وزراء مصريون يفاخرون بأصولهم الفقيرة أمام مواطنيهم

صبحي عمل بمطعم... وعبد الخالق رعى الغنم... ومعيط: أنا ابن خفير

د. أشرف صبحي  وزير الشباب والرياضة
د. أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة
TT

وزراء مصريون يفاخرون بأصولهم الفقيرة أمام مواطنيهم

د. أشرف صبحي  وزير الشباب والرياضة
د. أشرف صبحي وزير الشباب والرياضة

«يفوز باللذات كل مُغامر، ويموت بالحسرات كل جبان»، مقولة يسعى عدد من الوزراء المصريين إلى تكريسها أمام الشّاب الخريجين، بشكل مستمر، لحثهم على العمل والاجتهاد، عبر فخرهم بأصولهم الفقيرة، وذكر بعض الجوانب الشخصية الصعبة من حياتهم، في لقاءات إعلامية واجتماعات شبابية متنوعة.
وكان الدكتور أشرف صبحي، وزير الشّباب والرياضة، أحدث الوزراء المصريين الذين تحدّثوا عن الصّعوبات التي مروا بها في مقتبل العمر، حين قال أمس، خلال اجتماع لجنة المشروعات الصغيرة والمتوسطة ومتناهية الصغر في مجلس النواب، إنّه عمل أثناء دراسته الجامعية في مطعم، وذلك في معرض حديثه عن أزمة البطالة في صفوف الشباب. وأضاف: «العمل ليس عيباً، كما أنّه من حق الشباب أن نوفر لهم فرصة عمل، وعليهم أيضاً أن يتحركوا للسعي من أجل خلق الفرص».
وفخر الوزير بعمله السابق في أحد المطاعم، جاء لتحفيز الشباب على تغيير نظرتهم التقليدية للوظائف، إذ طالبهم بالاعتماد على أنفسهم، من خلال تطوير قدراتهم وخلق الفرص المناسبة. مشيراً في الوقت نفسه إلى جهود الحكومة في تسهيل إقامة المشروعات الصغيرة.
صبحي أوضح أنّ وزارته لديها 141 برنامجاً تخدم 2.8 مليون شاب، بالاشتراك مع صندوق الأمم المتحدة للسكان، وبعض الجهات الأخرى، لافتاً إلى أنّ هدفه هو تغيير ثقافة طلب الوظيفة، مستنكراً رفض بعض الشّباب العمل في بعض المهن، قائلاً: «عملت أثناء دراستي الجامعية في مطعم؛ لكن اليوم نجد من يخرج ليقول إنّه كان بطلاً في لعبة أو رياضة ما، ومن ثمّ يجد نفسه بلا عمل، تعال لندربك لتعمل، المهم ألا يتوقف الشباب عن البحث والسّعي من أجل إيجاد فرصة عمل».
ما قاله صبحي أخيراً عن افتخاره بعمله السابق في مطعم، سبقه إليه في شهر أكتوبر (تشرين الأول) الماضي، وزير المالية المصري الحالي الدكتور محمد معيط، بعدما كشف أنّ والده كان يعمل خفيراً، وعلى الرّغم من ذلك أصبح وزيراً لمالية مصر. وأوضح أنّه رغم نشأته البسيطة كان لديه حلم سعى لتحقيقه. وأضاف خلال مؤتمر «ابنِ مشروعك» في مدينة منيا القمح بمحافظة الشرقية (شمال القاهرة): «كنت الثاني على دفعتي، ولم يتم تعييني معيداً في الجامعة فور تخرجي، فسعيت للعمل، وكلما كنت أتوجه لشركة للعمل بها كانت تطلب مني (واسطة)، فبحثت عن فرصة حتى وجدت عملاً».
تصريحات معيط، لم تكن الأولى من نوعها التي يفصح فيها مسؤول كبير في الدّولة عن نشأته وطفولته الفقيرة، إذ قال الدكتور جودة عبد الخالق، وزير التموين الأسبق، في تصريحات تلفزيونية في شهر يوليو (تموز) الماضي، إنّه عمل في صغره بمهنة الزراعة، ورعي الأغنام. وأضاف أنّه تعلّم من رعي الأغنام كثيراً، فقد أفادته في حياته العملية، وفي عمله وزيراً؛ لأنّ الرّاعي الماهر يلاحظ الخطر مبكراً، على حد وصفه، وأوضح عبد الخالق أنّ الأقدار فتحت الطرق وساعدته لتحقيق أهدافه، بعدما عمل في رعي أغنام عائلته وهو في سن العاشرة، بعد رفضه دخول المعهد الديني في الزقازيق في بداية حياته العلمية.
ولفت عبد الخالق إلى أنّه يوجد ربط حيوي بين مهنة رعي الأغنام والمسؤولية السّياسية، فراعي الأغنام يحذر من الذئاب طوال الوقت، ويتحسّس قدومهم من بعيد، بينما يجب أن تكون عين القائد السياسي مفتوحة على الطريق لإزالة الأخطار من أمامه.
ومصر مليئة بنماذج عصامية كثيرة، تنتمي للطبقة المتوسطة والفقيرة، وصل كثير منهم إلى أرفع المناصب في البلاد، بينما حقّق آخرون شهرة واسعة في مجالات رياضية وفنية متنوعة؛ لكنّهم يفتخرون جميعاً بما حققوه في حياتهم، بعد اجتيازهم العقبات، إذ لا يجدون حرجاً في الإشارة إلى بداياتهم الفقيرة، بعدما وصلوا إلى أرقى المناصب وسلم الشهرة.



ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
TT

ستيف بركات لـ«الشرق الأوسط»: أصولي اللبنانية تتردّد أبداً في صدى موسيقاي

عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية     -   ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)
عازف البيانو ستيف بركات ينسج موسيقاه من جذوره اللبنانية - ستيف بركات يؤمن بالموسيقى لغة عالمية توحّد الشعوب (الشرق الأوسط)

ستيف بركات عازف بيانو كندي من أصل لبناني، ينتج ويغنّي ويلحّن. لفحه حنين للجذور جرّه إلى إصدار مقطوعة «أرض الأجداد» (Motherland) أخيراً. فهو اكتشف لبنان في وقت لاحق من حياته، وينسب حبّه له إلى «خيارات مدروسة وواعية» متجذرة في رحلته. من اكتسابه فهماً متيناً لهويته وتعبيره عن الامتنان لما منحه إياه الإرث من عمق يتردّد صداه كل يوم، تحاوره «الشرق الأوسط» في أصله الإنساني المنساب على النوتة، وما أضفاه إحساسه الدفين بالصلة مع أسلافه من فرادة فنية.
غرست عائلته في داخله مجموعة قيم غنية استقتها من جذورها، رغم أنه مولود في كندا: «شكلت هذه القيم جزءاً من حياتي منذ الطفولة، ولو لم أدركها بوعي في سنّ مبكرة. خلال زيارتي الأولى إلى لبنان في عام 2008. شعرتُ بلهفة الانتماء وبمدى ارتباطي بجذوري. عندها أدركتُ تماماً أنّ جوانب عدة من شخصيتي تأثرت بأصولي اللبنانية».
بين كوبنهاغن وسيول وبلغراد، وصولاً إلى قاعة «كارنيغي» الشهيرة في نيويورك التي قدّم فيها حفلاً للمرة الأولى، يخوض ستيف بركات جولة عالمية طوال العام الحالي، تشمل أيضاً إسبانيا والصين والبرتغال وكوريا الجنوبية واليابان... يتحدث عن «طبيعة الأداء الفردي (Solo) التي تتيح حرية التكيّف مع كل حفل موسيقي وتشكيله بخصوصية. فالجولات تفسح المجال للتواصل مع أشخاص من ثقافات متنوعة والغوص في حضارة البلدان المضيفة وتعلّم إدراك جوهرها، مما يؤثر في المقاربة الموسيقية والفلسفية لكل أمسية».
يتوقف عند ما يمثله العزف على آلات البيانو المختلفة في قاعات العالم من تحدٍ مثير: «أكرّس اهتماماً كبيراً لأن تلائم طريقة عزفي ضمانَ أفضل تجربة فنية ممكنة للجمهور. للقدرة على التكيّف والاستجابة ضمن البيئات المتنوّعة دور حيوي في إنشاء تجربة موسيقية خاصة لا تُنسى. إنني ممتنّ لخيار الجمهور حضور حفلاتي، وهذا امتياز حقيقي لكل فنان. فهم يمنحونني بعضاً من وقتهم الثمين رغم تعدّد ملاهي الحياة».
كيف يستعد ستيف بركات لحفلاته؟ هل يقسو عليه القلق ويصيبه التوتر بإرباك؟ يجيب: «أولويتي هي أن يشعر الحاضر باحتضان دافئ ضمن العالم الموسيقي الذي أقدّمه. أسعى إلى خلق جو تفاعلي بحيث لا يكون مجرد متفرج بل ضيف عزيز. بالإضافة إلى الجانب الموسيقي، أعمل بحرص على تنمية الشعور بالصداقة الحميمة بين الفنان والمتلقي. يستحق الناس أن يلمسوا إحساساً حقيقياً بالضيافة والاستقبال». ويعلّق أهمية على إدارة مستويات التوتّر لديه وضمان الحصول على قسط كافٍ من الراحة: «أراعي ضرورة أن أكون مستعداً تماماً ولائقاً بدنياً من أجل المسرح. في النهاية، الحفلات الموسيقية هي تجارب تتطلب مجهوداً جسدياً وعاطفياً لا تكتمل من دونه».
عزف أناشيد نالت مكانة، منها نشيد «اليونيسف» الذي أُطلق من محطة الفضاء الدولية عام 2009 ونال جائزة. ولأنه ملحّن، يتمسّك بالقوة الهائلة للموسيقى لغة عالمية تنقل الرسائل والقيم. لذا حظيت مسيرته بفرص إنشاء مشروعات موسيقية لعلامات تجارية ومؤسسات ومدن؛ ومعاينة تأثير الموسيقى في محاكاة الجمهور على مستوى عاطفي عميق. يصف تأليف نشيد «اليونيسف» بـ«النقطة البارزة في رحلتي»، ويتابع: «التجربة عزّزت رغبتي في التفاني والاستفادة من الموسيقى وسيلة للتواصل ومتابعة الطريق».
تبلغ شراكته مع «يونيفرسال ميوزيك مينا» أوجها بنجاحات وأرقام مشاهدة عالية. هل يؤمن بركات بأن النجاح وليد تربة صالحة مكوّنة من جميع عناصرها، وأنّ الفنان لا يحلّق وحده؟ برأيه: «يمتد جوهر الموسيقى إلى ما وراء الألحان والتناغم، ليكمن في القدرة على تكوين روابط. فالنغمات تمتلك طاقة مذهلة تقرّب الثقافات وتوحّد البشر». ويدرك أيضاً أنّ تنفيذ المشاريع والمشاركة فيها قد يكونان بمثابة وسيلة قوية لتعزيز الروابط السلمية بين الأفراد والدول: «فالثقة والاهتمام الحقيقي بمصالح الآخرين يشكلان أسس العلاقات الدائمة، كما يوفر الانخراط في مشاريع تعاونية خطوات نحو عالم أفضل يسود فيه الانسجام والتفاهم».
بحماسة أطفال عشية الأعياد، يكشف عن حضوره إلى المنطقة العربية خلال نوفمبر (تشرين الثاني) المقبل: «يسعدني الوجود في منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا كجزء من جولة (Néoréalité) العالمية. إنني في مرحلة وضع اللمسات الأخيرة على التفاصيل والتواريخ لنعلن عنها قريباً. تملؤني غبطة تقديم موسيقاي في هذا الحيّز النابض بالحياة والغني ثقافياً، وأتحرّق شوقاً لمشاركة شغفي وفني مع ناسه وإقامة روابط قوامها لغة الموسيقى العالمية».
منذ إطلاق ألبومه «أرض الأجداد»، وهو يراقب جمهوراً متنوعاً من الشرق الأوسط يتفاعل مع فنه. ومن ملاحظته تزايُد الاهتمام العربي بالبيانو وتعلّق المواهب به في رحلاتهم الموسيقية، يُراكم بركات إلهاماً يقوده نحو الامتنان لـ«إتاحة الفرصة لي للمساهمة في المشهد الموسيقي المزدهر في الشرق الأوسط وخارجه».
تشغله هالة الثقافات والتجارب، وهو يجلس أمام 88 مفتاحاً بالأبيض والأسود على المسارح: «إنها تولّد إحساساً بالعودة إلى الوطن، مما يوفر ألفة مريحة تسمح لي بتكثيف مشاعري والتواصل بعمق مع الموسيقى التي أهديها إلى العالم».