار التجريبية في البلوكين 4 و9.
وبحسب خارطة الطريق التي تقدم بها اتحاد الشركات الفرنسية والإيطالية والروسية، فإن الحفر سيبدأ في أواخر العام 2019 أو في الفصل الرابع منه وبالتحديد في البلوك 4 الواقع شمال بيروت على أن ينطلق الحفر في البلوك رقم 9 الواقع بمحاذاة شمال فلسطين في الربع الثالث من العام 2020، ما يعني، وفق ياغي، أن العملية التقنية ما بين الاستكشاف والتنقيب ومن ثم التطوير والإنتاج ستستلزم ما بين 7 و8 سنوات.
من جهته، يشير الخبير المالي والاقتصادي وليد أبو سليمان إلى أن الدولة اللبنانية تعتمد نمط زيادة الإنفاق والاستدانة منذ تسعينات القرن الماضي وهي لم تربط ذلك يوما بعائدات البترول، وبالتالي هي مصابة باللعنة منذ زمن، لافتا في تصريح لـ«الشرق الأوسط» إلى أن هذا الإنفاق يتم من دون حسيب أو رقيب في غياب دور الرقابة من قبل المؤسسة التشريعية.



غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
TT

غروندبرغ في صنعاء لحض الحوثيين على السلام وإطلاق المعتقلين

المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)
المبعوث الأممي إلى اليمن هانس غروندبرغ (الأمم المتحدة)

بعد غياب عن صنعاء دام أكثر من 18 شهراً وصل المبعوث الأممي هانس غروندبرغ إلى العاصمة اليمنية المختطفة، الاثنين، في سياق جهوده لحض الحوثيين على السلام وإطلاق سراح الموظفين الأمميين والعاملين الإنسانيين في المنظمات الدولية والمحلية.

وجاءت الزيارة بعد أن اختتم المبعوث الأممي نقاشات في مسقط، مع مسؤولين عمانيين، وشملت محمد عبد السلام المتحدث الرسمي باسم الجماعة الحوثية وكبير مفاوضيها، أملاً في إحداث اختراق في جدار الأزمة اليمنية التي تجمدت المساعي لحلها عقب انخراط الجماعة في التصعيد الإقليمي المرتبط بالحرب في غزة ومهاجمة السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

وفي بيان صادر عن مكتب غروندبرغ، أفاد بأنه وصل إلى صنعاء عقب اجتماعاته في مسقط، في إطار جهوده المستمرة لحث الحوثيين على اتخاذ إجراءات ملموسة وجوهرية لدفع عملية السلام إلى الأمام.

وأضاف البيان أن الزيارة جزء من جهود المبعوث لدعم إطلاق سراح المعتقلين تعسفياً من موظفي الأمم المتحدة والمنظمات غير الحكومية والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية.

صورة خلال زيارة غروندبرغ إلى صنعاء قبل أكثر من 18 شهراً (الأمم المتحدة)

وأوضح غروندبرغ أنه يخطط «لعقد سلسلة من الاجتماعات الوطنية والإقليمية في الأيام المقبلة في إطار جهود الوساطة التي يبذلها».

وكان المبعوث الأممي اختتم زيارة إلى مسقط، التقى خلالها بوكيل وزارة الخارجية وعدد من كبار المسؤولين العمانيين، وناقش معهم «الجهود المتضافرة لتعزيز السلام في اليمن».

كما التقى المتحدث باسم الحوثيين، وحضه (بحسب ما صدر عن مكتبه) على «اتخاذ إجراءات ملموسة لتمهيد الطريق لعملية سياسية»، مع تشديده على أهمية «خفض التصعيد، بما في ذلك الإفراج الفوري وغير المشروط عن المعتقلين من موظفي الأمم المتحدة والمجتمع المدني والبعثات الدبلوماسية باعتباره أمراً ضرورياً لإظهار الالتزام بجهود السلام».

قناعة أممية

وعلى الرغم من التحديات العديدة التي يواجهها المبعوث الأممي هانس غروندبرغ، فإنه لا يزال متمسكاً بقناعته بأن تحقيق السلام الدائم في اليمن لا يمكن أن يتم إلا من خلال المشاركة المستمرة والمركزة في القضايا الجوهرية مثل الاقتصاد، ووقف إطلاق النار على مستوى البلاد، وعملية سياسية شاملة.

وكانت أحدث إحاطة للمبعوث أمام مجلس الأمن ركزت على اعتقالات الحوثيين للموظفين الأمميين والإغاثيين، وتسليح الاقتصاد في اليمن، مع التأكيد على أن الحلّ السلمي وتنفيذ خريطة طريق تحقق السلام ليس أمراً مستحيلاً، على الرغم من التصعيد الحوثي البحري والبري والردود العسكرية الغربية.

وأشار غروندبرغ في إحاطته إلى مرور 6 أشهر على بدء الحوثيين اعتقالات تعسفية استهدفت موظفين من المنظمات الدولية والوطنية، والبعثات الدبلوماسية، ومنظمات المجتمع المدني، وقطاعات الأعمال الخاصة.

الحوثيون اعتقلوا عشرات الموظفين الأمميين والعاملين في المنظمات الدولية والمحلية بتهم التجسس (إ.ب.أ)

وقال إن العشرات بمن فيهم أحد أعضاء مكتبه لا يزالون رهن الاحتجاز التعسفي، «بل إن البعض يُحرم من أبسط الحقوق الإنسانية، مثل إجراء مكالمة هاتفية مع عائلاتهم». وفق تعبيره.

ووصف المبعوث الأممي هذه الاعتقالات التعسفية بأنها «تشكل انتهاكاً صارخاً للحقوق الإنسانية الأساسية»، وشدّد على الإفراج الفوري وغير المشروط عن جميع المعتقلين، مع تعويله على دعم مجلس الأمن لتوصيل هذه الرسالة.

يشار إلى أن اليمنيين كانوا يتطلعون في آخر 2023 إلى حدوث انفراجة في مسار السلام بعد موافقة الحوثيين والحكومة الشرعية على خريطة طريق توسطت فيها السعودية وعمان، إلا أن هذه الآمال تبددت مع تصعيد الحوثيين وشن هجماتهم ضد السفن في البحر الأحمر وخليج عدن.

ويحّمل مجلس القيادة الرئاسي اليمني، الجماعة المدعومة من إيران مسؤولية تعطيل مسار السلام ويقول رئيس المجلس رشاد العليمي إنه ليس لدى الجماعة سوى «الحرب والدمار بوصفهما خياراً صفرياً».