إعادة استكشاف روز أنطون

أحمد أصفهاني يرسم لوحة بانورامية عن أفكار الكاتبة واهتماماتها

إعادة استكشاف روز أنطون
TT

إعادة استكشاف روز أنطون

إعادة استكشاف روز أنطون

عند البحث عن اسم روز أنطون، فإن النتائج تبدو محدودة. بل إن ما يظهر منها يقع في دائرة النتائج القليلة والمتناقضة، والمثال الأوضح، ما ورد من تعريف لها على شبكة الإنترنت، جاء فيه أنها «صحافية وكاتبة مصرية ولدت عام 1890 وتوفيت عام 1980»، وهو تعريف مخالف كلياً للتعريف الحقيقي. والأغرب منه أن كتاباً موسوعياً اتخذ له عنوان «قضية المرأة» صدر عن وزارة الثقافة السورية في ثلاثة أجزاء، حرره وقدمه محمد كامل الخطيب، وجمع فيه مقالات تناولت جوانب مختلفة من قضية المرأة في بداية القرن العشرين، لم يتضمن أي مقال لها على الإطلاق، رغم ما تركته من مقالات لا تقل في أهميتها عما احتواه الكتاب الذي أشار إليه الكاتب والصحافي أحمد أصفهاني.
ووسط انشغالات أحمد أصفهاني بموضوع النهضة في المشرق العربي والأشخاص الذين اشتغلوا وانشغلوا بها في سوريا ولبنان ومصر، التقط اسم روز أنطون، قبل أن يتقاطع اهتمامه بصاحبة الاسم مع اهتمام آخرين من أقربائها، بينهم هدى وماريا فؤاد حداد، لتثمر جهودهم المشتركة إصدار كتاب «روز أنطون... كاتبة نهضوية مجهولة»، مؤلفاً مزوداً بالصورة والوثائق في 312 صفحة من القطع الكبير.
وكما الكتب الأخرى، التي تأخذ طابعاً تعريفياً بأشخاص تركوا بصماتهم قولاً وعملاً وكتابةً في محيطهم وزمنهم، وربما في الأبعد منهما. تضمن الكتاب فصولاً عن البيئة المحيطة بظروفها السياسية والاقتصادية والاجتماعية والثقافية، التي عاشت فيها روز أنطون، والأشخاص الذين عاشوا حولها، والأعمال التي قامت بها، والكتابات التي نشرتها، وقد شكلت محتويات الكتاب في عناوين فرعية: «قضية المرأة من منظور النهضة»، و«فرح أنطون» و«نقولا الحداد» و«وروز أنطون» و«مجلة السيدات والبنات» و«مجلة السيدات والرجال في مرحلتها الثانية»، إضافة إلى مختارات من كتابات روز أنطون.
في سيرة روز أنطون أنها شقيقة فرح أنطون النهضوي المعروف (1874 - 1922)، بل هي - إلى حد ما - رفيقته وشريكته في أفكاره وأعماله، وهذا ما تؤكده خلاصات في سيرتها وفي تأكيدات فرح الذي كتب ذات مرة «إنني مديون لها بمساعدة… إنني لم أطبع سطراً حتى الآن في (الجامعة) وكتبها، إلا بعد أن اطلعت هي عليه، ونظرت فيه. وكم من مرة في المناظرات الصعبة والمواقف النحيفة، غيرت عزمي من شيء إلى شيء».
ولدت في طرابلس الشام شمال لبنان عام 1882، وتوفيت بالقاهرة عام 1955، تلقت تعليمها الأساسي في لبنان، ثم هاجرت إلى مصر بعد ثلاث سنوات من هجرة فرح إليها. وكما اشتغل بالتعليم، اشتغلت فيه لثلاث سنوات، قبل أن تبدأ بالكتابة في مجلة «الجامعة العثمانية»، التي أسسها فرح عام 1899، ما شجعه على مساعدتها عام 1903 في تأسيس مجلة شهرية خاصة بها باسم «مجلة السيدات والبنات» توقفت عن الصدور في عامها الثاني، ثم صدرت لاحقاً بعنوان «مجلة السيدات»، واستمرت تصدر حتى العام 1906 بمساعدة من نقولا الحداد (1872 - 1954) الذي سيصبح زوجها، بعد أن ينضم الاثنان إلى فرح المهاجر في أميركا، ويعيشون تجربة صحافية صعبة هناك، انتهت بعودتهم إلى مصر للاستقرار، ومتابعة مسار حياتهم فيها.
في تجربتها مع نقولا الحداد بعض الاختلاف عما كان عليه حالها مع فرح. فقد حصلا على ترخيص لإصدار مجلة «السيدات والرجال» في العام 1921، التي بدت تشاركية بصورة معلنة، كان هو المدير المسؤول، وتولت القسم النسائي، وهذا استتبع اختلافات في بيئة ومحتويات المجلة الجديدة مقارنة بما كان لمجلتي روز السابقتين، واختلف دور روز فيها، حيث لم يقتصر على إبراز رؤيتها النهضوية العامة بجوانبها الثقافية والاجتماعية على نحو ما بدت في التجربة الأولى، بل إنه صار تدقيقاً في محتويات تلك الرؤية، ومعالجة لبعض جوانبها الجديدة بالاستناد إلى ما كسبته في العقدين الماضيين من معارف وخبرات في المهنة والحياة، انعكست جميعها في التجربة الجديدة، التي لا شك أن وجود نقولا الحداد كرجل مثقف ومتمرس في الكتابة، قد أعطاها زخماً جديداً ومميزاً.
كتبت روز في هذه المرحلة الكثير، سواء في مجلتها «السيدات والرجال» أو في مطبوعات مصرية أخرى، وتناولت موضوعات وقضايا غاية في الأهمية والعمق، ولم تقصر في تناول حتى الموضوعات التي لها حساسيات اجتماعية أو دينية وغيرها، فتناولتها مداورة، حيث كان من الصعب تناولها بصورة مباشرة، وكان بين أهم الموضوعات: «في مجالس السيدات»، وتناولت خلالها بطرق مختلفة موضوعات النهضة النسائية، سواء لجهة ما يتعلق بالروح الوطنية للسوريات، والمشاركة بالتنمية في جانبيها الاقتصادي والاجتماعي، وتنشيط الدعاية للوطن السوري، وهي في موضع آخر، تعالج ظواهر الحياة السورية من خلال «مشاهدات وحوادث في سوريا»، وتعتبر الكشف عن الظواهر السلبية من باب «الاستطباب من الأمراض» ومنه تنطلق في طرح التزلف والتملق السائدين في المجتمع، وتفشي ظاهرة البذخ والإسراف التي تتجاوز الحاجات الضرورية بالاستناد إلى ما يتوفر من الإنتاج المحلي، وهي نقطة تنطلق منها تالياً في مناقشة موضوع الصناعة الوطنية و«قادة الأمة» وما يظهر في سلوكهم من تقصير في فهمهم للفكرة الوطنية بين «الاعتدال» و«التطرف»، أو من عجز عن المبادرة في الإنماء الاقتصادي وإقامة المشروعات. وهذه مجرد أمثلة على أطروحات روز في مجلتها.
لقد اختار أحمد أصفهاني بطريقة ذكية ومحسوبة بعضاً من كتابات روز ليرسم لوحة بانورامية في مساحة صغيرة عن أفكار الكاتبة واهتماماتها، وطرائقها في تناول الموضوعات، وتوظيفها مختلف الظروف لإيصال فكرتها للجمهور، وهي فكرة تضمنت قوساً واسعاً من القضايا الإنسانية والاجتماعية والاقتصادية، إضافة إلى القضايا السياسية، وقد شدتها جميعاً برباط من الوطنية، وهي حالة تكاد تنفرد بها روز أنطون عن معاصراتها من النهضويات العربيات، تماماً مثل تفردها في العيش بين شخصين شهيرين ومهمين، تسببا دون أن يقصدا في التغطية على روز أنطون، فتجاوزها بعض الذين انشغلوا بمتابعة حركة النهضة العربية ورموزها النسائية، لكن جهد أحمد أصفهاني وشركائه في إنجاز «روز أنطون... كاتبة نهضوية مجهولة» سيساهم في رفع بعض الظلم الذي لحق بهذه الشخصية المميزة.


مقالات ذات صلة

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

كتب الفنان المصري الراحل محمود ياسين (فيسبوك)

«حياتي كما عشتها»... محمود ياسين يروي ذكرياته مع الأدباء

في كتاب «حياتي كما عشتها» الصادر عن دار «بيت الحكمة» بالقاهرة، يروي الفنان المصري محمود ياسين قبل رحيله طرفاً من مذكراته وتجربته في الفن والحياة

رشا أحمد (القاهرة)
كتب «عورة في الجوار»... رواية  جديدة لأمير تاجّ السِّر

«عورة في الجوار»... رواية جديدة لأمير تاجّ السِّر

بالرغم من أن الرواية الجديدة للكاتب السوداني أمير تاج السر تحمل على غلافها صورة «كلب» أنيق، فإنه لا شيء في عالم الرواية عن الكلب أو عن الحيوانات عموماً.

«الشرق الأوسط» (الدمام)
كتب «البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

«البؤس الأنثوي» بوصفه صورة من «غبار التاريخ»

في كتابه الأحدث «البؤس الأنثوي... دور الجنس في الهيمنة على المرأة»، يشير الباحث فالح مهدي إلى أن بغيته الأساسية في مباحث الكتاب لم تكن الدفاع المباشر عن المرأة

محمد خضير سلطان
خاص الكاتب الغزي محمود عساف الذي اضطر إلى بيع مكتبته لأحد الأفران (حسابه على «فيسبوك»)

خاص غزة تحرق الكتب للخبز والدفء

يعاني سكان قطاع غزة، خصوصاً في شماله، من انعدام تام لغاز الطهي، الذي يُسمح لكميات محدودة منه فقط بدخول مناطق جنوب القطاع.

«الشرق الأوسط» (غزة)
ثقافة وفنون الشيخ ثاني بن حمد الممثل الشخصي لأمير قطر خلال تكريم الفائزين بالجائزة (الشرق الأوسط)

«جائزة الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» تتوّج الفائزين بدورتها العاشرة

كرّمت «جائزةُ الشيخ حمد للترجمة والتفاهم الدولي» في قطر الفائزين بدورتها العاشرة خلال حفل كبير حضره الشيخ ثاني بن حمد وشخصيات بارزة ودبلوماسية وعلمية.

ميرزا الخويلدي (الدوحة)

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر
TT

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

غازي القصيبي يحضر في أول ملتقى سعودي للأدب الساخر

تشهد منطقة الباحة، جنوب السعودية، انطلاقة الملتقى الأول للأدب الساخر، الذي يبدأ في الفترة من 22-24 ديسمبر (كانون الأول) الحالي، وينظمه نادي الباحة الأدبي.

وأوضح رئيس النادي، الشاعر حسن الزهراني، أن محاور الملتقى تتناول «الأدب الساخر: المفهوم، والدلالات، والمصادر»، و«الاتجاهات الموضوعية للأدب الساخر، والخصائص الفنية للأدب الساخر في المملكة»، وكذلك «مستويات التأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظيراتها العربية»، و«حضور الأدب الساخر في الصحافة المحلية قديماً وحديثاً»، و«أثر القوالب التقنية الحديثة ومواقع التواصل في نشوء أشكال جديدة من الأدب الساخر محلياً»، و«سيميائية الصورة الصامتة في الكاريكاتير الساخر محلياً».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وشارك في صياغة محاور الملتقى لجنة استشارية تضم: الدكتور عبد الله الحيدري، والدكتور ماهر الرحيلي، والقاص محمد الراشدي، ورسام الكاريكاتير أيمن يعن الله الغامدي.

وكشف الزهراني أن النادي تلقى ما يزيد على 40 موضوعاً للمشاركة في الملتقى، وأقرت اللجنة 27 بحثاً تشمل؛ ورقة للدكتورة دلال بندر، بعنوان «حمزة شحاتة... الأديب الجاد ساخراً»، والدكتور محمد الخضير، بعنوان «الخصائص الفنية في الأدب الساخر عند حسن السبع في ديوانه ركلات ترجيح - دراسة بلاغية نقدية»، والدكتور صالح الحربي، بعنوان «المجنون ناقداً... النقد الأدبي في عصفورية القصيبي»، والدكتور عادل خميس الزهراني، بعنوان «الصياد في كمينه: صورة الحكيم في النكت الشعبية بمواقع التواصل الاجتماعي»، والدكتور حسن مشهور، بعنوان «الكتابة الساخرة وامتداداتها الأدبية... انتقال الأثر من عمومية الثقافة لخصوصيتها السعودية»، والدكتورة بسمة القثامي، بعنوان «السخرية في السيرة الذاتية السعودية»، والدكتورة كوثر القاضي، بعنوان «الشعر الحلمنتيشي: النشأة الحجازية وتطور المفهوم عند ابن البلد: أحمد قنديل»، والدكتور يوسف العارف، بعنوان «الأدب الساخر في المقالة الصحفية السعودية... الكاتبة ريهام زامكة أنموذجاً»، والدكتور سعد الرفاعي، بعنوان «المقالة الساخرة في الصحافة السعودية... الحربي الرطيان والسحيمي نموذجاً»، والدكتور عمر المحمود، بعنوان «الأدب الساخر: بين التباس المصطلح وخصوصية التوظيف»، والدكتور ماجد الزهراني، بعنوان «المبدع ساخراً من النقاد... المسكوت عنه في السرد السعودي»، والمسرحي محمد ربيع الغامدي، بعنوان «تقييد أوابد السخرية كتاب: حدثتني سعدى عن رفعة مثالاً»، والدكتورة سميرة الزهراني، بعنوان «الأدب الساخر بين النقد والكتابة الإبداعية... محمد الراشدي أنموذجاً». والدكتور سلطان الخرعان، بعنوان «ملخص خطاب السخرية عند غازي القصيبي: رؤية سردية»، والدكتور محمد علي الزهراني، بعنوان «انفتاح الدلالة السيميائية للصورة الساخرة... الرسم الكاريكاتوري المصاحب لكوفيد-19 نموذجاً»، والكاتب نايف كريري، بعنوان «حضور الأدب الساخر في كتابات علي العمير الصحافية»، والدكتور عبد الله إبراهيم الزهراني، بعنوان «توظيف المثل في مقالات مشعل السديري الساخرة»، والكاتب مشعل الحارثي، بعنوان «الوجه الساخر لغازي القصيبي»، والكاتبة أمل المنتشري، بعنوان «موضوعات المقالة الساخرة وتقنياتها عند غازي القصيبي»، والدكتور معجب الزهراني، بعنوان «الجنون حجاباً وخطاباً: قراءة في رواية العصفورية لغازي القصيبي»، والدكتور محمد سالم الغامدي، بعنوان «مستويات الأثر والتأثير بين تجارب الكتابة الساخرة محلياً ونظرياتها العربية»، والدكتورة هند المطيري، بعنوان «السخرية في إخوانيات الأدباء والوزراء السعوديين: نماذج مختارة»، والدكتور صالح معيض الغامدي، بعنوان «السخرية وسيلة للنقد الاجتماعي في مقامات محمد علي قرامي»، والدكتور فهد الشريف بعنوان «أحمد العرفج... ساخر زمانه»، والدكتور عبد الله الحيدري، بعنوان «حسين سرحان (1332-1413هـ) ساخراً»، ويقدم الرسام أيمن الغامدي ورقة بعنوان «فن الكاريكاتير»، والدكتور يحيى عبد الهادي العبد اللطيف، بعنوان «مفهوم السخرية وتمثلها في الأجناس الأدبية».

بعض المطبوعات الصادرة بمناسبة انعقاد أول ملتقى للأدب الساخر (الشرق الأوسط)

وخصص نادي الباحة الأدبي جلسة شهادات للمبدعين في هذا المجال، وهما الكاتبان محمد الراشدي، وعلي الرباعي، وأعدّ فيلماً مرئياً عن رسوم الكاريكاتير الساخرة.

ولفت إلى تدشين النادي 4 كتب تمت طباعتها بشكل خاص للملتقى، وهي: «معجم الأدباء السعوديين»، للدكتورين عبد الله الحيدري وماهر الرحيلي، وكتاب «سامحونا... مقالات سعد الثوعي الساخرة»، للشاعرة خديجة السيد، وكتاب «السخرية في أدب علي العمير» للدكتور مرعي الوادعي، و«السخرية في روايات غازي القصيبي» للباحثة أسماء محمد صالح.